عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 08:46 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم...}

فـ"الأمانيّ " على وجهين في المعنى، ووجهين في العربية؛
فأما في العربية؛ فإنّ من العرب من يخفّف الياء فيقول: "إلاّ أماني وإن هم" ومنهم من يشدّد، وهو أجود الوجهين.
وكذلك ما كان مثل "أمنيّة"، ومثل "أضحيّة"، و"أغنيّة"، ففي جمعه وجهان: التخفيف والتشديد، وإنما تشدّد لأنك تريد الأفاعيل، فتكون مشدّدة لاجتماع الياء من جمع الفعل والياء الأصلي، وإن خفّفت حذفت ياء الجمع فخففت الياء الأصلية، وهو كما يقال: القراقير والقراقر، فمن قال (الأماني) بالتخفيف فهو الذي يقول القراقر، ومن شدّد (الأمانيّ) فهو الذي يقول القراقير.
والأمنيّة في المعنى: التلاوة، كقول الله عزّ وجلّ: {إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} أي: في تلاوته، والأمانيّ -أيضا-: أن يفتعل الرجل الأحاديث المفتعلة؛ قال بعض العرب لابن دأب وهو يحدّث الناس: أهذا شيء رويته أم شيء تمنّيته؟ يريد: افتعلته، وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم ليست من كتاب الله، وهذا أبين الوجهين). [معاني القرآن: 1/ 49-50]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم إلاّ يظنّون}
باب من الاستثناء.
{ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ} منصوبة لأنه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى "لكن" خارجا من أول الكلام إنما يريد "لكن أمانيّ" و"لكنّهم يتمنّون"، وإنما فسرناه بـ"لكن" لنبين خروجه من الأول، ألا ترى أنك إذا ذكرت "لكن" وجدت الكلام منقطعاً من أوله، ومثل ذلك في القرآن كثير [منه قوله عز وجل] {وما لأحدٍ عنده من نّعمةٍ تجزى * إلاّ ابتغاء وجه ربّه} وقال: {ما لهم به من علمٍ إلاّ اتّباع الظّنّ} وقال: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً} يقول: "فهلاّ كان منهم من ينهى"، ثم قال: "ولكن قليلاً منهم من ينهى"، ثم قال "ولكن قليلٌ منهم قد نهوا"، فلما جاء مستثنى خارجاً من الأول انتصب، ومثله {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس} يقول: "فهلاّ كانت"، ثم قال: "ولكنّ قوم يونس" فـ"إلا" تجيء في معنى "لكنّ"، وإذا عرفت أنها في معنى "لكنّ" فينبغي أن تعرف خروجها من أوله، وقد يكون {إلاّ قوم يونس} رفعا، تجعل "إلاّ" وما بعده في موضع صفة بمنزلة "غير" كأنه قال: "فهلا كانت قريةٌ آمنت غير قرية قوم يونس"، ومثلها {لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ اللّه لفسدتا} فقوله: {إلاّ اللّه} صفة [و] لولا ذلك لانتصب، لأنه مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام، وكل مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام نصب، وهذا قد يجوز إلقاؤه [فـ] لو قلت "لو كان فيهما آلهةٌ لفسدتا" جاز، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله "ما مرّ بي أحدٌ إلاّ زيداً مثلك"، قال الشاعر فيما هو صفة:
أنيخت فألقت بلدةً فوق بلدةٍ ....... قليلٌ بهـا الأصـوات إلاّ بغامهـا
وقال:
وكــلّ أخٍ مفـارقـه أخـــوه ....... لعمر أبيك إلا الفرقدان
ومثل المنصوب الذي في معنى "لكن" قول الله عز وجل: {وإن نّشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون * إلاّ رحمةً مّنّا} وهو في الشعر كثير وفي الكلام، قال الفرزدق:
وما سجنوني غير أني ابن غالب ....... وأنـي مـن الأثـريـن غـيـر الزعـانـف
يقول: "ولكنّني"، وهو مثل قولهم: "ما فيها أحدٌ إلا حماراً" لما كان ليس من أول الكلام جعل على معنى "لكنّ" ومثله:
لـيـس بيـنـي وبـيـن قـيـسٍ عـتــاب ....... غير طعن الكلا وضرب الرقاب
وقوله:
حلفـت يمينـاً غيـر ذي مثنـويّـةٍ ....... ولا علم إلاّ حسن ظنٍّ بغايب
وبصاحب.
باب الجمع.
