عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:22 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فرح المخلفون بمقعدهم خلف رسول الله قال هي غزوة تبوك). [تفسير عبد الرزاق: 1/284]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون}.
يقول تعالى ذكره: فرح الّذين خلّفهم اللّه عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه بمقعدهم {خلاف رسول اللّه} يقول: بجلوسهم في منازلهم خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: على الخلاف لرسول اللّه في جلوسه ومقعده. وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرهم بالنّفر إلى جهاد أعداء اللّه، فخالفوا أمره وجلسوا في منازلهم.
وقوله: {خلاف} مصدرٌ من قول القائل: خالف فلانٌ فلانًا فهو يخالفه خلافًا فلذلك جاء مصدره على تقدير فعالٍ، كما يقال: قاتله فهو يقاتله قتالاً، ولو كان مصدرًا من خلفه، لكانت القراءة: بمقعدهم خلف رسول اللّه؛ لأنّ مصدر خلفه خلفٌ، لا خلافٌ، ولكنّه على ما بيّنت من أنّه مصدر خالف. فقرئ: {خلاف رسول اللّه} وهي القراءة الّتي عليها قراءة الأمصار، وهي الصّواب عندنا.
وقد تأوّل بعضهم ذلك، بمعنى: بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واستشهد على ذلك بقول الشّاعر:
عقب الرّبيع خلافهم فكأنّما = بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا
وذلك قريبٌ لمعنى ما قلنا؛ لأنّهم قعدوا بعده على الخلاف له.
وقوله: {وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه} يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلّفون أن يغزوا الكفّار بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه، يعني: في دين اللّه الّذي شرعه لعباده لينصروه، ميلاً إلى الدّعة والخفض، وإيثارًا للرّاحة على التّعب والمشقّة، وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة اللّه.
{وقالوا لا تنفروا في الحرّ} وذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم استنفرهم إلى هذه الغزوة، وهي غزوة تبوك في حرٍّ شديدٍ، فقال المنافقون بعضهم لبعضٍ: لا تنفروا في الحرّ، فقال اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد نار جهنّم الّتي أعدّها اللّه لمن خالف أمره وعصى رسوله، أشدّ حرًّا من هذا الحرّ الّذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه. يقول: الّذي هو أشدّ حرًّا أحرى أن يحذر ويتّقى من الّذي هو أقلّهما أذًى. {لو كانوا يفقهون} يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن اللّه وعظه ويتدبّرون آي كتابه، ولكنّهم لا يفقهون عن اللّه، فهم يحذرون من الحرّ أقلّه مكروهًا وأخفّه أذًى، ويوافقون أشدّه مكروهًا وأعظمه على من يصلاه بلاءً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه} إلى قوله: {يفقهون} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر النّاس أن ينبعثوا معه، وذلك في الصّيف، فقال رجالٌ: يا رسول اللّه، الحرّ شديدٌ ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحرّ، فقال اللّه: {قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون} فأمره اللّه بالخروج.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله: {بمقعدهم خلاف رسول اللّه} قال: من غزوة تبوك.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ وغيره قالوا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حرٍّ شديدٍ إلى تبوك، فقال رجلٌ من بني سلمة: لا تنفروا في الحرّ، فأنزل اللّه: {قل نار جهنّم} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر قول بعضهم لبعضٍ، حين أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالجهاد، وأجمع السّير إلى تبوك على شدّة الحرّ وجدب البلاد، يقول اللّه جلّ ثناؤه: {وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا}). [جامع البيان: 11/602-604]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون (81)
قوله تعالى: فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد بن بشيرٍ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه أظنّها في غزوة تبوك.
قوله تعالى: وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: في سبيل اللّه قال: في طاعة اللّه.
قوله تعالى: وقالوا لا تنفروا في الحرّ
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه قال: كانت تبوك آخر غزوةٍ غزاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- وهي غزوة الحر، قالوا: لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا وهي غزوة العسرة.
قوله تعالى: قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ: وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون وذلك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- أمر النّاس أن ينبعثوا معه وذلك في الصّيف فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، الحرّ شديدٌ ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحرّ، فقال: قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1854-1855]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 81.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {بمقعدهم خلاف رسول الله} قال: عن غزوة تبوك.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال: يعني المتخلفون بأن قعدوا خلاف رسول الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي غزوة الحر، قالوا: لا تنفروا في الحر وهي غزوة العسرة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف، فقال رجال: يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر، فقال الله {قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} فأمره بالخروج.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {لا تنفروا في الحر} قال: قول المنافقين يوم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد إلى تبوك فقال رجل من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله {قل نار جهنم أشد حرا} الآية
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: استدار برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس ليستأذنوه ويقولوا: يا رسول الله ائذن لنا فإنا لا نستطيع أن ننفر في الحر فأذن لهم وأعرض عنهم، فأنزل الله {قل نار جهنم أشد حرا} الآية). [الدر المنثور: 7/471-473]

تفسير قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى فليضحكوا قليلا قال يضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في نار جهنم جزاء ما كانوا يكسبون). [تفسير عبد الرزاق: 1/284]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (82) : قوله تعالى: {فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين - في قوله عزّ وجلّ: {فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيرًا} -، قال: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير). [سنن سعيد بن منصور: 5/265]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ في قوله: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: يقول اللّه: الدّنيا قليلٌ فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون}.
