عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوقفهم موبخا على كفرهم بخالق الأرض والسماوات ومخترعها، ووصف صورة الخلق ومده، والحكمة في خلقه هذه المخلوقات في مدة ممتدة مع قدرة الله على إيجادها في حين واحد، هي إظهار القدرة في ذلك حسب شرف الإيجاد أولا أولا، قال قوم: ليعلم عباده التأني في الأمور والمهل. وقد تقدم القول غير مرة في نظير قوله: {[أإنكم]}، واختلف رواة الحديث في اليوم الذي ابتدأ الله تعالى فيه خلق الأرض، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أن أول يوم هو الأحد، وأن الله تعالى خلق فيه وفي الاثنين الأرض، ثم خلق الجبال ونحوها يوم الثلاثاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فمن هنا قيل: هو يوم ثقيل، ثم خلق الشجر والثمار والأنهار يوم الأربعاء، ومن هنا قيل: هو يوم راحة وتفكر في هذه التي خلقت فيه، ثم خلق السماوات وما فيها يوم الخميس ويوم الجمعة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة: خلق آدم عليه السلام، وقال السدي: وسمي يوم الجمعة لاجتماع المخلوقات فيه وتكاملها. فهذه رواية فيها أحاديث مشهورة، ولما لم يخلق تعالى في يوم السبت شيئا امتنع فيه بنو إسرائيل عن الشغل فيه، ووقع في كتاب مسلم أن أول يوم خلق الله فيه التربة يوم السبت، ثم رتب المخلوقات على ستة أيام، وجعل الجمعة عاريا من المخلوقات، إلا من آدم وحده. والظاهر من القصص في طينة آدم عليه السلام أن الجمعة التي خلق فيها آدم قد تقدمتها أيام وجمع كثيرة، وأن هذه الأيام التي خلق الله فيها هذه المخلوقات هي أول الأيام، لأن بإيجاد الأرض والسماء والشمس وجد اليوم، وقد يحتمل أن يجعل تعالى قوله: "يومين" على التقدير، وإن لم تكن الشمس خلقت بعد، وكأن تفصيل الوقت يعطي أنها الأحد ويوم الاثنين كما ذكر.
و"الأنداد": الأشباه والأمثال، وهذه إشارة إلى كل ما عبد من الملائكة والأصنام وغير ذلك، قال السدي: أكفاء من الرجال يطيعونهم). [المحرر الوجيز: 7/ 465]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الرواسي": هي الجبال الثوابت، رسا الجبل إذا ثبت، وقوله تعالى: {وبارك فيها} أي جعلها منبتة للطيبات والأطعمة، وجعلها طهورا، إلى غير ذلك من وجوه البركة، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: [وقسم فيها أقواتها]، وفي مصحف عثمان رضي الله عنه: "وقدر".
واختلف الناس في معنى قوله تعالى: {[أقواتها]}، فقال السدي: هي أقوات البشر وأرزاقهم، وأضافها إلى الأرض من حيث هي فيها وعنها، وقال قتادة: هي أقوات الأرض من الجبال والأنهار والأشجار والصخور والمعادن والأشياء، التي بها قوام الأرض ومصالحها، وروى ابن عباس رضي الله عنهما في هذا حديثا مرفوعا، فشبهها بالقوت الذي به قوام الحيوان، وقال مجاهد: أراد أقواتها من المطر والمياه، وقال عكرمة، والضحاك، ومجاهد أيضا: أراد تبارك وتعالى بقوله: "أقواتها": خصائصها التي قسمها في البلاد، فجعل في اليمن أشياء ليست في غيره، وكذلك في العراق والشام والأندلس وغيرها من الأقطار، ليحتاج بعضها إلى بعض، ويتقوت من هذه في هذه الملابس والمطعوم، وهذا نحو القول الأول، إلا أنه بوجه أعم منه.
وقوله تعالى: {في أربعة أيام} يريد تعالى: باليومين الأولين، وهذا كما تقول: بنيت جدار داري في يوم، وأكملت جميعها في يومين، أي بالأول.
