عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 06:50 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ص قال يقول ص كما تقول تلق كذا). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت: 220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله: {ص والقرآن ذي الذكر} قال: ذي الشرف [الآية: 1]). [تفسير الثوري: 256]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في معنى قول اللّه عزّ وجلّ: {ص} فقال بعضهم: هو من المصاداة، من صاديت فلانًا، وهو أمرٌ من ذلك، كأنّ معناه عندهم: صاد بعملك القرآن: أي عارضه به، ومن قال هذا تأويله، فإنّه يقرؤه بكسر الدّالّ، لأنّه أمرٌ، وكذلك روي عن الحسن.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: قال الحسن {صاد} قال: حادث القرآن.
- وحدّثت عن عليّ بن عاصمٍ، عن عمرو بن عبيدٍ، عن الحسن، في قوله: {صاد} قال: عارض القرآن بعملك.
- حدّثت عن عبد الوهّاب، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: {ص والقرآن} قال: عارض القرآن قال عبد الوهّاب: يقول اعرضه على عملك، فانظر أين عملك من القرآن.
- حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن أنّه كان يقرأ: {ص والقرآن} بخفض الدّالّ، وكان يجعلها من المصاداة، يقول: عارض القرآن.
وقال آخرون: هي حرف هجاءً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا {ص} فمن الحروف.
وقال آخرون: هو قسمٌ أقسم اللّه به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ص} قال: قسمٌ أقسمه اللّه، وهو من أسماء اللّه.
وقال آخرون: هو اسمٌ من أسماء القرآن أقسم اللّه به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ص} قال: هو اسمٌ من أسماء القرآن أقسم اللّه به.
وقال آخرون: معنى ذلك: صدق اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن المسيّب بن شريكٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ص} قال: صدق اللّه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامّة قرّاء الأمصار خلا عبد اللّه بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر بسكون الدّال، فأمّا عبد اللّه بن أبي إسحاق فإنّه كان يكسرها لاجتماع السّاكنين، ويجعل ذلك بمنزلة الأداة، كقول العرب: تركته حاث باث، وخاز باز يخفضان من أجل أنّ الّذي يلي آخر الحروف ألفٌ فيخفضون مع الألف، وينصبون مع غيرها، فيقولون حيث بيث، ولأجعلنّك في حيص بيص: إذا ضيّق عليه. وأمّا عيسى بن عمر فكان يوفّق بين جميع ما كان قبل آخر الحروف منه ألفٌ، وما كان قبل آخره ياءٌ أو واوٌ فيفتح جميع ذلك وينصبه، فيقول: (صاد)، و(قاف)، و(نون)، و(ياسين)، فيجعل ذلك مثل الأداة كقولهم: ليت، وأين وما أشبه ذلك.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا السّكون في كلّ ذلك، لأنّ ذلك القراءة الّتي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفيضةً فيهم، وأنّها حروف هجاءٍ لأسماء المسمّيات، فيعربن إعراب الأسماء والأدوات والأصوات، فيسلك به مسالكهنّ، فتأويلها إذ كانت كذلك تأويل نظائرها الّتي قد تقدّم بياننا لها قبل فيما مضى.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: {ص} في معناها كقولك: وجب واللّه، نزل واللّه، وحقّ واللّه، وهي جوابٌ لقوله: {والقرآن} كما تقول: حقًّا واللّه، نزل واللّه.
وقوله: {والقرآن ذي الذّكر} وهذا قسمٌ أقسمه اللّه تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال: {والقرآن ذي الذّكر}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ذي الذّكر} فقال بعضهم: معناه: ذي الشّرف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو أحمد، عن قيسٍ، عن أبي حصينٍ، عن سعيدٍ {ص والقرآن ذي الذّكر} قال: ذي الشّرف.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، وابن بشّارٍ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، عن مسعرٍ، عن أبي حصينٍ {ذي الذّكر} ذي الشّرف.
- قال: حدّثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، أو غيره {ذي الذّكر} ذي الشّرف.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {والقرآن ذي الذّكر} قال: ذي الشّرف.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ {ص والقرآن ذي الذّكر} ذي الشّرف.
وقال بعضهم: بل معناه: ذي التّذكير، ذكّركم اللّه به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن المسيّب بن شريكٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك {ذي الذّكر} قال: فيه ذكركم، قال: ونظيرتها: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {ذي الذّكر} أي ما ذكر فيه.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معناه: ذي التّذكير لكم، لأنّ اللّه أتبع ذلك قوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} فكان معلومًا بذلك أنّه إنّما أخبر عن القرآن أنّه أنزله ذكرًا لعباده ذكّرهم به، وأنّ الكفّار من الإيمان به في عزّةٍ وشقاقٍ.
واختلف في الّذي وقع عليه اسم القسم، فقال بعضهم؛ وقع القسم على قوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {بل الّذين كفروا في عزّةٍ} قال: هاهنا وقع القسم.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: بل دليلٌ على تكذيبهم، فاكتفى ببل من جواب القسم، وكأنّه قيل: ص، ما الأمر كما قلتم، بل أنتم في عزّةٍ وشقاقٍ.