يقول تعالى ذكره: فرح هؤلاء المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه، فليضحكوا فرحين قليلاً في هذه الدّنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول اللّه ولهوهم عن طاعة ربّهم، فإنّهم سيبكون طويلاً في جهنّم مكان ضحكهم القليل في الدّنيا {جزاءً} يقول: ثوابًا منّا لهم على معصيتهم بتركهم النّفر إذ استنفروا إلى عدوّهم وقعودهم في منازلهم خلاف رسول اللّه. {بما كانوا يكسبون} يقول: بما كانوا يجترحون من الذّنوب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي رزينٍ: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: يقول اللّه تبارك وتعالى: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيمٍ: {فليضحكوا قليلاً} قال: في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} قال: في الآخرة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، ويحيى، قالا: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، في قوله: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: في الآخرة.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، أنّه قال في هذه الآية: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: ليضحكوا في الدّنيا قليلاً، وليبكوا في النّار كثيرًا، وقال في هذه الآية: {وإذًا لا تمتّعون إلاّ قليلاً} قال: أجلهم أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خثيمٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {فليضحكوا قليلاً} قال: ليضحكوا قليلاً في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} في الآخرة في نار جهنّم {جزاءً بما كانوا يكسبون}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فليضحكوا قليلاً} أي في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} أي في النّار. ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: والّذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا ذكر لنا أنّه نودي عند ذلك، أو قيل له: لا تقنّط عبادي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيم {فليضحكوا قليلاً} قال: في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} قال: في الآخرة.
- قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ: {فليضحكوا قليلاً} قال: في الدّنيا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: هم المنافقون والكفّار الّذين اتّخذوا دينهم هزوًا ولعبًا، يقول اللّه تبارك وتعالى: {فليضحكوا قليلاً} في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} في النّار.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فليضحكوا} في الدّنيا {قليلاً وليبكوا} يوم القيامة {كثيرًا} وقال: {إنّ الّذين أجرموا كانوا من الّذين آمنوا يضحكون} حتّى بلغ: {هل ثوّب الكفّار ما كانوا يفعلون}). [جامع البيان: 11/605-607]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون (82)
قوله تعالى: فليضحكوا قليلا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا هم المنافقون والكفّار، الّذين اتّخذوا دينهم هزوًا ولعبًا، يقول اللّه تعالى: فليضحكوا قليلا: في الدّنيا.
- حدّثنا أبي ثنا سويد بن سعيدٍ ثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل بن سميعٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: فليضحكوا قليلا قال: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا وليبكوا كثيرًا فإذا انقطعت الدّنيا وصاروا إلى اللّه، استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبدًا.
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ ثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سميعٍ عن أبي رزينٍ في قوله: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا قال: أيّام الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، وهو الكثير
- وروي عن الرّبيع بن خثيمٍ وعون العقيليّ والحسن. وقتادة وزيد بن أسلم في قوله: فليضحكوا قليلا قالوا: في الدّنيا.
قوله تعالى: وليبكوا كثيرا.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وليبكوا كثيرًا: قال: في النّار، وروي عن الحسن وعون العقيليّ، وقتادة وزيد بن أسلم قالوا: في الآخرة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ ثنا إسرائيل عن إسماعيل أبي محمّدٍ الحنفيّ عن أبي رزينٍ في قول اللّه: فليضحكوا قليلا. قال: الدّنيا، وليبكوا كثيرًا قال: إذا مات بكى بكاءً لا ينقطع.
- حدّثنا أبي ثنا مقاتل بن محمّدٍ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن منصورٍ عن أبي رزينٍ عن الرّبيع بن خثيمٍ في قوله: فليضحكوا قليلا قال: الدّنيا وليبكوا كثيرًا قال: الآخرة.
قوله تعالى: جزاءً بما كانوا يكسبون
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان حدّثنا الحسين بن عليٍّ حدّثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: جزاءً بما كانوا يكسبون يقول: إنّ مرجعهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 6/1855-1856]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 82.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} قال: هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا من دينهم هزوا ولعبا يقول الله تعالى {فليضحكوا قليلا} في الدنيا {وليبكوا كثيرا} في الآخرة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {فليضحكوا قليلا} قال: الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤوا فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين، مثله.
