عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 11:51 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن من قرية} الآية. أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة قبل يوم القيامة بالموت والفناء، هذا مع السلامة وأخذها جزءا، أو هي معذبة مأخوذة مرة واحدة، فهذا عموم في كل مدينة، و"من" لبيان الجنس، وقيل: المراد الخصوص، [والتقدير] وإن من قرية ظالمة. وحكى النقاش أنه وجد في كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية استقراء البلاد المعروفة اليوم، وذكر لهلاك كل قطر منها صفة، ثم ذكر نحو ذلك عن وهب بن منبه، فذكر فيه أن هلاك الأندلس وخرابها يكون بسنابك الخيل واختلاف الجيوش فيها، وتركت سائرها لعدم الصحة في ذلك، والمعلوم أن كل قرية تهلك إما من جهة القحوط والخسف غرقا، وإما من جهة الفتن، أو منهما، وصور ذلك كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى، فأما ما هلك بالفتنة فمن ظلم ولا بد، إما في كفر أو معاص أو تقصير في دفاع، وأما القحط فيصيب الله به من يشاء وكذلك الخسف. وقوله تعالى: "مهلكوها" الضمير لها وفي ضمن ذلك الأهل. وقوله: {أو معذبوها} هو على حذف مضاف، فإنه لا يعذب
[المحرر الوجيز: 5/500]
إلا الأهل. وقوله سبحانه: {في الكتاب} يريد: في سابق القضاء وما خطه القلم في اللوح المحفوظ. و"المسطور": المكتوب أسطارا). [المحرر الوجيز: 5/501]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات} الآية. هذه العبارة في "منعنا" هي على ظاهر ما تفهم العرب، فسمى سبق قضائه بتكذيب من كذب وتعذيبه منعا. و"أن" الأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع، والتقدير: وما منعنا الإرسال إلا التكذيب.
وسبب هذه الآية أن قريشا اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، واقترح بعضهم أن يزيل عنهم الجبال حتى يزرعوا الأرض، فأوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم: إن شئت أن أفعل ذلك لهم، فإن تأخروا عن الإيمان عاجلتهم العقوبة، وإن شئت استأنيت بهم، عسى أن أجتبي منهم مؤمنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل تستأني بهم يا رب"، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لم يمنعه من إرسال الآيات المقترحة إلا الاستيناء; إذ أنه قد سلفت عادته بمعاجلة الأمم الذين جاءتهم الآية المقترحة فلم يؤمنوا. قال الزجاج: أخبر تعالى أن موعد كفار هذه الأمة الساعة، لقوله سبحانه: {بل الساعة موعدهم}، فهذه الآية تنظر إلى ذلك.
ثم ذكر الله تعالى أمر ثمود احتجاجا إن قال منهم قائل: نحن كنا نؤمن لو جاءتنا آية اقترحناها ولا نكفر بوجه، فذكر الله تعالى ثمود، بمعنى: لا تأمنون أن تظلموا بالآية كما ظلمت ثمود بالناقة. وقرأ الجمهور: "ثمود" بغير تنوين، قال هارون: أهل الكوفة ينونون (ثمودا) في كل وجه، قال أبو حاتم: لا تنون العامة والعلماء بالقراءات "ثمود" في وجه من الوجوه، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة، ونحن نقرؤها بغير ألف.
وقوله تعالى: "مبصرة" على جهة النسب، أي: معها إبصار، كما قال سبحانه: وجعلنا آية النهار مبصرة، أي: معها إبصار ممن ينظر، وهذا عبارة عن بيان أمرها ووضوح إعجازها. وقرأ قوم: "مبصرة" بضم الميم وفتح الصاد، حكاه الزجاج، ومعناه: متبينة، وقرأ قتادة: "مبصرة" بفتح الميم والصاد، وهي مفعلة من البصر، ومنه قوله عنترة:
[المحرر الوجيز: 5/501]
والكفر مخبثة لنفس المنعم
وقوله تعالى: {فظلموا بها}، أي: وضعوا الفعل غير موضعه، أي: بعقرها، وقيل: بالكفر في أمرها. ثم أخبر تعالى أنه إنما يرسل بالآيات غير المقترحة تخويفا للعباد، وهي آيات معها إمهال لا معاجلة فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك. قال الحسن: والموت الذريع، وروي أن الكوفة رجفت في مدة عبد الله بن مسعود فقال: أيها الناس، إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف: "فافزعوا إلى الصلاة" الحديث، وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام: فقسم عام في كل شيء; إذ حيثما وضعت نظرك وجدت آية، وهنا فكرة العلماء، وقسم معتاد غبا كالرعد والكسوف ونحوه، وهنا فكرة الجهلة فقط، وقسم خارق للعادة، وقد انقضى بانقضاء النبوة، وإنما يعتبر به توهما لما سلف منه). [المحرر الوجيز: 5/502]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا}
قال الطبري: معنى قوله: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} أي: في منعك
[المحرر الوجيز: 5/502]
يا محمد وحياطتك وحفظك، فالآية إخبار له بأنه محفوظ من الكفرة، آمن أن يقتل أو ينال بمكروه عظيم، أي: فلتبلغ رسالة ربك ولا تتهيب أحدا من المخلوقين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا تأويل بين جار مع اللفظ، وقد روي نحوه عن الحسن بن أبي الحسن، والسدي، إلا أنه لا يناسب ما بعده مناسبة شديدة، ويحتمل أن يجعل الكلام مناسبا لما بعده، توطئة له، فأقول: اختلف الناس في الرؤيا -فقال الجمهور: هي رؤيا عين ويقظة، وهي ما رأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء، قالوا: فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء بما رأى في تلك الليلة من العجائب، قال الكفار: إن هذا لعجيب، تخب الحداة إلى بيت المقدس شهرين إقبالا وإدبارا، ويقول محمد عليه الصلاة والسلام- إنه جاءه من ليلة وانصرف عنه، فافتتن بهذا التلبيس قوم من ضعفة المسلمين فارتدوا، وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآيات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذا يحسن أن يكون معنى قوله: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس}، أي: في إضلالهم وهدايتهم، وأن كل واحد ميسر لما خلق له، أي: فلا تهتم أنت بكفر من كفر، ولا تحزن عليهم، فقد قيل لك: لا تحزن عليهم، إن الله محيط بهم، مالك لأمرهم، وهو جعل هذه فتنة ليكفر من سبق عليه الكفر. وسميت الرؤية في هذا التأويل رؤيا إذ هما مصدران من: رأى.
