عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ (128)}
يقول تعالى: واذكر يا محمّد فيما تقصّه عليهم وتذكّرهم به {ويوم يحشرهم جميعًا} يعني: الجنّ وأولياءهم {من الإنس} الّذين كانوا يعبدونهم في الدّنيا، ويعوذون بهم ويطيعونهم، ويوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا. {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} أي: ثمّ يقول: يا معشر الجنّ. وسياق الكلام يدلّ على المحذوف.
ومعنى قوله: {قد استكثرتم من الإنس} أي: من إضلالهم وإغوائهم، كما قال [تعالى] {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ * وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ * ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون} [يس: 60 -62].
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} يعني: أضللتم منهم كثيرًا. وكذلك قال مجاهدٌ، والحسن، وقتادة.
{وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} يعني: أنّ أولياء الجنّ من الإنس قالوا مجيبين للّه تعالى عن ذلك بهذا.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة، حدّثنا عوف، عن الحسن في هذه الآية قال: استكثر ربّكم أهل النّار يوم القيامة، فقال أولياؤهم من الإنس: ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ. قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعضٍ إلّا أنّ الجنّ أمرت، وعملت الإنس.
وقال محمّد بن كعبٍ في قوله: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}، قال: الصّحابة في الدّنيا.
وقال ابن جريج: كان الرّجل في الجاهليّة ينزل الأرض، فيقول: "أعوذ بكبير هذا الوادي": فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة.
وأمّا استمتاع الجنّ بالإنس فإنّه كان -فيما ذكر -ما ينال الجنّ من الإنس من تعظيمهم إيّاهم في استعانتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن.
{وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}، قال السّدّيّ، أي الموت.
قال: {النّار مثواكم} أي: مأواكم ومنزلكم أنتم وأولياؤكم. {خالدين فيها} أي: ماكثين مكثًا مخلّدًا إلّا ما شاء اللّه.
قال بعضهم: يرجع معنى [هذا] الاستثناء إلى البرزخ. وقال بعضهم: هذا ردٌّ إلى مدّة الدّنيا. وقيل غير ذلك من الأقوال الّتي سيأتي تقريرها [إن شاء اللّه] عند قوله تعالى في سورة هودٍ: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} [الآية: 107].
وقد روى ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ في تفسير هذه الآية من طريق عبد اللّه بن صالحٍ -كاتب اللّيث-: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: {النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} قال: إنّ هذه الآية آيةٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على اللّه في خلقه، ولا ينزلهم جنّةً ولا نارًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 338-339]


تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون (129)}
قال سعيدٌ، عن قتادة في تفسيرها: وإنّما يولّي اللّه النّاس بأعمالهم، فالمؤمن وليّ المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر وليّ الكافر أينما كان وحيثما كان، ليس الإيمان بالتّمنّي ولا بالتّحلّي. واختاره ابن جريرٍ.
وقال معمرٌ، عن قتادة في تفسيرها: {نولّي بعض الظّالمين بعضًا} في النّار، يتّبع بعضهم بعضًا.
وقال مالك بن دينارٍ: قرأت في الزّبور: إنّي أنتقم من المنافقين بالمنافقين، ثمّ أنتقم من المنافقين جميعًا، وذلك في كتاب اللّه قوله تعالى: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا} قال: ظالمي الجنّ وظالمي الإنس، وقرأ: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ} [الزّخرف: 36]، قال: ونسلّط ظلمة الجنّ على ظلمة الإنس.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد، من طريق سعيد بن عبد الجبّار الكرابيسيّ، عن حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، عن زرّ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا: «من أعان ظالمًا سلّطه اللّه عليه».
وهذا حديثٌ غريبٌ، وقال بعض الشّعراء:
وما من يد إلّا يد اللّه فوقها ....... ولا ظالمٍ إلّا سيبلى بظالمٍ
ومعنى الآية الكريمة: كما ولّينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطّائفة الّتي أغوتهم من الجنّ، كذلك نفعل بالظّالمين، نسلّط بعضهم على بعضٍ، ونهلك بعضهم ببعضٍ، وننتقم من بعضهم ببعضٍ، جزاءً على ظلمهم وبغيهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 339-340]

