عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:46 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلاّ أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لأهل الكتاب من اليهود والنّصارى: يا أهل الكتاب، هل تكرهون منّا أو تجدون علينا في شى اذ تستهزئون بديننا وإذا أنتم إذا نادينا إلى الصّلاة اتّخذتم نداءنا ذلك هزوًا ولعبًا {إلاّ أن آمنّا باللّه} يقول: إلاّ أن صدّقنا وأقررنا باللّه فوحّدناه، وبما أنزل إلينا من عند اللّه من الكتاب، وما أنزل إلى أنبياء اللّه من الكتب من قبل كتابنا. {وأنّ أكثركم فاسقون} يقول: إلاّ أنّ أكثركم مخالفون أمر اللّه، خارجون عن طاعته، تكذبون عليه.
والعرب تقول: نقمت عليك كذا أنقم وبه قرأ القرّاء من أهل الحجاز والعراق وغيرهم ونقمت أنقم لغتان، ولا نعلم قارئًا قرأ بهما بمعنى وجدت وكرهت، ومنه قول عبد اللّه بن قيس الرّقيّات:.
ما نقموا من بني أميّة إلّـ = ـا أنّهم يحلمون إن غضبوا
وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت بسبب قومٍ من اليهود.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفرٌ من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافعٍ، وعازرٌ، وزيدٌ وخالدٌ، وأزار بن أبي أزارٍ،
وأشيع، فسألوه عمّن يؤمن به من الرّسل؟ قال: أومن باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيّون من ربّهم، لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون فلمّا ذكر عيسى جحدوا نبوّته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به فأنزل اللّه فيهم: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلاّ أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون}.
عطفًا بها على أنّ الّتي في قوله: {إلاّ أن آمنّا باللّه} لأنّ معنى الكلام: هل تنقمون منّا إلاّ إيماننا باللّه وفسقكم). [جامع البيان: 8/536-538]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59)
قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ قالوا: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبو ياسر بن أخضب، ونافع بن أبي نافعٍ، وعازرٌ وخالدٌ وزيدٌ وإزاد بن أبي إزادٍ وأشيع فقالوا: عمّن تؤمن به من الرّسل. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: نؤمن باللّه وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيّون من رّبّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم. فلمّا ذكر عيسى بن مريم جحدوا نبوّته وقالوا: لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به فأنزل اللّه فيهم: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1164]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من يهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافع وغازي بن عمرو وزيد بن خالد وازار بن أبي أزار وأسقع فسألوه عمن يؤمن به من الرسل قال: أؤمن بالله {وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بعيسى فانزل الله {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا} إلى قوله {فاسقون}). [الدر المنثور: 5/366]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مّكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار: هل أنبّئكم يا معشر أهل الكتاب بشرٍّ من ثواب ما تنقمون منّا من إيماننا باللّه، وما أنزل إلينا من كتاب اللّه، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟وتقدير مثوبة مفعوله غير أنّ العين لمّا سكّنت، نقلت حركتها إلى الفاء، وهي الثّاء من مثوبةً، فخرجت مخرج مقولةٍ، ومحورةٍ، ومضوفةٍ، كما قال الشّاعر:.
وكنت إذا جاري دعا لمضوفةٍ = أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزري
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه} يقول: ثوابًا عند اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه} قال: المثوبة: الثّواب، مثوبة الخير ومثوبة الشّرّ، وقرأ: شرٌّ ثوابًا.
وأمّا من في قوله: {من لعنه اللّه} فإنّه في موضع خفضٍ ردًّا على قوله: {بشرٍّ من ذلك} فكأنّ تأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه بمن لعنه اللّه.
ولو قيل هو في موضع رفعٍ لكان صوابًا على الاستئناف، بمعنى: ذلك من لعنه اللّه، أو هو من لعنه اللّه.
ولو قيل هو في موضع نصبٍ لم يكن فاسدًا، بمعنى: قل هل أنبّئكم من لعنه اللّه، فيجعل أنبّئكم عاملا ما في من واقعًا عليه.
