عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 11:26 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحدٍ} أي: صرفكم عنهم {إذ تصعدون} أي: في الجبل هاربين من أعدائكم.
وقرأ الحسن وقتادة: {إذ تصعدون} أي: في الجبل {ولا تلوون على أحدٍ} أي: وأنتم لا تلوون على أحدٍ من الدّهش والخوف والرّعب {والرّسول يدعوكم في أخراكم} أي: وهو قد خلّفتموه وراء ظهوركم يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء، وإلى الرّجعة والعودة والكرّة.
قال السّدّي: لمّا شدّ المشركون على المسلمين بأحدٍ فهزموهم، دخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصّخرة فقاموا عليها، وجعل الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو النّاس: "إليّ عباد الله، إليّ عباد اللّه". فذكر اللّه صعودهم على الجبل، ثمّ ذكر دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاهم فقال: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحدٍ والرّسول يدعوكم في أخراكم}.
وكذا قال ابن عبّاسٍ، وقتادة والرّبيع، وابن زيدٍ.
وقد قال عبد اللّه بن الزّبعري يذكر هزيمة المسلمين يوم أحدٍ في قصيدته -وهو مشركٌ بعد لم يسلم-الّتي يقول في أوّلها:
يا غراب البين أسمعت فقل = إنّما تنطق شيئًا قد فعل
إنّ للخير وللشر مدى = وكلا ذلك وجه وقبل
إلى أن قال:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا = جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكّت بقباء بركها = واستحرّ القتل في عبد الأشل
ثمّ خفّوا عند ذاكم رقّصا = رقص الحفّان يعلو في الجبل
فقتلنا الضّعف من أشرافهم = وعدلنا ميل بدرٍ فاعتدل
الحفّان: صغار النّعم.
وقد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد أفرد في اثني عشر رجلًا من أصحابه، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا زهير، حدّثنا أبو إسحاق أنّ البراء بن عازبٍ قال: جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الرّماة يوم أحدٍ -وكانوا خمسين رجلًا-عبد اللّه بن جبير قال: ووضعهم موضعًا وقال: "إن رأيتمونا تخطّفنا الطّير فلا تبرحوا حتّى أرسل إليكم وإن رأيتمونا ظهرنا على العدوّ وأوطأناهم فلا تبرحوا حتّى أرسل إليكم قال: فهزموهم. قال: فأنا واللّه رأيت النّساء يشتددن على الجبل، وقد بدت أسؤقهنّ وخلاخلهن رافعاتٌ ثيابهن، فقال أصحاب عبد اللّه: الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ قال عبد اللّه بن جبيرٍ: أنسيتم ما قال لكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصبينّ من الغنيمة. فلمّا أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذلك الّذي يدعوهم الرّسول في أخراهم، فلم يبق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غير اثني عشر رجلًا فأصابوا منّا سبعين، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائةً: سبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا. قال أبو سفيان: أفي القوم محمّدٌ؟ أفي القوم محمّدٌ؟ أفي القوم محمّدٌ؟ -ثلاثًا -قال: فنهاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجيبوه، ثمّ قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطّاب؟ أفي القوم ابن الخطّاب؟ ثمّ أقبل على أصحابه فقال: أمّا هؤلاء فقد قتلوا، قد كفيتموه. فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت واللّه يا عدوّ اللّه، إنّ الّذين عددت لأحياءٌ كلّهم، وقد بقى لك ما يسوؤك. فقال يومٌ بيوم بدرٍ، والحرب سجال، إنّكم ستجدون في القوم مثلةً لم آمر بها ولم تسؤني ثمّ أخذ يرتجز، يقول: اعل هبل. اعل هبل. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا تجيبوه ؟ " قالوا: يا رسول اللّه، ما نقول؟ قال: "قولوا: اللّه أعلى وأجلّ". قال: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا تجيبوه؟ ". قالوا: يا رسول اللّه، وما نقول؟ قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم".
وقد رواه البخاريّ من حديث زهير بن معاوية مختصرًا، ورواه من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق بأبسط من هذا، كما تقدّم. واللّه أعلم.