وأمّا تثقيل {الأمانيّ} فلأن واحدها "أمنيّة" مثقّل، وكلّ ما كان واحده مثقلا مثل: "بختيّة" و"بخاتيّ" فهو مثقّل، وقد قرأ بعضهم (إلاّ أماني) فخفف، وذلك جائز لأن الجمع على غير واحده وينقص منه ويزاد فيه، فأما "الأثافي" فكلّهم يخفّفها وواحدها "أثفيّة" مثقّلة، وإنما خففوها لأنهم يستعملونها في الكلام والشعر كثيرا، وتثقيلها في القياس جائز، ومثل تخفيف "الأماني" قولهم: "مفتاح" و"مفاتح" وفي "معطاء": "معاطٍ"،
قال الأخفش: قد سمعت بلعنبر تقول: "صحاري" و"معاطيّ" فتثقل.
وقوله: {وإن هم إلاّ يظنّون} أي: فماّ هم إلاّ يظنّون). [معاني القرآن: 1/ 89-91]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أهل المدينة {إلا أماني وإن هم}، مثقلة حيث وقعت.
وكان أبو جعفر يخففها، وكل ما في القرآن من آماني.
[معاني القرآن لقطرب: 250]
وقالوا في كلامهم: أمنية، وأمان يا هذا؛ وبختية وبخات؛ وعارية وعوار؛ بغير تثقيل.
قال الشاعر فخفف:
وأطفأ نار المرء عمرو وكيده = وكان يمني النفس مني الأمانيا
وهي لغة مطردة في كلامهم: أماني؛ مخففة.
والأري مثقل؛ والتثقيل فيه أقيس؛ لأن الواحد مثقل.
قال الراعي في مثل ذلك:
بذي الرضم سار الحي منها فما ترى = بها العين إلا مسجدا وأواريا
فخفف على هذه القراءة.
وقال بعضهم: إمنية بكسر الألف). [معاني القرآن لقطرب: 251]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب}، فإنهم يقولون: فيك أمية؛ كأنه الغفلة.
[معاني القرآن لقطرب: 321]
قال أبو علي: والذي سمعنا: الجهالة؛ كأن الأمي من ذلك الذي لا يقرأ؛ وهو الجهل بالكتاب عند العرب.
وقال الراجز:
ولا أعود بعدها كريا
وأمارس الكهلة والصبيا
والعزب المنفه الأميا). [معاني القرآن لقطرب: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({الأماني} الأمنية في المعنى: التلاوة، ويقال للحديث: المفتعل، قيل لبعضهم في حديث: تمنيته أم حديث رويته؟ أي: افتعلته). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ} أي: لا يعلمون الكتاب إلّا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء، فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو كذب، ومنه قول عثمان -رضي اللّه عنه-: «ما تغنّيت ولا تمنّيت» أي: ما اختلقت الباطل.
وتكون الأمانيّ: التّلاوة، قال اللّه عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} يريد: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
يقول: فهم لا يعلمون الكتاب إلّا تلاوة ولا يعلمون به، وليسوا كمن يتلوه حقّ تلاوته، فيحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ولا يحرفه عن مواضعه). [تفسير غريب القرآن:55-56]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ وإن هم إلّا يظنّون}
معنى "الأمّي" في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلّة أمّته، أي: لا يكتب فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه، وارتفع {أمّيّون} بالابتداء و{منهم} الخبر، ومن قول الأخفش يرتفع {أمّيّون} بفعل "هم"، كان المعنى: واستقر منهم أمّيّون.
ومعنى {إلّا أمانيّ} قال الناس في معناه قولين:
قالوا: معناه: لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة، كما قال عزّ وجلّ: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} أي: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
وقد قيل: الأماني أكاذيب العرب، تقول أنت إنما تتمنى هذا القول، أي: تختلقه.
ويجوز أن يكون أماني منسوبا إلى القائل إذا قال ما لا يعلمه فكأنه إنما يتمناه، وهذا مستعمل في كلام الناس، تقول للذي يقول ما لا حقيقة له وهو يحبه: هذا منى، وهذه أمنية.
وفي لفظ أماني وجهان:
العرب تقول هذه أمان وأمانيّ يا هذا، بالتشديد والتخفيف، فمن قال (أمانيّ) بالتشديد فهو مثل أحدوثة وأحاديث، وقرقورة وقراقير، ومن قال (أمان) بالتخفيف فهو مما اجتمعت فيه الياءان أكثر لثقل الياء.