وأمّا معنى قوله: {من لعنه اللّه} فإنّه يعني: من أبعده اللّه وأسحقه من رحمته وغضب عليه. {وجعل منهم القردة والخنازير} يقول: وغضب عليه، وجعل منهم المسوخ القردة والخنازير، غضبًا منه عليهم وسخطًا، فعجّل لهم الخزي والنّكال في الدّنيا.
وأمّا سبب مسخ اللّه من مسخ منهم قردةً فقد ذكرنا بعضه فيما مضى من كتابنا هذا، وسنذكر بقيّته إن شاء اللّه في مكانٍ غير هذا. وأمّا سبب مسخ اللّه من مسخ منهم خنازير، فإنّه كان فيما:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن عمر بن كثير بن أفلح، مولى أبي أيّوب الأنصاريّ، قال: حدّثت أنّ المسخ في بني إسرائيل من الخنازير كان أنّ امرأةً من بني إسرائيل كانت في قريةٍ من قرى بني إسرائيل، وكان فيها ملك بني إسرائيل، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة، إلاّ أنّ تلك المرأة كانت على بقيّةٍ من الإسلام متمسكّةً به، فجعلت تدعو إلى اللّه حتّى إذا اجتمع إليها ناسٌ فتابعوها على أمرها، قالت لهم: إنّه لا بدّ لكم من أن تجاهدوا عن دين اللّه وأن تنادوا قومكم بذلك، فاخرجوا فإنّي خارجةٌ. فخرجت وخرج إليها ذلك الملك في النّاس، فقتل أصحابها جميعًا، وانفلتت من بينهم. قال: ودعت إلى اللّه حتّى تجمّع النّاس إليها، حتّى إذا رضيت منهم أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت معهم، وأصيبوا جميعًا وانفلتت من بينهم. ثمّ دعت إلى اللّه، حتّى إذا اجتمع إليها رجالٌ استجابوا لها، أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت، فأصيبوا جميعًا، وانفلتت من بينهم. فرجعت وقد أيست، وهي تقول: سبحان اللّه، لو كان لهذا الدّين وليّ وناصرٌ لقد أظهره بعد. قال: فباتت محزونةً، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير وقد مسخهم اللّه في ليلتهم تلك، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أنّ اللّه قد أعزّ دينه وأمر دينه. قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلاّ على يدي تلك المرأة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وجعل منهم القردة والخنازير} قال: مسخت من يهود.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وللمسخ سببٌ فيما ذكر غير الّذي ذكرناه سنذكره في موضعه إن شاء اللّه). [جامع البيان: 8/538-541]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الحجاز والشّام والبصرة وبعض الكوفيّين: {وعبد الطّاغوت} بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطّاغوت، بمعنى: عابدٍ، فجعل عبد فعلاً ماضيًا من صلة المضمر، ونصب الطّاغوت بوقوع عبد عليه.
وقرأ ذلك جماعةٌ من الكوفيّين: وعبد الطّاغوت بفتح العين من عبد وضمّ بائها وخفض الطّاغوت بإضافة عبد إليه، وعنوا بذلك: وخدم الطّاغوت.
- حدّثني بذلك المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، قال: حدّثني حمزة، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّابٍ، أنّه قرأ: (وعبد الطّاغوت) يقول: خدمٌ. قال عبد الرّحمن: وكان حمزة كذلك يقرؤها.
- حدّثني ابن وكيعٍ، وابن حميدٍ قالا: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، أنّه كان يقرؤها.
كذلك. وكان الفرّاء يقول: إن يكن فيه لغةٌ مثل حذرٍ وحذرٍ، وعجلٍ وعجلٍ، فهو وجهٌ واللّه أعلم. وإلا فإنه أراد قول الشّاعر:.
أبني لبينى إنّ أمّكم = أمةٌ وإنّ أباكم عبد
قإلّ وهذا من ضرورة الشّعر. وهذا يجوز في الشّعر لضرورة القوافي، وأمّا في القراءة فلا.
وقرأ ذلك آخرون (وعبد الطّاغوت) ذكر ذلك عن الأعمش، وكأنّ من قرأ ذلك كذلك أراد جمع الجمع من العبد، كأنّه جمع العبد عبيدًا، ثمّ جمع العبيد عبدًا، مثل ثمارٍ وثمرٍ.