وروى البيهقيّ في دلائل النّبوّة من حديث عمارة بن غزيّة، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: انهزم النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ وبقي معه أحد عشر رجلًا من الأنصار، وطلحة بن عبيد اللّه وهو يصعد الجبل، فلقيهم المشركون، فقال: "ألا أحدٌ لهؤلاء؟ " فقال طلحة: أنا يا رسول اللّه، فقال: "كما أنت يا طلحة". فقال رجلٌ من الأنصار: فأنا يا رسول اللّه، فقاتل عنه، وصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومن بقي معه، ثمّ قتل الأنصاريّ فلحقوه فقال: "ألا رجلٌ لهؤلاء؟ " فقال طلحة مثل قوله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مثل قوله، فقال رجلٌ من الأنصار: فأنا يا رسول اللّه، فقاتل عنه وأصحابه يصعدن، ثمّ قتل فلحقوه، فلم يزل يقول مثل قوله الأوّل فيقول طلحة: فأنا يا رسول اللّه، فيحبسه، فيستأذنه رجلٌ من الأنصار للقتال فيأذن له، فيقاتل مثل من كان قبله، حتّى لم يبق معه إلّا طلحة فغشوهما، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من لهؤلاء؟ " فقال طلحة: أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله، فقال: حسّ، فقال رسول اللّه: "لو قلت: باسم الله، وذكرت اسم اللّه، لرفعتك الملائكة والنّاس ينظرون إليك، حتّى تلج بك في جوّ السّماء"، ثمّ صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أصحابه وهم مجتمعون.
وقد روى البخاريّ، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي حازمٍ قال: رأيت يد طلحة شلّاء وقى بها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني يوم أحدٍ.
وفي الصّحيحين من حديث معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان النّهدي قال: لم يبق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض تلك الأيّام، الّتي قاتل فيهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غير طلحة بن عبيد اللّه وسعدٍ، عن حديثهما وقال حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيدٍ وثابتٍ عن أنس بن مالكٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أفرد يوم أحدٍ في سبعةٍ من الأنصار ورجلين من قريشٍ، فلمّا رهقوه قال: "من يردّهم عنّا وله الجنّة -أو: وهو رفيقي في الجنة؟ " فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثمّ رهقوه أيضًا، فقال: "من يردّهم عنّا وله الجنّة؟ " فتقدّم رجلٌ من الأنصار فقاتل حتّى قتل. فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا".
رواه مسلمٌ عن هدبة بن خالدٍ، عن حمّاد بن مسلمة به نحوه.
وقال الحسن بن عرفة: حدّثنا ابن مروان بن معاوية، عن هاشم بن هاشمٍ الزّهريّ، قال سمعت سعيد بن المسيّب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاصٍّ [رضي اللّه عنه] يقول: نثل لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كنانته يوم أحدٍ قال: "ارم فداك أبي وأمّي".
وأخرجه البخاريّ، عن عبد اللّه بن محمّدٍ، عن مروان بن معاوية.
وقال محمّد بن إسحاق حدّثني صالح بن كيسان، عن بعض آل سعدٍ، عن سعد بن أبي وقاصٍّ؛ أنّه رمى يوم أحدٍ دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال سعدٌ: فلقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يناولني النّبل ويقول: "ارم فداك أبي وأمّي" حتّى إنّه ليناولني السّهم ليس له نصلٌ، فأرمي به.
وثبت في الصّحيحين من حديث إبراهيم بن سعدٍ عن أبيه، عن جدّه، عن سعد بن أبي وقّاصٍّ قال: رأيت يوم أحدٍ عن يمين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعن يساره رجلين، عليهما ثيابٌ بيضٌ، يقاتلان عنه أشدّ القتال، ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده، يعني: جبريل وميكائيل عليهما السّلام.
وقال أبو الأسود، عن عروة بن الزّبير قال: كان أبيّ بن خلف، أخو بني جمح، قد حلف وهو بمكّة ليقتلن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا بلغت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حلفته قال: "بل أنا أقتله، إن شاء اللّه". فلمّا كان يوم أحدٍ أقبل أبي في الحديد مقنّعا، وهو يقول: لا نجوت إن نجا محمّدٌ. فحمل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يريد قتله، فاستقبله مصعب بن عمير، أخو بني عبد الدّار، يقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنفسه، فقتل مصعب بن عميرٍ، وأبصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ترقوة أبيّ بن خلفٍ من فرجة بين سابغة الدّرع والبيضة، وطعنه فيها بحربته، فوقع إلى الأرض عن فرسه، لم يخرج من طعنته دمٌ، فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثّور، فقالوا له: ما أجزعك إنّما هو خدشٌ؟ فذكر لهم قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا أقتل أبيا". ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لو كان هذا الّذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون. فمات إلى النّار، فسحقًا لأصحاب السّعير.