وكان بعض نحويّي الكوفة يقول: زعموا أنّ موضع القسم في قوله: {إن كلٌّ إلاّ كذّب الرّسل} وقال بعض نحويّي الكوفة: قد زعم قومٌ أنّ جواب {والقرآن} قوله: {إنّ ذلك لحقٌ تخاصم أهل النّار}، قال: وذلك كلامٌ قد تأخّر عن قوله: {والقرآن} تأخّرًا شديدًا، وجرت بينهما قصصٌ مختلفةٌ، فلا نجد ذلك مستقيمًا في العربيّة، واللّه أعلم.
قال: ويقال: إنّ قوله: {والقرآن} يمينٌ، اعترض كلامٌ دون موقع جوابها، فصار جوابها للمعترض ولليمين، فكأنّه أراد: والقرآن ذي الذّكر، لكم أهلكنا، فلمّا اعترض قوله {بل الّذين كفروا في عزّةٍ} صارت كم جوابًا للعزّة واليمين، قال: ومثله قوله: {والشّمس وضحاها} اعترض دون الجواب قوله: {ونفسٍ وما سوّاها فألهمها} فصارت قد أفلح تابعه لقوله: فألهمها، وكفى من جوابٍ القسم، فكأنّه قال: والشّمس وضحاها لقد أفلح.
والصّواب من القول في ذلك عندي، القول الّذي قاله قتادة، وأنّ قوله: {بل} لمّا دلّت على التّكذيب وحلّت محلّ الجواب استغني بها من الجواب، إذ عرف المعنى، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك: {ص والقرآن ذي الذّكر} ما الأمر كما يقول هؤلاء الكافرون: بل هم في عزّةٍ وشقاقٍ). [جامع البيان: 20/5-10]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وحكمها حكم الحروف المقطّعة أوائل السّور وقد قرأها عيسى بن عمر بكسر الدّال فقيل للدرج وقيل بل هي عنده فعل أمرٍ من المصاداة وهي المعارضة كأنّه قيل عارض القرآن بعملك والأوّل هو المشهور وسيأتي مزيد بيانٍ في أسماء السّورة في أوّل غافرٍ). [فتح الباري: 8/544]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (واختلف في معناه، فعن ابن عبّاس: بحر بمكّة كان عليه عرش الرّحمن لا ليل ولا نهار، وعن سعيد بن جبير: بحر يحيي الله به الموتى بين النفختين، وعن الضّحّاك: {ص} صدق الله تعالى، وعن مجاهد: فاتحة السّورة، وعن قتادة: اسم من أسماء القرآن، وعن السّديّ: اسم من أسماء الله، وعن محمّد القرظيّ: هو مفتاح أسماء الله تعالى إلى صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد، وعن ابن سليمان الدّمشقي: اسم حيّة رأسها تحت العرش وذنبها تحت الأرض السّفلى، قال: وأظنه عن عكرمة، وقيل: هو من المصاداة من قولك: صاد فلانا وهو أمر من ذلك. فمعناه: صاد بعملك القرآن أي: عارضه لتنظر أين عملك. فمن أول هكذا يقرأ: صاد بكسر الدّال لأنّه أمر، وكذا روي عن الحسن، وقرأه عامّة قراء الأمصار بسكون الدّال إلاّ عبد الله بن إسحاق وعيسى بن عمر فإنّهما يكسرانه). [عمدة القاري: 19/137]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 1 - 3.
أخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: سئل جابر بن عبد الله، وابن عباس رضي الله عنهما عن {ص} فقالا: ما ندري ما هو). [الدر المنثور: 12/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله {ص} قال: حادث القرآن). [الدر المنثور: 12/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله أنه كان يقرأ {ص والقرآن} بخفض الدال وكان يجعلها من المصاداة يقول عارض القرآن قال عبد الوهاب: أعرضه على عملك فانظر أين عملك من القرآن). [الدر المنثور: 12/503-504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {ص} يقول: إني أنا الله الصادق). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {ص} قال: صدق الله). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال {ص} محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {ص والقرآن ذي الذكر} قال: نزلت في مجالسهم). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {ص والقرآن ذي الذكر} قال: ذي الشرف). [الدر المنثور: 12/504]

تفسير قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {في عزّةٍ} [ص: 2] : «معازّين»). [صحيح البخاري: 6/124]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ في عزّةٍ أي معازين وصله الفريابيّ من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ به وروى الطّبريّ من طريق سعيدٍ عن قتادة في قوله في عزّةٍ قال في حميّةٍ ونقل عن الكسائيّ في روايةٍ أنّه قرأ في غرّةٍ بالمعجمة والرّاء وهي قراءة الجحدريّ وأبي جعفرٍ). [فتح الباري: 8/545]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
وقال مجاهد في عزة معازين الملّة الآخرة ملّة قريش الاختلاق الكذب الأسباب طرق السّماء في أبوابها جند ما هنالك مهزوم يعني قريشًا أولئك الأحزاب القرون الماضية فواق رجوع قطنا عذابنا اتخذناهم سخريا أحطنا بهم أتراب أمثال
وقال ابن عبّاس الأيد القوّة في العبادة الأبصار البصر في أثر الله حب الخير عن ذكر ربّي من ذكر طفق مسحا يمسح أعراف الخيل وعراقيبها الأصفاد الوثاق
أما أقوال مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 2 ص {بل الّذين كفروا في عزة} قال معازين). [تغليق التعليق: 4/295] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ في عزّةٍ معازّين
