عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:49 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وجاءه قومه الآية، روي أن امرأة لوط الكافرة لما رأت، الأضياف ورأت جمالهم وهيئتهم خرجت حتى أتت مجالس قومها فقالت لهم: إن لوطا أضاف الليلة فتية ما ريء مثلهم جمالا وكذا وكذا، فحينئذ جاءوا يهرعون إليه، ومعناه يسرعون، والإهراع هو أن يسرع أمر بالإنسان حتى يسير بين الخبب والخمر، فهي مشية الأسير الذي يسرع به، والطامع المبادر إلى أمر يخاف فوته، ونحو هذا يقال هرع الرجل وأهرعه طمع أو عدو أو خوف ونحوه.
والقراءة المشهورة: «يهرعون» بضم الياء أي يهرعون الطمع، وقرأت فرقة: «يهرعون» بفتح الياء، من هرع، ومن هذه اللفظة قول مهلهل: [الوافر]
فجاءوا يهرعون وهم أسارى = تقودهم على رغم الأنوف
وقوله: ومن قبل كانوا يعملون السّيّئات، أي كانت عادتهم إتيان الفاحشة في الرجال، فجاءوا إلى الأضياف لذلك فقام إليهم لوط مدافعا، وقال: هؤلاء بناتي فقالت فرقة أشار إلى بنات نفسه وندبهم في هذه المقالة إلى النكاح، وذلك على أن كانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة، أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا. وقالت فرقة: إنما كان الكلام مدافعة لم يرد إمضاؤه، روي هذا القول عن أبي عبيدة، وهو ضعيف، وهذا كما يقال لمن ينهى عن مال الغير: الخنزير أحل لك من هذا وهذا التنطع ليس من كلام الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وقالت فرقة: أشار بقوله: بناتي إلى النساء جملة إذ نبي القوم أب لهم، ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم [الأحزاب: 6] وهو أب لهم وأشار أيضا لوط- في هذا التأويل- إلى النكاح.
وقرأت فرقة- هي الجمهور- «هن أطهر» برفع الراء على خبر الابتداء، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ومحمد بن مروان وسعيد بن جبير: «أطهر» بالنصب قال سيبويه: هو لحن، قال أبو عمرو بن العلاء: احتبى فيه ابن مروان في لحنه، ووجهه عند من قرأ به النصب على الحال بأن يكون بناتي ابتداء وهنّ خبره، والجملة خبر هؤلاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهو إعراب مروي عن المبرد، وذكره أبو الفتح وهو خطأ في معنى الآية، وإنما قوم اللفظ فقط والمعنى إنما هو في قوله: أطهر وذلك قصد أن يخبر به فهي حال لا يستغنى عنها- كما تقدم في قوله: وهذا بعلي شيخاً [هود: 72]، والوجه أن يقال: هؤلاء بناتي ابتداء وخبر، وهنّ فصل وأطهر حال وإن كان شرط الفصل أن يكون بين معرفتين ليفصل الكلام من النعت إلى الخبر، فمن حيث كان الخبر هنا في أطهر ساغ القول بالفصل، ولما لم يستسغ ذلك أبو عمرو ولا سيبويه لحنا ابن مروان، وما كانا ليذهب عليهما ما ذكر أبو الفتح، و «الضيف»: مصدر يوصف به الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث ثم وبخهم بقوله: أليس منكم رجلٌ رشيدٌ أي يزعكم ويردكم).[المحرر الوجيز: 4/ 618-620]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍّ الآية، روي أن قوم لوط كانوا قد خطبوا بنات لوط فردهم، وكانت سنتهم أن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا، فلذلك قالوا: لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍّ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وبعد أن تكون هذه المخاطبة، فوجه الكلام: إنا ليس لنا إلى بناتك تعلق، ولا هم قصدنا ولا لنا عادة نطلبها في ذلك وقولهم: وإنّك لتعلم ما نريد، إشارة إلى الأضياف). [المحرر الوجيز: 4/ 620]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (فلما رأى استمرارهم في غيهم وغلبتهم وضعفه عنهم قال- على جهة التفجع والاستكانة- لو أنّ لي بكم قوّةً وأنّ في موضع رفع بفعل مضمر تقديره: لو اتفق أو وقع ونحو هذا، - وهذا مطرد في «أن» التابعة ل «لو» - وجواب لو محذوف وحذف مثل هذا أبلغ، لأنه يدع السامعين ينتهي إلى أبعد تخيلاته، والمعنى لفعلت كذا وكذا.
