عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 06:18 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم خاطب تعالى المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء، واستدل بعض الناس بقوله: {ثم طلقتموهن} وبمهلة "ثم" على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، وأن من طلق المرأة قبل نكاحها - وإن عينها - فإن ذلك لا يلزمه، وقال هذا نيف على ثلاثين من صاحب وتابع وإمام، سمى البخاري منهم اثنين وعشرين. وقالت طائفة عظيمة من أهل العلم: إن طلاق المعينة الشخص أو القبيل أو البلد لازم قبل النكاح، منهم مالك وجميع أصحابه وجمع عظيم من علماء الأمة. وقرأ جمهور القراء: "تمسوهن"، وقرأ حمزة، والكسائي، وطلحة، وابن وثاب: "تماسوهن"، والمعنى فيهما الجماع، وهذه العدة إنما هي لاستبراء الرحم وحفظ النسب في الحمل، فمن لم تمس فلا يلزم ذلك فيها.
وقرأ جمهور الناس من "تعتدونها" بشد الدال على وزن تفتعلونها، من العد، وروى ابن أبي برزة عن أبي بكر "تعتدونها" بالتخفيف، من العدوان، كأنه قال: فما لكم عدة تلزمونها عدوانا وظلما لهن. والقراءة الأولى أشهر عن كثير، وتخفيف الدال وهم من ابن أبي بزة.
ثم أمر تعالى بتمتيع المطلقة قبل البناء، واختلف الناس في المتعة، فقالت فرقة: هي واجبة، وقالت فرقة: هي مندوب إليها، منهم مالك وأصحابه، وقال قوم: المتعة للتي لم يفرض لها، ونصف المهر للتي فرض لها، وقال سعيد بن المسيب: بل المتعة كانت لجميعهن بهذه الآية، ثم نسخت آية البقرة بالنصف لمن فرض لها ما تضمنته هذه الآية من المتعة.
وهذه الآية خصصت آيتين: إحداهما {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، فخصصت هذه الآية من لم يدخل بها، وكذلك خصصت من ذوات الثلاثة الأشهر، وهن من قعدن عن المحيض، ومن لم يحضن من صغير المطلقات قبل البناء. و"السراح الجميل" هو الطلاق يتبعه عشرة حسنة وكلمة طيبة دون أذى). [المحرر الوجيز: 7/ 128-130]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما}
قرأ الجمهور: "اللاتي" بالتاء من فوق، وقرأ الأعمش: "اللايي" بياء من تحت. وذهب ابن زيد، والضحاك في تفسير قوله: {إنا أحللنا لك أزواجك} إلى أن المعنى أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها، وأباح له تعالى كل النساء بهذا الوجه، وأباح له ملك اليمين، وبنات العم والعمة والخال والخالة ممن هاجر معه، وخصص هؤلاء بالذكر تشريفا وتنبيها; منهن إذ قد تناولهن - على تأويل ابن زيد - قوله: {يا أيها النبي إنا أحللنا}، وأباح له الواهبات خاصة له، فهذه - على تأويل ابن زيد - إباحة مطلقة في جميع النساء حاشى ذوات المحارم، لا سيما - على ما ذكره الضحاك أن في مصحف ابن مسعود "وبنات خالاتك واللاتي هاجرن معك". ثم قال - بعد هذا - }ترجي من تشاء منهن} أي: من هذه الأصناف كلها، ثم تجري الضمائر بعد ذلك على العموم إلى قوله: {ولا أن تبدل بهن من أزواج} فيجيء هذا الضمير مقطوعا من الأول عائدا على أزواجه التسع فقط، على الخلاف في ذلك.