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {بل الّذين كفروا في عزة وشقاق} (ص: 2) وأراد أن قوله: (في عزة) في موضع خبر وأنه بمعنى: (معازين) أي: مغالبين، وقيل: في حمية جاهليّة وتكبر. قوله: (وشقاق) ، أي: خلاف وفراق). [عمدة القاري: 19/138]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه (في عزة) أي (معازين) بضم الميم وبعد العين ألف فزاي مشددة وقال غيره في استكبار عن الحق أي ما كفر من كفر به لخلل وجده فيه بل كفروا به استكبارًا وحمية جاهلية). [إرشاد الساري: 7/316]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (معازين) وقال غيره، أي: في حمية، وتكبر عن الإيمان. ومعنى معازين: مغالبون). [حاشية السندي على البخاري: 3/67]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} يقول تعالى ذكره: بل الّذين كفروا باللّه من مشركي قريشٍ في حميةٍ ومشاقةٍ وفراقٍ لمحمّدٍ وعداوةٍ، وما بهم أن لا يكونوا أهل علمٍ، بأنّه ليس بساحرٍ ولا كذّابٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {في عزّةٍ وشقاقٍ} قال: معازين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {في عزّةٍ وشقاقٍ} أي في حميّةٍ وفراقٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} قال: يعادون أمر اللّه ورسله وكتابه، ويشاقّون، ذلك عزّةٌ وشقاقٌ، فقلت له: الشّقاق: الخلاف، فقال: نعم). [جامع البيان: 20/11]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله بل الذين كفروا في عزة يعني معازين). [تفسير مجاهد: 547]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة {بل الذين كفروا في عزة} قال: ههنا وقع القسم {في عزة وشقاق} قال: في حمية وفراق). [الدر المنثور: 12/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} قال: معازين {شقاق} قال: عاصين وفي قوله {فنادوا ولات حين مناص} قال: ما هذا بحين فرار). [الدر المنثور: 12/505]

تفسير قوله تعالى: (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني ابن زيد عن أبيه في قول الله: {ولات حين مناصٍ}، قال: ولات حين منجى). [الجامع في علوم القرآن: 2/164]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولات حين مناص قال نادوا على غير حين النداء). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن عكرمة ونادوا وليس بحين انفلات). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن أصحابه عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم أنه سأل ابن عباس قال ما ولات حين مناص قال ليس بحين نزو ولا فرار.
عن معمر عن قتادة قال وذكره إسرائيل عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس مثله). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدثنا سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن التّميميّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولات حين مناص} قال: نادوا وليس بحين نزوٍ ولا فرار [الآية: 3]). [تفسير الثوري: 256]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {فنادوا ولات حين مناصٍ} قال: ليس بحين فرارٍ ولا إجابةٍ). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 59]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ فنادوا ولات حين مناصٍ}.
يقول تعالى ذكره: كثيرًا أهلكنا من قبل هؤلاء المشركين من قريشٍ الّذين كذّبوا رسولنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فيما جاءهم به من عندنا من الحقّ {من قرنٍ} يعني: من الأمم الّذين كانوا قبلهم، فسلكوا سبيلهم في تكذيب رسلهم فيما أتوهم به من عند اللّه {فنادوا} يقول: فعجّوا إلى ربّهم وضجّوا واستغاثوا بالتّوبة إليه، حين نزل بهم بأس اللّه وعاينوا به عذابه فرارًا من عقابه، وهربًا من أليم عذابه {ولات حين مناصٍ} يقول: وليس ذلك حين فرارٍ ولا هربٍ من العذاب بالتّوبة، وقد حقّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لا تنفعهم التّوبة، واستقالوا في غير وقت الإقالة.
وقوله: {مناصٍ} مفعلٍ من النّوص، والنّوص في كلام العرب: التّأخّر، والمناص: المفر؛ ومنه قول امرئ القيس:
أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص.. فتقصر عنها خطوةً وتبوص
يقول: أو تقدّمٌ، يقال من ذلك: ناصني فلانٌ: إذا ذهب عنك، وباصني: إذا سبقك، وناض في البلاد: إذا ذهب فيها، بالضّاد وذكر الفرّاء أنّ العقيليّ أنشده:
إذا عاش إسحاق وشيخه لم أبل = فقيدًا ولم يصعب عليّ مناض
ولو أشرفت من كفّة السّتر عاطلاً = لقلت غزالٌ ما عليه خضاض
والخضاض: الحليّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولات حين مناصٍ} قال: ليس بحين نزوٍ، ولا حين فرارٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: أرأيت قول اللّه {ولات حين مناصٍ} قال: ليس بحين نزوٍ ولا فرارٍ ضبط القوم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن التّميميّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قول اللّه {ولات حين مناصٍ} قال: ليس حين نزوٍ ولا فرارٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ولات حين مناصٍ} قال: ليس حين نزوٍ ولا فرارٍ.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولات حين مناصٍ} يقول: ليس حين مغاثٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن،. قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولات حين مناصٍ} قال: ليس هذا بحين فرارٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {فنادوا ولات حين مناصٍ} قال: نادى القوم على غير حين نداءٍ، وأرادوا التّوبة حين عاينوا عذاب اللّه فلم يقبل منهم ذلك.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ولات حين مناصٍ} قال: حين نزل بهم العذاب لم يستطيعوا الرّجوع إلى التّوبة، ولا فرارًا من العذاب.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فنادوا ولات حين مناصٍ} يقول: وليس حين فرارٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولات حين مناصٍ} ولات حين منجًى ينجون منه.