وقرأ جمهور: «أو آوي» بسكون الياء، وقرأ شيبة وأبو جعفر: «أو آوي» بالنصب، التقدير أو أن آوي، فتكون «أن» مع «آوي» بتأويل المصدر، كما قالت ميسون بنت بحدل:
للبس عباءة وتقر عيني...
ويكون ترتيب الكلام لو أن لي بكم قوة أو أويا، و «أوى» معناه: لجأ وانضوى، ومراد لوط عليه السّلام بال ركنٍ العشيرة والمنعة بالكثرة، وبلغ به قبيح فعلهم إلى هذا- مع علمه بما عند الله تعالى-، فيروى أن الملائكة وجدت عليه حين قال هذه الكلمات، وقالوا: إن ركنك لشديد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، فالعجب منه لما استكان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا نقد لأن لفظ بهذه الألفاظ، وإلا فحالة النبي صلى الله عليه وسلم وقت طرح عليه سلى الجزور ومع أهل الطائف وفي غير ما موطن تقتضي مقالة لوط لكن محمدا صلى الله عليه وسلم لم ينطق بشيء من ذلك عزامة منه ونجدة، وإنما خشي لوط أن يمهل الله أولئك العصابة حتى يعصوه في الأضياف كما أمهلهم فيما قبل ذلك من معاصيهم، فتمنى ركنا من البشر يعاجلهم به، وهو يعلم أن الله تعالى من وراء عقابهم، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يبعث الله تعالى بعد لوط نبيا إلا في ثروة من قومه» أي في منعة وعزة).[المحرر الوجيز: 4/ 620-622]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قالوا يا لوط إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطعٍ من اللّيل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلاّ امرأتك إنّه مصيبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريبٍ (81)
الضمير في قالوا ضمير الملائكة، ويروى أن لوطا لما غلبوه وهموا بكسر الباب وهو يمسكه قالت له الرسل: تنح عن الباب، فتنحى وانفتح الباب فضربهم جبريل عليه السّلام بجناحه فطمس أعينهم وعموا، وانصرفوا على أعقابهم يقولون: النجاء النجاء، فعند لوط قوم سحرة، وتوعدوا لوطا، ففزع حينئذ من وعيدهم، فحينئذ قالوا له: إنّا رسل ربّك فأمن، ذكر هذا النقاش وفي تفسير غيره ما يقتضي أن قولهم: إنّا رسل ربّك كان قبل طمس العيون، ثم أمروه بالسرى وأعلموه أن العذاب نازل بالقوم، فقال لهم لوط: فعذبوهم الساعة، قالوا له: إنّ موعدهم الصّبح أي بهذا أمر الله، ثم أنسوه في قلقه بقولهم:
أليس الصّبح بقريبٍ.
