عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:52 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون (81) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون (82)}
يقول تعالى ذامّا للمنافقين المتخلّفين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وفرحوا بمقعدهم بعد خروجه، {وكرهوا أن يجاهدوا} معه {بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا} أي: بعضهم لبعضٍ: {لا تنفروا في الحرّ}؛ وذلك أنّ الخروج في غزوة تبوك كان في شدّة الحرّ، عند طيب الظّلال والثّمار، فلهذا قالوا {لا تنفروا في الحرّ} قال اللّه تعالى لرسوله: {قل} لهم: {نار جهنّم} الّتي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم {أشدّ حرًّا} ممّا فررتم منه من الحرّ، بل أشدّ حرًّا من النّار، كما قال الإمام مالكٌ، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "نار بني آدم الّتي يوقدون بها جزءٌ من سبعين جزءًا [من نار جهنّم" فقالوا: يا رسول اللّه، إن كانت لكافيةٌ. قال إنّها فضّلت عليها بتسعةٍ وستّين جزءًا] أخرجاه في الصّحيحين من حديث مالكٍ، به
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنّم، وضربت بالبحر مرّتين، ولولا ذلك ما جعل [اللّه] فيها منفعةً لأحدٍ" وهذا أيضًا إسناده صحيحٌ
وقد روى الإمام أبو عيسى التّرمذيّ وابن ماجه، عن عبّاسٍ الدّوريّ، عن يحيى بن أبي بكيرٍ عن شريكٍ، عن عاصمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أوقد على النّار ألف سنةٍ حتّى احمرّت، ثمّ أوقد عليها ألف سنةٍ حتّى ابيضّت، ثمّ أوقد عليها ألف سنةٍ حتّى اسودّت، فهي سوداء كاللّيل المظلم". ثمّ قال التّرمذيّ: لا أعلم أحدًا رفعه غير يحيى
كذا قال. وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمد بن الحسين بن مكرمٍ، عن عبيد اللّه بن سعدٍ عن عمّه، عن شريكٍ -وهو ابن عبد اللّه النّخعيّ -به. وروى أيضًا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {نارًا وقودها النّاس والحجارة} [التّحريم:6] قال: "أوقد عليها ألف عامٍ حتّى ابيضّت، وألف عامٍ حتّى احمرّت، وألف عامٍ حتّى اسودّت، فهي سوداء كاللّيل، لا يضيء لهبها"
وروى الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ من حديث تمّام بن نجيح -وقد اختلف فيه -عن الحسن، عن أنسٍ مرفوعًا: "لو أنّ شرارةً بالمشرق -أي من نار جهنّم -لوجد حرّها من بالمغرب"
وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل، عن أبي عبيدة الحدّاد، عن هشام بن حسّان عن محمّد بن شبيبٍ، عن جعفر بن أبي وحشيّة، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو كان هذا المسجد مائة ألفٍ أو يزيدون، وفيهم رجلٌ من أهل النّار فتنفّس فأصابهم نفسه، لاحترق المسجد ومن فيه" غريبٌ.
وقال الأعمش عن أبي إسحاق، عن النّعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أهون أهل النّار عذابًا يوم القيامة لمن له نعلان وشراكان من نارٍ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، لا يرى أحدًا من أهل النّار أشدّ عذابًا منه، وإنّه أهونهم عذابًا". أخرجاه في الصّحيحين، من حديث الأعمش
وقال مسلمٌ أيضًا: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يحيى بن أبي بكير حدّثنا زهير بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن النّعمان بن أبي عيّاشٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ أدنى أهل النّار عذابًا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نارٍ، يغلي دماغه من حرارة نعليه"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى، عن ابن عجلان، سمعت أبي، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ أدنى أهل النّار عذابًا رجلٌ يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه"
وهذا إسنادٌ جيّدٌ قويٌّ، رجاله على شرط مسلم، والله أعلم.