وقد رواه موسى بن عقبة في مغازيه، عن الزّهري، عن سعيد بن المسيّب بنحوه.
وذكر محمّد بن إسحاق قال: لمّا أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشّعب، أدركه أبيّ بن خلف وهو يقول: لا نجوت إن نجوت فقال القوم: يا رسول اللّه، يعطف عليه رجلٌ منّا؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "دعوه" فلمّا دنا تناول رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] الحربة من الحارث بن الصّمّة، فقال بعض القوم ما ذكر لي: فلمّا أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منه انتفض بها انتفاضةً، تطايرنا عنه تطاير الشّعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثمّ استقبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطعنه في عنقه طعنةً تدأدأ منها عن فرسه مرارًا.
وذكر الواقديّ، عن يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، عن أبيه نحو ذلك.
قال الواقديّ: كان ابن عمر يقول: مات أبيّ بن خلفٍ ببطن رابغٍ، فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل إذا أنا بنار تتأجّح فهبتها، فإذا رجلٌ يخرج منها في سلسلةٍ يجتذبها يهيج به العطش، وإذا رجلٌ يقول: لا تسقه، فإنّ هذا قتيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، هذا أبيّ بن خلفٍ.
وثبت في الصّحيحين، من رواية عبد الرّزّاق، عن معمر، عن همّام بن منبّه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اشتدّ غضب الله على قومٍ فعلوا برسول الله -وهو حينئذٍ يشير إلى رباعيته-اشتدّ غضب الله على رجلٍ يقتله رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في سبيل الله".
ورواه البخاريّ أيضًا من حديث ابن جريج، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: اشتدّ غضب اللّه على من قتله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بيده في سبيل اللّه، اشتدّ غضب اللّه على قومٍ دمّوا وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، رحمه اللّه: أصيبت رباعية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وشجّ في وجنته، وكلمت شفته وكان الّذي أصابه عتبة بن أبي وقّاصٍّ.
فحدّثني صالح بن كيسان، عمّن حدّثه، عن سعد بن أبي وقّاصٍّ قال: ما حرصت على قتل أحدٍ قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقّاصٍّ وإن كان ما علمته لسيّئ الخلق، مبغضًا في قومه، ولقد كفاني فيه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اشتدّ غضب الله على من دمّى وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم".
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الزّهريّ، عن عثمان الجزري، عن مقسم؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا على عتبة بن أبي وقّاصٍّ يوم أحد حين كسر رباعيته ودمى وجهه فقال: "اللّهمّ لا تحل عليه الحول حتّى يموت كافرًا". فما حال عليه الحول حتّى مات كافرًا إلى النّار.
ذكر الواقديّ عن ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة، عن أبي الحويرث، عن نافع بن جبيرٍ قال: سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت أحدًا فنظرت إلى النّبل يأتي من كلّ ناحيةٍ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسطها، كلّ ذلك يصرف عنه، ولقد رأيت عبد اللّه بن شهابٍ الزّهريّ يقول يومئذٍ: دلّوني على محمّدٍ، لا نجوت إن نجا، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جنبه ليس معه أحدٌ، ثمّ جاوره فعاتبه في ذلك صفوان، فقال: واللّه ما رأيته، أحلف باللّه إنّه منّا ممنوعٌ. خرجنا أربعةً فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك.
قال الواقديّ: الثّبت عندنا أنّ الّذي رمى في وجنتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ابن قميئة والّذي دمى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقّاصٍّ.
