عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 12:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} أي: من مات على الكفر فلن يقبل منه خيرٌ أبدًا، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة، كما سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن عبد اللّه بن جدعان -وكان يقري الضيف، ويفكّ العاني، ويطعم الطّعام-: هل ينفعه ذلك؟ فقال: لا إنّه لم يقل يومًا من الدّهر: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين.
وكذلك لو افتدى بملء الأرض أيضًا ذهبًا ما قبل منه، كما قال تعالى: {ولا يقبل منها عدلٌ ولا تنفعها شفاعةٌ} [البقرة:123]، [وقال {لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ}] [البقرة:254] وقال: {لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ} [إبراهيم: 31] وقال {إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم ولهم عذابٌ أليمٌ} [المائدة:36]؛ ولهذا قال تعالى هاهنا: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} فعطف {ولو افتدى به} على الأوّل، فدلّ على أنّه غيره، وما ذكرناه أحسن من أن يقال: إنّ الواو زائدةٌ، واللّه أعلم. ويقتضي ذلك ألّا ينقذه من عذاب اللّه شيءٌ، ولو كان قد أنفق مثل الأرض ذهبا، ولو افتدى نفسه من اللّه بملء الأرض ذهبا، بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرّها وبحرها.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاج، حدّثني شعبة، عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالكٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " يقال للرّجل من أهل النّار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيءٍ، أكنت مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم. قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم ألّا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلا أن تشرك ". وهكذا أخرجاه البخاريّ، ومسلمٌ.
طريقٌ أخرى: قال الإمام أحمد: حدّثنا روح، حدّثنا حمّاد، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يؤتى بالرّجل من أهل الجنّة فيقول له: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي ربّ، خير منزلٍ. فيقول: سل وتمنّ. فيقول: ما أسأل ولا أتمنّى إلا أن تردّني إلى الدّنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار -لما يرى من فضل الشّهادة. ويؤتى بالرّجل من أهل النّار فيقول له: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: يا ربّ شرّ منزلٍ. فيقول له: تفتدي مني بطلاع الأرض ذهبًا؟ فيقول: أي ربّ، نعم. فيقول: كذبت، قد سألتك أقلّ من ذلك وأيسر فلم تفعل، فيرد إلى النّار".
ولهذا قال: {أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين} أي: وما لهم من أحدٍ ينقذهم من عذاب اللّه، ولا يجيرهم من أليم عقابه). [تفسير القرآن العظيم: 2/72-73]

تفسير قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وما تنفقوا من شيءٍ فإنّ اللّه به عليمٌ (92)}
[روى وكيع في تفسيره عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ {لن تنالوا البرّ} قال: البرّ الجنّة] وقال الإمام أحمد: حدّثنا روحٌ، حدّثنا مالكٌ، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، سمع أنس بن مالكٍ يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاريٍّ بالمدينة مالًا وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء -وكانت مستقبلة المسجد، وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيّبٍ-قال أنسٌ: فلمّا نزلت: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} قال أبو طلحة: يا رسول اللّه، إنّ اللّه يقول: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء وإنّها صدقةٌ للّه أرجو برّها وذخرها عند اللّه تعالى، فضعها يا رسول اللّه حيث أراك اللّه [تعالى] فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "بخٍ، ذاك مالٌ رابحٌ، ذاك مالٌ رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين". فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول اللّه. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه. أخرجاه.
وفي الصّحيحين أنّ عمر [رضي اللّه عنه] قال: يا رسول اللّه، لم أصب مالًا قطّ هو أنفس عندي من سهمي الّذي هو بخيبر، فما تأمرني به؟ قال حبّس الأصل وسبّل الثّمرة".
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا أبو الخطّاب زياد بن يحيى الحساني، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا محمّد بن عمرو، عن أبي عمرو بن حماس عن حمزة بن عبد اللّه بن عمر، قال: قال عبد اللّه: حضرتني هذه الآية: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} فذكرت ما أعطاني اللّه، فلم أجد شيئًا أحبّ إليّ من جاريةٍ روميّة، فقلت، هي حرّة لوجه اللّه. فلو أنّي أعود في شيءٍ جعلته للّه لنكحتها، يعني تزوّجتها). [تفسير القرآن العظيم: 2/73-74]

رد مع اقتباس