والأحاديث والآثار النّبويّة في هذا كثيرةٌ، وقال اللّه تعالى في كتابه العزيز: {كلا إنّها لظى نزاعةً للشّوى} [المعارج: 15، 16] وقال تعالى: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديدٍ كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق} [الحجّ: 19-22] وقال تعالى: {إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب} [النّساء: 56]
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة [الأخرى] {قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون} أي: لو أنّهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرّسول في سبيل اللّه في الحرّ، ليتّقوا به حرّ جهنّم، الّذي هو أضعاف أضعاف هذا، ولكنّهم كما قال الآخر:
كالمستجير من الرّمضاء بالنّار
وقال الآخر:
عمرك بالحمية أفنيته = مخافة البارد والحار
وكان أولى بك أن تتقي = من المعاصي حذر النّار). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 189-191]

تفسير قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال [اللّه] تعالى جلّ جلاله، متوعّدًا لهؤلاء المنافقين على صنيعهم هذا: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون}
قال ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا انقطعت الدّنيا وصاروا إلى اللّه، عزّ وجلّ، استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبدًا. وكذا قال أبو رزين، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن خثيم، وعونٌ العقيليّ وزيد بن أسلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا عبد اللّه بن عبد الصّمد بن أبي خداشٍ، حدّثنا محمّد بن حميدٍ عن ابن المبارك، عن عمران بن زيدٍ، حدّثنا يزيد الرّقاشي، عن أنس بن مالكٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يا أيّها النّاس، ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإنّ أهل النّار يبكون حتّى تسيل دموعهم في وجوههم كأنّها جداول، حتّى تنقطع الدّموع فتسيل الدّماء فتقرّح العيون. فلو أنّ سفنًا أزجيت فيها لجرت".
ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش، عن يزيد الرقاشي، به
وقال الحافظ أبو بكر بن عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدّنيا: حدّثنا محمّد بن العبّاس، حدّثنا حمّادٌ الجزريّ، عن زيد بن رفيع، رفعه قال: "إنّ أهل النّار إذا دخلوا النّار بكوا الدّموع زمانًا، ثمّ بكوا القيح زمانًا" قال: "فتقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء، تركتم البكاء في الدّار المرحوم فيها أهلها في الدّنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ قال: فيرفعون أصواتهم: يا أهل الجنّة، يا معشر الآباء والأمّهات والأولاد، خرجنا من القبور عطاشًا، وكنّا طول الموقف عطاشًا، ونحن اليوم عطاشٌ، فأفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه، فيدعون أربعين سنةً لا يجيبهم، ثمّ يجيبهم: {إنّكم ماكثون} [الزّخرف: 77] فييأسون من كلّ خيرٍ"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 191-192]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين (83)}
يقول تعالى آمرًا لرسوله عليه الصّلاة والسّلام {فإن رجعك اللّه} أي: ردّك اللّه من غزوتك هذه {إلى طائفةٍ منهم} قال قتادة: ذكر لنا أنّهم كانوا اثني عشر رجلًا {فاستأذنوك للخروج} أي: معك إلى غزوةٍ أخرى، {فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا} أي: تعزيرًا لهم وعقوبةً. ثمّ علّل ذلك بقوله: {إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ} وهذا كقوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} [الأنعام:110] فإنّ من جزاء السّيّئة السّيّئة بعدها كما أنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، كما قال في عمرة الحديبية: {سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل} [الفتح: 15]
وقوله تعالى: {فاقعدوا مع الخالفين} قال ابن عبّاسٍ: أي الرّجال الّذين تخلّفوا عن الغزاة. وقال قتادة: {فاقعدوا مع الخالفين} أي: مع النّساء.
قال ابن جريرٍ: وهذا لا يستقيم؛ لأنّ جمع النّساء لا يكون بالياء والنّون، ولو أريد النّساء لقال: فاقعدوا مع الخوالف، أو الخالفات، ورجّح قول ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 192]


رد مع اقتباس