عرض مشاركة واحدة
  #52  
قديم 15 محرم 1439هـ/5-10-2017م, 03:12 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

المسألة الأولى: معنى تأليف القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المسألة الأولى: معنى تأليف القرآن
التأليف في اللغة مصدر ألّف يؤلّف تأليفاً، وهو الوصل والمتابعة.

قال أبو منصور الأزهري: (أَلَّفْتُ الشيءَ: وَصَلْتُ بعضَه بِبَعْض؛ وَمِنْه: تَأليفُ الكُتب).
ورد لفظ تأليف القرآن في الأحاديث والآثار يراد به ترتيب الآيات في السورة الواحدة تارة، ويراد به ترتيب السور في المصحف تارة أخرى.
- فمن الأول: قولُ زيد بن ثابت رضي الله عنه: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع إذ قال: (( طوبى للشام ))
قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟
قال: (( إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها )). رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والترمذي والبيهقي وغيرهم من طريق يحيى بن أيوب الغافقي عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن زيد بن ثابت.
ويحيى بن أيوب صالحٌ في نفسه معروف بطلب العلم ومحلّه الصدق، وقد وثّقه يحيى بن معين، وقال فيه أحمد بن حنبل: (سيء الحفظ).
وقال أبو حاتم الرازي: (يُكتب حديثه ولا يحتج به).
ولذلك اختُلف في هذا الحديث فضعّفه بعض أهل العلم لسوء حفظ يحيى بن أيوب، وحسّنه بعضهم.
وهذا الحديث لم يتفرّد به يحيى بن أيوب؛ فقد رواه جماعة منهم عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد به، ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة يصححها بعض أهل العلم.
ورواه أيضاً ابن حبان والطبراني من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث المصري عن يزيد به.
وبمجموع هذه الطرق صحح الألباني هذا الحديث في السلسلة الصحيحة.
والشاهد فيه ذكر تأليف القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت الآيات تنزل متفرقة منجَّمة على مُدَدٍ متفاوتة، وتأليفها جمعها ووصل بعضها ببعض.
قال أبو بكر البيهقي: (وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كانت مثبتة في الصدور مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب)أ.ه.

ومن الثاني: ما في صحيح البخاري من حديث ابن جريج قال: أخبرني يوسف بن ماهك، قال: إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي، فقال: أي الكفن خير؟
قالت: (ويحك، وما يضرك؟!!)
قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك؟
قالت: (لم؟)
قال: لَعَلِّي أؤلّف القرآن َعليه، فإنه يقرأ غير مُؤلَّف.
قالت: (وما يضرك أيه قرأت قبل؟)

ثمّ ذكر الحديث إلى أن قال: فأخرجت له المصحف، فأملت عليه آي السور).

وتأليف القرآن بالمعنى الأوّل كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما دلّ عليه حديث زيد بن ثابت، لكن هل كان تأليفاً تاماً لجميع آيات السور أو لبعضها؟
اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:
القول الأول: أنّه كان جمعاً تاماً لآيات كلّ سورة، وأن جمع أبي بكرٍ كان لاستنساخه في صحف بين لوحين؛ إذ كان قبل ذلك يكتب في الرقاع واللخاف والعسب.
والقول الثاني: أنه لم يكن تأليفاً تاماً بالكتابة كما كان بالحفظ في الصدر، وأنّ جمع أبي بكر رضي الله عنه كان أوّل جمع تامّ لآيات كلّ سورة.
والقول الثاني هو الراجح لدلالة زيد بن ثابت رضي الله عنه في شأن جمع أبي بكر: (فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة). رواه البخاري في صحيحه.
إذ لو كانت مكتوبة تامة لوجدها عند غيره، وهذا القول هو الذي تدلّ عليه ظواهر الآثار المروية في هذا الباب.

وأصحاب القول الأول على صنفين:
- صنف فهموا من حديث زيد المتقدّم في التأليف وحديث عثمان مرفوعاً: (( ضعوا هذه الآيات فى السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ))
دلالة العموم على تأليف جميع الآيات مكتوبة في السطور كما هي محفوظة في الصدور.
- وصنف فهموا من قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} التلازم بين حفظ القرآن في الصدور وحفظه مكتوباً حتى في زمن النبوة، ولذلك ذهب بعضهم إلى أنّ المصحف كان مجموعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول قال به بعض المتكلمين، وهو قول غير قائم على الأثر الصحيح وإنما مستنده توهّم لزوم ما لا يلزم.

فأمّا أصحاب الصنف الثاني فيُردّ عليهم بنفي التلازم بين الأمرين.
وأما أصحاب الصنف الأول فيورد عليهم أنّ قولهم هذا يلزم منه أن تكون آيات كلّ سورة مجموعة في موضع واحد، وهذا مخالف لواقع الحال في ذلك الزمان، وما فهموه لا تقتضيه دلالة حديثي زيد وعثمان؛ لأن وضع الآيات في موضعها من السورة لا يلزم منه أن تكون السورة كلها مجموعة في موضع واحد، وقد عُلم أن منها سوراً طوالاً، وأنّ الكتابة كانت في رقاع وعسُب وأكتاف.
ولذلك فإنّ الأقرب أن تكون السور ذوات العدد مكتوبة مرتبة آياتها في مواضع بما تيسّر لهم من أدوات الكتابة وما يكتبون فيه، وتلك الصحف والرقاع متفرّقة مع كُتَّاب الوحي من الصحابة رضي الله عنهم إذ لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب مستقلّ بكتابة جميع ما يُوحى إليه.
ولذلك احتاج زيد بن ثابت في جمع أبي بكر إلى تتبّع ما تفرّق في الصحف والرقاع والأكتاف والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى جمع نسخة تامّة من القرآن في صُحُفٍ بين لوحين). [جمع القرآن:172 - 175]


رد مع اقتباس