وذكر عن أبي جعفرٍ القارئ أنّه يقرؤه: (وعبد الطّاغوت).
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: كان أبو جعفرٍ النّحويّ يقرؤها: وعبد الطّاغوت كما يقول: ضرب عبد اللّه.
قال أبو جعفرٍ: وهذه قراءةٌ لا معنى لها، لأنّ اللّه تعالى إنّما ابتدأ الخبر بذمّ أقوامٍ، فكان فيما ذمّهم به عبادتهم الطّاغوت. وأمّا الخبر عن أنّ الطّاغوت قد عبد، فليس من نوع الخبر الّذي ابتدأ به الآية، ولا من جنس ما ختمها به، فيكون له وجهٌ يوجّه إليه في الصّحّة.
وذكر أنّ بريدة الأسلميّ كان يقرؤه: وعابد الطّاغوت.
- حدّثني بذلك المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا شيخٌ، بصريّ: أنّ بريدة، كان يقرؤه كذلك.
ولو قرئ ذلك: وعبد الطّاغوت، بالكسر كان له مخرجٌ في العربيّة صحيحٌ، وإن لم أستجز اليوم القراءة بها، إذ كانت قراءة الحجّة من القرّاء بخلافها؛ ووجه جوازها في العربيّة أن يكون مرادًا بها وعبدة الطّاغوت، ثمّ حذفت الهاء من العبدة للإضافة، كما قال الرّاجز:.
قام ولاها فسقوه صرخدا
يريد: قام ولاتها، فحذف التّاء من ولاتها للإضافة.
وأمّا قراءة القرّاء فبأحد الوجهين اللّذين بدأت بذكرهما، وهو: وعبد الطّاغوت بنصب الطّاغوت وإعمال عبد فيه، وتوجيه عبد إلى أنّه فعلٌ ماضٍ من العبادة. والآخر: عبد الطّاغوت على مثال فعل، وخفض الطّاغوت بإضافة عبد إليه.
فإذا كانت قراءة القرّاء بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه الّتي هي أصحّ مخرجًا في العربيّة منهما، فأولاهما بالصّواب من القراءة قراءة من قرأ ذلك: {وعبد الطّاغوت} بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطّاغوت؛ لأنّه ذكر أنّ ذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ وابن مسعودٍ: وجعل منهم القردة والخنازير وعبدوا الطّاغوت بمعنى: والّذين عبدوا الطّاغوت. ففي ذلك دليلٌ واضحٌ على صحّة المعنى الّذي ذكرنا من أنّه مرادٌ به: ومن عبد الطّاغوت، وأنّ النّصب بالطّاغوت أولى على ما وصفت في القراءة لإعمال عبد فيه، إذ كان الوجه الآخر غير مستفيضٍ في العرب ولا معروفٍ في كلامها.
على أنّ أهل العربيّة يستنكرون إعمال شيءٍ في من والّذي المضمرين مع من وفي إذا كفّت من أو في منهما، ويستقبحونه، حتّى كان بعضهم يحيل ذلك ولا يجيزه. وكان الّذي يحيل ذلك يقرؤه: وعبد الطّاغوت، فهو على قوله خطأٌ ولحنٌ غير جائزٍ.
وكان آخرون منهم يستجيزونه على قبحٍ، فالواجب على قولهم أن تكون القراءة بذلك قبيحةً؛ وهم مع استقباحهم ذلك في الكلام قد اختاروا القراءة بها، وإعمال وجعل في من وهي محذوفةٌ مع من.
ولو كنّا نستجيز مخالفة الجماعة في شيءٍ ممّا جاءت به مجمعةً عليه، لاخترنا القراءة بغير هاتين القراءتين، غير أنّ ما جاء به المسلمون مستفيضًا، فهم لا يتناكرونه، فلا نستجيز الخروج منه إلى غيره؛ فلذلك لم نستجز القراءة بخلاف إحدى القراءتين اللّتين ذكرنا أنّهم لم يعدوهما.
وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا، فتأويل الآية: قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه: من لعنه، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطّاغوت.
