عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 05:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 18 إلى 34]

{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّثل الّذين كفروا بربّهم...}
أضاف المثل إليهم ثم قال {أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح} والمثل للأعمال والعرب تفعل
ذلك: قال الله عزّ وجلّ: {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مسودّةٌ} والمعنى ترى وجوههم مسودّة. وذلك عربيّ لأنهم يجدون المعنى في آخر الكلمة فلا يبالون ما وقع على الاسم المبتدأ. وفيه أن تكرّ ما وقع على الاسم المبتدأ على الثاني كقوله: {لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً} فأعيدت اللام في البيوت لأنها التي تراد بالسقف ولو خفضت ولم تظهر اللام كان صواباً كما قال الله عز وجل: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}.
فلو خفض قارئ الأعمال فقال (أعمالهم كرمادٍ) كان جائزاً ولم أسمعه في القراءة.
وقد أنشدني بعضهم:

ما للجمال مشيها وئيداً = أجندلاً يحملن أم حديدا
أراد ما للجمال ما لمشيها وئيداً. وقال الآخر:
ذريني إن أمرك لن يطاعا = وما ألفيتني حلمي مضاعا
فالحلم منصوب بالإلقاء على التكرير ولو رفعته كان صوابا.
وقال {في يومٍ عاصفٍ} فجعل العصوف تابعاً لليوم في إعرابه، وإنما العصوف للريح. وذلك جائز على جهتين، إحداهما أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم يوصف به؛ لأن الريح فيه تكون، فجاز أن تقول يوم عاصف كما تقول: يوم بارد ويوم حارّ.
وقد أنشدني بعضهم:
* يومين غيمين ويوماً شمساً *
فوصف اليومين بالغيمين وإنما يكون الغيم فيهما. والوجه الآخر أن يريد في يوم عاصف الريح فتحذف الريح لأنها قد ذكرت في أوّل الكلمة كما قال الشاعر:
فيضحك عرفان الدروع جلودنا = إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف
يريد كاسف الشمس فهذان وجهان. وإن نويت أن تجعل (عاصف) من نعت الريح خاصّةً فلمّا جاء بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه.
قال الشاعر:
كأنّما ضربت قدّام أعينها = قطنا بمستحصد الأوتار محلوج
وقال الآخر:
تريك سنّة وجه غير مقرفةٍ = ملساء ليس بها خال ولا ندب
... قلت لأبي ثروان وقد أنشدني هذا البيت بخفضٍ: كيف تقول: تريك سنّة وجه غير مقرفة؟ قال: تريك سنّة وجه غير مقرفة. قلت له: فأنشد فخفض (غير) فأعدت القول عليه فقال: الذي تقول أنت أجود ممّا أقول أنا وكان إنشاده على الخفض. وقال آخر:
وإيّاكم وحيّة بطن وادٍ = هموز الناب ليس لكم بسي
وممّا يرويه نحويّونا الأوّلون أن العرب تقول: هذا جحر ضبّ خربٍ. والوجه أن يقول: سنّة وجه غير مقرفة، وحيّة بطن واد هموز الناب، وهذا جحرٍ ضبّ خربٌ.
وقد ذكر عن يحيى بن وثّاب أنه قرأ {إنّ الله هو الرّزّاق ذو القوّة المتين} فخفض المتين وبه أخذ الأعمش. والوجه أن يرفع (المتين) أنشدني أبو الجرّاح العقيليّ:
يا صاح بلّغ ذوي الزوجات كلّهم = أن ليس وصلٌ إذا انحلّت عرا الذنب
فأتبع (كلّ) خفض (الزوجات) وهو منصوب لأنه نعت لذوي). [معاني القرآن: 2/75-72]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ} مجازه: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كمثل رمادٍ، وتصديق ذلك من آية أخرى:
{أحسن كلّ شئٍ خلقه} مجازه: أحسن كل شئ، وقال حميد بن ثور الهلالّي:
وطعني إليك الليل حضنيه إنّني= لتلك إذا هاب الهدان فعول
أراد: وطعني حضني الليل إليك أول الليل وآخره، وإذا ثنّوه كان أكثر في كلامهم وأبين، قال:
كأن هنداً ثناياها وبهجتها= يوم التقينا على أدحال دبّاب
أراد: كأن ثنايا هند وبهجتها يوم التقينا على أدحال دبّاب.
{اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ} يقال: قد عصف يومنا وذاك إذا اشتدت الريح فيه، والعرب تفعل ذلك إذا كان في ظرف صفة لغيره، وجعلوا الصفة له أيضاً، كقوله:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السّرى=ونمت وما ليل المطيّ بنائم
ويقال: يوم ماطر، وليلة ماطرة، وإنما المطر فيه وفيها). [مجاز القرآن: 1/338-339]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {مّثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ لاّ يقدرون ممّا كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضّلال البعيد}
وقال: {مّثل الّذين كفروا} كأنه قال: "وممّا نقصّ عليكم مثل الذين كفروا" ثم أقبل يفسر كما قال: {مّثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} وهذا كثير). [معاني القرآن: 2/59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ} أي شديد الريح. شبه أعمالهم بذلك: لأنه يبطلها ويمحقها).
[تفسير غريب القرآن: 232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله عز وجل: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} أراد: في يوم عاصف الرّيح، فحذف،
لأنّ ذكر الرّيح قد تقدّم، فكان فيه دليل). [تأويل مشكل القرآن: 217]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرماد اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضّلال البعيد }
{مثل الّذين كفروا بربّهم}
فهو مرفوع على معنى وفيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا بربّهم، أو مثل الذين كفروا بربهم - فيما يتلى عليكم، وجائز أن يكون - واللّه أعلم - مثل الذين كفروا بربهم صفة الذين كفروا بربهم أعمالهم، كأنك قلت: " الذين كفروا بربهم أعمالهم"، كما تقول صفة زيد أسمر، المعنى زيد أسمر وتأويله أن كل ما يتقرب به الذين كفروا إلى اللّه فمحبط.
قال الله عزّ وجلّ: {حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة}.
ومثله: (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم). [معاني القرآن: 3/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف}
أي لم يقبل منهم
وعاصف على النسق أي الريح فيه شديدة
ويجوز أن يكون التقدير عاصف الريح). [معاني القرآن: 3/524-523]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألم تر أنّ الله خلق} ألم تعلم، ليس رؤية عين). [مجاز القرآن: 1/339]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)}

تفسير قوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّا كنّا لكم تبعاً} جميع تابع، خرج مخرج غائب والجميع غيب). [مجاز القرآن: 1/339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما لنا من محيصٍ} أي معدل. يقال: حاص عن الحق يحيص، إذا زاغ وعدل). [تفسير غريب القرآن: 232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكتبوا:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} و{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ} بواو، ولا ألف قبلها).[تأويل مشكل القرآن: 56-58] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وبرزوا للّه جميعا فقال الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شيء قالوا لو هدانا اللّه لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}
أي جمعهم الله في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع.
{فقال الضعفاء}، وهم الأتباع.
{للذين استكبروا} وهم المتبوعون.
{إنّا كنّا لكم تبعا} أي اتبعناكم فيما دعوتمونا إليه، وتبعا جمع تابع، يقال تابع وتبع، مثل غائب وغيب، وجائز أن يكون تبع مصدرا سمّي به، أي كنا ذوي تبع.
وقوله عزّ وجلّ: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا}.
(سواء) رفع بالابتداء، و (أجزعنا) في موضع الخبر.
{ما لنا من محيص}.
أي ما لنا من مهرب ولا معدل عن العذاب، يقال حاص عن الشيء يحيص، وجاص عنه يجيص في معنى واحد.
وهذه اللغة لا تجوز في القرآن ويقال: وقع في حيص بيص، وحاص باص وحاص باص، إذا وقع فيما لا يقدر أن يتخلص منه). [معاني القرآن: 3/158]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {من محيص} من معدل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّا أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ...}
أي الياء منصوبة؛ لأن الياء من المتكلّم تسكن إذا تحرك ما قبلها وتنصب إرادة الهاء كما قرئ {لكم دينكم ولي دين} {ولي دين} فنصبت وجزمت. فإذا سكن ما قبلها ردّت إلى الفتح الذي كان لها. والياء من (مصرخي) ساكنة والياء بعدها من المتكلم ساكنة فحرّكت إلى حركة قد كانت لها. فهذا مطّرد في الكلام.
ومثله {يا بني إنّ اللّه} ومثله {فمن تبع هداي} ومثله {محياي ومماتي}.
وقد خفض الياء من قوله: {بمصرخيّ} الأعمش ويحيى بن وثّاب جميعاً. حدثني القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى أنه خفض الياء. ... ولعلها من وهم القرّاء طبقة يحيى فإنه قل من سلم منهم من الوهم. ولعله ظن أن الباء في (بمصرخيّ) خافضة للحرف كله، والياء من المتكلّم خارجة من ذلك. ومما نرى أنهم أوهموا فيه قوله: {نولّه ما تولّى ونصله جهنّم} ظنّوا - والله أعلم - أن الجزم في الهاء؛ والهاء في موضع نصب، وقد انجزم الفعل قبلها بسقوط الياء منه.