وتأول غير ابن زيد قوله: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي} أن الإشارة إلى حفصة وعائشة رضي الله عنهما ومن في عصمته ممن تزوجن بمهر، وأن ملك اليمين بعد حلال له، وأن الله تعالى أباح له صلى الله عليه وسلم مع المذكورات بنات عمه وعماته وخاله وخالاته ممن هاجر معه، والواهبات خاصة له صلى الله عليه وسلم، فيجيء الأمر - على هذا التأويل - أضيق على النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج في أي الناس شاء، وكان ذلك يشق على نسائه، فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه الناس إلا من سمي سر نساؤه بذلك".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لأن ملك اليمين إنما تعلقه في النادر من الأمر، وبنات العم والعمات والخال والخالات يسير، ومن يمكن أن يتزوج منهن محصور عند نسائه، لا سيما وقد قيد ذلك شرط الهجرة، وكذا الواهبة من النساء قليل، فلذلك سر أزواجه بانحصار الأمر، ثم يجيء قوله: {ترجي من تشاء منهن} إشارة إلى من تقدم ذكره، ثم يجيء قوله: {ولا أن تبدل بهن من أزواج} إشارة إلى أزواجه اللواتي تقدم النص عليهن بالتحليل، فيأتي الكلام منسقا مطردا أكثر من اطراده على التأويل الأول. والأجور: المهور.
وقوله: {مما أفاء الله عليك} أي رده إليك في الغنائم، يريد: أو على أمتك لأنه فيء عليه. وملك اليمين أصله الفيء من الغنائم، أو ما تناسل ممن سبي، والشراء من الحربيين كالسباء، ويباح السباء من الحربيين، ولا يجوز سبي من له عهد ولا تملكه، ويسمى سبي الخبثة.
وقوله تعالى: {وبنات عمك} روي عن أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت: "خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم نزلت هذه الآية فحرمني عليه لأني لم أهاجر معه، وإنما كنت من الطلقاء".
وقرأ جمهور الناس: "إن وهبت" بكسر الألف، وهذا يقتضي استئناف الأمر، أي: إن وقع فهو حلال له، على أنه قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لم تكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين. فأما بالهبة فلم يكن عنده منهن أحد". وقرأ الحسن البصري، وأبي بن كعب، والثقفي، والشعبي: "أن وهبت" بفتح الألف، فهي إشارة إلى ما وقع من الواهبات قبل نزول الآية، وكسر الألف يجري مع تأويل ابن زيد الذي قدمناه، وفتحها يجري مع التأويل الآخر، ومن قرأ بالفتح قال: الإشارة إلى من وهب نفسه للنبي صلى الله عليه وسلم من النساء على الجملة، قال ابن عباس رضي الله عنهما - فيما حكى الطبري -: هي ميمونة بنت الحارث، وقال علي بن الحسين: هي أم شريك.
وقال الشعبي وعروة: هي زينب بنت خزيمة أم المساكين، وقال أيضا عروة بن الزبير: خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمي، وفي مصحف ابن مسعود: "وامرأة مؤمنة وهبت"، دون "إن".
وقوله: {خالصة لك} أي: هبة النساء أنفسهن خاصة ومزية "لا تجوز"، فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل، وأجمع الناس على أن ذلك غير جائز; إلا ما روي عن أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف أنهم قالوا: إذا وهبت وأشهد هو على نفسه بمهر فذلك جائز.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فليس في قولهم إلا تجويز العبارة وبلفظة الهبة، وإلا فالأفعال التي اشترطوها هي أفعال النكاح بعينه، ويظهر من لفظ أبي بن كعب رضي الله عنه أن معنى قوله: {خالصة لك} يراد به جميع هذه الإباحة، لأن المؤمنين قصروا على مثنى وثلاث ورباع.
وقوله: "قد علمنا" الآية، يريد: فرضنا الولي والشاهد والمهر والاقتصار على أربع، قاله قتادة ومجاهد، وقال أبي بن كعب: هو مثنى وثلاث ورباع. وقوله: "لئلا يكون" أي: بينا هذا البيان، وشرحنا هذا الشرح لئلا يكون عليك حرج ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك في شيء، ثم آنس الجميع من المؤمنين بغفرانه ورحمته). [المحرر الوجيز: 7/ 130-133]

تفسير قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما * لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا}
"ترجي" معناه: تؤخر، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم: "ترجئ" بالهمز، وقرأ عاصم - في رواية حفص - وحمزة، والكسائي: "ترجي" بغير همز، وهما لغتان بمعنى. "وتؤوي" معناه: تضم وتقرب، وقال المبرد: هو معدى "رجا يرجو"، تقول: "رجا الرجل وأرجيته" جعلته ذا رجاء.