وقرأ الحسن البصري، وأبو جعفر، وجمهور الناس: "[سواء]" بالنصب على الحال، أي: سواء هي وما انقضى فيها، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: "سواء" بالرفع، أي هي سواء، وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وعيسى، وعمرو بن عبيد: "سواء" بالخفض على نعت "الأيام". واختلف المتأولون في معنى "للسائلين" فقال قتادة، والسدي: معناه: سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه، فإنه يجده كما قال عز وجل. وقال ابن زيد وجماعة: معناه: مستو مهيأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر، فعبر عنهم بالسائلين، بمعنى الطالبين; لأنهم من شأنهم ولا بد طلب ما ينتفعون به، فهم في حكم من سأل هذه الأشياء; إذ هم أهل حاجة إليها. ولفظة "سواء" تجري مجرى "عدل" و"زور" في أن ترد على المفرد والمذكر والمؤنث).[المحرر الوجيز: 7/ 465-466]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم}
استوى إلى السماء معناه: بقدرته واختراعه، أي: إلى خلق السماء وإيجادها، وقوله تعالى: {وهي دخان} روي أنها كانت جسما رخوا كالدخان أو البخار، وروي أنه مما أمره الله أن يصعد من الماء، وهنا لفظ متروك ويدل عليه الظاهر، وتقديره: فأوجدها وأتقنها وأكمل أمرها، وحينئذ قيل لها وللأرض: ائتيا طوعا أو كرها. وقرأ الجمهور: "ائتيا"، من أتى يأتي، قالتا أتينا طائعين على وزن فعلنا، وذلك بمعنى: ائتيا أوامري وإرادتي فيكما، وقرأ ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد: "آتيا"، من آتى يؤتى، قالتا أتينا طائعين على وزن أفعلنا، وذلك بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما، والإشارة بهذا كله إلى تسخيرهما وما قدره الله من أعمالها.
وقوله تعالي: {أو كرها} فيه محذوف ومقتضب، والتقدير: ائتيا طوعا وإلا أتيتما كرها، وقوله تعالى: "قالتا" أراد الفرقتين المذكورتين، وجعل تعالى السماوات سماء والأرضين أرضا، ونحو هذا قول الشاعر:
ألم يحزنك أن حبال قومي ... وقومك قد تباينتا انقطاعا؟
جعلها فرقتين وعبر عنهما بتباينتا. وقوله: "طائعين"، لما كان ممن يقول - وهي حال يعقل - جرى الضمير في "طائعين" ذلك المجرى، وهذا كقوله تعالى: {رأيتهم لي ساجدين}.
واختلف الناس في هذه المقالة من السماء والأرض، فقالت فرقة: نطقتا حقيقة، وجعل الله تعالى لها حياة وإدراكا يقتضي نطقها، وقالت فرقة: هذا مجاز، وإنما المعنى أنهما ظهر منها من اختيار الطاعة والخضوع والتذلل ما هو بمنزلة قول: أتينا طائعين. والقول الأول أحسن; لأنه لا شيء يدفعه، ولأن العبرة به أتم، والقدرة فيه أظهر). [المحرر الوجيز: 7/ 467-468]

تفسير قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فقضاهن} معناه: فأوجدهن، ومنه قول أبي ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع
وقوله تعالى: {وأوحى في كل سماء أمرها} قال مجاهد، وقتادة: أوحى إلى سكانها وعمرتها من الملائكة، وإليها هي في نفسها ما شاء الله تعالى من الأمور التي بها قوامها وصلاحها، قال السدي، وقتادة: من الأمور التي هي لغيرها مثل ما فيها من جبال البرد ونحوها، وأضاف الله تعالى الأمر إليها من حيث هو فيها.
ثم أخبر الله تعالى أن الكواكب زين بها السماء الدنيا، وذلك ظاهر اللفظ وهو بحسب ما يقتضيه حس البصر، وقوله تعالى: "وحفظا" منصوب بإضمار فعل، أي: وحفظناها حفظا. وقوله تعالى: "ذلك" إشارة إلى جميع ما ذكر، أي: أوجده بقدرته وعزته، وأحكمه بعلمه). [المحرر الوجيز: 7/ 468-469]

رد مع اقتباس