عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:49 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولمّا جاءت رسلنا لوطًا سيء بهم وضاق بهم ذرعًا وقال هذا يومٌ عصيبٌ (77) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السّيّئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم فاتّقوا اللّه ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجلٌ رشيدٌ (78) قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍّ وإنّك لتعلم ما نريد (79)}
يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم، وفارقوه وأخبروه بإهلاك اللّه قوم لوطٍ هذه اللّيلة. فانطلقوا من عنده، فأتوا لوطًا عليه السّلام، وهو -على ما قيل -في أرضٍ له [يعمرها] وقيل: [بل كان] في منزله، ووردوا عليه وهم في أجمل صورةٍ تكون، على هيئة شبّانٍ حسان الوجوهٍ، ابتلاءً من اللّه [واختبارًا] وله الحكمة والحجّة البالغة، [فنزلوا عليه] فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم، وخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم أحدٌ من قومه، فينالهم بسوءٍ، {وقال هذا يومٌ عصيبٌ}.
قال ابن عبّاسٍ [ومجاهدٌ وقتادة ومحمّد بن إسحاق] وغير واحدٍ [من الأئمّة] شديدٌ بلاؤه وذلك أنّه علم أنّه سيدافع [قومه] عنهم، ويشقّ عليه ذلك.
وذكر قتادة أنّهم أتوه وهو في أرضٍ له [يعمل فيها] فتضيّفوه فاستحيا منهم، فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطّريق، كالمعرّض لهم بأن ينصرفوا عنه: إنّه واللّه يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلدٍ أخبث من هؤلاء. ثمّ مشى قليلًا ثمّ أعاد ذلك عليهم، حتّى كرّره أربع مرّاتٍ قال قتادة: وقد كانوا أمروا ألّا يهلكوهم حتّى يشهد عليهم نبيّهم بذلك.
وقال السّدّيّ: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدون نصف النّهار، ولقوا بنت لوطٍ تستقي [من الماء لأهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى رثيا والصّغرى زغرتا] فقالوا [لها] يا جارية، هل من منزلٍ؟ فقالت [لهم] مكانكم حتّى آتيكم، وفرقت عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه، أدرك فتيانًا على باب المدينة، ما رأيت وجوه قومٍ [هي] أحسن منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم، و [قد] كان قومه نهوه أن يضيف رجلًا فقالوا: خلّ عنّا فلنضف الرّجال. فجاء بهم، فلم يعلم بهم أحدٌ إلّا أهل بيته فخرجت امرأته فأخبرت قومها [فقالت: إن في بيت لوطٍ رجالًا ما رأيت مثل وجوههم قطّ]، فجاءوا يهرعون إليه.
وقوله: {يهرعون إليه} أي: يسرعون ويهرولون [في مشيتهم ويجمرون] من فرحهم بذلك [وروي في هذا عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ والضّحّاك والسّدّيّ وقتادة وشمر بن عطيّة وسفيان بن عيينة].
وقوله: {ومن قبل كانوا يعملون السّيّئات} أي: لم يزل هذا من سجيّتهم [إلى وقتٍ آخر] حتّى أخذوا وهم على ذلك الحال.
وقوله: {قال يا قوم هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم} يرشدهم إلى نسائهم، فإنّ النّبيّ للأمّة بمنزلة الوالد [للرّجال والنّساء]، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدّنيا والآخرة، كما قال لهم في الآية الأخرى: {أتأتون الذّكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربّكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون} [الشّعراء: 165، 166]، وقوله في الآية الأخرى: {قالوا أولم ننهك عن العالمين} [الحجر:70] أي: ألم ننهك عن ضيافة الرّجال {قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. لعمرك إنّهم لفي سكرتهم يعمهون} [الحجر:71، 72]، وقال في هذه الآية الكريمة: {هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم} قال مجاهدٌ: لم يكنّ بناته، ولكن كنّ من أمّته، وكلّ نبيٍّ أبو أمّته.
وكذا روي عن قتادة، وغير واحدٍ.
وقال ابن جريج: أمرهم أن يتزوّجوا النّساء، ولم يعرض عليهم سفاحًا.
وقال سعيد بن جبيرٍ: يعني نساءهم، هنّ بناته، وهو أبٌ لهم ويقال في بعض القراءات النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم وهو أبٌ لهم.
