عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 03:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون عليمٌ (51) وإنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً وأنا ربّكم فاتّقون (52) فتقطّعوا أمرهم بينهم زبرًا كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون (53) فذرهم في غمرتهم حتّى حينٍ (54) أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين (55) نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (56)}.
يأمر تعالى عباده المرسلين، عليهم الصّلاة والسّلام أجمعين، بالأكل من الحلال، والقيام بالصّالح من الأعمال، فدلّ هذا على أنّ الحلال عون على العمل الصّالح، فقام الأنبياء، عليهم السّلام، بهذا أتمّ القيام. وجمعوا بين كلّ خيرٍ، قولًا وعملًا ودلالةً ونصحًا، فجزاهم اللّه عن العباد خيرًا.
قال الحسن البصريّ في قوله: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات} قال: أما واللّه ما أمروا بأصفركم ولا أحمركم، ولا حلوكم ولا حامضكم، ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه.
وقال سعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك: {كلوا من الطّيّبات} يعني: الحلال.
وقال أبو إسحاق السّبيعي، عن أبي ميسرة بن شرحبيل: كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمّه.
وفي الصّحيح: "ما من نبيٍّ إلّا رعى الغنم". قالوا: وأنت يا رسول اللّه؟ قال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة".
وفي الصّحيح: أنّ داود، عليه السّلام، كان يأكل من كسب يده.
وفي الصّحيحين: "إنّ أحبّ الصّيام إلى اللّه صيام داود، وأحبّ القيام إلى اللّه قيام داود، كان ينام نصف اللّيل، ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، حدّثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيبٍ، أنّ أمّ عبد اللّه، أخت شدّاد بن أوسٍ بعثت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بقدح لبنٍ عند فطره وهو صائمٌ، وذلك في أوّل النّهار وشدّة الحرّ، فردّ إليها رسولها: أنّى كانت لك الشّاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي، فشرب منه، فلمّا كان الغد أتته أمّ عبد اللّه أخت شدّادٍ فقالت: يا رسول اللّه، بعثت إليك بلبنٍ مرثيةً لك من طول النّهار وشدّة الحرّ، فرددت إليّ الرّسول فيه؟. فقال لها: "بذلك أمرت الرّسل، ألّا تأكل إلّا طيّبًا، ولا تعمل إلّا صالحًا".
وقد ثبت في صحيح مسلمٍ، وجامع التّرمذيّ، ومسند الإمام أحمد -واللّفظ له-من حديث فضيل بن مرزوقٍ، عن عديّ بن ثابتٍ، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا أيّها النّاس، إنّ اللّه طيّبٌ لا يقبل إلّا طيّبًا، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون عليمٌ}. وقال: {يا أيّها الّذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم} [البقرة: 172]. ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذّي بالحرام، يمدّ يديه إلى السّماء: يا ربّ، يا ربّ، فأنّى يستجاب لذلك".
وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلّا من حديث فضيل بن مرزوقٍ).[تفسير ابن كثير: 5/ 477-478]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً} أي: دينكم -يا معشر الأنبياء-دينٌ واحدٌ، وملّةٌ واحدةٌ، وهو الدّعوة إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له؛ ولهذا قال: {وأنا ربّكم فاتّقون}، وقد تقدّم الكلام على ذلك في سورة "الأنبياء"، وأنّ قوله: {أمّةً واحدةً} منصوبٌ على الحال). [تفسير ابن كثير: 5/ 479]

تفسير قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فتقطّعوا أمرهم بينهم زبرًا} أي: الأمم الّذين بعث إليهم الأنبياء، {كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون} أي: يفرحون بما هم فيه من الضّلال؛ لأنّهم يحسبون أنّهم مهتدون؛ ولهذا قال متهدّدًا لهم ومتواعدًا: {فذرهم في غمرتهم} أي: في غيّهم وضلالهم {حتّى حينٍ} أي: إلى حين حينهم وهلاكهم، كما قال تعالى: {فمهّل الكافرين أمهلهم رويدًا} [الطّارق: 17]، وقال تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون} [الحجر: 3]). [تفسير ابن كثير: 5/ 479]

تفسير قوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ (56)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} يعني: أيظنّ هؤلاء المغرورون أنّ ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزّتهم عندنا؟! كلّا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم: {نحن أكثر أموالا وأولادًا وما نحن بمعذّبين} [سبأ:35]، لقد أخطؤوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنّما نفعل بهم ذلك استدراجًا وإنظارًا وإملاءً؛ ولهذا قال: {بل لا يشعرون}، كما قال تعالى: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد اللّه ليعذّبهم بها في الحياة الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} [التّوبة: 55]، وقال تعالى: {إنّما نملي لهم ليزدادوا إثمًا} [آل عمران: 178]، وقال تعالى: {فذرني ومن يكذّب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ} [القلم: 44، 45]، وقال: {ذرني ومن خلقت وحيدًا * وجعلت له مالا ممدودًا * وبنين شهودًا * ومهّدت له تمهيدًا * ثمّ يطمع أن أزيد * كلا إنّه كان لآياتنا عنيدًا} [المدّثّر: 11-16] وقال تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالّتي تقرّبكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحًا فأولئك لهم جزاء الضّعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} [سبأٍ: 37] والآيات في هذا كثيرةٌ.
قال قتادة في قوله: {أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} قال: مكر واللّه بالقوم في أموالهم وأولادهم، يا ابن آدم، فلا تعتبر النّاس بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصّالح.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد [بن عبيد، حدّثنا أبان بن إسحاق، عن الصّبّاح بن محمد، عن مرة الهمداني، حدّثنا عبد اللّه] بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ اللّه يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدّين إلّا لمن أحبّ، فمن أعطاه اللّه الدّين فقد أحبّه، والّذي نفسي بيده، لا يسلم عبدٌ حتّى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه -قالوا: وما بوائقه يا نبيّ اللّه؟ قال: غشمه وظلمه- ولا يكسب عبدٌ مالًا من حرامٍ فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدّق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلّا كان زاده إلى النّار، إنّ اللّه لا يمحو السّيّئ بالسّيّئ، ولكن يمحو السّيّئ بالحسن، إنّ الخبيث لا يمحو الخبيث"). [تفسير ابن كثير: 5/ 479-480]

رد مع اقتباس