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى فسح لنبيه فيما يفعله في جهة النساء، والضمير في "منهن" عائد على من تقدم ذكره من الأصناف حيث الخلاف المذكور في ذلك.
وهذا الإرجاء والإيواء يحتمل معاني: منها في القسم، أي: تقرب من شئت في القسمة لها من نفسك، وتؤخر عنك من شئت، وتكثر لمن شئت، وتقل لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن هن أن هذا هو حكم الله تعالى لك وقضاؤه زالت الأنفة والتغاير عنهن ورضين وقرت أعينهن وهذا تأويل مجاهد، وقتادة، والضحاك؛ لأن سبب هذه الآيات إنما كان تغايرا - وقع بين زوجات النبي عليه الصلاة والسلام - عليه، فشقي بذلك، ففسح الله تبارك وتعالى له، وأنبهن بهذه الآيات.
وقال ابن زيد، وابن عباس: في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته، وإمساك من شاء، قال ابن زيد: وكان عليه الصلاة والسلام قد هم بطلاق بعض نسائه، فقلن له: اقسم لنا ما شئت، فكان ممن أرجأ سودة وجويرية وصفية وأم حبيبة وميمونة، وآوى إليه عائشة وأم سلمة وحفصة وزينب رضي الله عنهن أجمعين.
وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى: في تزويج من شاء من النساء وترك من شاء، وقالت فرقة: المعنى: في ضم من شاء من الواهبات وتأخير من شاء.
وعلى كل معنى فالآية معناها التوسعة عليه صلى الله عليه وسلم والإباحة; قالت عائشة رضي الله عنها: لما قرأ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
وذهب هبة الله في "الناسخ والمنسوخ" له إلى أن قوله: {ترجي من تشاء} الآية ناسخ قوله: {لا يحل لك النساء} الآية، وقال: ليس في كتاب الله تعالى ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا. وكلامه يضعف من جهات.
وقوله عز وجل: {ومن ابتغيت ممن عزلت} يحتمل معاني: أحدهما أن تكون "من" للتبعيض، أي: من أردته وطلبته نفسك ممن كنت عزلته وأخرته فلا جناح في رده إلى نفسك وإيوائه إليك بعد عزلته. ووجه ثان وهو أن يكون مقويا ومؤكدا لقوله: (ترجي من تشاء وتؤوي من تشاء)، فيقول بعد: ومن ابتغيت ممن عزلت فذلك سواء لا جناح عليك في جميعه، وذلك كما تقول: "من لقيك ممن لم يلقك جميعهم لك شاكرين"، وأنت تريد: "من لقيك ومن لم يلقك"، وهذا المعنى يصح أن يكون في معنى القسم، ويصح أن يكون في الطلاق والإمساك، وفي الواهبات، وبكل واحد قالت فرقة.
وقرأ الجمهور: "ذلك أدنى أن تقر أعينهن" برفع الأعين، وقرأ ابن محيصن: "أن تقر" بضم التاء من "تقر" وكسر القاف "أعينهن" نصبا. وقوله: "بما آتيتهن" أي: من نفسك ومالك. وقرأ جمهور الناس: "كلهن" بالرفع على التأكيد للضمير في "يرضين"، ولم يجوز الطبري غيرها، وقرأ جويرة بن عابد: "كلهن" بالنصب على تأكيد ضمير "آتيتهن"، والمعنى أنهن يسلمن لله ولحكمه، وكن قبل لا يتسامحن بينهن للغيرة، ولا يسلمن للنبي صلى الله عليه وسلم أنفة، نحا إلى هذا المعنى ابن زيد، وقتادة.