وكذا روي عن الرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، والسّدّيّ، ومحمّد بن إسحاق، وغيرهم.
وقوله: {فاتّقوا اللّه ولا تخزون في ضيفي} أي: اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم، {أليس منكم رجلٌ رشيدٌ} أي: [ليس منكم رجلٌ] فيه خيرٌ، يقبل ما آمره به، ويترك ما أنهاه عنه؟).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 336-338]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍّ} أي: إنّك تعلم أنّ نساءنا لا أرب لنا فيهنّ ولا نشتهيهنّ، {وإنّك لتعلم ما نريد} أي: ليس لنا غرضٌ إلّا في الذّكور، وأنت تعلم ذلك، فأيّ حاجةٍ في تكرار القول علينا في ذلك؟
قال السّدّيّ: {وإنّك لتعلم ما نريد} إنّما نريد الرّجال). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 338]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال لو أنّ لي بكم قوّةً أو آوي إلى ركنٍ شديدٍ (80) قالوا يا لوط إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطعٍ من اللّيل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك إنّه مصيبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريبٍ (81)}
يقول تعالى مخبرًا عن نبيّه لوطٍ، عليه السّلام: إنّ لوطًا توعّدهم بقوله: {لو أنّ لي بكم قوّةً [أو آوي إلى ركنٍ شديدٍ]} أي: لكنت نكّلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل [من العذاب والنّقمة وإحلال البأس بكم] بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث، من طريق محمّد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "رحمة اللّه على لوطٍ، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ -يعني: اللّه عزّ وجلّ -فما بعث اللّه بعده من نبيٍّ إلّا في ثروةٍ من قومه".
[وروي من حديث الزّهريّ عن أبي سلمة وسعيد بن المسيّب عن أبي هريرة مرفوعًا ومن حديث أبي الزّناد عن الأعرج عن أبي هريرة به، ومن حديث ابن لهيعة عن أبي يونس سمع أبا هريرة به وأرسله الحسن وقتادة].
فعند ذلك أخبرته الملائكة أنّهم رسل اللّه إليه، و [وبشّروه] أنّهم لا وصول لهم إليه [ولا خلوص] {قالوا يا لوط إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك} وأمروه أن يسري بأهله من آخر اللّيل، وأن يتّبع أدبارهم، أي: يكون ساقةً لأهله، {ولا يلتفت منكم أحدٌ} أي: إذا سمعت ما نزل بهم، ولا تهولنّكم تلك الأصوات المزعجة، ولكن استمرّوا ذاهبين [كما أنتم].
{إلا امرأتك} قال الأكثرون: هو استثناءٌ من المثبت وهو قوله: {فأسر بأهلك} تقديره {إلا امرأتك} وكذلك قرأها ابن مسعودٍ ونصب هؤلاء امرأتك؛ لأنه من مثبت، فوجب نصبه عندهم.
وقال آخرون من القرّاء والنّحاة: هو استثناءٌ من قوله: {ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك} فجّوزوا الرّفع والنّصب، وذكر هؤلاء [وغيرهم من الإسرائيليّات] أنّها خرجت معهم، وأنّها لمّا سمعت الوجبة التفتت وقالت واقوماه. فجاءها حجرٌ من السّماء فقتلها.
ثمّ قرّبوا له هلاك قومه تبشيرًا له؛ لأنّه قال لهم: "أهلكوهم السّاعة"، فقالوا: {إنّ موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريبٍ} هذا وقوم لوط وقوف على الباب وعكوف قد جاءوا يهرعون إليه من كلّ جانبٍ، ولوطٌ واقفٌ على الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عمّا هم فيه، وهم لا يقبلون منه، بل يتوعّدونه، فعند ذلك خرج عليهم جبريل، عليه السّلام، فضرب وجوههم بجناحه، فطمس أعينهم، فرجعوا وهم لا يهتدون الطّريق، كما قال تعالى: {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر [ولقد صبّحهم بكرةً عذابٌ مستقرٌّ فذوقوا عذابي ونذر]} [القمر:37 -39].