وقد بيّنّا معنى الطّاغوت فيما مضى بشواهده من الرّوايات وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.
وأمّا قوله: {أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل} فإنّه يعني بقوله: أولئك: هؤلاء الّذين ذكرهم تعالى ذكره، وهم الّذين وصف صفتهم، فقال: من لعنه اللّه، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطّاغوت؛ وكلّ ذلك من صفة اليهود من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين هذه صفتهم شرٌّ مكانًا في عاجل الدّنيا والآخرة عند اللّه ممّن نقمتم عليهم يا معشر اليهود إيمانهم باللّه وبما أنزل إليهم من عند اللّه من الكتاب وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء {وأضلّ عن سواء السّبيل} يقول تعالى ذكره: وأنتم مع ذلك أيّها اليهود، أشدّ أخذًا على غير الطّريق القويم، وأجور عن سبيل الرّشد والقصد منهم.
وهذا من لحن الكلام، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما قصد بهذا الخبر إخبار اليهود الّذين وصف صفتهم في الآيات قبل هذه بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم، حتّى مسخ بعضهم قردةً وبعضهم خنازير، خطابًا منه لهم بذلك تعريضًا بالجميل من الخطاب، ولحنٌ لهم بما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللّحن، وعلّم نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأدب أحسنه، فقال له: قل لهم يا محمّد، أهؤلاء المؤمنون باللّه وبكتبه الّذين تستهزءون منهم شرٌّ أم من لعنه اللّه؟ وهو يعني المقول ذلك لهم). [جامع البيان: 8/541-546]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل (60)
قوله تعالى: قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب علية
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبة عند الله، يقول: ثوابًا عند اللّه.
قوله تعالى: وجعل منهم القردة والخنازير
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن
[تفسير القرآن العظيم: 4/1164]
مجاهدٍ قوله: وجعل منهم القردة والخنازير مسخت من يهود.
قوله تعالى: القردة والخنازير
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا داود بن الفرات عن محمّد بن زيدٍ العبديّ عن أبي الأعيق عن أبي الأحفص عن ابن مسعودٍ قال: سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن القردة والخنازير أهم من نسل اليهود، فقال: لا. إنّ اللّه لم يلعن قطّ قومًا فينسخهم فيكون لهم نسلٌ ولكن هذا خلقٌ كان فلمّا غضب الله على اليهود فيمسخهم جعلهم مثلهم.
قوله تعالى: وعبد الطّاغوت
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان قال: قلت لابن أبي ليلى وعبد الطّاغوت فقال: فخدم الطّاغوت). [تفسير القرآن العظيم: 4/1164-1165]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وجعل منهم القردة والخنازير قال القردة والخنازير مسخت من يهود). [تفسير مجاهد: 199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل}.
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: المثوبة، الثواب مثوبة الخير ومثوبة الشر وقرئ بشر ثوابا.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {مثوبة عند الله} يقول: ثوابا عند الله.
قوله تعالى: {وجعل منهم القردة والخنازير}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وجعل منهم القردة والخنازير} قال: مسخت من يهود.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك، انه قيل: أكانت القردة والخنازير قبل أن يمسخوا قال: نعم وكانوا مما خلق من الأمم.
وأخرج مسلم، وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ الله فقال: أن الله لم يهلك قوما أو يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وإن القردة والخنازير قبل ذلك.
وأخرج الطيالسي وأحمد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن مسعود قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي من نسل من اليهود فقال: لا أن الله لم يعلن قوما قط فمسخم فكان لهم نسل ولكن هذا خلق فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن كثير عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري قال: حدثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير كان أن امرأة كانت من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل وكان فيها ملك بني إسرائيل وكانوا قد استجمعوا على الهلكة إلا أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة فجعلت تدعو إلى الله حتى إذا اجتمع إليها ناس فبايعوها على أمرها قالت لهم: انه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله وإن تنادوا قومكم بذلك فاخرجوا فاني خارجة فخرجت وخرج إليها ذلك الملك في الناس فقتل أصحابها جميعا وانفلتت من بينهم ودعت إلى الله حتى تجمع الناس إليها إذا رضيت منهم أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت معهم فأصيبوا جميعا وانفلتت منهم ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت معهم فأصيبوا جميعا وانفلتت منهم ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها أمرتهم بالخروج فخرجوا وخرجت معهم فأصيبوا جميعا وانفلتت من بينهم فرجعت وقد أيست وهي تقول: سبحان الله، لو كان لهذا الدين ولي وناصر لقد أظهره بعد فباتت محزونة وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير مسخهم الله في ليلتهم تلك فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أن الله قد أعز دينه وأمر دينه قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: سيكون في أمتي خسف ورجف وقردة وخنازير.
