عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12 صفر 1435هـ/15-12-2013م, 08:18 AM
أم أسماء باقيس أم أسماء باقيس غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 529
افتراضي

الأدلة على نزول القرآن من عند الله تعالى على قلب محمد صلى الله عليه وسلم

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (
ذكر الآي المتلوّة والأخبار المأثورة الّتي تدلّ على أنّ القرآن نزل من عند ذي العرش العظيم على قلب محمّدٍ

قال الله عز وجل: {طه ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى} إلى قوله {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى}.
وقال: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدّق الّذي بين يديه}.
وقال: {المر تلك آيات الكتاب والّذي أنزل إليك من ربّك} الآية.
وقال: {قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى}.
وقال: {الّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} الآية.
وقال: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ} إلى قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله}.
وقال: {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله}.
وقال: {والّذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ} الآية.
وقال: {إنّ وليّي الله الّذي نزّل الكتاب}.
وقال: {وإذا أنزلت سورةٌ} وقال: {وإذا ما أنزلت سورةٌ نظر بعضهم إلى بعضٍ} الآية، وقال: {وإنّه لتنزيل ربّ العالمين نزل به الرّوح الأمين} الآية، وقال: {وما نتنزّل إلا بأمر ربّك} الآية).
[التوحيد: 3/ 282]
قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): ( (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأمَنهُ)، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمُعونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ )، (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ )، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ( إِنَّ هَذا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إِسْرَائيلَ أَكْثَرَ الَّذي هُمْ فيهِ مخْتَلِفونَ )، ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )، ( لَوْ أَنْزَلْنَا هذا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ )، (وَإِذا بَدَّلْنَا آيَةً مَكانَ آيَةٍ واللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمونَ ).). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408) : ( قَولُهُ: (قُلْ نَزَّلَهُ)
ش: أي القرآنَ، والتَّنزيلُ والإنزالُ هو مجيءُ الشَّيءِ من أعلى إلى أسفلَ.
(رُوحُ القُدُسِ)
ش: أي جبريلُ عليه السَّلامُ، فجبريلُ سمعَهُ من اللهِ والنَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمعه من جبريلَ، وهو الَّذي نَزَل بالقرآنِ على محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كما نصَّ على ذلك أحمدُ وغيرُه من الأئمَّةِ، وجبريلُ هو الرُّوحُ الأمينُ المذكورُ في قَولِهِ سُبْحَانَهُ: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ ) الآيةَ.
ولم يقلْ أحدٌ من السَّلفِ: إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمعَهُ من اللهِ، وإنَّما قال ذلك بعضُ المتأخِّرين، والآيةُ تَرُدُّ عليه. قال ابنُ حجرٍ رحمه اللهُ في شرحِ (البخاريِّ): والمنقولُ عن السَّلفِ اتَّفاقُهم أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، تلقَّاهُ جبريلُ عن اللهِ، وبلَّغَه جبريلُ إلى محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وبلَّغه محمَّدٌ إلى أمَّتِه. انتهى.
ففي هذه الآياتِ دليلٌ على أنَّ القرآنَ منَزَّلٌ من عندِ اللهِ، وأنَّه كلامُه، بدأَ منه وظهرَ لا من غيرِه، وأنَّه الَّذي تكلَّم به لا غيرَه، وأمَّا إضافتُه إلى الرَّسولِ في قَولِهِ: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) فإضافةُ تبليغٍ لا إضافةُ إنشاءٍ، والرِّسالةُ تبليغُ كلامِ المُرْسِلِ، ولو لم يكنْ للمُرسلِ كلام يبلِّغُه الرَّسولُ لم يكنْ رسولاً، ولهذا قال غيرُ واحدٍ مِن السَّلفِ: مَن أَنْكرَ أن يكونَ اللهُ مُتكلِّمًا فقد أنكرَ رسالةَ رسلِهِ، فإنَّ حقيقةَ رسالتِهم: تبليغُ كلامِ المرسِلِ، وفيها دليلٌ على علوِّ اللهِ على خلقِه، والتَّنـزيلُ والإنزالُ المذكورُ في القرآنِ ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
إنزالٍ مُطلقٍ كقَولِهِ: (وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ).
الثَّاني: إنزالٍ مِن السَّماءِ كقَولِهِ: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُورًا).