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (130)}
وهذا أيضًا ممّا يقرع اللّه به سبحانه وتعالى كافري الجنّ والإنس يوم القيامة، حيث يسألهم -وهو أعلم -: هل بلّغتهم الرّسل رسالاته؟ وهذا استفهام تقريرٍ: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم} أي: من جملتكم. والرّسل من الإنس فقط، وليس من الجنّ رسلٌ، كما [قد] نصّ على ذلك مجاهدٌ، وابن جريج، وغير واحدٍ من الأئمّة، من السّلف والخلف.
وقال ابن عبّاسٍ: الرّسل من بني آدم، ومن الجنّ نذر.
وحكى ابن جريرٍ، عن الضّحّاك بن مزاحم: أنّه زعم أنّ في الجنّ رسلًا واحتجّ بهذه الآية الكريمة وفي الاستدلال بها على ذلك نظرٌ؛ لأنّها محتملةٌ وليست بصريحةٍ، وهي -واللّه أعلم -كقوله [تعالى]: {مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخٌ لا يبغيان} إلى أن قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} [الرّحمن: 19 -22]، ومعلومٌ أنّ اللّؤلؤ والمرجان إنّما يستخرج من الملح لا من الحلو. وهذا واضحٌ، ولله الحمد. وقد نص هذا الجواب بعينه ابن جريرٍ.
والدّليل على أنّ الرّسل إنّما هم من الإنس قوله تعالى: {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنّبيّين من بعده [وأوحينا]} إلى أن قال: {رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للنّاس على اللّه حجّةٌ [بعد الرّسل]} [النّساء: 163 -165]، وقال تعالى عن إبراهيم: {وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب} [العنكبوت: 27]، فحصر النّبوّة والكتاب بعد إبراهيم في ذرّيّته، ولم يقل أحدٌ من النّاس: إنّ النّبوّة كانت في الجنّ قبل إبراهيم الخليل [عليه السّلام] ثمّ انقطعت عنهم ببعثته. وقال تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق} [الفرقان: 20]، وقال [تعالى]: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109]، ومعلومٌ أنّ الجنّ تبعٌ للإنس في هذا الباب؛ ولهذا قال تعالى إخبارًا عنهم: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ * يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ * ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلالٍ مبينٍ} [الأحقاف: 29 -32].
وقد جاء في الحديث -الّذي رواه التّرمذيّ وغيره -أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلا عليهم سورة الرّحمن وفيها قوله تعالى: {سنفرغ لكم أيّها الثّقلان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} [الآيتان: 31، 32].
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا} أي: أقررنا أنّ الرّسل قد بلّغونا رسالاتك، وأنذرونا لقاءك، وأنّ هذا اليوم كائنٌ لا محالة.
قال تعالى: {وغرّتهم الحياة الدّنيا} أي: وقد فرّطوا في حياتهم الدّنيا، وهلكوا بتكذيبهم الرّسل، ومخالفتهم للمعجزات، لما اغترّوا به من زخرف الحياة الدّنيا وزينتها وشهواتها، {وشهدوا على أنفسهم} أي: يوم القيامة {أنّهم كانوا كافرين} أي: في الدّنيا، بما جاءتهم به الرّسل، صلوات اللّه وسلامه عليهم [أجمعين] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 340-341]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون (131) ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون (132)}
يقول تعالى: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون} أي: إنّما أعذرنا إلى الثّقلين بإرسال الرّسل وإنزال الكتب، لئلّا يعاقب أحدٌ بظلمه، وهو لم تبلغه دعوةٌ، ولكن أعذرنا إلى الأمم، وما عذّبنا أحدًا إلّا بعد إرسال الرّسل إليهم، كما قال تعالى: {وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ} [فاطر: 24]، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل: 36]، وقال تعالى: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} [الإسراء: 15]، وقال تعالى: {كلّما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ * قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذّبنا} [الملك: 8، 9] والآيات في هذا كثيرةٌ.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: ويحتمل قوله تعالى: {بظلمٍ} وجهين:
أحدهما: ذلك من أجل أن ربّك مهلك القرى بظلم أهلها بالشّرك ونحوه، وهم غافلون، يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتّى يبعث إليهم من ينبّههم على حجج اللّه عليهم، وينذرهم عذاب اللّه يوم معادهم، ولم يكن بالّذي يؤاخذهم غفلةً فيقولوا: {ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ} [المائدة: 19].
والوجه الثّاني: أنّ {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} يقول: لم يكن [ربك] ليهلكهم دون التّنبيه والتّذكير بالرّسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، واللّه غير ظلّامٍ لعبيده.
ثمّ شرع يرجّح الوجه الأوّل، ولا شكّ أنّه أقوى، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 341-342]


رد مع اقتباس