ونصب {حين} في قوله: {ولات حين مناصٍ} تشبيهًا للات بليس، وأضمر فيها اسم الفاعل.
وحكى بعض نحويّي أهل البصرة الرّفع مع (لات) في (حين) زعم أنّ بعضهم رفع (ولات حين مناصٍ) فجعله في قوله مثل (ليس)، كأنّه قال: ليس وأضمر الحين.
قال: وفي الشّعر:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ = فأجبنا أن ليس حين بقاء
فجرّ (أوانٍ) وأضمر الحين وأضاف إلى (أوانٍ)، لأنّ (لات) لا تكون إلاّ مع الحين؛ قال: ولا تكون (لات) إلاّ مع (حينٍ).
وقال بعض نحويّي الكوفة: من العرب من يضيف لات فيخفض بها، وذكر أنّه أنشد:
لات ساعة مندم
بخفض السّاعة؛ قال: والكلام أن ينصب بها، لأنّها في معنى ليس، وذكر أنّه أنشد:
تذكّر حبّ ليلى لات حينًا = وأضحى الشّيب قد قطع القرينا
قال: وأنشدني بعضهم:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ = فأجبنا أن ليس حين بقاء
بخفض (أوانٍ)؛ قال: وتكون لات مع الأوقات كلّها.
واختلفوا في وجه الوقف على قوله: {لات حين} فقال بعض أهل العربيّة: الوقف عليه ولات بالتّاء، ثمّ يبتدأ حين مناصٍ، قالوا: وإنّما هي لا الّتي بمعنى: ما، وإنّ في الجحد وصلت بالتّاء، كما وصلت ثمّ بها، فقيل: ثمّت، وكما وصلت ربّ فقيل: ربّت.
وقال آخرون منهم: بل هي هاءٌ زيدت في لا، فالوقف عليها لاه، لأنّها هاءٌ زيدت للوقف، كما زيدت في قولهم:
العاطفونة حين ما من عاطفٍ = والمطعمونة حين أين المطعم
فإذا وصلت صارت تاءً.
وقال بعضهم: الوقف على لا، والابتداء بعدها بحينٍ، وزعم أنّ حكم التّاء أن تكون في ابتداء حين، وأوان، والآن؛ ويستشهد لقيله ذلك بقول الشّاعر:
تولّي قبل يوم سبيٍ جمانا = وصلينا كما زعمت تلآنا
وأنّه ليس هاهنا لا فيوصل بها هاءٌ أو تاءٌ؛ ويقول: إنّ قوله: {لات حين} إنّما هي: ليس حين، ولم توجد لات في شيءٍ من الكلام.
والصّواب من القول في ذلك عندنا: أنّ لا حرف جحدٍ كما وإن وصلت بها تصير في الوصل تاءً، كما فعلت العرب ذلك بالأدوات، ولم تستعمل ذلك كذلك مع لا المدّة إلاّ للأوقات دون غيرها، ولا وجه للعلّة الّتي اعتلّ بها القائل: إنّه لم يجد لات في شيءٍ من كلام العرب، فيجوز توجيه قوله: {ولات حين} إلى ذلك، لأنّها تستعمل الكلمة في موضعٍ، ثمّ تستعملها في موضعٍ آخر بخلاف ذلك، وليس ذلك بأبعد في القياس من الصّحّة من قولهم: رأيت بالهمز، ثمّ قالوا: فأنا أراه بترك الهمز لما جرى به استعمالهم، وما أشبه ذلك من الحروف الّتي تأتي في موضعٍ على صورةٍ، ثمّ تأتي بخلاف ذلك في موضعٍ آخر للجاري من استعمال العرب ذلك بينها. وأمّا ما استشهد به من قول الشّاعر: وكما زعمت تلانا، فإنّ ذلك منه غلطٌ في تأويل الكلمة؛ وإنّما أراد الشّاعر بقوله: وصلّينا كما زعمت تلانا وصلّينا كما زعمت أنت الآن، فأسقط الهمزة من أنت، فلقيت التّاء من زعمت النّون من أنت وهي ساكنةٌ، فسقطت من اللّفظ، وبقيت التّاء من أنت، ثمّ حذفت الهمزة من الآن، فصارت الكلمة في اللّفظ كهيئة تلان، والتّاء الثّانية على الحقيقة منفصلةٌ من الآن، لأنّها تاء أنت وأمّا زعمه أنّه رأى في المصحف الّذي يقال له الإمام التّاء متّصلةٌ بحينٍ، فإنّ الّذي جاءت به مصاحف المسلمين في أمصارها هو الحجّة على أهل الإسلام، والتّاء في جميعها منفصلةٌ عن حينٍ، فلذلك اخترنا أن يكون الوقف على الهاء في قوله: {ولات حين} ). [جامع البيان: 20/11-17]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن دينارٍ الزّاهد، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا محمّد بن سابقٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {ولات حين مناصٍ} [ص: 3] قال: «ليس بحين نزوٍ ولا فرارٍ» صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/470]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} قال: معازين {شقاق} قال: عاصين وفي قوله {فنادوا ولات حين مناص} قال: ما هذا بحين فرار). [الدر المنثور: 12/505] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه عن التميمي قال: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن قول الله {فنادوا ولات حين مناص} قال: ليس بحين تزور ولا فرار). [الدر المنثور: 12/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنه أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {ولات حين} قال: ليس بحين فرار قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
