عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 02:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله [تعالى] {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم} أي: إذا ارتكبتم النّهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الّذي يكفر فيه بآيات اللّه ويستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الّذي هم فيه. فلهذا قال تعالى: {إنّكم إذًا مثلهم} [أي] في المأثم، كما جاء في الحديث: "من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجلس على مائدةٍ يدار عليها الخمر".
والّذي أحيل عليه في هذه الآية من النّهي في ذلك، هو قوله تعالى في سورة الأنعام، وهي مكّيّةٌ: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم [حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين]} [الأنعام: 68] قال مقاتل بن حيّان: نسخت هذه الآية الّتي في الأنعام. يعني نسخ قوله: {إنّكم إذًا مثلهم} لقوله {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون} [الأنعام: 69].
وقوله: {إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعًا} أي: كما أشركوهم في الكفر، كذلك شارك اللّه بينهم في الخلود في نار جهنّم أبدًا، وجمع بينهم في دار العقوبة والنّكال، والقيود والأغلال. وشراب الحميم والغسلين لا الزّلال). [تفسير القرآن العظيم: 2/435-436]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)}
يخبر تعالى عن المنافقين أنّهم يتربّصون بالمؤمنين دوائر السّوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم، وذهاب ملّتهم {. فإن كان لكم فتحٌ من اللّه} أي: نصرٌ وتأييدٌ وظفر وغنيمةٌ {قالوا ألم نكن معكم}؟ أي: يتودّدون إلى المؤمنين بهذه المقالة {وإن كان للكافرين نصيبٌ} أي: إدالةٌ على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحدٍ، فإنّ الرّسل تبتلى ثمّ يكون لها العاقبة {قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين}؟ أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالًا وتخذيلًا حتّى انتصرتم عليهم.
وقال السّدّيّ: {نستحوذ عليكم} نغلب عليكم، كقوله: {استحوذ عليهم الشّيطان} [المجادلة: 19] وهذا أيضًا تودّدٌ منهم إليهم، فإنّهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلّا لضعف إيمانهم، وقلّة إيقانهم.
قال اللّه تعالى: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة} أي: بما يعلمه منكم -أيّها المنافقون-من البواطن الرّديئة، فلا تغترّوا بجريان الأحكام الشّرعيّة عليكم ظاهرًا في الحياة الدّنيا، لما له [تعالى] في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يومٌ تبلى فيه السّرائر ويحصّل ما في الصّدور.
وقوله: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال عبد الرّزّاق: أنبأنا الثّوريّ، عن الأعمش، عن ذرّ، عن يسيع الكنديّ قال: جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبي طالبٍ، فقال: كيف هذه الآية: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا}؟ فقال عليٌّ، رضي اللّه عنه: ادنه ادنه، ثمّ قال: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا}
وكذا روى ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال: ذاك يوم القيامة. وكذا روى السّدّيّ عن أبي مالكٍ الأشجعيّ: يعني يوم القيامة. وقال السّدّيّ: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} أي: حجة.
ويحتمل أن يكون المراد: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} أي: في الدّنيا، بأن يسلّطوا عليهم استيلاء استئصالٍ بالكلّيّة، وإن حصل لهم ظفرٌ في بعض الأحيان على بعض النّاس، فإنّ العاقبة للمتّقين في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا [ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار]} [غافرٍ: 51، 52]. وعلى هذا فيكون ردًّا على المنافقين فيما أملوه وتربّصوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفًا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: {فترى الّذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم [يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم] نادمين} [المائدة: 52].
وقد استدلّ كثيرٌ من العلماء بهذه الآية الكريمة على أصحّ قولي العلماء، وهو المنع من بيع العبد المسلم من الكافر لما في صحّة ابتياعه من التّسليط له عليه والإذلال، ومن قال منهم بالصّحّة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال؛ لقوله تعالى: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/436-437]

رد مع اقتباس