والعرب تقول في أثفية أثافيّ وأثاف، والتخفيف أكثر لكثرة استعمالهم أثاف،
والأثافي: الأحجار التي تجعل تحت القدر). [معاني القرآن: 1/ 159-160]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (و"الأماني": التلاوة). [ياقوتة الصراط: 175]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا أماني} إلا أباطيل وأكاذيب، قال عثمان رضي الله عنه:«ما تمنيت منذ أسلمت» أي: ما كذبت.
أي: لا يعلمون الكتاب إلا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو باطل كذب.
(الأماني) في غير هذه: التلاوة، وكقوله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} أي: تلاوته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ("الأمنية": التلاوة). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فويلٌ لّلّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً فويلٌ لّهم مّمّا كتبت أيديهم وويلٌ لّهم مّمّا يكسبون}
{فويلٌ لّلّذين يكتبون الكتاب} يرفع "الويل" لأنه اسم مبتدأ جعل ما بعده خبره، وكذلك "الويح و"الويل" و"الويس" إذا كانت بعدهنّ هذه اللام ترفعهن، وأما "التعس" و"البعد" وما أشبههما فهو نصب أبدا، وذلك أنّ كل ما كان من هذا النحو تحسن إضافته بغير لام فهو رفع باللام، ونصب بغير لام، نحو: {ويلٌ لّلمطفّفين} و"ويلٌ لزيدٍ"، ولو ألقيت اللام قلت: "ويل زيدٍ" و"ويح زيدٍ" و"ويس زيدٍ"، فقد حسنت إضافته بغير لام فلذلك رفعته باللام مثل: {ويلٌ يومئذٍ لّلمكذّبين}.
وأما قوله: {ألا بعداً لّمدين} و{ألا بعداً لّثمود} و{والّذين كفروا فتعساً لّهم} فهذا لا تحسن إضافته بغير لام، ولو قلت: "تعسهم" أو "بعدهم" لم يحسن، وانتصاب هذا كله بالفعل، كأنك قلت: "أتعسهم اللّه تعساً" و"أبعدهم اللّه بعدا"، وإذا قلت: "ويل زيدٍ" فكأنك قلت: "ألزمه اللّه الويل"، وأما رفعك إياه باللام؛ فإنما كان لأنك جعلت ذلك واقعا واجبا لهم في الاستحقاق، ورفعه على الابتداء، وما بعده مبني عليه، وقد ينصبه قوم على ضمير الفعل وهو قياس حسن، فيقولون: "ويلاً لزيد" و"ويحاً لزيد"، قال الشاعر:
كسا اللؤم تيماً خضرةً في جلودها....... فـويـلاً لتـيـمٍ مـــن سرابيـلـهـا الـخـضـر
قال الأخفش: "حدثني عيسى بن عمر أنه سمع الأعراب ينشدونه هكذا بالنصب، ومنهم من يرفع ما ينصب في هذا الباب، قال أبو زبيد:
أغار وأقوى ذات يومٍ وخيبةٌ ....... لأوّل مــن يلـقـى غــيٌ ميـسّـر
باب اللام.
وقوله: {ليشتروا به ثمناً قليلاً} فهذه اللام إذا كانت في معنى "كي" كان ما بعدها نصبا على ضمير "أن"، وكذلك المنتصب بـ"كي" هو أيضاً على ضمير "أن" كأنه يقول: "الاشتراء"، فـ"يشتروا" لا يكون اسما إلا بـ"أن"، فـ"أن" مضمرة وهي الناصبة وهي في موضع جر باللام. وكذلك {كي لا يكون دولةً} "أن" مضمرة وقد جرتها "كي"، وقالوا: "كيمه" فـ"مه" اسم لأنه "ما" التي في الاستفهام وأضاف "كي" إليها، وقد تكون "كي" بمنزلة "أن" هي الناصبة وذلك قوله: {لّكيلا تأسوا} فأوقع عليها اللام، ولو لم تكن "كي" وما بعدها اسما لم تقع عليها اللام وكذلك ما انتصب بعد "حتّى" إنّما انتصب بمضمر "أن" قال: {حتّى يأتي وعد اللّه} و{حتّى تتّبع ملّتهم} إنّما هو "حتّى أن يأتي " و"حتّى أن تتّبع"، وكذلك جميع ما في القرآن من "حتّى"، وكذلك {وزلزلوا حتّى يقول الرّسول} أي: "حتّى أن يقول"، لأنّ "حتّى" في معنى "إلىّ"، تقول "أقمنا حتّى الليل" أي: "إلى اللّيل".
