عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 5 ربيع الأول 1440هـ/13-11-2018م, 11:58 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونعيم} الآية ... يحتمل أن يكون خطاب أهل النار فيكون إخبارهم بذلك زيادة في غمهم وسوء حالهم، ويحتمل -وهو الأظهر- أن يكون إخبارا لمحمد صلى الله عليه وسلم ومعاصريه، لما فرغ من ذكر عذاب الكفار عقب ذلك بنعيم المتقين ليبين الفرق ويقع التحريض على الإيمان. و"المتقون" هنا متقو الشرك لأنهم لا بد من مصيرهم إلى الجنات وكلما زادت الدرجة في التقوى قوي الحصول في حكم الآية حتى أن المتقين على الإطلاق هم في حكم الآية قطعا على الله تعالى بحكم خبره الصادق.
وقرأ جمهور الناس: "فاكهين"، فرحين مسرورين، وقال أبو عبيدة: هو من باب "لابن وتامر" أي: لهم فاكهة، قال القاضي والمعنى الأول أبرع، وقرأ خالد فيما حكى أبو حاتم: "فاكهين"، والفكه والفاكه: المسرور المتنعم. وقوله تعالى: {بما آتاهم ربهم} أي: من إنعامه ورضاه عنهم، وقوله تعالى: {ووقاهم ربهم عذاب الجحيم}، هذا متمكن في متقي المعاصي الذي لا يدخل النار، ويكون في متقي الشرك الذي ينفذ عليه الوعيد بمعنى: ووقاهم ربهم عذاب الخلود في الجحيم، ويحتمل أن يكون "الجحيم" من طبقات جهنم ليست بمأوى للعصاة المؤمنين، بل هي مخصصة للكفرة، فهم وإن عذبوا في نار فليسوا في عذاب الجحيم. وقرأ الجمهور: "ووقاهم" بتخفيف القاف، وقرأ أبو حيوة بتشديدها على المبالغة، وذلك كله مشتق من الوقاية وهي الحائل بين الشيء وبين ما يضره). [المحرر الوجيز: 8/ 90]

تفسير قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والمعنى: يقال لهم: {كلوا واشربوا هنيئا}، و"هنيئا" نصب على المصدر، وقوله تعالى: {بما كنتم تعملون} معناه أن رتب الجنة ونعيمها هي بحسب الأعمال، وأما نفس دخولها فهو برحمة الله تعالى وتغمده، والأكل والشرب والتهني ليس من الدخول في شيء، وأعمال العباد الصالحة لا توجب على الله تعالى التنعيم إيجابا، لكنه سبحانه قد جعلها أمارة على من سبق في علمه تنعيمه، وعلق الثواب والعقاب بالتكسب الذي في الأعمال). [المحرر الوجيز: 8/ 90-91]