وممّا أوهموا فيه قوله: {وما تنزّلت به الشياطين} وحدّث مندل بن عليّ العنزي عن الأعمش قال: كنت عند إبراهيم النخعيّ وطلحة بن مصرّف [يقرأ] {قال لمن حوله ألا تستمعون} بنصب اللام من (حوله) فقال إبراهيم: ما تزال تأتينا بحرف أشنع، إنما هي {لمن حوله} قال قلت: لا، إنما هي (حوله) قال: فقال إبراهيم يا طلحة كيف تقول؟
قال: كما قلت (لمن حوله) قال الأعمش. قلت: لحنتما لا أجالسكما اليوم.
وقد سمعت بعض العرب ينشد:
قال لها هل لك يا تافيّ = قالت له ما أنت بالمرضي
فخفض الياء من (فيّ) فإن يك ذلك صحيحاً فهو مما يلتقي من الساكنين فيخفض الآخر منهما، وإن كان له أصل في الفتح: ألا ترى أنهم يقولون: لم أره مذ اليوم ومذ اليوم والرفع في الذال هو الوجه؛ لأنه أصل حركة مذ والخفض جائز، فكذلك الياء من مصرخيّ خفضت ولها أصل في النصب.
وقوله: {إنّي كفرت بما أشركتمون} هذا قول إبليس. قال لهم: إني كنت كفرت بما أشركتمون يعني بالله عز وجل (من قبل) فجعل (ما) في مذهب ما يؤدّى عن الاسم).
[معاني القرآن: 2/76-75]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ما أنا بمصرخكم} أي بمغيثكم، ويقال: استصرخني فأصرخته، أي استعانني فأعنته واستغاثني فأغثته). [مجاز القرآن: 1/339]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتّكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم مّن سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم مّا أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {إلاّ أن دعوتكم} وهذا استثناء خارج كما تقول: "ما ضربته إلّا أنّه أحمق" وهو الذي في معنى "لكنّ".
وقال: {وما أنتم بمصرخيّ} فتحت ياء الإضافة لأن قبلها ياء الجميع الساكنة التي كانت في "مصرخيّ" فلم يكن من حركتها بدٌّ لأن الكسر من الياء.
وبلغنا أن الأعمش قال {بمصرخيّ} فكسر وهذه لحن لم نسمع بها من أحد من العرب ولا أهل النحو). [معاني القرآن: 2/59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ما أنا بمصرخكم}: بمغيثكم، يقال استصرخني فلان أي استغاثني). [غريب القرآن وتفسيره: 197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لمّا قضي الأمر} أي فرغ منه، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار). [تفسير غريب القرآن: 232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}.
يقول هذا المشركون يوم القيامة لقرنائهم من الشياطين: إنكم كنتم تأتوننا عن أيماننا، لأن إبليس قال: {لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}
فشياطينهم تأتيهم من كل جهة من هذه الجهات بمعنى من الكيد والإضلال.
وقال المفسرون: فمن أتاه الشيطان من جهة اليمين: أتاه من قبل الدّين فلبّس عليه الحق.
ومن أتاه من جهة الشمال: أتاه من قبل الشّهوات.
ومن أتاه من بين يديه: أتاه من قبل التّكذيب بيوم القيامة والثواب والعقاب.
ومن أتاه من خلفه: خوّفه الفقر على نفسه وعلى من يخلّف بعده، فلم يصل رحما، ولم يؤدّ زكاة. فقال المشركون لقرنائهم: إنكم كنتم تأتوننا في الدنيا من جهة الدّين، فتشبّهون علينا فيه حتى أضللتمونا.
فقال لهم قرناؤهم: {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي: لم تكونوا على حق فنشبّهه عليكم ونزيلكم عنه إلى باطل.
{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} أي: قدرة فنقهركم ونجبركم {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} نحن وأنتم العذاب {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ}
يعني بالدعاء والوسوسة.
ومثل هذا قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} ). [تأويل مشكل القرآن: 349-348] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (السلطان: الملك والقهر، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}.
وقال: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 504]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمر: العذاب، قال الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} أي وجب العذاب.
وقال تعالى: {وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} ). [تأويل مشكل القرآن: 515] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلّا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل إنّ الظّالمين لهم عذاب أليم}
روي أنه إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النّار قام إبليس عليه لعنة الله خطيبا، فقال: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ}، أي وعد من أطاعه الجنة ووعد من عصاه النّار، {ووعدتكم} خلاف ذلك وما كان لي عليكم من سلطان. أي ما أظهرت لكم من حجة.
{إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} أي أغويتكم وأضللتكم، فاتبعتموني.
ذكر اللّه - عزّ وجلّ - أن إبليس وما يقوله في القيامة تحذيرا من إضلاله وإغوائه.
{ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ} أي ما أنا بمغيثكم، ولا أنتم بمغيثي، قرئت بمصرخيّ - بفتح الياء.
كذا قرأه الناس، وقرأ حمزة والأعشى بمصرخيّ بكسر الياء، وهذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف ذكره بعض النحويين، وذلك أن ياء الإضافة إذا لم يكن قبلها ساكن حرّكت إلى الفتح:
تقول: هذا غلامي قد جاء، وذلك أن الاسم المضمر لمّا كان على حرف واحد وقد منع الإعراب حرك بأخف الحركات، كما تقول: هو قائم فتفتح الواو، وتقول: أنا قمت فتفتح النون، ويجوز إسكان الياء لثقل الياء التي قبلها كسرة، فإذا كان قبل الياء ساكن حرّكت إلى الفتح لا غير، لأن أصلها أن تحرك ولا ساكن قبلها، وإذا كان قبلها ساكن صارت حركتها لازمة لالتقاء السّاكنين،.
ومن أجاز بمصرخيّ بالكسر لزمه أن يقول: هذه عصاي أتوكأ عليها، وأجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر لأن أصل التقاء السّاكنين الكسر، وأنشد:
قال لها هل لك يا ثافيّ= قالت له ما أنت بالمرضيّ
وهذا الشعر مما لا يلتفت إليه، وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب، ولا هو مما يحتج به في كتاب الله عزّ وجلّ.
{إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل}.
إني كفرت بشرككم - أيها التّباع - إياي باللّه، كما قال - عزّ وجلّ -: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم}.
وقوله تعالى: {عذاب أليم} معناه وجيع مؤلم). [معاني القرآن: 3/160-158]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال الشيطان لما قضي الأمر}
أي فرغ منه فدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار إن الله وعدكم وعد الحق أي وعد من أطاعه الجنة ومن عصاه النار ووعدتكم فأخلفتكم أي وعدتكم خلاف ذلك وما كان لي عليكم من سلطان أي من حجة أبينها إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي إلا أن أغويتكم فتابعتموني ثم قال تعالى: {ما أنا بمصرخكم}
قال مجاهد وقتادة أي بمغيثكم
ويروى أنه يخاطب بهذا في النار
ومعنى إني كفرت بما أشركتمون من قبل أي كفرت بشرككم إياي). [معاني القرآن: 3/525-524]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ما أنا بمصرخكم} أي مغيثكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِمُصْرِخِكُمْ}: بمغيثكم). [العمدة في غريب القرآن: 170]

تفسير قوله تعالى: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ألم تر كيف ضرب اللّه مثلاً كلمةً طيّبةً كشجرةٍ طيّبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السّماء}
وقال: {ضرب اللّه مثلاً كلمةً طيّبةً} منصوبة على (ضرب) كأنه قال "وضرب الله كلمةً طيّبةً مثلاً"). [معاني القرآن: 2/59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ألم تر كيف ضرب اللّه مثلًا كلمةً طيّبةً} شهادة أن لا إله إلّا اللّه، {كشجرةٍ طيّبةٍ} يقال: هي النخلة.
{أصلها ثابتٌ} في الأرض، {وفرعها}: أعلاها، {في السّماء} ). [تفسير غريب القرآن: 232]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء}
ضرب اللّه - عزّ وجلّ - للإيمان به مثلا، وللكفر به مثلا، فجعل مثل المؤمن في نطقه بتوحيده والإيمان بنبيه واتباع شريعته، كالشجرة الطيبة.
فجعل نفع الإقامة على توحيده كنفع الشجرة الطيبة التي لا ينقطع نفعها وثمرها، وجاء في التفسير أن الشجرة الطيبة النخلة، والدليل على أن هذا المثل يراد به توحيد اللّه،
والإيمان بنبيّه وشريعته قوله - عزّ وجلّ -: {يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة} ). [معاني القرآن: 3/160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة}
حدثنا محمد بن جعفر الفاريابي قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا وهب بن خالد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال ذات يوم لأصحابه ((أنبئوني بشجرة تشبه المسلم لا يتحات ورقها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)) قال فوقع في قلبي أنها النخلة قال فسكت القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((هي النخلة)) فقلت لأبي لقد كان وقع في قلبي أنها النخلة
فقال فما منعك أن تكون قلته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن تكون قلته أحب إلي من كذا وكذا فقلت كنت في القوم وأبو بكر فلم تقولا شيئا فكرهت أن أقول، وروى الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هي النخلة
وكذلك وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله جل وعز: {وضرب الله مثلا كلمة طيبة} قال لا إله إلا الله {كشجرة طيبة} قال المؤمن {أصلها ثابت} لا إله إلا الله ثابت في قلب المؤمن
{ومثل كلمة خبيثة} قال الشرك {كشجرة خبيثة} قال المشرك {اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} أي ليس للمشرك أصل يعمل عليه
وروى شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك كشجرة طيبة قال النخلة قال والشجرة الخبيثة الحنظلة). [معاني القرآن: 3/527-525]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كلمة طيبة} قول لا إله إلا الله.