فإن قيل: إظهار "أن" ههنا قبيح؛ قلت: "قد تضمر أشياء يقبح إظهارها إذا كانوا يستغنون عنها"، ألا ترى أنّ قولك: "إن زيداً ضربته" منتصب بفعل مضمر لو أظهرته لم يحسن، وقد قرئت هذه الآية (وزلزلوا حتّى يقولُ الرّسولُ) يريد: "حتّى الرّسول قائلٌ"، جعل ما بعد "حتّى" مبتدأ، وقد يكون ذلك نحو قولك: "سرت حتّى أدخلها" إذا أردت: "سرت فإذا أنا داخلٌ فيها"، و"سرت أمس حتّى أدخلها اليوم" أي: حتّى "أنا اليوم أدخلها فلا أمنع"، وإذا كان غاية للسير نصبته، وكذلك ما لم يجب مما يقع عليه "حتّى" نحو: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقباً}.
وأما {ولن يخلف اللّه وعده} فنصب بـ"لن" كما نصب بـ"أن"، وقال بعضهم: إنما هي "أن" جعلت "لا" كأنه يريد "لا أن يخلف اللّه وعده" فلما كثرت في الكلام حذفت، وهذا قول، وكذلك جميع "لن" في القرآن.
وينبغي لمن قال ذلك القول أن يرفع "أزيدٌ لن تضرب" لأنه في معنى "أزيد لا ضرب له"، وكذلك ما نصب بـ"إذن" تقول: "إذن آتيك" تنصب بها كما تنصب بـ"أن" وبـ"لن" فإذا كان قبلها الفاء أو الواو رفعت نحو قول الله عز وجل: {وإذاً لاّ تمتّعون إلاّ قليلاً} وقال: {فإذاً لاّ يؤتون النّاس نقيراً} وقد يكون هذا نصبا أيضاً عنده على إعمال "إذن"، وزعموا أنّه في بعض القراءة منصوب؛ وإنّما رفع لأنّ معتمد الفعل صار على الفاء والواو ولم يحمل على "إذن"، فكأنه قال: "فلا يؤتون الناس إذا نقيرا" [و] "ولا تمتّعون إذن"، وقوله: {لّئلاّ يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيءٍ} [و] {وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ} و{أن لا يرجع إليهم قولاً} فارتفع الفعل بعد "أن لا" لأنّ ["أن"] هذه مثقّلة في المعنى، ولكنها خففت وجعل الاسم فيها مضمرا، والدليل على ذلك أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل، ألا ترى أنّك تقول "أفلا يرون أنّه لا يرجع إليهم"، وتقول: "أنّهم لا يقدرون على شيء" [و] "أنّه لا تكون فتنة". وقال: {آيتك أن لا تكلّم الناس} نصب لأن هذا ليس في معنى المثقّل، إنما هو {آيتك أن لا تكلّم} كما تقول: (آيتك أن تكلّم) وأدخلت "لا" للمعنى الذي أريد من النفي، ولو رفعت هذا جاز على معنى (آيتك أنك لا تكلم)، ولو نصب الآخر جاز على أن تجعلها "أن" الخفيفة التي تعمل في الأفعال، ومثل ذلك {إنّه ظنّ أن لّن يحور} وقال: {تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} وقال: {إن ظنّا أن يقيما حدود اللّه} وتقول: "علمت أن لا تكرّمني" و"حسبت أن لا تكرمني"، فهذا مثل ما ذكرت لك، فإنما صار "علمت" و"استيقنت" ما بعده رفع لأنه واجب، فلما كان واجبا لم يحسن أن يكون بعده "أن" التي تعمل في الأفعال، لأن تلك إنما تكون في غير الواجب، ألا ترى أنك تقول "أريد أن تأتيني" فلا يكون هذا إلا لأمر لم يقع، وارتفع ما بعد الظن وما أشبهه لأنه مشاكل للعلم لأنه يعلم بعض الشيء إذا كان يظنه، وأما "خشيت أن لا تكرمني" فهذا لم يقع، ففي مثل هذا تعمل "أن" الخفيفة، ولو رفعته على أمر قد استقر عندك وعرفته كأنك جريته فكان لا يكرمك فقلت: "خشيت أن لا تكرمني" أي: "خشيت أنّك لا تكرمني" جاز.