تذكرت ليلى لات حين تذكر * وقد تبت عنها والمناص بعيد). [الدر المنثور: 12/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما {فنادوا ولات حين مناص} قال: نادوا والنداء حين لا ينفعهم وأنشد تذكرت). [الدر المنثور: 12/505-506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس {ولات حين مناص} قال: لا حين فرار). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما {ولات حين مناص} قال: ليس بحين مغاث). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {ولات حين مناص} ليس بحين جزع). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {ولات حين مناص} قال: وليس حين نداء). [الدر المنثور: 12/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي في قوله {ولات حين مناص} قال: نادوا بالتوحيد والعقاب حين مضت الدنيا عنهم فاستناصوا التوبة حين زالت الدنيا عنهم). [الدر المنثور: 12/506-507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فنادوا ولات حين مناص} قال: نادى القوم على غير حين نداء وأرادوا التوبة حين عاينوا عذاب الله فلم ينفعهم ولم يقبل منهم). [الدر المنثور: 12/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه {ولات حين مناص} قال: ليس حين انقلاب). [الدر المنثور: 12/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن وهب بن منبه {ولات حين مناص} قال: إذا أراد السرياني أن يقول وليس يقول ولات). [الدر المنثور: 12/507]

تفسير قوله تعالى: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ (4) أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ}.
يقول تعالى ذكره: وعجب هؤلاء المشركون من قريشٍ أن جاءهم منذرٌ ينذرهم بأس اللّه على كفرهم به من أنفسهم، ولم يأتهم ملكٌ من السّماء بذلك {وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ} يقول: وقال المنكرون وحدانيّة اللّه: هذا يعنون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم ساحرٌ كذّابٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم} يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّابٌ}.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ساحرٌ كذّابٌ} يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 20/17-18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 4 - 16
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} قال: عجب المشركون أن دعوا إلى الله وحده وقالوا: إنه لا يسمع حاجتنا جميعا إله واحدا). [الدر المنثور: 12/507]

تفسير قوله تعالى: (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {عجابٌ} [ص: 5] : " عجيبٌ). [صحيح البخاري: 6/124]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله عجابٌ عجيبٌ هو قول أبي عبيدة قال والعرب تحوّل فعيلًا إلى فعالٍ بالضّمّ وهو مثل طويلٍ وطوالٍ قال الشّاعر تعدو به سلهبةً سراعةً أي سريعةً وقرأ عيسى بن عمر ونقلت عن عليٍّ عجّابٌ بالتّشديد وهو مثل كبار في قوله ومكروا مكرًا كبّارًا وهو أبلغ من كبارٍ بالتّخفيف وكبارٌ المخفّف أبلغ من كبيرٍ). [فتح الباري: 8/545]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (عجابٌ: عجيبٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {إن هذا الشّيء عجاب} (ص: 5) وذكر أن معنى: عجاب، بمعنى: (عجيب) وقرئ: عجاب، بتشديد الجيم والمعنى واحد، وقيل: هو أكثر، وقال مقاتل هذا بلغة أزد شنوءة مثل كريم وكرام وكبير وكبار وطويل وطوال وعريض وعراض). [عمدة القاري: 19/137-138]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (عجاب) أي (عجيب) وذلك أن التفرّد بالألوهية خلاف ما عليه آباؤهم مطلقًا وتصوّروه من أن الإله الواحد لا يسع الخلق كلهم). [إرشاد الساري: 7/315]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا إبراهيم بن محمّدٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ، فأتته قريشٌ، وأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعوده، وعند رأسه مقعد رجلٍ، فجاء أبو جهلٍ فقعد فيه، ثمّ قال: ألا ترى إلى ابن أخيك يقع في آلهتنا؟، قال: ابن أخي، ما لقومك يشكونك؟، قال: «أريدهم على كلمةٍ تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية»، قال: وما هي؟، قال: «لا إله إلّا الله»، فقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟، فنزلت ص، فقرأ حتّى بلغ {عجابٌ} [ص: 5]
- أخبرنا الحسن بن أحمد بن حبيبٍ، قال: حدّثنا محمّدٌ وهو ابن عبد الله بن نميرٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا الأعمش، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، نحوه
- أخبرنا إبراهيم بن الحسن، قال: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن عمر بن ذرٍّ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سجد في ص، وقال: «سجدها داود عليه السّلام توبةً، ونسجدها شكرًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/233-234]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} يقول: وقال هؤلاء الكافرون الّذين قالوا: محمّدٌ ساحرٌ كذّابٌ: أجعل محمّدٌ المعبودات كلّها واحدًا، يسمع دعاءنا جميعنا، ويعلم عبادة كلّ عابدٍ عبده منّا {إنّ هذا لشيءٍ عجابٌ} أي إنّ هذا لشيءٍ عجيبٌ.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} قال: عجب المشركون أن دعوا إلى اللّه وحده، وقالوا: يسمع لحاجاتنا جميعًا إلهٌ واحدٌ ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة.
وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر اللّه عنهم أنّهم قالوه من ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لهم: أسألكم أن تجيبوني إلى واحدةٍ تدين لكم بها العرب، وتعطيكم بها الخراج العجم فقالوا: وما هي؟ فقال: تقولون لا إله إلاّ اللّه، فعند ذلك قالوا: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} تعجّبًا منهم من ذلك.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا الأعمش، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا مرض أبو طالبٍ دخل عليه رهطٌ من قريشٍ فيهم أبو جهل بن هشامٍ فقالوا: إنّ ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعل ويفعل، ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته؛ فبعث إليه، فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فدخل البيت، وبينهم وبين أبي طالبٍ قدر مجلس رجلٍ، قال: فخشي أبو جهلٍ إن جلس إلى جنب أبي طالبٍ أن يكون أرقّ له عليه، فوثب فجلس في ذلك المجلس، ولم يجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مجلسًا قرب عمّه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالبٍ: أي ابن أخي، ما بال قومك يشكونك؟ يزعمون أنّك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول؛ قال: فأكثروا عليه القول، وتكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا عمّ إنّي أريدهم على كلمةٍ واحدةٍ يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمةٌ واحدةٌ؟ نعم وأبيك عشرًا؛ فقالوا: وما هي؟ فقال أبو طالبٍ: وأيّ كلمةٍ هي يا ابن أخي؟ قال: لا إله إلاّ اللّه؛ قال: فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وهم يقولون: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} قال: ونزلت من هذا الموضع إلى قوله: {لمّا يذوقوا عذاب}.
اللّفظ لأبي كريبٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ، فأتاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعوده، وهم حوله جلوسٌ، وعند رأسه مكانٌ فارغٌ، فقام أبو جهلٍ فجلس فيه، فقال أبو طالبٍ: يا ابن أخي ما لقومك يشكونك؟ قال: يا عمّ أريدهم على كلمةٍ تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم بها العجم الجزية قال: ما هي؟ قال: لا إله إلاّ اللّه فقاموا وهم يقولون: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ} ونزل القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر} ذي الشّرف {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} حتّى قوله: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ، ثمّ ذكر نحوه، إلاّ أنّه لم يقل ذي الشّرف، وقال: إلى قوله: {إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: مرض أبو طالبٍ، قال: فجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يعوده، فكان عند رأسه مقعد رجلٍ، فقام أبو جهلٍ، فجلس فيه، فشكوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أبي طالبٍ، وقالوا: إنّه يقع في آلهتنا، فقال: يا ابن أخي ما تريد إلى هذا؟ قال: يا عمّ إنّما أريدهم على كلمةٍ تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية قال: وما هي؟ قال: لا إله إلاّ اللّه، فقالوا: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إنّ هذا لشيءٌ عجابٌ} ). [جامع البيان: 20/18-20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 4 - 16
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} قال: عجب المشركون أن دعوا إلى الله وحده وقالوا: إنه لا يسمع حاجتنا جميعا إله واحدا). [الدر المنثور: 12/507] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {وانطلق الملأ منهم} قال: عقبة بن أبي معيطٍ [الآية: 6]). [تفسير الثوري: 256]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد (6) ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
يقول تعالى ذكره: وانطلق الأشراف من هؤلاء الكافرين من قريشٍ، القائلين: {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا} بأن امضوا فاصبروا على دينكم وعبادة آلهتكم فأن من قوله: {أن امشوا} في موضع نصبٍ يتعلّق انطلقوا بها، كأنّه قيل: انطلقوا مشيًا ومضيًّا على دينكم وذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا على آلهتكم).
وذكر أنّ قائل ذلك كان عقبة بن أبي معيطٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ: {وانطلق الملأ منهم} قال: عقبة بن أبى معيطٍ.
وقوله: {إن هذا لشيءٌ يراد} أي إنّ هذا القول الّذي يقول محمّدٌ، ويدعونا إليه، من قول لا إله إلاّ اللّه، شيءٌ يريده منّا محمّدٌ يطلب به الاستعلاء علينا، وأن نكون له فيه أتباعًا ولسنا مجيبيه إلى ذلك). [جامع البيان: 20/21]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال مسدّدٌ: وثنا يحيى، عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ: "في قوله عزّ وجلّ: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم) قال: عقبة بن أبي معيطٍ".
- وبه: عن مجاهد "في قوله تعالى: (ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة) قال: في النصرانية"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/260]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا يحيى عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم}، قال: عقبة ابن أبي معيطٍ.