وقرأ نافع وابن كثير «فأسر» من سرى إذا سار في أثناء الليل، وقرأ الباقون «فاسر» إذا سار في أول الليل و «القطع» القطعة من الليل، ويحتمل أن لوطا أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع، ووقعت نجاته بسحر فتجتمع هذه الآية مع قوله: إلّا آل لوطٍ نجّيناهم بسحرٍ [القمر: 34] وبيت النابغة جمع بين الفعلين في قوله: [البسيط]
أسرت عليه من الجوزاء سارية = تزجي الشمال عليه جامد البرد
فذهب قوم إلى أن سري وأسرى بمعنى واحد واحتجوا بهذا البيت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأقول إن البيت يحتمل المعنيين، وذلك أظهر عندي لأنه قصد وصف هذه الديمة، وأنها ابتدأت من أول الليل وقت طلوع الجوزاء في الشتاء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «إلا امرأتك» بالرفع على البدل من أحدٌ وهذا هو الأوجه إذا استثني من منفي، كقولك: ما جاءني أحد إلا زيد، وهذا هو استثناء الملتفتين، وقرأ الباقون «إلا أمرأتك» بالنصب، ورأت ذلك فرقة من النحاة الوجه في الاستثناء من منفي، إذ الكلام المنفي في هذا مستقل بنفسه كالموجب، فإذ هو مثله في الاستقلال، فحكمه كحكمه في نصب المستثنى وتأولت فرقة ممن قرأ: «إلا امرأتك» بالنصب أن الاستثناء وقع من الأهل كأنه قال: «فأسر بأهلك إلا امرأتك». وعلى هذا التأويل لا يكون إلا النصب، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: لو كان الكلام: «ولا يلتفت» - بالرفع- لصح الرفع في قوله: «إلا أمرأتك» ولكنه نهي، فإذا استثنيت «المرأة» من أحدٌ وجب أن تكون «المرأة» أبيح لها الالتفات فيفسد معنى الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الاعتراض حسن، يلزم الاستثناء من أحدٌ رفعت التاء أو نصبت والانفصال عنه يترتب بكلام حكي عن المبرد، وهو أن النهي إنما قصد به لوط وحده، و «الالتفات» منفي عنهم بالمعنى، أي لا تدع أحدا منهم يلتفت، وهذا كما تقول لرجل: لا يقم من هؤلاء أحد إلا زيد، وأولئك لم يسمعوك، فالمعنى: لا تدع أحدا من هؤلاء يقوم والقيام بالمعنى منفي عن المشار إليهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وجملة هذا أن لفظ الآية هو لفظ قولنا: لا يقم أحد إلا زيد، ونحن نحتاج أن يكون معناها معنى قولنا: لا يقم أحد إلا زيد وذلك اللفظ لا يرجع إلى هذا المعنى إلا بتقدير ما حكيناه عن المبرد، فتدبره. ويظهر من مذهب أبي عبيد أن الاستثناء، إنما هو من الأهل. وفي مصحف ابن مسعود: «فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك» وسقط قوله: ولا يلتفت منكم أحدٌ.
والظاهر في يلتفت أنها من التفات البصر، وقالت فرقة: هي من لفت الشيء يلفته إذا ثناه ولواه، فمعناه: ولا يتثبط. وهذا شاذ مع صحته وفي كتاب الزهراوي: أن المعنى: ولا يلتفت أحد إلى ما خلف، بل يخرج مسرعا مع لوط عليه السّلام: وروي أن امرأة لوط لما سمعت الهدة ردت بصرها وقالت:
وا قوماه، فأصابها حجر فقتلها.
وقرأت فرقة: «الصبح» بضم الباء).[المحرر الوجيز: 4/ 622-625]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فلمّا جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سجّيلٍ منضودٍ (82) مسوّمةً عند ربّك وما هي من الظّالمين ببعيدٍ (83)
روي أن جبريل عليه السّلام أدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط واقتلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا صراخ الديكة ونباح الكلاب، ثم أرسلها معكوسة، وأتبعهم الحجارة من السماء، وروي أن جبريل عليه السّلام أخذهم بخوافي جناحه: ويروى أن مدينة منها نجيت كانت مختصة بلوط عليه السّلام يقال لها: زغر.