وقال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، أخبرني عيسى بن طلحة، عن أمّ المؤمنين عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: كان أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، إذا ذكر يوم أحدٍ قال ذاك يومٌ كله لطلحة، ثمّ أنشأ يحدّث قال: كنت أوّل من فاء يوم أحدٍ، فرأيت رجلًا يقاتل مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دونه -وأراه قال: حميّة فقال فقلت: كن طلحة، حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلًا من قومي أحبّ إليّ، وبيني وبين المشركين رجلٌ لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منه، وهو يخطف المشي خطفًا لا أحفظه فإذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح، فانتهينا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وقد كسرت رباعيته وشجّ في وجهه، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عليكما صاحبكما". يريد طلحة، وقد نزف، فلم نلتفت إلى قوله، قال: وذهبت لأن أنزع ذلك من وجهه، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقّي لما تركتني. فتركته، فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأزمّ عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيّته مع الحلقة، ذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقّي لما تركتني، قال: ففعل مثل ما فعل في المرّة الأولى، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة، رضي اللّه عنه، أحسن النّاس هتما، فأصلحنا من شأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ أتينا طلحة في بعض تلك الجفار، فإذا به بضعٌ وسبعون أو أقلّ أو أكثر من طعنةٍ ورمية وضربةٍ، وإذا قد قطعت إصبعه، فأصلحنا من شأنه.
ورواه الهيثم بن كليب، والطّبرانيّ، من حديث إسحاق بن يحيى به. وعند الهيثم: فقال أبو عبيدة: أنشدك يا أبا بكرٍ إلّا تركتني؟ فأخذ أبو عبيدة السّهم بفيه، فجعل ينضنضه كراهية أن يؤذي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ استل السّهم بفيه فبدرت ثنيّة أبي عبيدة.
وذكر تمامه، واختاره الحافظ الضّياء المقدسيّ في كتابه وقد ضعّف عليّ بن المدينيّ هذا الحديث من جهة إسحاق بن يحيى هذا، فإنّه تكلّم فيه يحيى بن سعيدٍ القطّان، وأحمد، ويحيى بن معينٍ، والبخاريّ، وأبو زرعة، وأبو حاتمٍ، ومحمّد بن سعدٍ، والنّسائيّ وغيرهم.
وقال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث: أنّ عمر بن السّائب حدّثه: أنّه بلّغه أنّ مالكًا أبا [أبي] سعيدٍ الخدري لمّا جرح النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ مصّ الجرح حتّى أنقاه ولاح أبيض، فقيل له: مجّه. فقال: لا واللّه لا أمجّه أبدًا. ثمّ أدبر يقاتل، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أراد أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنّة، فلينظر إلى هذا " فاستشهد.
وقد ثبت في الصّحيحين من طريق عبد العزيز بن أبي حازمٍ عن أبيه، عن سهل بن سعد أنه سئل عن جرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: جرح وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تغسل الدّم، وكان علي يسكب عليها بالمجنّ فلمّا رأت فاطمة [رضي اللّه عنها] أنّ الماء لا يزيد الدّم إلّا كثرةً، أخذت قطعة حصير فأحرقته، حتّى إذا صار رمادًا ألصقته بالجرح، فاستمسك الدّم.
وقوله: {فأثابكم غمًّا بغمٍّ} أي: فجازاكم غما على غم كما تقول العرب: نزلت ببني فلانٍ، ونزلت على بني فلانٍ.
قال ابن جريرٍ: وكذا قوله: {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل} [طه:71] [أي: على جذوع النّخل].
قال ابن عبّاسٍ: الغمّ الأوّل: بسبب الهزيمة، وحين قيل: قتل محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، والثّاني: حين علاهم المشركون فوق الجبل، وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ ليس لهم أن يعلونا".
وعن عبد الرّحمن بن عوفٍ: الغمّ الأوّل: بسبب الهزيمة، والثّاني: حين قيل: قتل محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، كان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة.
رواهما ابن مردويه، وروي عن عمر بن الخطّاب نحو ذلك. وذكر ابن أبي حاتمٍ عن قتادة نحو ذلك أيضًا.
وقال السّدّي: الغمّ الأوّل: بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والثّاني: بإشراف العدوّ عليهم.
وقال محمّد بن إسحاق {فأثابكم غمًّا بغمٍّ} أي: كربا بعد كربٍ، قتل من قتل من إخوانكم، وعلو عدوّكم عليكم، وما وقع في أنفسكم من قول من قال: "قتل نبيّكم" فكان ذلك متتابعًا عليكم غمًّا بغمٍّ.
