عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18 ذو القعدة 1431هـ/25-10-2010م, 04:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 53 إلى 64]

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)}

تفسير قوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعاً...},
هي في قراءة عبد الله:
{الذنوب جميعاً لمن يشاء}.
قال الفراء: وحدثني أبو إسحاق التّيميّ , عن أبي روق, عن إبراهيم التيميّ , عن ابن عبّاس أنه قرأها كما هي في مصحف عبد الله :{يغفر الذنوب جميعاً لمن يشاء}, وإنما نزلت في وحشيّ قاتل حمزة , وذويه.) [معاني القرآن للفراء: 2/421]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفور الرّحيم (53)}
ومعنى (لا تقنطوا) : لا تيأسوا، وجاء في التفسير : أن قوما من أهل مكة قالوا : إنّ محمدا يقول: إن من عبد الأوثان , واتخذ مع الله إلها , وقتل النفس، لا يغفر له، فأعلم اللّه أن من تاب , وآمن غفر اللّه له كل ذنب، فقال:
{لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا}). [معاني القرآن: 4/357]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}
روى مجاهد , عن ابن عباس قال : (
نزلت في وحشي قاتل حمزة - على حمزة السلام - إلى تمام ثلاث آيات , وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر إليه فظن أن الله جل وعز لم يقبل منه إسلامه , فنزلت هذه الآيات الثلاث) .
وروى إبراهيم التيمي , عن ابن عباس: أنه كان يقرأ :
{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء }, وقال: (نزلت في قاتل حمزة , وذويه) , كذا قال .
قال أبو جعفر : وكذلك يروى أنه في مصحف ابن مسعود , ومعنى :
لا تقنطوا: لا تيأسوا
قال قتادة :
وأنيبوا إلى ربكم : (أي: أقبلوا واعملوا له).) [معاني القرآن: 6/184-185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَا تَقْنَطُوا}: لا تيأسوا). [العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال:{وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون (54)}
أي : توبوا، وقيل : إنها نزلت في قوم فتنوا، في دينهم، وعذبوا بمكة , فرجعوا عن الإسلام، فقيل : إن هؤلاء لا يغفر لهم بعد رجوعهم عن الإسلام , فأعلم اللّه : أنهم إن تابوا , وأسلموا , غفر لهم).
[معاني القرآن: 4/3587-358]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون (55)}
يعني : القرآن , ودليله:
{اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشاببها}, وقوله: {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} : بغتة: فجأة). [معاني القرآن: 4/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة}
وكله حسن , ففي هذا أقوال:
أ- منها أن الله جل وعز قد أباح الانتصار بعد الظلم , والعفو، والعفو أحسن
ب-ومنها أن الله جل وعز قد أخبر عن قوم أنهم أطاعوا , وعن قوم أنهم عصوا , فأمر أن نتبع الطاعة.
ج-ومنها أنه الناسخ
د-ومنها أن يكون المعنى الحسن مما أنزل إليكم .
و«بغتة» : فجأة).
[معاني القرآن: 6/185-186]