وزعم يونس أن ناسا من العرب يفتحون اللام التي في مكان "كي" وأنشدوا هذا البيت، فزعم أنه سمعه مفتوحا:
يؤامـرنـي ربيـعـة كــلّ يـــومٍ ....... لأهلكه وأقتني الدّجاجا
وزعم خلف أنها لغة لبني العنبر وأنه سمع رجلا ينشد هذا البيت منهم مفتوحا:
فقلـت لكلبيّـي قضاعـة إنّـمـا ....... تخبّر تماني أهل فلجٍ لأمنعا
يريد "من أهل فلجٍ".
وقد سمعت أنا ذلك من العرب، وذلك أن أصل اللام الفتح وإنما كسرت في الإضافة ليفرق بينها وبين لام الابتداء.
وزعم أبو عبيدة أنه سمع لام "لعلّ" مفتوحة في لغة من يجرّبها ما بعدها في قول الشاعر:
لعـلّ اللّـه يمكننـي عليهـا ....... جهاراً من زهيرٍ أو أسيد
يريد "لعلّ عبد اللّه" فهذه اللام مكسورة لأنها لام إضافة.
وقد زعم أنه قد سمعها مفتوحة فهي مثل لام "كي"، وقد سمعنا من العرب من يرفع بعد "كيما" وأنشد:
إذا أنت لـم تنفـع فضـرّ فإنّمـا ....... يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع
فهذا جعل "ما" اسما وجعل "يضرّ" و"ينفع" من صلته جعله اسما للفعل وأوقع "كي" عليه وجعل "كي" بمنزلة اللام.
وقوله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم}، وقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ} فيشبه أن تكون الفاء زائدة كزيادة "ما" ويكون الذي بعد الفاء بدلا من "أن" التي قبلها، وأجوده أن تكسر "إن" وأن تجعل الفاء جواب المجازاة، وزعموا أنهم يقولون "أخوك فوجد" "بل أخوك فجهد" يريدون "أخوك وجد" و"بل أخوك جهد" فيزيدون الفاء، وقد فسر الحسن {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها} على حذف الواو، وقال: «معناها: قال لهم خزنتها»، فالواو في هذا زائدة، قال الشاعر:
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ....... إلاّ كــلــمّـــة حـــالــــمٍ بــخـــيـــال
وقال:
فــــإذا وذلــــك لــيــس إلاّ حـيـنــه ....... وإذا مضى شيءٌ كأن لم يفعل
كأنه زاد الواو وجعل خبره مضمرا، ونحو هذا مما خبره مضمر كثير). [معاني القرآن: 1 /92-96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فويلٌ للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه} أي: يزيدون في كتب اللّه ما ليس منها، لينالوا بذلك غرضا حقيرا من الدنيا). [تفسير غريب القرآن: 56]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكسبون}
"الويل" في اللغة: كلمة يستعملها كل واقع في هلكة، وأصله في العذاب والهلاك، وارتفع "ويل" بالابتداء، وخبره {للّذين}، ولو كان في غير القرآن لجاز (فويلا للذين) على معنى: جعل الله ويلا للذين، والرفع على معنى: ثبوت الويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا.
يقال: إن هذا في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كتبوا صفته على غير ما كانت عليه في التوراة،
ويقال في التفسير: إنهم كتبوا صفته أنه آدم طويل، وكانت صفته فيها أنه آدم ربعة، فبدّلوا فألزمهم الله الويل بما كتبت أيديهم ومن كسبهم على ذلك، لأنهم أخذوا عليه الأموال وقبلوا الهدايا). [معاني القرآن: 1 /160]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ أيّاماً مّعدودةً...}
يقال: كيف جاز في الكلام: لآتينك أياما معدودة، ولم يبين عددها؟
وذلك أنهم نووا الأيام التي عبدوا فيها العجل، فقالوا: لن نعذّب في النار إلا تلك الأربعين الليلة التي عبدنا فيها العجل، فلما كان معناها مؤقّتا معلوما عندهم وصفوه بـ"معدودة" و"معدودات"، فقال الله: قل يا محمد: هل عندكم من الله عهدٌ بهذا الذي قلتم {أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}). [معاني القرآن: 1/ 50]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اتخذتم عند الله عهداً} أي: وعداً، والميثاق: العهد يوثق له). [مجاز القرآن: 1/ 45]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عند الله عهدا} أي: وعدا). [غريب القرآن وتفسيره: 74]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّاماً معدودةً} قالوا: إنما نعذّب أربعين يوما قدر ما عبد أصحابنا العجل.
{قل أتّخذتم عند اللّه عهداً} أي أتخذتم بذلك من اللّه وعدا؟). [تفسير غريب القرآن: 56]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة قل أتّخذتم عند اللّه عهدا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون}
{تمسنا} نصب بـ{لن}، وقد اختلف النحويون في علة النصب بـ"لن".