وقال معمر، عن قتادة، عن حذيفة بن اليمان قال: كان إبراهيم، عليه السّلام، يأتي قوم لوطٍ، فيقول: أنهاكم اللّه أن تعرّضوا لعقوبته؟ فلم يطيعوه، حتّى إذا بلغ الكتاب أجله [لمحل عذابهم وسطوات الرّبّ بهم قال] انتهت الملائكة إلى لوطٍ وهو يعمل في أرضٍ له، فدعاهم إلى الضّيافة فقالوا: إنّا ضيوفك اللّيلة، وكان اللّه قد عهد إلى جبريل ألّا يعذبهم حتّى يشهد عليهم لوطٌ ثلاث شهادات فلمّا توجّه بهم لوطٌ إلى الضّيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشّرّ [والدّواهي العظام]، فمشى معهم ساعةً، ثمّ التفت إليهم فقال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض شرًّا منهم. أين أذهب بكم؟ إلى قومي وهم [من] أشرّ خلق اللّه، فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال: احفظوها هذه واحدةٌ. ثمّ مشى معهم ساعةً، فلمّا توسّط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم قال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أشرّ منهم، إنّ قومي أشرّ خلق اللّه. فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال: احفظوا، هاتان اثنتان، فلمّا انتهى إلى باب الدّار بكى حياءً منهم وشفقةً عليهم فقال إنّ قومي أشرّ من خلق اللّه؟ أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قريةٍ شرًّا منهم. فقال جبريل للملائكة: احفظوا، هذه ثلاثٌ، قد حقّ العذاب. فلمّا دخلوا ذهبت عجوز السّوء فصعدت فلوّحت بثوبها، فأتاها الفسّاق يهرعون سراعًا، قالوا: ما عندك؟ قالت: ضيّف لوطًا قوم ما رأيت قطّ أحسن وجوهًا منهم، ولا أطيب ريحًا منهم. فهرعوا يسارعون إلى الباب، فعالجهم لوطٌ على الباب، فدافعوه طويلًا هو داخل وهم خارج، يناشدهم اللّه ويقول: {هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم} فقام الملك فلزّ بالباب -يقول فسدّه -واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن اللّه له، فقام في الصّورة الّتي يكون فيها في السّماء، فنشر جناحه. ولجبريل جناحان، وعليه وشاحٌ من درٍّ منظومٍ، وهو برّاق الثّنايا، أجلى الجبين، ورأسه حبكٌ حبك مثل المرجان وهو اللّؤلؤ، كأنّه الثّلج، ورجلاه إلى الخضرة. فقال يا لوط: {إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك} امض يا لوط عن الباب ودعني وإيّاهم، فتنحّى لوطٌ عن الباب، فخرج إليهم، فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربةً شدخ أعينهم، فصاروا عميًا لا يعرفون الطّريق [ولا يهتدون بيوتهم] ثمّ أمر لوطٌ فاحتمل بأهله في ليلته قال: {فأسر بأهلك بقطعٍ من اللّيل}.
وروي عن محمّد بن كعبٍ [القرظيّ] وقتادة، والسّدّيّ نحو هذا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 338-340]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سجّيلٍ منضودٍ (82) مسوّمةً عند ربّك وما هي من الظّالمين ببعيدٍ (83)}
يقول تعالى: {فلمّا جاء أمرنا} وكان ذلك عند طلوع الشّمس، {جعلنا عاليها} وهي [قريتهم العظيمة وهي] سدوم [ومعاملتها] {سافلها} كقوله {[والمؤتفكة أهوى] فغشّاها ما غشّى} [النّجم:53، 54] أي: أمطرنا عليها حجارةً من "سجّيلٍ" وهي بالفارسيّة: حجارةٌ من طينٍ، قاله ابن عبّاسٍ وغيره.
وقال بعضهم: أي من "سنكٍ" وهو الحجر، و"كل" وهو الطّين، وقد قال في الآية الأخرى: {حجارةً من طينٍ} [الذّاريات:33] أي: مستحجرةً قويّةً شديدةً. وقال بعضهم: مشويّةٌ، [وقال بعضهم: مطبوخةٌ قويّةٌ صلبةٌ] وقال البخاريّ. "سجيل": الشّديد الكبير. سجّيلٌ وسجّينٌ واحدٌ، اللّام والنّون أختان، وقال تميم بن مقبل:
ورجلةٍ يضربون البيض ضاحيةٌ = ضربًا تواصت به الأبطال سجّينا
وقوله: {منضودٍ} قال بعضهم: منضودةٌ في السّماء، أي: معدّةٌ لذلك.