{كشجرة طيبة} قيل: هي النخل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تؤتي أكلها كلّ حينٍ} أي تخرج تمرتها، والحين ها هنا ستة أشهر أو نحو ذلك). [مجاز القرآن: 1/340]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها ويضرب اللّه الأمثال للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
وقال: {تؤتي أكلها} ومثل ذلك {أكلها دائمٌ} و"الأكل" هو: الطعام و"الأكل" هو: "الفعل"). [معاني القرآن: 2/60-59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تؤتي أكلها كلّ حينٍ} يقال: كلّ ستة أشهر، ويقال: كلّ سنة). [تفسير غريب القرآن: 232]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها ويضرب اللّه الأمثال للنّاس لعلّهم يتذكّرون }اختلف الناس بتفسير الحين،
فقال بعضهم كل سنة،
وقال بعضهم: كل ستة أشهر،
وقال بعضهم: غدوة وعشية.
وقال بعضهم: الحين شهران.
وجميع من شاهدنا من أهل اللغة يذهب إلى أنّ الحين اسم كالوقت.
يصلح لجميع الأزمان كلها طالت أو قصرت.
فالمعنى في قوله تعالى {تؤتي أكلها كلّ حين} أنها ينتفع بها في كل وقت، لا ينقطع نفعها ألبتّة، والدّليل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة، أنشده الأصمعي في صفة الحيّة والملدوغ.
تناذرها الراقون من سوء سمها... تطلقه حينا وحينا تراجع
فالمعنى أن السم يخفّ ألمه في وقت ويعود وقتا). [معاني القرآن: 3/161-160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها}
روى ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال كل سنة
وروى عطاء بن السائب وطارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل ستة أشهر
وروى أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال الحين حينان حين يعرف مقداره وحين لا يعرف مقداره فأما الذي يعرف مقداره فقوله: {تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها}
وقال عكرمة هو ستة أشهر
وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الحين يكون غدوة وعشية
وقال الضحاك في قوله: {تؤتى أكلها كل حين} قال في الليل والنهار وفي الشتاء والصيف وكذلك المؤمن ينتفع بعمله كل وقت
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الحين عند جميع أهل اللغة إلا من شذ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره وأنشد الأصمعي بيت النابغة:
تناذرها الراقون من سوء سمها = تطلقه حينا وحينا تراجع
فهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت
غير أن الأشبه في الآية أن يكون الحين السنة لأن إدراك الثمرة كل عام وكذا طلعها
وقد روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أدنى الحين سنة
وروى سفيان عن الحكم وحماد قالا الحين سنة ومعنى اجتثت قطعت جثتها بكمالها). [معاني القرآن: 3/529-527]

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ومثل كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثّت...}
رفعت المثل بالكاف التي في شجرة. ولو نصبت المثل. تريد: وضرب الله مثل كلمةٍ خبيثة. وهي في قراءة أبيّ {وضرب مثلاً كلمة خبيثة} كشجرة خبيثة وكل صواب). [معاني القرآن: 2/76]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اجتثّت من فوق الأرض} أي استؤصلت، يقال اجتث الله دابرهم، أي أصلهم). [مجاز القرآن: 1/340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {اجتثت من فوق الأرض}: استؤصلت، يقال اجتث الله دابرهم أي أصلهم). [غريب القرآن وتفسيره: 197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومثل كلمةٍ خبيثةٍ} يعني: الشرك {كشجرةٍ خبيثةٍ} قال أنس بن مالك: هي الحنظلة.
{اجتثّت من فوق الأرض} أي استؤصلت وقطعت.
{ما لها من قرارٍ} أي فما لها من أصل.
فشبّه كلمة الشرك، بحنظلة قطعت: فلا أصل لها في الأرض، ولا فرع لها في السماء، ولا حمل). [تفسير غريب القرآن: 232]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار }
قيل إن الشجرة الخبيثة الحنظل وقيل الكوث.
