عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 01:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلا تحسبن الله} الآية. تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره من أمته، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ممن يحسب مثل هذا، ولكن خرجت العبارة هكذا، والمراد بما فيها من الزجر من شارك النبي صلى الله عليه وسلم في أن قصد تثبيته. وقرأ جمهور الناس: "مخلف وعده" بالإضافة "رسله" بالنصب، وأضاف "مخلف" إلى "الوعد" إذ للإخلاف تعلق بالوعيد على تجوز، وإنما حقيقة تعلقه بالرسل، وهذا نحو قول الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع
وكقولك: "هذا معطي زيد درهما"، وقرأت فرقة: "مخلف وعده رسله" بنصب "الوعد" وخفض "الرسل" على الإضافة، وهذه القراءة ذكرها الزجاج وضعفها، وهي تحول بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وهي كقول الشاعر:
فزججتها بمزجة ... زج القلوص أبي مزاده
[المحرر الوجيز: 5/263]
وأما إذا حيل في مثل هذا بالظرف فهو أشهر في الكلام كقوله:
لله در اليوم من لامها
وقال آخر:
كما خط الكتاب بكف يوما ... يهودي يقارب أو يزيل
والمعنى: لا تحسب يا محمد أنت ومن اعتبر بالأمر من أمتك وغيرهم أن الله لا ينجز وعده في نصر رسله وإظهارهم، ومعاقبة من كفر بهم في الدنيا والآخرة، فإن الله عزيز لا يمتنع منه شيء، ذو انتقام من الكفرة، لا سبيل إلى عفوه عنهم). [المحرر الوجيز: 5/264]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يوم تبدل الأرض} الآية. "يوم" ظرف للانتقام المذكور قبله، وروي في "تبديل الأرض" أقوال: منها في الصحيح أن الله يبدلها هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة النقي، وفي الصحيح أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه، وروي أنها تبدل أرضا من فضة، وروي أنها أرض كالفضة من بياضها، وروي أنها تبدل
[المحرر الوجيز: 5/264]
من نار وقال بعض المفسرين: تبديل الأرض هو نسف جبالها، وتفجير بحارها، وتغييرها حتى لا يرى فيها عوجا ولا أمتا، فهذه حال غير الأولى، وبهذا وقع التبديل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وسمعت من أبي رضي الله عنه أنه روي أن التبديل يقع في الأرض، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكون على فضة -إن صح السند بها-، وفريق الكفرة يكونون على نار، ويجوز هذا مما كله واقع تحت قدرة الله تعالى. وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص الله فيها، ولا سفك فيها دم، وليس فيها معلم لأحد. وروي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش"، وروي عنه أنه قال: "الناس وقت التبديل على الصراط"، وعنه أنه قال: "الناس حينئذ أضياف الله فلا يعجزهم ما لديه".
و"برزوا" مأخوذ من البراز، أي: ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن. وقوله: {الواحد القهار} صفتان لائقتان بذكر هذه الحال). [المحرر الوجيز: 5/265]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب}
المجرمون هم الكفار، و"مقرنين" مربوطين في قرن وهو الحبل الذي يشد به رؤوس الإبل والبقر، ومنه قول الشاعر:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
و"الأصفاد" الأغلال، واحدها صفد، يقال: صفده وأصفده وصفده إذا غلله، والاسم الصفاد، ومنه قول سلامة بن جندل:
وزيد الخيل قد لاقى صفادا ... يعض بساعد وبعظم ساق
وكذلك يقال في العطاء، ومنه قول النابغة.
فلم أعرض -أبيت اللعن- بالصفد). [المحرر الوجيز: 5/266]

تفسير قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "السرابيل": القمص، و"القطران" هو الذي تهنأ به الإبل، وللنار فيه اشتعال شديد، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه، ويقال بفتح القاف وكسر الطاء، وبكسر القاف وسكون الطاء، وبفتح القاف وسكون الطاء، وقرأ عمر، وعلي، والحسن بخلاف- وابن عباس، وأبو هريرة، وعلقمة، وسنان بن سلمة، وعكرمة، وابن سيرين، وابن جبير، والكلبي، وقتادة، وعمرو بن عبيد: " قطر آن"، والقطر: القصدير، وقيل: النحاس. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ليس بالقطران، ولكنه النحاس يسربلونه، و"آن" صفة، وهو الذائب الحار الذي قد تناهى حره، قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره. وقرأ جمهور الناس: "وجوههم" بالنصب "النار" بالرفع، وقرأ ابن مسعود بالعكس، فالأول على نحو: والليل إذا يغشى فهي حقيقة الغشيان، والثاني على نحو قول الشاعر:
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
فهي بتجوز في الغشيان، كأن ورود الوجوه على النار غشيان). [المحرر الوجيز: 5/267]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ليجزي الله} أي: لكي يجزي الله واللام متعلقة بفعل مضمر
[المحرر الوجيز: 5/267]
تقديره: أنفذ على المجرمين هذا العقاب ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته، وجاء من لفظة الكسب بما يعم المسيء والمحسن لينبه على أن المحسن أيضا يجازى بإحسانه خيرا.
وقوله تعالى: {سريع الحساب} أي: فاصله بين خلقه بالإحاطة التي له بدقيق أمرهم وجليلها، لا إله غيره، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله العباد في وقت واحد مع كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد). [المحرر الوجيز: 5/268]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {هذا بلاغ للناس} الآية إشارة إلى القرآن والوعيد الذي تضمنه، ووصفه بالمصدر في قوله: "بلاغ"، والمعنى: هذا ذو بلاغ للناس، وهو لينذروا به. وقرأ الجمهور: "ولينذروا" بضم الياء وفتح الذال على بناء الفعل للمفعول، وقرأ يحيى بن عمارة، وأحمد بن يزيد بن أسيد: "ولينذروا" بفتح الياء والذال، تقول العرب: "نذرت بكذا" إذا أشعرت به، وتحرزت منه، وأعددت له.
وروي أن قوله سبحانه: {وليذكر أولو الألباب} نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه). [المحرر الوجيز: 5/268]

رد مع اقتباس