وأخرج البخاري والترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجارون إلى الله لوددت أني كنت شجرة تعضد.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجة وأبو يعلى عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون حتى تسيل
دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل فتقرح العيون فلو أن سفنا أرخيت فيها لجرت.
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن زيد بن رفيع رفعه قال: إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ثم بكوا القيح زمانا فتقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به فيرفعون أصواتهم: يا أهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا وكنا طول الموقف عطاشا ونحن اليوم عطاشا فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم ثم يجيبهم إنكم ماكثون، فييأسون من كل خير.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي موسى الأشعري، أنه خطب الناس بالبصرة فقال: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أجري فيها السفن لجرت.
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن عمر قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولو تعلمون حق العلم لصرخ أحدكم حتى ينقطع صوته ولسجد حتى ينقطع صلبه.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم تبكون لا تدرون تنجون أو لا تنجون). [الدر المنثور: 7/473-477]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فإن ردّك اللّه يا محمّد إلى طائفةٍ من هؤلاء المنافقين من غزوتك هذه، فاستأذنوك للخروج معك في أخرى غيرها، فقل لهم: {لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ} وذلك عند خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى تبوك {فاقعدوا مع الخالفين} يقول: فاقعدوا مع الّذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ لأنّكم منهم، فاقتدوا بهديهم واعملوا مثل الّذي عملوا من معصية اللّه، فإنّ اللّه قد سخط عليكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، الحرّ شديدٌ ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحرّ، وذلك في غزوة تبوك، فقال اللّه: {قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون} فأمره اللّه بالخروج، فتخلّف عنه رجالٌ، فأدركتهم نفوسهم، فقالوا: واللّه ما صنعنا شيئًا، فانطلق منهم ثلاثةٌ، فلحقوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا أتوه تابوا ثمّ رجعوا إلى المدينة، فأنزل اللّه: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم} إلى قوله: {ولا تقم على قبره} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هلك الّذين تخلّفوا فأنزل اللّه عذرهم لمّا تابوا، فقال: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين والأنصار} إلى قوله: {إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم} وقال: {إنّه بهم رءوفٌ رحيمٌ}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم} إلى قوله: {فاقعدوا مع الخالفين} أي مع النّساء. ذكر لنا أنّهم كانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين، فقيل فيهم ما قيل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فاقعدوا مع الخالفين} والخالفون: الرّجال.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من التّأويل في قوله {الخالفين} ما قال ابن عبّاسٍ.
فأمّا ما قال قتادة من أنّ ذلك النّساء، فقولٌ لا معنى له؛ لأنّ العرب لا تجمع النّساء إذا لم يكن معهنّ رجالٌ بالياء والنّون، ولا بالواو والنّون. ولو كان معنيًّا بذلك النّساء، لقيل: فاقعدوا مع الخوالف، أو مع الخالفات، ولكنّ معناه ما قلنا من أنّه أريد به: فاقعدوا مع مرضى الرّجال وأهل زمانتهم والضّعفاء منهم والنّساء. وإذا اجتمع الرّجال والنّساء في الخبر، فإنّ العرب تغلّب الذّكور على الإناث؛ ولذلك قيل: {فاقعدوا مع الخالفين} والمعنى ما ذكرنا.
ولو وجّه معنى ذلك إلى: فاقعدوا مع أهل الفساد، من قولهم: خلف الرّجال عن أهله يخلف خلوفًا، إذا فسد، ومن قولهم: هو خلف سوءٍ، كان مذهبًا. وأصله إذا أريد به هذا المعنى قولهم خلف اللّبن يخلف خلوفًا إذا خبث من طول وضعه في السّقاء حتّى يفسد، ومن قولهم: خلف فم الصّائم: إذا تغيّرت ريحه). [جامع البيان: 11/608-610]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين (83)
قوله تعالى: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قوله: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج قال: ذكر لنا أنّهم كانوا اثنى عشر رجلا، وفيهم قيل ما قيل.
قوله تعالى: فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوا
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ: فأمره اللّه بالخروج فتخلّف عنه رجالٌ، فأدركتهم أنفسهم فقالوا: واللّه ما صنعنا شيئًا، فانطلق منهم ثلاثةٌ، فلحقوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-، فلمّا أتوه تابوا، ثمّ رجعوا إلى المدينة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا.
قوله تعالى: إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ إلى قوله: الخالفين والخالفين: الرّجال). [تفسير القرآن العظيم: 6/1856-1857]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 83.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم} قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وفيهم قيل ما قيل.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية يقول: أرأيت إن نفرت فاستأذنوك أن ينفروا معك فقل: لن تخرجوا معي أبدا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فاقعدوا مع الخالفين} قال: هم الرجال الذين تخلفوا عن النفور). [الدر المنثور: 7/476]


رد مع اقتباس