قوله تعالى: {وعبد الطاغوت}.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زهير قال: قلت لابن أبي ليلى: كيف كان طلحة يقرأ الحرف {وعبد الطاغوت} فسره ابن أبي ليلى وخدمه.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء بن السائب قال: كان أبو عبد الرحمن يقرأ (وعبد الطاغوت) بنصب العين والباء، كما يقول ضرب الله
وأخرج ابن جرير عن أبي جعفر النحوي، أنه كان يقرأها (وعبد الطاغوت) كما يقول: ضرب الله.
وأخرج ابن جرير عن بريدة، انه كان يقرؤها (وعابد الطاغوت).
وأخرج ابن جرير من طريق عبد الرحمن بن أبي حماد قال: حدثني الأعمش وعن يحيى بن وثاب انه قرأ (وعبد الطاغوت) يقول: خدم قال عبد الرحمن: وكان حمزة رحمه الله يقرؤها كذلك). [الدر المنثور: 5/366-370]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واللّه أعلم بما كانوا يكتمون}
يقول تعالى ذكره: وإذا جاءكم أيّها المؤمنون هؤلاء المنافقون من اليهود، قالوا لكم: آمنّا: أي صدّقنا بما جاء به نبيّكم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، واتّبعناه على دينه، وهم مقيمون على كفرهم وضلالتهم، قد دخلوا عليكم بكفرهم الّذي يعتقدونه بقلوبهم ويضمرونه في صدورهم، وهم يبدون كذبًا التّصديق لكم بألسنتهم. {وهم قد خرجوا به} يقول: وقد خرجوا بالكفر من عندكم كما دخلوا به عليكم لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم وضلالتهم، يظنّون أنّ ذلك من فعلهم يخفى على اللّه جهلاً منهم باللّه. {واللّه أعلم بما كانوا يكتمون} يقول: واللّه أعلم بما كانوا عند قولهم لكن بألسنتهم: آمنّا باللّه وبمحمّدٍ وصدّقنا بما جاء به، يكتمون منهم بما يضمرونه من الكفر بأنفسهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا} الآية: أناسٌ من اليهود كانوا يدخلون على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيخبرونه أنّهم مؤمنون راضون بالّذي جاء به، وهم متمسّكون بضلالتهم والكفر، وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} قال: هؤلاء ناسٌ من المنافقين كانوا يهود. يقول: دخلوا كفّارًا وخرجوا كفّارًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} وإنّهم دخلوا وهم يتكلّمون بالحقّ وتسرّ قلوبهم الكفر، فقال: دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} فإذا رجعوا إلى كفّارهم من أهل الكتاب وشياطينهم، رجعوا بكفرهم. وهؤلاء أهل الكتاب من يهود.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} أي إنّه من عندهم). [جامع البيان: 8/546-548]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا جاءوكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واللّه أعلم بما كانوا يكتمون (61)
قوله تعالى: وإذا جاؤكم قالوا آمنّا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وإذا جاؤكم قالوا آمنّا أناسٌ من اليهود كانوا يدخلون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيخبرونه أنّهم مؤمنون بالّذي جاء به، وهم متمسّكون بضلالتهم وبالكفر، فكانوا يدخلون بذلك ويخرجون من عند نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، حدّثني أبي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قوله: وإذا جاؤكم قالوا آمنّا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به فإنّهم دخلوا وهم يتكلّمون بالحقّ وشربت قلوبهم الكفر فقال: دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به
قوله تعالى: واللّه أعلم بما كانوا يكتمون
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، أخبرنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: واللّه أعلم بما كانوا يكتمون أي: ما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1165-1166]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون}.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا} الآية، قال أناس من اليهود وكانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه انهم مؤمنون راضون بالذي جاء به وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر فكانوا يدخلون ويخرجون به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} فإنهم دخلوا وهم يتكلمون بالحق وتسر قلوبهم الكفر فقال {دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهودا يقول: دخلوا كفارا وخرجوا كفارا). [الدر المنثور: 5/370-371]

تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وأكلهم السحت قال الرشا). [تفسير عبد الرزاق: 1/191]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وترى يا محمّد كثيرًا من هؤلاء اليهود الّذين قصصت عليك نبأهم من بني إسرائيل {يسارعون في الإثم والعدوان} يقول: يعجّلون بمواقعة الإثم.
