عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م, 08:41 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الباب الأول: مقدمات فـي فضائل القرآن


المقدمة الأولى: التعريف بطرق بيان فضل القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المقدمة الأولى: التعريف بطرق بيان فضل القرآن
فضل القرآن الكريم يتبيّن من طرق متنوّعة متظافرة:
فأولها: أنه كلام الله جل وعلا ، وكلام الله صفة من صفاته، وصفات الله تعالى لها آثارها التي لا تتخلّف عنها؛ فهو العليم الذي وسع علمه كلّ شيء؛ والقدير الذي لا يعجزه شيء، وهو العزيز الحكيم، والرحمن الرحيم، والعليّ العظيم، والحميد المجيد، والواسع المحيط، والحقّ المبين، إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي من تفكّر فيها وآمن بها أدرك أن لها آثاراً تتجلّى في كلامه جلّ وعلا، وأن كلامه – تعالى – لا يمكن أن يكون فيه ما هو خلاف مقتضى أسمائه وصفاته، وأن هذا القرآن العظيم لا يمكن أن يكون من قول البشر، ولا من قول الشياطين {وما ينبغي لهم وما يستطيعون}.
وقد قال جماعة من السلف: (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) وروي مرفوعاً من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ولا يصح.
لكنّه دالّ على معنى صحيح في نفسه، وهو أنّ صفات كل موصوف بحسبه، فكلام البشر يكون مبلغهم فيه مبلغ علمهم وقدرتهم وبيانهم، ويكون فيه من النقص والضعف والخطأ ما يناسب صفاتهم.
وكلام الله تعالى كلام عن علم تامّ وقدرة لا يعجزها شيء، وإحاطة بكلّ شيء، وحكمة بالغة، ورحمة سابغة، وحقّ لا يعتريه باطل، وبيان لا اختلاف فيه، إلى غير ذلك من صفاته جلّ وعلا التي لها آثارها ومقتضياتها، وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}.
ولذلك قال ابن عطية رحمه الله في مقدّمة تفسيره: (كتاب الله لو نُزِعَت منه لفظةٌ ثم أديرَ لسانُ العربِ في أن يوجدَ أحسنَ منها لم يوجد).
وهذا مبناه – كما تقدّم - على سَعَة علم الله عزّ وجلّ وإحاطته بكلّ الألفاظ ودلالاتها وأوجه استعمالاتها، وعلى عظيم قدرته جلّ وعلا، وأنّه لا يعجزه شيء؛ فإذا اجتمع العلم المحيط بكل شيء، مع القدرة على كلّ شيء؛ فلا يُمكن أن يأتي أحد بتعبير أحسن من تعبير القرآن؛ لأنه ما من لفظة يدركها علم المخلوق إلا والله تعالى أعلم بها منه من قبل أن يُخلق.
وثانيها: أن الله تعالى وصف القرآن العظيم بصفات جليلة ذات معانٍ عظيمة وآثار مباركة لا تتخلّف عنها؛ وهي أوصاف من عليم خبير، تتضمّن مع إفادة الوصف وبيان الفضل وعوداً كريمة، وشروطاً من قام بتحقيقها ظفر بموعوده بها، ولذلك كان التفكّر فيما وصف الله به كتابه من تلك الصفات الجليلة، وتأمّل آثارها ودلائلها من أخصّ أبواب الانتفاع بالقرآن.
وهذه الصفات التي وصف الله بها كتابه الكريم من أعظم دلائل فضله.
وثالثها: أن الله تعالى يحبّه، وتلك المحبّة لها آثارها ودلائلها المباركة، وما أودع الله تعالى فيه من البركات والخير العظيم، وما جعل له من شأنٍ عظيمٍ في الدنيا والآخرة هو من دلائل محبّة الله تعالى له.
ورابعها: أنّ الله تعالى أخبر عنه بأخبار كثيرة تبيّن فضله وشرفه في الدنيا والآخرة، وبيّن من مقاصده وآثاره ما يدلّ دلالة بيّنة على فضله.
وخامسها: أنَّ الله تعالى أقسم به في مواضع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}، وقال: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وقال: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}، وقال: { وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}، وفي الإقسام به دلالة بينة على تشريفه وتكريمه ورفعة مقامه، وأقسم الله تعالى – أيضاً – على ما يبيّن به فضله وشرفه ورفعته وكرمه؛ فقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)}
وسادسها: أنّ الله تعالى جعل له أحكاماً كثيرة في الشريعة ترعى حرمته، وتبيّن فضله، ومن ذلك أن جعل الإيمان به من أصول الإيمان التي لا يصح إلا بها، وأوجب تلاوة آياته في كلّ ركعة من الصلوات، حتى جعل للمصحف الذي يُكتب فيه أحكاماً كثيرة، وحرمة عظيمة في الشريعة.
وسابعها: أن الله تعالى رغّب في تلاوته ورتّب عليها أجوراً عظيمة مضاعفة أضعافاً كثيرة، وكثرة ثواب تلاوته وتنوّعها من أظهر دلائل فضله، حتى انصرفت همّة كثير من المصنّفين في فضائل القرآن إلى تتبع ما روي في ثواب تلاوته.
وثامنها: أنّ الله تعالى رفع شأن أهل القرآن؛ حتى جعلهم أهله وخاصّته، وجعل خير هذه الأمّة من تعلّم القرآن وعلّمه، وقدّمهم على غيرهم في الإمامة في الصلاة، وفي التقدّم إليه عند تزاحمهم في الإدخال في القبر، وجعل إجلالهم من إجلاله، ومحبّتهم من آثار محبّته، إلى غير ذلك مما شرّفهم به ورفعهم به من الخصال التي لم يبلغوها إلا بفضل هذا القرآن؛ فكان تكريمهم وتشريفهم ورفعتهم بالقرآن من الدلائل البيّنة على فضل القرآن).[بيان فضل القرآن :7 - 10]

رد مع اقتباس