وأمرنا في هذه الآية يحتمل أن يكون مصدرا من أمر ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره مقتضى أمرنا، ويحتمل أن يكون واحد الأمور، والضمير في قوله: عاليها سافلها للمدن، وأجري أمطرنا عليها كذلك، والمراد على أهلها، وروي أنها الحجارة استوفت منهم من كانوا خارج مدنهم حتى قتلتهم أجمعين. وروي أنه كان منهم في الحرم رجل فبقي حجره معلقا في الهواء حتى خرج من الحرم فقتله الحجر، و «أمطر» أبدا إنما يستعمل في المكروه، ومطر يستعمل في المحبوب، هذا قول أبي عبيدة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس كذلك وقوله تعالى: هذا عارضٌ ممطرنا [الأحقاف: 24] يرد هذا القول لأنهم إنما ظنوه معتاد الرحمة، وقوله من سجّيلٍ اختلف فيه: فقال ابن زيد: سجّيلٍ: اسم السماء الدنيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، ويرده وصفه ب منضودٍ. وقالت فرقة هو مأخوذ من لفظ السجل، أي هي من أمر كتب عليهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بعيد، وقالت فرقة: هو مأخوذ من السجل إذا أرسل الشيء كما يرسل السجل وكما تقول: قالها مسجلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وقالت فرقة: من سجّيلٍ معناه: من جهنم لأنه يقال:
سجيل وسجين حفظ فيها بدل النون لاما، كما قالوا: أصيلال وأصيلان. وقالت فرقة: سجّيلٍ معناه:
شديد وأنشد الطبري في ذلك [ابن مقبل]:
ضربا تواصى به الأبطال سجيلا
والبيت في قصيدة نونية: سجينا، وقالت فرقة: سجّيلٍ لفظة أصلها غير عربت أصلها سنج وكل. وقيل غير هذا في أصل اللفظة. ومعنى هذا اللفظ ماء وطين. هذا قول ابن عباس ومجاهد وابن جبير وعكرمة والسدي وغيرهم، وذهبت هذه الفرقة إلى أن الحجارة التي رموا بها كانت كالآجر المطبوخ كانت من طين قد تحجر- نص عليه الحسن-.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يشبه. وهو الصواب الذي عليه الجمهور. وقالت فرقة: معنى سجّيلٍ حجر مخلوط بطين أي حجر وطين. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويمكن أن يرد هذا إلى الذي قبله، لأن الآجر وما جرى مجراه يمكن أن يقال فيه حجر وطين لأنه قد أخذ من كل واحد منهما بحظه. وهي من طين من حيث هو أصلها. وحجر من حيث صلبت.
ومنضودٍ معناه بعضه فوق بعض. أي تتابع وهي صفة ل سجّيلٍ وقال الربيع بن أنس:
«نضده»: إنه في السماء منضود معد بعضه فوق بعض).[المحرر الوجيز: 4/ 625-628]

تفسير قوله تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومسوّمةً معناه معلمة بعلامة، فقال عكرمة وقتادة: إنه كان فيها بياض وحمرة: ويحكى أنه كان في كل حجر اسم صاحبه، وهذه اللفظة هي من سوم إذا أعلم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «سوموا فقد سومت الملائكة». ويحتمل أن تكون مسوّمةً هاهنا بمعنى: مرسلة، وسومها من الهبوط.
وقوله وما هي إشارة إلى الحجارة. والظّالمين قيل: يعني قريشا. وقيل: يريد عموم كل من اتصف بالظلم، وهذا هو الأصح لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في أمتي خسف ومسخ وقذف بالحجارة»، وقد ورد أيضا حديث: «إن هذه الأمة بمنجاة من ذلك». وقيل يعني ب هي: المدن، ويكون المعنى: الإعلام بأن هذه البلاد قريبة من مكة- والأول أبين- وروي أن هذه البلاد كانت بين المدينة والشام، وحكى الطبري في تسمية هذه المدن: صيعة، وصعدة وعمزة، ودوما وسدوم وهي القرية العظمى).[المحرر الوجيز: 4/ 628]


رد مع اقتباس