الثَّالثِ: إنزالٍ منه -سُبْحَانَهُ- كقَولِهِ: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ).
فأخبرَ أَنَّ القرآنَ منَزَّلٌ منه، والمطرَ مُنَزَّلٌ من السَّماءِ، والحديدَ منَزَّلٌ نزولاً مطلقًا، ففرَّقَ -سُبْحَانَهُ- بين النُّزولِ منه والنُّزولِ من السَّماءِ، وحُكمُ المجرورِ بِمِنْ في هذا البابِ حكمُ المضافِ، والمضافُ ينقسمُ إلى قِسمين:
إضافةِ أَعْيَانٍ
وإضافةِ معانٍ،
فإضافةُ الأعيانِ إليه -سُبْحَانَهُ- من بابِ إضافةِ المخلوقِ إلى خالقِه، كبيتِ اللهِ وناقةِ اللهِ ونحوِ ذلك،
أمَّا إضافةُ المعاني إلى اللهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- فهي من بابِ إضافةِ الصِّفةِ إلى الموصوفِ، كسمعِ اللهِ وبصرِه وعلمِه وقُدرتِه، فهذا يمتنعُ أنْ يكونَ المضافُ مخلوقًا، بل هو صفةٌ قائمةٌ به وهكذا حُكمُ المجرورِ بمن، فإضافةُ القرآنِ إليه -سُبْحَانَهُ- من بابِ إضافةِ الصِّفةِ إلى الموصوفِ، لا من بابِ إضافةِ المخلوقِ إلى خالقِه خلافًا للمبتدعةِ من المعتزلةِ والجهميَّةِ وأشباههِم،//
وفي هذه الآيةِ الرَّدُّ على مَن زعمَ أنَّ القرآنَ مخلوقٌ، أو أنَّه كلامُ بشرٍ وغيرِه، فمَن زعمَ ذلك فهو كافرٌ باللهِ العظيمِ، كما رُوِيَ ذلك عن السَّلفِ،
وفيها دليلٌ على أنَّ جبريلَ نَزَل به من عندِ الله، فإنَّه (رُوحُ الْقُدُسِ) وهو أيضا الرُّوحُ الأمينُ، وفي قَولِهِ: (الأَمِينُ) دليلٌ على أنَّه مُؤْتمنٌ على ما أُرْسلَ به، فلا يَزيدُ عليه ولا يُنقِصُ،
وفيها دليلٌ على أنَّ الرَّسولَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سَمِعَهُ من جبريلَ وهو الَّذي نَزَل به عليه من عندِ اللهِ، وجبريلُ سمعَه من اللهِ، والصَّحابةُ سمعُوه من النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-،
وفيها الرَّدُّ على مَن قالَ إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- سمعَ القرآنَ من اللهِ،
وفيها الدَّلالةُ على بُطلانِ قولِ مَن قالَ إنَّه مخلوقٌ خلقَهُ اللهُ في جسمٍ من الأجسامِ المخلوقةِ، كما هو قولُ الجهميَّةِ القائِلين بخلقِ القرآنِ،
وفيها الدَّلالةُ على بُطلانِ قولِ مَن قال إنَّه فَاضَ على النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- من العقلِ الفَعَّالِ أو غيرِه، كما يقَولُهُ طَوَائِفُ من الفلاسفةِ والصَّابئةِ، وهذا القولُ أشدُّ كفرًا من الَّذي قبلَه،
وفيها الدَّليلُ على بُطلانِ قولِ مَن يقولُ: إنَّ القرآنَ العربيَّ ليس مُنزَّلاً مِن اللهِ بل مَخلوق، إمَّا في جبريلَ أو محمَّدٍ أو جُرْمٍ آخرَ كالهواءِ، كما يقولُ ذلك الكُلاَّبيَّةُ والأَشعريَّةُ القائلونَ بأنَّ القرآنَ العربيَّ ليسَ هو كلامَ اللهِ، وإنَّما كلامُه المعنى القائمُ بذاتِه، والقرآنُ العربيُّ خُلقَ ليدلَّ على ذلك المَعنى، وهذا يُوافقُ قولَ المعتزلةِ ونحوِهم في إثباتِ خلقِ القرآنِ، وفيها أنَّ السَّفيرَ بينَ اللهِ ورسولِه محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- هو جبريلُ عليه السَّلامُ،
وفيها الرَّدُّ على مَن زعم أنَّ كلامَ اللهِ هو المعنى النَّفْسيُّ، فإنَّ جبريلَ سَمِعه مِن اللهِ والمعنى المُجَرَّدُ لا يُسْمعُ، وفيها دليلٌ أنَّ القرآنَ نزلَ باللغةِ العربيَّةِ وتكلَّم اللهُ -سُبْحَانَهُ- بالقرآنِ بها، وفيها الرَّدُّ على مَن زعمَ أنَّه يجوزُ ترجمةُ القرآنِ باللغاتِ الأعجميَّةِ؛ لأنَّ القرآنَ مُعجزٌ بلفظِه ومعناه.).[التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
- قال زيد بن عبد العزيز الفياض (ت: 1416هـ) : (وقَالَ تَعَالَى :{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ }

ش: ففيه إخبارٌ بأَنَّه أَنْزلَ الْقُرْآنَ .