- وبه عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: في النّصرانيّة). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/157-158]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مجلز قال: قال رجل يوم بدر ما هم إلا النساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هم الملأ وتلا {وانطلق الملأ منهم} ). [الدر المنثور: 12/507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وانطلق الملأ منهم} قال: نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبي طالب يكلموه في النّبيّ صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 12/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وانطلق الملأ منهم} قال: أبو جهل). [الدر المنثور: 12/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا} قال: هو عقبة بن أبي معيط، وفي قوله {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: النصرانية قالوا: لو كان هذا القرآن حقا لأخبرتنا به النصارى). [الدر المنثور: 12/508]

تفسير قوله تعالى: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله بهذا في الملة الآخرة قال النصرانية وقال قتادة هو الدين الذي نحن عليه). [تفسير عبد الرزاق: 2/160]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {الملّة الآخرة} [ص: 7] : " ملّة قريشٍ، الاختلاق: الكذب "). [صحيح البخاري: 6/124]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الملّة الآخرة ملّة قريشٍ الاختلاق الكذب وصله الفريابيّ أيضًا عن مجاهدٍ في قوله ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة قال ملّة قريشٍ إن هذا إلّا اختلاقٌ كذبٌ وأخرج الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله الملّة الآخرة قال النّصرانيّة وعن السّدّيّ نحوه وكذا قال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن الكلبيّ قال وقال قتادة دينهم الّذي هم عليه). [فتح الباري: 8/545]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
وقال مجاهد في عزة معازين الملّة الآخرة ملّة قريش الاختلاق الكذب الأسباب طرق السّماء في أبوابها جند ما هنالك مهزوم يعني قريشًا أولئك الأحزاب القرون الماضية فواق رجوع قطنا عذابنا اتخذناهم سخريا أحطنا بهم أتراب أمثال
وقال ابن عبّاس الأيد القوّة في العبادة الأبصار البصر في أثر الله حب الخير عن ذكر ربّي من ذكر طفق مسحا يمسح أعراف الخيل وعراقيبها الأصفاد الوثاق
أما أقوال مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 2 ص {بل الّذين كفروا في عزة} قال معازين
وفي قوله 7 ص {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال ملّة قريش {إن هذا إلّا اختلاق} 7 ص قال كذب). [تغليق التعليق: 4/295] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الملّة الآخرة ملّة قريشٍ الاختلاق الكذب
أشار به إلى قوله تعالى: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق} (ص: 7) وفسّر الملّة الآخرة بملّة قريش، والاختلاق بالكذب، وبه فسر مجاهد وقتادة، وعن ابن عبّاس والقرطبي والكلبي ومقاتل: يعنون النّصرانيّة لأن النّصارى تجعل مع الله إلها). [عمدة القاري: 19/138]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الملة الآخرة}) في قوله: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة [ص: 7] هي (ملة قريش) التي كانت عليها آباؤهم أو دين النصرانية وفي الملة متعلق بسمعنا أي لم يسمع في الملة الآخرة بهذا الذي جئت به أو بمحذوف على أنه حال من هذا أي ما معنا بهذا كائنًا في الملة الآخرة أي لم نسمع من الكهان ولا من أهل الكتب أنه يحدث توحيد الله في الملة الآخرة وهذا من فرط كذبهم.
(الاختلاق) في قوله: {إن هذا إلا اختلاق} [ص: 7] هو (الكذب) المختلق). [إرشاد الساري: 7/316]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميدٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن يحيى، قال عبدٌ: هو ابن عبّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ، فقام أبو جهلٍ كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: إنّي أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمةً واحدةً؟ قال: كلمةً واحدةً قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلاّ اللّه فقالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذّكر (1) بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ}، إلى قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاقٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سفيان، عن الأعمش، نحو هذا الحديث، وقال يحيى بن عمارة). [سنن الترمذي: 5/219] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} اختلف أهل التّأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ما سمعنا بهذا الّذي يدعونا إليه محمّدٌ من البراءة من جميع الآلهة إلاّ من اللّه تعالى ذكره، وبهذا الكتاب الّذي جاء به في الملّة النّصرانيّة، قالوا: وهي الملّة الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} يقول: النّصرانيّة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} يعني النّصرانيّة؛ فقالوا: لو كان هذا القرآن حقًّا أخبرتنا به النّصارى.
- حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا يحيى بن معينٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن ابن أبي لبيدٍ، عن القرظيّ في قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: ملّة عيسى.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة}: النّصرانيّة.
وقال آخرون: بل عنوا بذلك: ما سمعنا بهذا في ديننا دين قريشٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: ملّة قريشٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {في الملّة الآخرة} قال: ملّة قريشٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} أي في ديننا هذا، ولا في زماننا قطّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: الملّة الآخرة: الدّين الآخر قال: والملّة الدّين.