وقال مجاهدٌ وقتادة: الغمّ الأوّل: سماعهم قتل محمّدٍ، والثّاني: ما أصابهم من القتل والجراح. وعن قتادة والرّبيع بن أنسٍ عكسه.
وعن السّدّي: الأوّل: ما فاتهم من الظّفر والغنيمة، والثّاني: إشراف العدوّ عليهم، وقد تقدّم هذا عن السّدّيّ.
قال ابن جريرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب قول من قال: {فأثابكم غمًّا بغمٍّ} فأثابكم بغمكم أيّها المؤمنون بحرمان اللّه إيّاكم غنيمة المشركين والظّفر بهم والنصر عليهم، وما أصابكم من القتل والجراح يومئذٍ -بعد الّذي أراكم في كلّ ذلك ما تحبّون -بمعصيتكم ربّكم، وخلافكم أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، غم ظنّكم أنّ نبيّكم قد قتل، وميل العدو عليكم بعد فلولكم منهم.
وقوله: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم} أي: على ما فاتكم من الغنيمة بعدوّكم {ولا ما أصابكم} من القتل والجراح، قاله ابن عبّاسٍ، وعبد الرّحمن بن عوفٍ، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ {واللّه خبيرٌ بما تعملون}). [تفسير القرآن العظيم: 2/137-144]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة يقولون هل لنا من الأمر من شيءٍ قل إنّ الأمر كلّه للّه يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم واللّه عليمٌ بذات الصّدور (154) إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اللّه عنهم إنّ اللّه غفورٌ حليمٌ (155)}
يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السّكينة والأمنة، وهو النّعاس الّذي غشيهم وهم مستلئمو السّلاح في حال همّهم وغمّهم، والنّعاس في مثل تلك الحال دليلٌ على الأمان كما قال تعالى في سورة الأنفال، في قصّة بدرٍ: {إذ يغشّيكم النّعاس أمنةً منه [وينزل عليكم من السّماء ماءً ليطهّركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام]} [الأنفال:11].
وقال [الإمام] أبو محمّدٍ عبد الرحمن ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدثنا أبو نعيم وكيعٌ عن سفيان، عن عاصمٍ، عن أبي رزينٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: النّعاس في القتال من اللّه، وفي الصّلاة من الشّيطان.
قال البخاريّ: قال لي خليفة: حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنسٍ، عن أبي طلحة، رضي اللّه عنه، قال: كنت فيمن تغشاه النّعاس يوم أحد، حتّى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه.
هكذا رواه في المغازي معلّقًا. ورواه في كتاب التّفسير مسندًا عن شيبان، عن قتادة، عن أنسٍ، عن أبي طلحة قال: غشينا النّعاس ونحن في مصافنا يوم أحدٍ. قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه.
وقد رواه التّرمذيّ والنّسائيّ والحاكم، من حديث حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحد، وجعلت أنظر وما منهم يومئذٍ أحدٌ إلّا يميد تحت جحفته من النّعاس. لفظ التّرمذيّ، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
ورواه النّسائيّ أيضًا، عن محمّد بن المثنّى، عن خالد بن الحارث، عن أبي قتيبة، عن ابن أبي عديٍّ، كلاهما عن حميدٍ، عن أنسٍ قال: قال أبو طلحة: كنت فيمن ألقي عليه النّعاس -الحديث.
وهكذا روي عن الزّبير وعبد الرّحمن بن عوفٍ، رضي اللّه عنه.
وقال البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ أخبرني أبو الحسين محمّد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن إسحاق الثّقفيّ، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن المبارك المخزوميّ، حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا شيبان، عن قتادة، حدّثنا أنس بن مالكٍ؛ أنّ أبا طلحة قال: غشينا النّعاس ونحن في مصافّنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه، قال: والطّائفة الأخرى المنافقون ليس لهم همٌّ إلّا أنفسهم، أجبن قومٍ وأرعنه، وأخذله للحقّ {يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة} كذبة، أهل شكٍّ وريبٍ في اللّه، عزّ وجلّ.