وقوله تعالى: {والله يعلم ما في قلوبكم} خبر عام، والإشارة إلى ما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة شخص دون شخص، وكذلك يدخل في المعنى أيضا المؤمنون. وقوله: "حليما" صفة تقتضي منه تبارك وتعالى صفحا وتأنيسا في هذا المعنى; إذ هي خواطر وفكر لا يملكها الإنسان في الأغلب.
واتفقت الروايات على أنه عليه الصلاة والسلام عدل بينهن في القسمة حتى مات، ولم يمتثل ما أبيح له معهن ضبطا لنفسه، وأخذا بالفضل، غير أن سودة وهبت يومها لعائشة توصلا لمسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 7/ 133-136]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد}، قيل كما قدمنا: إنها خطرت عليه النساء إلا التسع اللواتي كن عنده، فكأن الآية ليست متصلة بما قبلها. قال ابن عباس، وقتادة رضي الله عنهم، لما هجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا وآلى منهن، ثم خرج وخيرهن فاخترن الله ورسوله، جازاهن الله بأن حظر عليه النساء غيرهن، وقنعه بهن، وحظر عليه تبديلهن، ونسخ بذلك ما أباحه له من قبل من التوسعة في جميع النساء. وقال أبي بن كعب وعكرمة: لا يحل لك النساء من بعد أي: من بعد الأصناف المسماه. ومن قال بأن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا: لا يحل لك النساء معناه: لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات، وهذا تأويل فيه بعد وإن كان روي عن مجاهد، وكذلك قدر: ولا أن تبدل اليهوديات والنصرانيات بالمسلمات، وهذا قول أبي رزين، وسعيد بن جبير. وقال أبي بن كعب: لا يحل لك النساء من بعد يعني: لا يحل لك العمات ولا الخالات ونحوهن، وأمر مع ذلك بأن لا يتبدل بأزواجه التسع، ومنع أن يطلق منهن ويتزوج غيرهن، قاله الضحاك. وقيل: بمن تزوج وحصل في عصمته، أي: لا يبدلها بأن يأخذ زوجة إنسان ويعطيه هو زوجته، قال ابن زيد: وهذا شيء كانت العرب تفعله. وهذا قول ضعيف أنكره الطبري وغيره في معنى الآية، وما فعلت العرب هذا قط، وما روي من حديث عيينة بن حصن أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة رضي الله عنها فقال: "من هذه الحميراء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عائشة، فقال عيينة: يا رسول الله، إن شئت نزلت لك عن سيدة العرب جمالا ونسبا" فليس بتبديل ولا أراد ذلك، وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول. وقرأ أبو عمرو - بخلاف -: "تحل" بالتاء على معنى: جماعة النساء، وقرأ الباقون بالياء من تحت، على معنى: جميع النساء، وهما حسنان; لأن تأنيث لفظ النساء ليس بحقيقي.
وقوله تعالى: {ولو أعجبك حسنهن}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس، أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنها حين مات عنها جعفر بن أبي طالب، [فأراد أن يتزوجها]، وفي هذه اللفظة: أعجبك حسنهن دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها، وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما"، وقال صلى الله عليه وسلم لآخر: "انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا"، قال الحميدي: يعني: صفراء، وقال سهل بن أبي حثمة: رأيت محمد بن مسلمة يطارد بييتة بنت الضحاك على إجار من أجاجير المدينة، فقلت له: أتفعل هذا؟ فقال: نعم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها".
وقوله تعالى: {إلا ما ملكت يمينك}. "ما" في موضع رفع بدل من "النساء"، ويجوز أن تكون في موضع نصب على الاستثناء، وفي النصب ضعف، ويجوز أن تكون "ما" مصدرية، والتقدير: إلا ملك يمينك، بمعنى "مملوك"، وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول. و"الرقيب" فعيل بمعنى فاعل، أي: راقب). [المحرر الوجيز: 7/ 136-138]

رد مع اقتباس