وقيل: إنّ الملأ الّذين انطلقوا نفرٌ من مشيخة قريشٍ، منهم أبو جهلٍ، والعاص بن وائلٍ، والأسود بن عبد يغوث.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، أنّ أناسًا من قريش اجتمعوا، فيهم أبو جهل بن هشامٍ، والعاص بن وائلٍ، والأسود بن المطّلب، والأسود بن عبد يغوث في نفرٍ من مشيخة قريشٍ، فقال بعضهم لبعضٍ: انطلقوا بنا إلى أبي طالبٍ، فلنكلّمه فيه، فلينصفنا منه، فيأمره فليكفّ عن شتم آلهتنا، وندعه وإلهه الّذي يعبد، فإنّا نخاف أن يموت هذا الشّيخ، فيكون منّا شيءٌ، فتعيّرنا العرب فيقولون: تركوه حتّى إذا مات عمّه تناولوه، قال: فبعثوا رجلاً منهم يدعى المطّلب، فاستأذن لهم على أبي طالبٍ، فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم يستأذنون عليك، قال: أدخلهم؛ فلمّا دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالبٍ أنت كبيرنا وسيّدنا، فأنصفنا من ابن أخيك، فمره فليكفّ عن شتم آلهتنا، وندعه وإلهه؛ قال: فبعث إليه أبو طالبٍ؛ فلمّا دخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم، وقد سألوك النّصف أن تكفّ عن شتم آلهتهم، ويدعوك وإلهك؛ قال: فقال: أي عمّ أولا أدعوهم إلى ما هو خيرٌ لهم منها؟ قال: وإلام تدعوهم؟ قال: أدعوهم إلى أن يتكلّموا بكلمةٍ تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم؛ قال: فقال أبو جهلٍ من بين القوم: ما هي وأبيك لنعطينّكها وعشر أمثالها، قال: تقولون لا إله إلاّ اللّه قال: فنفروا وقالوا: سلنا غير هذه، قال: ولو جئتموني بالشّمس حتّى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها؛ قال: فغضبوا وقاموا من عنده غضابًا وقالوا: واللّه لنشتمنّك والّذي يأمرك بهذا {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد} إلى قوله: {إلاّ اختلاقٌ} وأقبل على عمّه، فقال له عمّه: يا ابن أخي ما شططت عليهم، فأقبل على عمّه فدعاه، فقال: قل كلمةً أشهد لك بها يوم القيامة، تقول: لا إله إلاّ اللّه، فقال: لولا أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها، ولكن على ملّة الأشياخ؛ قال: فنزلت هذه الآية {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّى، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيءٌ يراد} قال: نزلت حين انطلق أشراف قريشٍ إلى أبي طالبٍ فكلّموه في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء المشركين في القرآن: ما هذا القرآن إلاّ اختلاقٌ: أي كذبٌ اختلقه محمّدٌ وتخرّصه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} يقول: تخريصٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} قال: كذبٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} يقول: كذبٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} إلاّ شيءٌ تخلقه.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} اختلقه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إن هذا إلاّ اختلاقٌ} قالوا: إن هذا إلاّ كذبٌ). [جامع البيان: 20/21-26]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة يعنون ملة قريش). [تفسير مجاهد: 547]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إن هذا إلا اختلاق قال الاختلاق الكذب). [تفسير مجاهد: 547]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) (ابن عباس - رضي الله عنهما -): قال: مرض أبو طالبٍ فجاءته قريشٌ، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم - وعند أبي طالبٍ مجلس رجلٍ - فقام أبو جهلٍ كي يمنعه من الجلوس فيه، قال: وشكوه إلى أبي طالبٍ. فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ قال: أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب، وتؤدّي إليهم العجم الجزية. قال: كلمة واحدة؟ قال: كلمة واحدة، فقال: يا عمّ. قولوا: لا إله إلا الله. فقالوا: إلهاً واحداً؟ ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة. إن هذا إلا اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن {ص (1) والقرآن ذي الذّكر (2) بل الذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ (3) كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ فنادوا ولات حين مناص (4) وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذّاب. أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيءٌ عجاب (5) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيءٌ يراد (6) ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} [ص: 1 - 7].
أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(تدين) دان له يدين: إذا أطاعه، ودخل تحت حكمه.
(اختلاق) الاختلاق: الكذب). [جامع الأصول: 2/335-336] (م)
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال مسدّدٌ: وثنا يحيى، عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ: "في قوله عزّ وجلّ: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم) قال: عقبة بن أبي معيطٍ".
- وبه: عن مجاهد "في قوله تعالى: (ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة) قال: في النصرانية"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/260] (م)
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا يحيى عن سفيان، حدّثني إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم}، قال: عقبة ابن أبي معيطٍ.
- وبه عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة} قال: في النّصرانيّة). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/157-158] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: ملة عيسى عليه السلام). [الدر المنثور: 12/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: النصرانية). [الدر المنثور: 12/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} قال: النصرانية). [الدر المنثور: 12/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} أي في ديننا هذا ولا في زماننا هذا {إن هذا إلا اختلاق} قال: قالوا إن هذا إلا شيء يخلقه، وفي قوله {أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب} قال: لا والله ما عندهم منها شيء ولكن الله يختص برحمته من يشاء {أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب} قال: في السماء). [الدر المنثور: 12/509-510]

تفسير قوله تعالى: (أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أؤنزل عليه الذّكر من بيننا بل هم في شكٍّ من ذكري بل لمّا يذوقوا عذاب (8) أم عندهم خزائن رحمة ربّك العزيز الوهّاب}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء المشركين من قريشٍ: أأنزل على محمّدٍ الذّكر من بيننا فخصّ به، وليس بأشرف منّا حسبًا؟!
وقوله: {بل هم في شكٍّ من ذكري} يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء المشركين أن لا يكونوا أهل علمٍ بأنّ محمّدًا صادقٌ، ولكنّهم في شكٍّ من وحينا إليه، وفي هذا القرآن الّذي أنزلناه إليه أنّه من عندنا {بل لمّا يذوقوا عذاب} يقول: بل لم ينزل بهم بأسنا، فيذوقوا وبال تكذيبهم محمّدًا، وشكّهم في تنزيلنا هذا القرآن عليه، ولو ذاقوا العذاب على ذلك علموا وأيقنوا حقيقة ما هم به مكذّبون، حين لا ينفعهم علمهم). [جامع البيان: 20/26]


رد مع اقتباس