وقيل: إنّ الإثم في هذا الموضع معنيٌّ به الكفر.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} قال: الإثم: الكفر.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} وكان هذا في حكّام اليهود بين أيديكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يسارعون في الإثم والعدوان} قال: هؤلاء اليهود {لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الرّبّانيّون} إلى قوله: {لبئس ما كانوا يصنعون} قال: يصنعون ويعملون واحدٌ. قال لهؤلاء حين لم ينهوا، كما قال لهؤلاء حين عملوا قال وذلك الاركان:
وهذا القول الّذي ذكرناه عن السّدّيّ وإن كان قولاً غير مدفوعٍ جواز صحّته، فإنّ الّذي هو أولى بتأويل الكلام أن يكون القوم موصوفين بأنّهم يسارعون في جميع معاصي اللّه لا يتحاشون من شيءٍ منها لا من كفرٍ ولا من غيره؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره عمّ في وصفهم بما وصفهم به من أنّهم يسارعون في الإثم والعدوان من غير أن يخصّ بذلك إثمًا دون إثمٍ.
وأمّا العدوان، فإنّه مجاوزة الحدّ الّذي حدّه اللّه لهم في كلّ ما حدّه لهم.
وتأويل ذلك أنّ هؤلاء اليهود الّذين وصفهم في هذه الآيات بما وصفهم به تعالى ذكره، يسارع كثيرٌ منهم في معاصي اللّه وخلاف أمره، ويتعدّون حدوده الّتي حدّ لهم فيما أحلّ لهم وحرّم عليهم في أكلهم السّحت، وذلك الرّشوة الّتي يأخذونها من النّاس على الحكم بخلاف حكم اللّه فيهم.
يقول اللّه تعالى ذكره: {لبئس ما كانوا يعملون} يقول: أقسم لبئس العمل ما كان هؤلاء اليهود يعملون في مسارعتهم في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت). [جامع البيان: 8/548-549]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يعملون (62)
قوله تعالى: وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الغرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان قال: اليهود.
قوله تعالى: يسارعون في الإثم والعدوان
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وترى كثيرًا منهم يسارعون في الإثم والعدوان الإثم:
الكفر.
قوله تعالى: لبئس ما كانوا يعملون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: لبئس ما كانوا يعملون كان هذا في حكّام اليهود بين أيديكم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1166]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وأكلهم السّحت} [المائدة: 62]
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - رضي اللّه عنه - أنّه سئل عن السّحت قال: الرّشا. قيل: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.
رواه الطّبرانيّ من رواية شريكٍ عن السّريّ عن أبي الضّحى. والسّريّ لم أعرفه، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون * لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا بصنعون}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان} قال: هؤلاء اليهود {لبئس ما كانوا يعملون * لولا ينهاهم الربانيون} إلى قوله {لبئس ما كانوا يصنعون} ويعملون واحد، قال: هؤلاء لم ينهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت} قال: كان هذا في أحكام اليهود بين أيديكم). [الدر المنثور: 5/371]

تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وأكلهم السحت قال الرشا). [تفسير عبد الرزاق: 1/191] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن سلمة بن نبيطٍ عن الضّحّاك بن مزاحمٍ قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها (أفلا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار) قال: علماؤهم وفقهاؤهم [الآية: 63]). [تفسير الثوري: 103-104]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم} - قال: الرّبانيون: هم الفقهاء العلماء، (وهم) فوق الأحبار). [سنن سعيد بن منصور: 4/1502]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون}
يقول تعالى ذكره: هلا ينهى هؤلاء الّذين يسارعون في الإثم والعدوان وأكل الرّشا في الحكم من اليهود من بني إسرائيل ربّانيّوهم، وهم أئمّتهم المؤمنون، وساستهم العلماء بسياستهم وأحبارهم، وهم علماؤهم وقوّادهم {عن قولهم الإثم} يعني: عن قول الكذب والزّور؛ وذلك أنّهم كانوا يحكمون فيهم بغير حكم اللّه، ويكتبون كتبًا بأيديهم ثمّ يقولون: هذا من حكم اللّه، وهذا من كتبه. يقول اللّه: {فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون}.