ولفظُ الإِنْزالِ فِي الْقُرْآنِ قد يَرِدُ مُقيَّداً بالإِنْزالِ منه كَنُزولِ الْقُرْآنِ ، وقد يَرِدُ مُقَيَّداً بالإِنْزالِ مِن السَّماءِ ويُرادُ به العُلُوُّ فيتَناولُ نزولَ المطرِ مِن السَّحابِ ، ونزولَ الملائكةِ مِن عندِ اللهِ ، وغيرَ ذَلِكَ . وقد يَرِدُ مُطلقاً فلا يخْتَصُّ بنوعٍ مِن الإِنْزالِ . بل ربما يَتناولُ الإِنْزالَ مِن رؤوسِ الجبالِ كقَوْله :{ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } والإِنْزالَ مِن ظهورِ الحَيوانِ كإِنْزالِ الفحْلِ الماءَ وغيرَ ذَلِكَ . فقَوْلُه :{ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ }
ش: بَيانٌ لِنُزولِ جِبريلَ به مِن اللهِ عز وجل، فإِنَّ رُوحَ القُدسِ هنا هُوَ جبريلُ بدليلِ قَوْلِه تَعَالَى :{ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } وهُوَ الرُّوحُ الأمينُ كما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِن الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } وفِي قَوْلِهِ (الأَمِينُ): دلالةٌ عَلَى أَنَّه مُؤْتمَنٌ عَلَى ما أُرْسِلَ به لا يَزيدُ فيه ولا يَنقُصُ، فإِنَّ الرَّسُول َ الخائنَ قد يُغيِّرُ الرِّسالةَ .
وفِي قَوْلِهِ :{ مُنَزَّلٌ مِن رَّبِّكَ }
ش: دلالةٌ عَلَى بُطْلانِ قَوْلِ مَن يَقُولُ : إِنَّه كَلاَمٌ مخلوقٌ خَلَقَه فِي جِسمٍ مِن الأجسامِ المخلوقةِ كما هُوَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ الذين يَقُولُونَ بخَلْقِ الْقُرْآنِ مِن الْمُعْتَزِلَةِ والنَّجَّاريَّةِ والضَّراريَّةِ وغَيْرِهم، فإِنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُسمُّونَ كُلَّ مَنْ نَفَى الصِّفاتِ وقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مخلوقٌ وإِنَّ اللهَ لا يُرى فِي الآخِرةِ جَهْمِياًّ، كما تُبطِلُ قَوْلَ مَن يَجعلُه فَاضَ عَلَى نفسِ النَّبِيِّ مِن العقلِ الفَعَّالِ أو غيرِه، وقَوْلُ مَن قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ العربيَّ لَيْسَ مُنَزَّلاً مِن اللهِ بل مخلوقٌ إِمَّا فِي جبريلَ أو مُحَمَّدٍ أو جسمٍ غيرِهما كما يَقُولُ ذَلِكَ الكُلاَّبيَّةُ والأشْعَرِيَّةُ، الذين يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ العربيَّ لَيْسَ هُوَ كَلاَمَ اللهِ وإِنَّما كلامُه المَعنىّ القائمُ بذاتِه، والْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ خُلِقَ لِيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ المَعْنى، ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلَقَ بَعْضَ الأجسامِ الهواءَ أو غيرَه، أو ألْهَمَهُ جبريلَ فعَبَّرَ عنه بالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ، أو أَنْ يَكُونَ جبريلُ أخذَهُ مِن اللَّوحِ المحفوظِ أو غيرِه.