تفسير قوله تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا...}
أي : افعلوا , وأنيبوا , وافعلوا .
{أن تقول نفسٌ}: ألاّ يقول أحدكم غداً {يا حسرتا} , ومثله قوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}: أي : لا تميد.
وقوله:
{يا حسرتا}: يا ويلتا مضاف إلى المتكلّم يحوّل العرب الياء إلا الألف في كلّ كلام , كان معناه: الاستغاثة، يخرج على لفظ الدعاء, وربّما قيل: يا حسرت , كما قالوا: يا لهف على فلانٍ، ويا لهفا عليه .
قال: أنشدني أبو ثروان العكليّ.
تزورونها أو لا أزور نساءكم = ألهف لأولاد الإماء الحواطب
فخفض كما يخفض المنادى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه, وربّما أدخلت العرب الهاء بعد الألف التي في
{حسرتا} , فيخفضونها مرة، , ويرفعونها, قال: أنشدني أبو فقعس، بعض بني أسد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل = عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
فخفض، قال: وأنشدني أبو فقعسٍ:
يا مرحباه بحمار ناهيه = إذا أتى قرّبته للسّانية
والخفض أكثر في كلام العرب، ألاّ في قولهم: يا هناه ويا هنتاه، فالرفع في هذا أكثر من الخفض؛ لأنه كثر في الكلام , فكأنه حرف واحدٌ مدعو.ّ).
[معاني القرآن: 2/421-422]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({في جنب اللّه}, وفي ذات الله واحد). [مجاز القرآن: 2/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين (56)}
أي : يا ندما، وحرف النداء يدل على تمكن القصة من صاحبها، إذا قال القائل: يا حسرتاه ويا ويلاه، فتأويله الحسرة والويل قد حلّ به , وأنهما لازمان له غير مفارقين, ويجوز :
يا حسرتي.
وزعم الفراء : أنه يجوز
يا حسرتاه على كذا وكذا بفتح الهاء, ويا حسرتاه - بالكسر والضم.
والنحويون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء في الوصل , وزعم أنه أنشده من بني فقعس رجل من بني أسد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل = عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
وأنشده أيضا:
يا مرحباه بحمار ناهية=
والذي أعرف أن الكوفيين ينشدون:
يا مرحباه بجمار ناهية=
قال أبو إسحاق: ولا أدري لم استشهد بهذا، ولم يقرأ به قط، ولا ينفع في تفسير هذه الآية شيئا، وهو خطأ.
ومعنى:
{أن تقول نفس}: خوف أن تقول نفس , وكراهة أن تقول نفس, المعنى : اتبعوا أحسن ما أنزل خوفا أن تصيروا إلى حال يقال فيها هذا - القول، وهي حال الندامة , ومعنى : {على ما فرطت في جنب الله}: في أمر اللّه، أي فرطت في الطريق الذي هو طريق اللّه الذي دعاني إليه , وهو توحيده , والإقرار بنبوة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
{وإن كنت لمن السّاخرين}: أي: وما كنت إلا من المستهزئين). [معاني القرآن: 4/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله}
المعنى: افعلوا هذا خوف أن تقول نفس , وكراهة أن تقول نفس : يا حسرتا.
والحسرة : الندامة , أي: يلحق الإنسان ما يصير معه حسيرا , أي: معيبا , وحرف النداء يدل على أنه شيء لازم , أي: يا حسرة هذا وقتك , وهذا مذهب سيبويه .
قال مجاهد :
في جنب الله , (أي: في أمر الله) .
قال أبو جعفر : المعنى : في جنب أمر الله على التمثيل , أي : على الطريق الذي يؤدي إلى الحق , وهو الإيمان).
[معاني القرآن: 6/186-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {في جنب الله}: أي: في قرب الله - عز وجل - من الجنة). [ياقوتة الصراط: 447]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي: وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث، لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله :
(بلى) جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني} و {لو أنّ لي كرّة}, كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون }: أي: حيث قالوا: (يا ليتنا نردّ) - الآية). [معاني القرآن: 4/359-360] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين...}
النصب في قوله:
{فأكون} جواب للو, وإن شئت جعلته مردوداً على تأويل أن, تضمرها في الكرّة، كما تقول: لو أنّ لي أن أكرّ فأكون, ومثله مّما نصب على ضمير أن قوله: {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجابٍ أو يرسل} , المعنى - والله أعلم - ما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلاّ أن يوحى إليه أو يرسل, ولو رفع {فيوحي} إذا لم يظهر أن قبله ولا معه كان صوابا. وقد قرأ به بعض القراء. قال: وأنشدني بعض بني أسدٍ:
يحلّ أحيده ويقال بعلٌ= ومثل تموّلٍ منه افتقار
فما يخطئك لا يخطئك منه= طبانيةٌ فيحظل أو يغار
فرفع, وأنشدني آخر:
فمالك منها غير ذكرى وحسبة = وتسأل عن ركبانها أين يمّموا
وقال الكسائي: سمعت من العرب: ما هي إلا ضربة من الأسد فيحطم ظهره، و يحطم ظهره.
قال: وأنشدني الأسدي:
على أحوذيّين استقلت عشيّة = فما هي إلاّ لمحة فتغيب).
[معاني القرآن: 2/422-423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي: وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث، لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله :
{بلى} جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني} و {لو أنّ لي كرّة}
كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} : أي: حيث قالوا: {يا ليتنا نرد} - الآية). [معاني القرآن: 4/359-360] (م)