قال النقاش: جاء ذلك على اعتقاد من اعتقد أنها منامة وإن كانت الحقيقة غير ذلك.
وقالت عائشة رضي الله عنهما: الرؤيا في الإسراء رؤيا منام، وهذا قول الجمهور على خلافه، وهذه الآية تقتضي بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها، وقد ذكر هذا مستوعبا في صدر السورة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الرؤيا التي في هذه الآية هي رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل مكة، فعجل في سنة الحديبية، فرد، فافتتن المسلمون بذلك، فنزلت الآيات.
[المحرر الوجيز: 5/503]
وقال سهل بن سعد: إنما هذه الرؤيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فاهتم لذلك وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات، فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من تملكهم وصعودهم على المنابر، إنما يجعلها الله فتنة للناس وامتحانا.
ويجيء قوله تعالى: {أحاط بالناس}، أي: بإقداره، وأن كل ما قدره نافذ، فلا تهتم بما يكون بعدك من ذلك. وقد قال الحسن بن علي في خطبته في شأن بيعته لمعاوية: {وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا التأويل نظر، ولا يدخل في هذه الرؤيا عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولا عمر بن عبد العزيز، ولا معاوية.
وقوله تعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن} معطوفة على قوله سبحانه: "الرؤيا"، أي: جعلنا الرؤيا والشجرة فتنة، و"الشجرة" هنا -في قول الجمهور- هي شجرة الزقوم، وذلك أن أمرها لما نزل في سورة الصافات قال أبو جهل وغيره: هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنها تنبت الشجر، وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد، ثم أمر أبو جهل جارية له فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه: تزقموا، فافتتن أيضا بهذه المقالة بعض الضعفاء، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إنما جعل الإسراء وذكر شجرة الزقوم اختبارا ليكفر من سبق عليه الكفر، ويصدق من سبق له الإيمان، كما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قيل له صبيحة الإسراء: إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة بيت المقدس وانصرف منه، فقال: إن كان قال ذلك فقد صدق، فقيل له: أفتصدق قبل أن تسمع منه؟ فقال: أين عقولكم؟ أنا أصدقه بخبر السماء فكيف لا أصدقه بخبر بيت المقدس، والسماء أبعد منها بكثير؟
[المحرر الوجيز: 5/504]
وقالت فرقة: الشجرة إشارة إلى القوم المذكورين قبل في الرؤيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول ضعيف محدث، وليس هذا عن سهل بن سعد، ولا مثله. وقال الطبري -عن ابن عباس رضي الله عنهما-: إن الشجرة الملعونة: يعني: الملعون آكلها لأنها لم يجر لها ذكر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويصح أن يراد: "الملعونة" هنا: فأكد الأمر بقوله: {في القرآن}، وقالت فرقة: الملعونة: المبعدة المكروهة، وهذا أراد; لأنه لعنها بلفظ اللعنة المتعارف، وهذا قريب في المعنى من الذي قبله. وأيضا فما ينبت في أصل الجحيم، فهو في نهاية البعد من رحمة الله.
وقوله تعالى: {ونخوفهم}، يريد: إما كفار مكة، وإما الملوك من بني أمية بعد الخلافة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون، ثم تكون ملكا عضودا"، والأول منهما أصوب كما قلنا قبل.
وقوله تعالى: {فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا} يريد كفرهم وانتهاكهم فيه، كقول أبي جهل في الزقوم والتزقم، فقد قال النقاش: إن في ذلك نزلت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي نحوه، وقرأ الأعمش: "ويخوفهم" بالياء، وقرأ الجمهور: "ونخوفهم" بالنون). [المحرر الوجيز: 5/505]

رد مع اقتباس