وأمّا قوله: {وأكلهم السّحت} فإنّه يعني به الرّشوة الّتي كانوا يأخذونها على حكمهم بغير كتاب اللّه لمن حكموا له به.
وقد بيّنّا معنى الرّبّانيّين والأحبار ومعنى السّحت بشواهد ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأمّا قوله: {لبئس ما كانوا يصنعون} وهذا قسمٌ من اللّه أقسم به، يقول تعالى ذكره: أقسم لبئس الصّنيع كان يصنع هؤلاء الرّبّانيّون والأحبار في تركهم نهي الّذين يسارعون منهم في الإثم والعدوان وأكل السّحت عمّا كانوا يفعلون من ذلك.
وكان العلماء يقولون: ما في القرآن آيةٌ أشدّ توبيخًا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن داود، قال: حدّثنا سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، في قوله: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم} قال: ما في القرآن آيةٌ أخوف عندي منها أنّا لا ننهى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا قيسٌ، عن العلاء بن المسيّب، عن خالد بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما في القرآن آيةٌ أشدّ توبيخًا من هذه الآية: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} قال: كذا قرأ
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم، وأكلهم السّحت، لبئس ما كانوا يصنعون}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون} يعني الرّبّانيّين أنّهم بئس ما كانوا يصنعون). [جامع البيان: 8/550-551]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب ابن الحارث، ثنا بشر بن عبادة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: لولا قال: هلا.
قوله تعالى: ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار
- ذكر يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود ثنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، ثنا ثابت بن سعدٍ الهمدانيّ قال لقيته بالرّيّ فحدّث عن يحيى بن يعمر قال: خطب عليّ بن أبي طالبٍ فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس إنّما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الرّبّانيّون والأحبار، فلمّا تمادوا في المعاصي ولم يمنعهم الرّبّانيّون والأحبار أخذتهم العقوبات. فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الّذي نزل بهم، واعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا.
- أخبرنا يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار، قال: هؤلاء حين لم ينهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا وذلك الأمر كان.
قوله تعالى: وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالح، حدثني محمد بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون يعني الرّبّانيّين إنّهم بئس ما كانوا يصنعون.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: لبئس ما كانوا يصنعون قال: يصنعون ويعملون واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1167]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} وهم الفقهاء والعلماء.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله {لولا ينهاهم} العلماء والأحبار.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لبئس ما كانوا يصنعون} قال: حيث لم ينهوهم عن قولهم الإثم واكلهم السحت.
وأخرج ابن أبي حاتم أن علي رضي الله عنه أنه قال في خطبته: أيها الناس إنما هلك من هلك قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار فلما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار أخذتهم العقوبات فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم العدوان واكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون هكذا قرأ.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك ابن مزاحم قال: ما في القرآن آية أخوف عندي من هذه الآية {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} أساء الثناء على الفريقين جميعا.
وأخرج عبد بن حميد من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} قال {الربانيون والأحبار} فقهاؤهم وقراؤهم وعلماؤهم قال: ثم يقول الضحاك: وما أخوفني من هذه الآية
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن ماجة عن جرير، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل من المعاصي هم أعز منه وأمنع من يغيروا إلا أصابهم الله منه بعذاب). [الدر المنثور: 5/372-374]


رد مع اقتباس