فروي عن الخليل قولان؛
أحدهما: أنها نصبت كما نصبت "أن" وليس ما بعدها بصلة لها، لأن "لن يفعل"، نفي "سيفعل" فقدم ما بعدها عليها، نحو قولك: زيدا لن أضرب، كما تقول: زيدا لم أضرب،
وقد روى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل عن الخليل أنه قال: الأصل في "لن": "لا أن"، ولكن الحذف وقع استخفافا، وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، لو كان كذلك لم يجز (زيدا لن أضرب)، وعلى مذهب سيبويه جميع النحويين، وقد حكى هشام عن الكسائي في "لن" مثل هذا القول الشاذ عن الخليل، ولم يأخذ به سيبويه ولا أصحابه.
ومعنى {أيّاما معدودة} قالوا: إنّما نعذّب لأننا عبدنا العجل أياما، قيل في عددها قولان، قيل: سبعة أيام، وقيل: أربعون يوما، وهذه الحكاية عن اليهود، هم الذين قالوا: {لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.
وقوله عزّ وجلّ: {قل أتّخذتم عند اللّه عهدا} بقطع الألف هي تقرأ على ضربين: {أتخذتم} بتبيين الذال، و(اتختم) بإدغام الذال في التاء، والألف قطع لأنها ألف استفهام وتقرير.
وقوله عزّ وجلّ: {عند اللّه عهدا} المعنى: عهد اللّه إليكم في أنه لا يعذبكم إلا هذا المقدار.
وقوله عزّ وجلّ: {فلن يخلف اللّه عهده} أي: إن كان لكم عهد فلن يخلفه اللّه، {أم تقولون على الله ما لا تعلمون}). [معاني القرآن: 1/ 160-161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا أياما معدودة} قالوا: نعذب قدر ما عبدنا العجل، أربعين يوما.
وقيل: قالوا: إنما نعذب سبعة أيام، لكل ألف سنة من سني الدنيا يوم، وعمر الدنيا عندهم سبعة آلاف سنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 30]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَهْداً}: وعدا). [العمدة في غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {بلى من كسب سيّئةً...}
وضعت "بلى" لكل إقرار في أوّله جحد، ووضعت "نعم" للاستفهام الذي لا جحد فيه، فـ"بلى" بمنزلة "نعم" إلا أنها لا تكون إلاّ لما في أوّله جحد؛ قال الله تبارك وتعالى: {فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقاً قالوا نعم} فـ"بلى" لا تصلح في هذا الموضع.
وأما الجحد فقوله: {ألم يأتكم نذيرٌ. قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ} ولا تصلح ها هنا "نعم" أداة؛ وذلك أن الاستفهام يحتاج إلى جواب بـ "نعم" و"لا" ما لم يكن فيه جحدٌ، فإذا دخل الجحد في الاستفهام لم يستقم أن تقول فيه "نعم" فتكون كأنك مقرٌّ بالجحد وبالفعل الذي بعده؛ ألا ترى أنّك لو قلت لقائل قال لك: أما لك مالٌ؟ فلو قلت: "نعم" كنت مقرّاً بالكلمة بطرح الاستفهام وحده، كأنك قلت :"نعم مالي مالٌ"، فأرادوا أن يرجعوا عن الجحد ويقرّوا بما بعده فاختاروا "بلى" لأنّ أصلها كان رجوعا محضاً عن الجحد إذا قالوا: ما قال عبد الله بل زيدٌ، فكانت "بل" كلمة عطف ورجوع لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفا يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعا عن الجحد فقط، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد، فقالوا: "بلى"، فدلّت على معنى الإقرار والإنعام، ودل لفظ "بل" على الرجوع عن الجحد فقط). [معاني القرآن: 1/ 52-53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقراءة أهل المدينة {وأحاطت به خطيئاته}
الحسن والعامة {خطيئته} ). [معاني القرآن لقطرب: 252]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم قال عزّ وجلّ: {بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} ردا لقولهم: {لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة}.
وقوله عزّ وجلّ: {وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} فألحق في هذه الآية، والإجماع أن هذا لليهود خاصة لأنه عزّ وجلّ في ذكرهم،
وقد قيل: {من كسب سيئة}: الشرك باللّه، {وأحاطت به خطيئته}: الكبائر، والذي جرى في هذه الأقاصيص إنما هو إخبار عن اليهود). [معاني القرآن: 1/ 162]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}


رد مع اقتباس