{اجتثّت من فوق الأرض}.
معنى {اجتثّت} استؤصلت من فوق الأرض، ومعنى اجتثّت في اللغة أخذت جثّته بكمالها:
{ما لها من قرار}.
فالمعنى أنّ ذكر اللّه بالتّوحيد يبقى أبدا ويبقى نفعه أبدا، وأن الكفر والضلال لا ثبوت له). [معاني القرآن: 3/161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{كلمة خبيثة} الشرك بالله. وقيل: هي الحنظلة.
{اجتثت} استؤصلت وقطعت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اجتُثَّتْ}: قطعت). [العمدة في غريب القرآن: 170]

تفسير قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة...}
يقال: بلا إله إلا الله فهذا في الدنيا. وإذا سئل عنها في القبر بعد موته قالها إذا كان من أهل السّعادة، وإذا كان من أهل الشقاوة لم يقلها.
فذلك قوله - عزّ وجلّ - {ويضلّ اللّه الظّالمين} عنها أي عن قول لا إله إلا الله {ويفعل اللّه ما يشاء} أي لا تنكروا له قدرةً ولا يسأل عما يفعل). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة ويضلّ اللّه الظّالمين ويفعل اللّه ما يشاء }
روي أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر، فإذا مات الميّت قيل له: من ربّك وما دينك ومن نبيك، فإذا قال: اللّه ربي ومحمد نبي والإسلام ديني.
فقد ثبّته الله بالقول الثابت في الآخرة لأن هذا بعد وفاته، وتثبيته في - الدنيا، لأنه لا يوفقه في الآخرة إلا أن يكون ذلك عقدة في الدنيا). [معاني القرآن: 3/162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}
روى معمر عن طاووس عن أبيه في يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال لا إله إلا الله وفي الآخرة عند المساءلة في القبر
وقال البراء بن عازب وأبو هريرة هذا عند المساءلة إذا صار في القبر
وروى شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعيد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر إذا سئل
وروى معمر عن قتادة قال بلغني أن هذه الأمة تبتلى في قبورها فيثبت الله الذين آمنوا
ويروى أنه يقال له من ربك وما دينك ومن نبيك فمن ثبته الله قال الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي
فهذا تثبيت في الآخرة
والتثبيت في الدنيا أنه لم يوفق لها إلا وقد كان اعتقاده في الدنيا). [معاني القرآن: 3/531-530]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {دار البوار} أي الهلاك والفناء ويقال بار يبور، ومنه قول عبد الله بن الزّبعري:
يا رسول المليك إن لساني= راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور
البور والبوار واحد). [مجاز القرآن: 1/340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {دار البوار}: الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {دار البوار} دار الهلاك. وهي: جهنم). [تفسير غريب القرآن: 233]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمت اللّه كفرا وأحلّوا قومهم دار البوار}
والبوار الهلاك والاستئصال). [معاني القرآن: 3/162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه هم كفار قريش
وقال عبد الله بن عباس رحمه الله هم قادة المشركين يوم بدر أحلوا قومهم أي الذين اتبعوهم دار البوار وهي جهنم دارهم في الآخرة
قال أبو جعفر البوار في اللغة الهلاك). [معاني القرآن: 3/532-531]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {دار البوار} أي: دار الهلاك بالعذاب الشديد). [ياقوتة الصراط: 287-286]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دار البوار} أي الهلاك، وهي جهنم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {البَوَار}: الهلاك). [العمدة في غريب القرآن: 170]

تفسير قوله تعالى: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جهنّم يصلونها...}
منصوبة على تفسير (دار البوار) فردّ عليها ولو رفعت على الاستئناف إذا انفصلت من الآية كان صوابا. فيكون الرفع على وجهين:
أحدهما الابتداء.
والآخر أن ترفعها بعائد ذكرها؛ كما قال {بشرٍّ من ذلكم النّار وعدها الله الّذين كفروا} ). [معاني القرآن: 2/77]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {جهنّم يصلونها وبئس القرار}
{جهنّم} بدل من قوله (دار البوار) ومفسّرة... وجهنم لم تصرف لأنها مؤنثة وهي معرفة). [معاني القرآن: 3/162]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجعلوا لله أنداداً} أي أضداداً، واحدهم ندّ ونديد،
قال رؤبة:
تهدي رؤوس المترفين الأنداد= إلى أمير المؤمنين الممتاد).