تفسير قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "متكئين" نصب على الحال، على حد قوله تعالى: "فاكهين"، والعامل في هاتين الحالتين الفعل مقدر في قوله تعالى: "في جنات"، ويجوز غير هذا، وفي هذا نظر، وقرأ أبو السمال: "على سرر" بفتح الراء الأولى و"زوجناهم" معناه: جعلنا لكل فرد منهم زوجا، و"الحور" جمع حوراء، وهي البيضاء القوية بياض بياض العين وسواد سوادها، و"العين" جمع عيناء، وهي الكسيرة العينين مع جمالهما، وفي قراءة ابن مسعود، وإبراهيم النخعي: "وزوجناهم بعيس عين"، قال أبو الفتح: العيساء: البيضاء، وقرأ عكرمة: "وزوجناهم حورا عينا"، وحكى أبو عمرو عن عكرمة أنه قرأ: "بعيس عين" على إضافة "عيس" إلى "عين"). [المحرر الوجيز: 8/ 91]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين * وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون * يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم * ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون * وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم}
قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وطلحة، والحسن، وقتادة، وأهل مكة: "واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم"، وقرأ نافع، وأبو جعفر، وابن مسعود -بخلاف عنه - وأبو عمرو - بخلاف عنه وشيبة، والجحدري، وعيسى: " واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم"، وروى خارجة عنه مثل قراءة حمزة، وقرأ ابن عامر، وابن عباس، وعكرمة، وابن جبير، والضحاك: "وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان أحلقنا بهم ذرياتهم" وقرأ أبو عمرو، والأعرج، وأبو رجاء، والشعبي، وابن جبير، والضحاك: "وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم"، فلكون "الذرية" جمعا في نفسه حسن الإفراد في هذه القراءات، ولكون المعنى يقتضي انتشارا أو كثرة حسن جمع الذرية في قراءة من قرأ: "ذرياتهم".
واختلف الناس في معنى الآية - قال ابن عباس، وابن جبير، والجمهور: أخبر الله تعالى أن المؤمنين اللذين تتبعهم ذريتهم في الإيمان فيكونون مؤمنين كآبائهم، وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال كالآباء، فإنه يلحق الأبناء بمراتب أولئك الآباء كرامة للآباء، وقد ورد في هذا المعنى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا الحديث تفسير الآية، وكذلك وردت أحاديث تقتضي أن الله تعالى يرحم الآباء رعيا للأبناء الصالحين، وذهب بعض الناس إلى إخراج هذا المعنى من هذه الآية، وذلك لا يترتب إلا بأن نجعل اسم "الذرية" بمثابة نوعهم على نحو ما في قوله تعالى: {أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون}، وفي هذا نظر، وقال ابن عباس أيضا، والضحاك: معنى هذه الآية أن الله تعالى يلحق الأبناء الصغار بأحكام الآباء المؤمنين في الموارثة والدفن في قبور الإسلام، وفي أحكام الآخرة في الجنة، وحكى أبو حاتم عن الحسن أنه قال: الآية في الكبار من الذرية وليس فيها من الصغار شيء، وقال منذر بن سعيد: هي في الصغار لا في الكبار، وحكى الطبري قولا معناه أن الضمير في قوله تعالى: "بهم" عائد على الذرية، والضمير الذي بعده في "ذرياتهم" عائد على "الذين"، أي: اتبعهم الكبار وألحقنا نحن بالكبار الصغار، وهذا قول مستكره.
وقوله تعالى: "بإيمان" هو في موضع الحال، فمن رأى أن الآية في الأبناء الصغار فالحال من الضمير في قوله تعالى: "اتبعتهم"، فهو من المفعولين، ومن رأى أن الآية في الأبناء الكبار فيحتمل أن يكون الحال من المفعولين، ويحتمل أن يكون من المتبعين الفاعلين، وأرجح الأقوال في هذه الآية القول الأول; لأن الآيات كلها في صفة إحسان الله تعالى إلى أهل الجنة، فذكر من جملة إحسانه أنه يرعى المحسن في المسيء، ولفظة "ألحقنا" تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال.
وقرأ الجمهور من القراء: "ألتناهم" بفتح اللام، من "ألت" وقرأ ابن كثير، وأبو يحيى، وشبل: "ألتناهم" من "ألت" بكسر اللام، وقرأ الأعرج: "وما ألتناهم"على وزن أفعلناهم، وقرأ أبي بن كعب، وابن مسعود: "لتناهم" من "لات"، وهي قراءة ابن مصرف، ورواها القواس عن ابن كثير، وتحتمل قراءة من قرأ: "ألتناهم" بفتح اللام أن تكون من "ألات" فإنه يقال: ألات يليت إلاتة، ولات يليت ليتا، وآلت يؤلت إيلاتا، وألت يألت، وألت يألت ولتا، كلها بمعنى بعض.
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى يلحق المقصر بالمحسن ولا ينقص المحسن من أجره شيئا، وهذا تأويل ابن عباس، وابن جبير والجمهور، ويحتمل قوله تعالى: {وما ألتناهم من عملهم من شيء} أن يريد: من عملهم الحسن والقبيح، ويكون الضمير في "عملهم" عائدا على الأبناء، وهذا تأويل ابن زيد، ويحسن هذا الاحتمال قوله تعالى: {كل امرئ بما كسب رهين}، والرهين: المرتهن، وفي هذه الألفاظ وعيد، وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه قرأ: "وما لتناهم" بغير ألف وبفتح اللام، قال أبو حاتم: لا تجوز هذه القراءة على وجه من الوجوه). [المحرر الوجيز: 8/ 91-93]

رد مع اقتباس