هكذا رواه بهذه الزّيادة، وكأنّها من كلام قتادة، رحمه اللّه، وهو كما قال؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنةً نعاسًا يغشى طائفةً منكم} يعني: أهل الإيمان واليقين والثّبات والتّوكّل الصّادق، وهم الجازمون بأنّ اللّه سينصر رسوله وينجز له مأموله، ولهذا قال: {وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم} يعني: لا يغشاهم النّعاس من القلق والجزع والخوف {يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهليّة} كما قال في الآية الأخرى: {بل ظننتم أن لن ينقلب الرّسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدًا [وزيّن ذلك في قلوبكم وظننتم ظنّ السّوء وكنتم قومًا بورًا]} [الفتح:12] وهكذا هؤلاء، اعتقدوا أنّ المشركين لمّا ظهروا تلك السّاعة أنّها الفيصلة وأنّ الإسلام قد باد وأهله، هذا شأن أهل الرّيب والشّكّ إذا حصل أمرٌ من الأمور الفظيعة، تحصل لهم هذه الظّنون الشّنيعة.
ثمّ أخبر تعالى عنهم أنّهم {يقولون} في تلك الحال: {هل لنا من الأمر من شيءٍ} قال اللّه تعالى: {قل إنّ الأمر كلّه للّه يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك} ثمّ فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله: {يقولون لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا} أي: يسرّون هذه المقالة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال [محمّد] بن إسحاق بن يسارٍ: فحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الزّبير قال: قال الزّبير: لقد رأيتني مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين اشتدّ الخوف علينا، أرسل اللّه علينا النّوم، فما منّا من رجلٍ إلّا ذقنه في صدره، قال: فواللّه إنّي لأسمع قول معتب بن قشير، ما أسمعه إلّا كالحلم، [يقول] {لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا} فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل اللّه [تعالى] {لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا} لقول معتب. رواه ابن أبي حاتمٍ.
قال اللّه تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} أي: هذا قدرٌ مقدّرٌ من اللّه عزّ وجلّ، وحكمٌ حتم لا يحاد عنه، ولا مناص منه.
وقوله: {وليبتلي اللّه ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم} أي: يختبركم بما جرى عليكم، وليميز الخبيث من الطّيّب، ويظهر أمر المؤمن والمنافق للنّاس في الأقوال والأفعال، {واللّه عليمٌ بذات الصّدور} أي: بما يختلج في الصّدور من السّرائر والضّمائر). [تفسير القرآن العظيم: 2/144-146]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا} أي: ببعض ذنوبهم السّالفة، كما قال بعض السّلف: إنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإنّ من جزاء السيئة السّيّئة بعدها.
ثمّ قال تعالى: {ولقد عفا اللّه عنهم} أي: عمّا كان منهم من الفرار {إنّ اللّه غفورٌ حليمٌ} أي: يغفر الذّنب ويحلم عن خلقه، ويتجاوز عنهم، وقد تقدّم حديث ابن عمر في شأن عثمان، رضي اللّه عنه، وتولّيه يوم أحدٍ، وأنّ اللّه [قد] عفا عنهم، عند قوله: {ولقد عفا عنكم} ومناسبٌ ذكره هاهنا.
قال الإمام أحمد: حدّثنا معاوية بن عمرو، حدّثنا زائدة، عن عاصمٍ، عن شقيقٍ، قال: لقي عبد الرّحمن بن عوفٍ الوليد بن عقبة فقال له الوليد: ما لي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرّحمن: أبلغه أنّي لم أفرّ يوم عينين -قال عاصمٌ: يقول يوم أحدٍ-ولم أتخلّف عن بدرٍ، ولم أترك سنة عمر. قال: فانطلق فخبر ذلك عثمان، قال: فقال: أمّا قوله: إنّي لم أفرّ يوم عينين فكيف يعيرني بذنب قد عفا اللّه عنه، فقال: {إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اللّه عنهم} وأمّا قوله: إنّي تخلّفت يوم بدرٍ فإنّي كنت أمرّض رقيّة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ماتت، وقد ضرب لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسهمٍ، ومن ضرب له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسهمٍ فقد شهد. وأمّا قوله: "إنّي لم أترك سنّة عمر" فإنّي لا أطيقها ولا هو، فأته فحدّثه بذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/146]

رد مع اقتباس