عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:30 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرةٍ ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين (25) ثمّ أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذّب الّذين كفروا وذلك جزاء الكافرين (26) ثمّ يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء واللّه غفورٌ رحيمٌ (27)
هذه مخاطبة لجميع المؤمنين يعد الله نعمه عليهم، ومواطن جمع موطن بكسر الطاء، والموطن موضع الإقامة أو الحلول لأنه أول الإقامة، و «المواطن» المشار إليها بدر والخندق والنضير وقريظة، ولم يصرف مواطن لأنه جمع ونهاية جمع، ويوم عطف على موضع قوله في مواطن أو على لفظة بتقدير وفي يوم، فانحذف حرف الخفض، وحنينٍ واد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز وصرف حين أريد به الموضع والمكان، ولو أريد به البقعة لم يصرف كما قال الشاعر [حسان رضي الله عنه]: [الكامل]
نصروا نبيّهم وشدّوا أزره = بحنين يوم تواكل الأبطال
وقوله إذ أعجبتكم كثرتكم روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين رأى حملته اثني عشر ألفا قال: لن نغلب اليوم من قلة، وروي أن رجلا من أصحابه قالها فأراد الله إظهار العجز فظهر حين فر الناس، ثم عطف القدر بنصره، وقوله وضاقت عليكم الأرض بما رحبت أي بقدر ما هي رحبة واسعة لشدة الحال وصعوبتها، ف «ما» مصدرية، وقوله ثمّ ولّيتم مدبرين يريد فرار الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واختصار هذه القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فتح مكة وكان في عشرة آلاف من أصحابه وانضاف إليه ألفان من الطلقاء فصار في اثني عشر ألفا سمع بذلك كفار العرب فشق عليهم فجمعت له هوازن وألفافها وعليهم مالك بن عوف النصري وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو وانضاف إليهم أخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفا فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعوا بحنين، فلما تصافّ الناس حمل المشركون من مجاني الوادي، فانهزم المسلمون، قال قتادة: ويقال إن الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا إلقاء الهزيمة في المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء، وقال أبو عبد الرحمن الفهري: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، يومئذ وكان على فرس قد اكتنفه العباس عمه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وبين يديه أيمن بن أم أيمن، وثم قتل رحمه الله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الحال نزل عن بغلته إلى الأرض، قاله البراء بن عازب، واستنصر الله عز وجل فأخذ قبضة من تراب وحصى فرمى بها وجوه الكفار، وقال: شاهت الوجوه، وقال عبد الرحمن: تطاول من فرسه فأخذ قبضة التراب ونزلت الملائكة لنصره ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا للأنصار، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادي أين أصحاب الشجرة أين أصحاب سورة البقرة، فرجع الناس عنقا واحدا وانهزم المشركون، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا لم يبق منا أحد إلا دخل في عينيه من ذلك التراب، واستيعاب هذه القصة في كتاب السير.
وظاهر كلام النحاس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في أربعة عشر ألفا، وهذا غلط، ومدبرين نصب على الحال المؤكدة كقوله: وهو الحقّ مصدّقاً [البقرة: 91] والمؤكدة هي التي يدل ما قبلها عليها كدلالة التولي على الأدبار). [المحرر الوجيز: 4/ 283-285]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ثمّ أنزل اللّه سكينته الآية، ثمّ هاهنا على بابها من الترتيب، و «السكينة» النصر الذي سكنت إليه ومعه النفوس والحال، والإشارة بالمؤمنين إلى الأنصار على ما روي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى في ذلك اليوم يا معشر الأنصار، فانصرفوا وهم ردوا الهزيمة، و «الجنود» الملائكة، و «الرعب» قال أبو حاجز يزيد بن عامر: كان في أجوافنا مثل ضربة الحجر في الطست من الرعب، «وعذاب الذين كفروا» هو القتل الذي استحرّ فيهم والأسر الذي تمكن في ذراريهم، وكان مالك بن عوف النصري قد أخرج الناس بالعيال والذراري ليقاتلوا عليها، فخطأه في ذلك دريد بن الصمة، وقال لمالك بن عوف راعي ضأن وهل يرد المنهزم شيء؟ وفي ذلك اليوم قتل دريد بن الصمة القتلة المشهورة، قتله ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي، ويقال ابن الدغنة). [المحرر الوجيز: 4/ 285-286]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله ثمّ يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء إعلام بأن من أسلم وتاب من الكفار الذين نجوا ذلك اليوم فإنهم مقبولون مسلمون موعودون بالغفران والرحمة). [المحرر الوجيز: 4/ 286]


رد مع اقتباس