[مجاز القرآن: 1/341]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وجعلوا للّه أندادا ليضلّوا عن سبيله قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار }
النّدّ: المثل، بيّن وجه كفرهم.
{ليضلّوا عن سبيله}، وليضلوا، قرئ بهما جميعا). [معاني القرآن: 3/162]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لّعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة...}
جزمت (يقيموا) بتأويل الجزاء. ومعناه - والله أعلم - معنى أمر؛ كقولك: قل لعبد الله يذهب عنا، تريد: اذهب عنا فجزم بنيّة الجواب للجزم، وتأويله الأمر ولم يجزم على الحكاية.
ولو كان جزمه على محض الحكاية لجاز أن تقول: قلت لك تذهب يا هذا وإنما جزم كما جزم قوله: دعه ينم، {فذ‍روها تأكل} والتأويل - والله أعلم - ذ‍روها فلتأكل.
ومثله {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون} ومثله {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} ). [معاني القرآن: 2/77]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ} مجازه: مبايعة فدية، {ولا خلال}: أي مخالّة خليل، وله موضع آخر أيضاً تجعلها جميع خلة بمنزلة جلة والجميع جلال وقلة والجميع قلال، وقال:
فيخبره مكان النّون منى= وما أعطيته عرق الخلال
أي المخالّة). [مجاز القرآن: 1/341]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل لّعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرّاً وعلانيةً مّن قبل أن يأتي يومٌ لاّ بيعٌ فيه ولا خلالٌ}
وقال: {لاّ بيعٌ فيه ولا خلالٌ} وفي موضع آخر (ولا خلّةٌ) وإنّما "الخلال" لجماعة "الخلّة" كما تقول: "جلّة" و"جلال"، و"قلّة" و"قلال".
وقال الشاعر:
وكيف تواصل من أصبحت = خلالته كأبي مرحب
ولو شئت جعلت "الخلال" مصدراً لأنها من "خاللت" مثل "قاتلت" ومصدر هذا لا يكون إلا "الفعال" أو "المفاعلة"). [معاني القرآن: 2/60]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا بيع فيه ولا خلال}: أي لا مخالة، والمخالة المودة وقال بعضهم الخلال جمع خلة والخلة المودة). [غريب القرآن وتفسيره: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا خلالٌ} مصدر «خاللت فلانا خلالا ومخالّة» والاسم الخلة، وهي: الصداقة). [تفسير غريب القرآن: 233]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال}
إن شئت حركت الياء، وإن شئت أسكنتها.
و (يقيموا) جزم على جواب الأمر، وفيه غير وجه، أجودها أن يكون مبنيا، لأنه في موضع الأمر.
وجائز أن يكون مجزوما بمعنى اللام إلا أنها أسقطت، لأن الأمر قد دل على الغائب بقل، تقول: قل لزيد ليضرب عمرا، وإن شئت قلت: قل لزيد يضرب عمرا، ولا يجوز قل يضرب زيد عمرا ههنا بالجزم حتى تقول ليضرب، لأن لام الغائب ليس ههنا منها عوض إذا حذفتها.
وفيها وجه ثالث على جواب الأمر على معنى قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة، لأنهم إذا آمنوا وصدّقوا، فإن تصديقهم بقبولهم أمر اللّه - عزّ وجلّ -.
وقوله: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال}.
إن شئت رفعت البيع والخلال جميعا، وإن شئت نصبتهما جميعا بغير تنوين وإن شئت نصبت أحدهما ورفعت الآخر، فالنصب على النفي بلا، وقد شرحنا ذلك فيما سلف من الكتاب، والخلال والخلة في معنى الصداقة). [معاني القرآن: 3/163-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال}
قال أبو عبيدة البيع ههنا الفدية
قال أبو جعفر وأصل البيع في اللغة أن تدفع وتأخذ عوضا منه والذي قال أبو عبيدة حسن جدا وهو مثل قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا}
ومثل قوله تعالى: {ولا يقبل منها عدل} أي قيمة
والخلال والمخالة والخلة بمعنى الصداقة
قال الشاعر:
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى = ولست بمفلي الخلال ولا قالي).