وقال آخرون: {منضودٍ} أي: يتبع بعضها بعضًا في نزولها عليهم).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 340]

تفسير قوله تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {مسوّمةً} أي معلمة مختومةً، عليها أسماء أصحابها، كلّ حجرٍ مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه.
وقال قتادة وعكرمة: {مسوّمةً} [أي] مطوّقة، بها نضحٌ من حمّرٍة.
وذكروا أنّها نزلت على أهل البلد، وعلى المتفرّقين في القرى ممّا حولها، فبينا أحدهم يكون عند النّاس يتحدّث، إذ جاءه حجرٌ من السّماء فسقط عليه من بين النّاس، فدمّره، فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد، حتّى أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحدٌ.
وقال مجاهدٌ: أخذ جبريل قوم لوطٍ من سرحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم، ورفعهم حتّى سمع أهل السّماء نباح كلابهم ثمّ أكفأهم [وقال] وكان حملهم على خوافي جناحه الأيمن. قال: ولمّا قلبها كان أوّل ما سقط منها شذانها.
وقال قتادة: بلغنا أنّ جبريل أخذ بعروة القرية الوسطى، ثمّ ألوى بها إلى جوّ السّماء، حتّى سمع أهل السّماء ضواغي كلابهم، ثمّ دمّر بعضها على بعضٍ، ثمّ أتبع شذّاذ القوم سخرًا -قال: وذكر لنا أنّهم كانوا أربع قرى، في كلّ قريةٍ مائة ألفٍ -وفي روايةٍ: [كانوا] ثلاث قرى، الكبرى منها سدوم. قال: وبلغنا أنّ إبراهيم، عليه السّلام، كان يشرف على سدوم، ويقول: سدوم، يومٌ، ما لك؟.
وفي روايةٍ عن قتادة وغيره: بلغنا أنّ جبريل عليه السّلام، لمّا أصبح نشر جناحه، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابّها وحجارتها وشجرها، وجميع ما فيها، فضمّها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثمّ صعد بها إلى السّماء الدّنيا، حتّى سمع سكّان السّماء أصوات النّاس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألفٍ، ثمّ قلبها، فأرسلها إلى الأرض منكوسةً، ودمدم بعضها على بعضٍ، فجعل عاليها سافلها، ثمّ أتبعها حجارةً من سجّيلٍ.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظي: كانت قرى قوم لوط خمس قرياتٍ: "سدوم"، وهي العظمى، و"صعبة" و"صعوة" و"عثرة" و"دوما"، احتملها جبريل بجناحه، ثمّ صعد بها، حتّى إنّ أهل السّماء الدّنيا ليسمعون نابحة كلابها، وأصوات دجاجها، ثمّ كفأها على وجهها، ثمّ أتبعها اللّه بالحجارة، يقول اللّه تعالى: {جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سجّيلٍ} فأهلكها اللّه وما حولها من المؤتفكات.
وقال السّدّيّ: لمّا أصبح قوم لوطٍ، نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين، فحملها حتّى بلّغ بها السّماء، حتّى سمع أهل السّماء الدّنيا نباح كلابهم، وأصوات ديوكهم، ثم قلبها فقتلهم، فذلك قوله {والمؤتفكة أهوى} [النّجم: 53]، ومن لم يمت حين سقط للأرض، أمطر اللّه عليه وهو تحت الأرض الحجارة، ومن كان منهم شاذًّا في الأرض يتبعهم في القرى، فكان الرّجل يتحدّث فيأتيه الحجر فيقتله، فذلك قوله عزّ وجلّ: {وأمطرنا عليهم} أي: في القرى حجارةً من سجّيلٍ. هكذا قال السّدّيّ.
وقوله: {وما هي من الظّالمين ببعيدٍ} أي: وما هذه النّقمة ممّن تشبّه بهم في ظلمهم، ببعيدٍ عنه.
وقد ورد في الحديث المرويّ في السّنن عن ابن عبّاسٍ مرفوعًا " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
وذهب الإمام الشّافعيّ في قولٍ عنه وجماعةٌ من العلماء إلى أنّ اللّائط يقتل، سواءٌ كان محصنًا أو غير محصنٍ، عملًا بهذا الحديث.
وذهب الإمام أبو حنيفة [رحمه اللّه إلى] أنّه يلقى من شاهقٍ، ويتبع بالحجارة، كما فعل اللّه بقوم لوطٍ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم بالصّواب). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 340-342]


رد مع اقتباس