والْقُرْآنُ اسمٌ للقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ لَفْظِه وَمعْنَاه؛ بدليلِ قَوْلِه تَعَالَى :{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ } وإِنَّما يُقرأُ الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ لا يُقرأُ مَعانِيهِ المُحَدَّدةُ وكذَلِكَ قَوْلُه :{ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً } والْكِتَابُ اسمٌ للكَلاَمِ الْعَرَبِيِّ بالضَّرورةِ والاتِّفاقِ، فإِنَّ الكلاَّبيَّةَ أو بَعضَهم يُفرِّقُ بينَ كَلاَمِ اللهِ وكتابِ اللهِ؛ فيَقُولُ: كَلاَمُ اللهِ هُوَ المَعْنى القائمُ بالذَّاتِ وهُوَ غيرُ مخلوقٍ، وكتابُه هُوَ المَنظومُ المُؤلَّفُ الْعَرَبِيُّ وهُوَ المخلوقُ .
والْقُرْآنُ يُرادُ به تَارةً هَذَا وتارةً هَذَا، واللهُ تَعَالَى قد سَمَّى نَفْسَ مجموعِ اللَّفظِ والمَعْنى قُرآناً وكِتاباً وكَلاَماً فقَالَ :{ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآن مُّبِينٍ } وقَالَ :{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِن الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ } الآْيَةَ فَبيَّنَ أَنَّ الذي سَمِعوه هُوَ الْقُرْآنُ وهُوَ الْكِتَابُ .
لكن لفظُ الْكِتَابِ قد يُرادُ به المكتوبُ فيَكُونُ هُوَ الْكَلاَمَ، وقد يُرادُ به ما يُكتبُ فيه كقَوْله :{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } الآْيَةِ، وقَالَ:{ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتَاباً } الآْيَةَ فقَوْلُه :{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً } يتناولُ نزولَ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. فُعلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ يُنزَّلُ مِن اللهِ لا مِن الهواءِ ولا مِن اللَّوحِ ولا مِن جِسمٍ آخَرَ ولا مِن جبريلَ ولا مُحَمَّدٍ ولا غيرِهما .
وكَوْنُ الْقُرْآنِ مكتوباً فِي اللَّوحِ المَحفوظِ وفِي صُحُفٍ مُطَهَّرةٍ بأيدي الملائكةِ لا ينُافِي أَنْ يَكُونَ جبريلُ نَزلَ به مِن اللهِ سواءً كَتبَه اللهُ قبلَ أَنْ يُرْسِلَ به جبريلَ أو غيرَ ذَلِكَ . وإذا كَانَ قد أَنْزلَه مكتوباً إلى بيتِ العِزَّةَ جُملةً واحدةً فِي ليلةِ القَدْرِ فقد كَتَبه كُلَّهُ قَبلَ أَنْ يُنزلَه، واللهُ تَعَالَى يعلمُ ما كَانَ وما لا يَكُونُ أَنْ لو كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، وهُوَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ مَقاديرَ الخلائقِ وكَتَبَ أعمالَ الْعِبَادِ قبل أَنْ يَعملُوها، كما ثَبَتَ ذَلِكَ بالْكِتَابِ والسُّنَّةِ وآثارِ السَّلَفِ، ثُمَّ إِنَّه يأمرُ الملائكةَ بكتابَتِها بعدَ ما يَعملُونها فَيقابِلُ مِن الكتابةِ المُتقدِّمةِ عَلَى الوجودِ والْكتابةِ المُتأخِّرةِ عنها فلا يَكُونُ بينهما تَفاوتٌ . هكذا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُه مِن السَّلَفِ وهُوَ حقٌّ فإذا كَانَ ما يَخلقُه بائنِاً منه قد كُتِبَ قبْلَ أَنْ يَخلُقَه فكَيْفَ يُستبعدُ أَنْ يَكتبَ كلامَه الَّذِي يُرسلُ به مَلائكتَه، قَبْلَ أَنْ يُرسلَهم به .). [الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)


رد مع اقتباس