[معاني القرآن: 3/533-532]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولا خلال} أي مخالة، بمعنى لا صداقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 122]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلاَ خِلالٌ}: مودة). [العمدة في غريب القرآن: 170]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الفلك} واحد وجميع وهو السفينة والسفن). [مجاز القرآن: 1/341]

تفسير قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الشّمس والقمر دائبين} والشمس أنثى والقمر ذكر فإذا جمعا ذكر صفتهما لأن صفة المذكر تغلب صفة المؤنث).[مجاز القرآن: 1/342]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وسخّر لكم الشّمس والقمر دائبين وسخّر لكم اللّيل والنّهار }
معناه: دائبين في إصلاح ما يصلحانه من الناس والنبات لا يفتران). [معاني القرآن: 3/163]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله - تبارك وتعالى -: {وآتاكم مّن كلّ ما سألتموه...}
تضيف (كلّ) إلى (ما) وهي قراءة العامّة. وقد قرأ بعضهم {وآتاكم مّن كلٍّ ما سألتموه} وكأنهم ذهبوا إلى أنا لم نسأل الله عزّ وجل شمساً ولا قمراً ولا كثيراً من نعمه،
فقال: وآتاكم من كلٍّ ما لم تسألوا فيكون (ما) جحداً. والوجه الأوّل أعجب إليّ؛ لأن المعنى - والله أعلم - آتاكم من كلّ ما سألتموه لو سألتموه،
كأنك قلت: وآتاكم كل سؤلكم، ألا ترى أنك تقول للرجل لم يسأل شيئاً: والله لأعطينّك سؤلك: ما بلغته مسألتك وإن لم تسأل). [معاني القرآن: 2/78-77]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وآتاكم مّن كلّ ما سألتموه وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها إنّ الإنسان لظلومٌ كفّارٌ}
وقال: {وآتاكم مّن كلّ ما سألتموه} أي: آتاكم من كلّ شيءٍ سألتموه شيئاً" وأضمر الشيء كما قال: {وأوتيت من كلّ شيءٍ} أي: "أوتيت من كلّ شيءٍ في زمانها شيئاً"
قال بعضهم: "إنما ذا على التكثير" نحو قولك: "هو يعلم كلّ شيء" و"أتاه كلّ الناس" وهو يعني بعضهم: وكذلك {فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ}.
وقال بعضهم: "ليس من شيءٍ إلاّ وقد سأله بعض الناس فقال: {وآتاكم مّن كلّ ما سألتموه} أي: "من كل ما سألتموه قد آتى بعضكم منه شيئا وآتى آخر شيئاً مما قد سأل".
ونون بعضهم {مّن كلٍّ} يقول {مّن كلٍّ} ثم قال "لم تسألوه إيّاه" كما تقول: "قد سألتك من كلٍّ" و"قد جاءني من كلٍّ" لأنّ "كلّ" قد تفرد وحدها). [معاني القرآن: 2/60]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وآتاكم من كلّ ما سألتموه وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها إنّ الإنسان لظلوم كفّار }
وتقرأ (من كلّ ما سألتموه) بتنوين (كلّ)، فموضع " ما " خفض بالإضافة والمعنى من كل الذي سألتموه.
ومن قرأ (من كلّ ما سألتموه) فموضع " ما " نصب.
والمعنى وآتاكم من كل الأشياء التي سألتموه.
فإن قال قائل: فقد أعطى العباد ما لم يسألوا؟
قيل له ذلك غير ناقض هذه الآية، إذا قال: {وآتاكم من كل الذي سألتموه} لم يوجب هذا أن يكون لم يعطهم غير ما سألوه، ويجوز أن يكون " ما " نفيا، ويكون المعنى وآتاكم من كل ما لم تسألوه،
أي آتاكم كل الشيء الذي لم تسألوه.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الإنسان لظلوم كفّار}.
هذا اسم للجنس يقصد به الكافر خاصّة، كما قال: {والعصر * إنّ الإنسان لفي خسر * إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}.
والإنسان غير المؤمن ظلوم كفار). [معاني القرآن: 3/164-163]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وآتاكم من كل ما سألتموه}
قال مجاهد أي من كل ما رغبتم إليه فيه
قال أبو جعفر وهذا قول حسن يذهب إلى أنهم قد أعطوا مما لم يسألوه وذلك معروف في اللغة أن يقال امض إلى فلان فإنه يعطيك كل ما سألت وإن كان يعطيه غير ما سأل
وفي الآية قول آخر وهو أنه لما قال جل وعز: {وآتاكم من كل ما سألتموه} لم ينف غير هذا
على أن الضحاك قد قرأ وآتاكم من كل ما سألتموه وقد رويت هذه القراءة عن الحسن أيضا
وفسره الضحاك وقتادة على النفي
وقال الحسن أي من كل الذي سألتموه
بمعنى وآتاكم من كل الأشياء التي سألتم
قال أبو جعفر وقول الحسن أولى والآخر يجوز على بعد وبعده أنه بالواو أحسن عطفا بمعنى وما سألتموه إلا أنه يجوز على بعد). [معاني القرآن: 3/534-533]


رد مع اقتباس