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها...}
القراء مجتمعون على نصب الكاف , وأن المخاطب ذكر.
قال الفراء : وحدثني شيخ , عن وقاء بن إياسٍ بسنده: أنه قرأ :
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت} فخفض الكاف والتاء ؛ كأنه يخاطب النفس. وهو وجه حسن؛ لأنه ذكر النفس فخاطبها أوّلاً، فأجرى الكلام الثاني على النفس في خطابها). [معاني القرآن للفراء: 2/423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي : وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث؛ لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله
{بلى}: جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني}, و{لو أنّ لي كرّة}
كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون}: أي: حيث قالوا: {يا ليتنا نرد} - الآية.
وقد رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكسر الكاف:
{بلى قد جاءتك آياتي } جواب للفظ النفس - كما قال:{أنّ تقول نفس}
وإذا قال:
{بلى قد جاءتك آياتي}بالفتح؛ فلأن النفس تقع على الذكر والأنثى، فخوطب المذكرون.
ومثل
{قد جاءتك آياتتي} على خطابه المؤنث:{يا أيّتها النّفس المطمئنّة (27) ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة (28) }) [معاني القرآن: 4/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين}
(بلى) في كلام العرب إنما يقع بعد النف, وليس في ما هداني الله .
وروى الربيع بن انس عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: ((بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين))
وقراءة الأعمش: بلى قد جاءته آياتي.
وهذا يدل على التذكير والربيع بن أنس لم يلحق أم سلمة إلا أن القراءة جائزة؛ لأن النفس تقع للمذكر والمؤنث .
وقد أنكر هذه القراءة بعضهم,وقال: يجب إذا كسر التاء أن يقول: وكنت من الكوافر أو من الكافرات
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم ألا ترى أن قبله:
{أن تقول نفس} ثم قال: {وإن كنت لمن الساخرين} , ولم يقل: من السواخر ولا من الساخرات
والتقدير في العربية على كسر التاء: واستكبرت,وكنت من الجميع الساخرين,أو من الناس الساخرين, أو من القوم الساخرين,وقوم يقع للرجال والنساء إذا اجتمعوا وللرجال مفردين كما قال الشاعر:
وما أدري وسوف إخال أدري = أقوم آل حصن أم نساء).
[معاني القرآن: 6/ 187-188]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مّسودّةٌ...}
ترفع
{وجوههم} و{مسودّة} : لأنّ الفعل قد وقع على (الذين) , ثم جاء بعد (الذين) اسم له فعل فرفعته بفعله، وكان فيه معنى نصب, وكذلك فالفعل بكل اسم أوقعت عليه الظنّ والرأي ,وما أشبههما , فارفع ما يأتي بعده من الأسماء إذا كان معها أفاعيلها بعدها؛ كقولك: رأيت عبد الله أمره مستقيم. فإن قدمت الاستقامة نصبتها، ورفعت الاسم؛ فقلت: رأيت عبد الله مستقيماً أمره، ولو نصبت الثلاثة في المسألة الأولى على التكرير كان جائزاً، فتقول: رأيت عبد الله أمره مستقيماً.
وقال عدي ابن زيد:
ذريني إن أمرك لن يطاعا = وما ألفيتني حلمي مضاعا
فنصب الحلم , والمضاع على التكرير. ومثله:
= ما للجمال مشيها وئيدا =
فخفض الجمال , والمشي على التّكرير, ولو قرأ قارئ
{وجوههم مّسودّةٌ} على هذا لكان صواباً). [معاني القرآن: 2/424]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مّسودّةٌ أليس في جهنّم مثوًى لّلمتكبّرين}
وقال:
{وجوههم مّسودّةٌ} فرفع على الابتداء, ونصب بعضهم فجعلها على البدل. وكذلك {ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ} جعله بدلاً من {الخبيث} , ومنهم من قال: {بعضه على بعض} فرفع على الابتداء, أو شغل الفعل بالأول.
وقال بعضهم
{مسوادّةٌ} , وهي لغة لأهل الحجاز يقولون: "اسوادّ وجهه" , و"احمارّ" يجعلونه "افعالّ" , كما تقول للأشهب "قد اشهابّ" "قد ازراقّ".
وقال بعضهم لا يكون "افعالّ" في ذي اللون الواحد، و إنّما يكون في نحو الأشهب , ولا يكون في نحو الأحمر , وهما لغتان.).
[معاني القرآن: 3/41]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الرؤية: المعاينة، كقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}). [تأويل مشكل القرآن: 499]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -:{ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّة أليس في جهنّم مثوى للمتكبّرين (60)}
القراءة على رفع
{وجوههم مسودّة} على الابتداء والخبر.
ويجوز
{ وجوههم مسودّة } على البدل من الذين كفروا.
المعنى : ويوم القيامة ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودّة, والرفع أكثر , وعليه القراء .
ومثل النصب قول عدي بن زيد:
دعيني إن أمرك لن يطاعا= وما ألفيتني حلمي مضاعا).
[معاني القرآن: 4/360]

تفسير قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بمفازاتهم...}: جمع , وقد قرأ أهل المدينة {بمفازتهم} بالتوحيد, وكلّ صواب.
تقول في الكلام: قد تبيّن أمر القوم وأمور القوم، وارتفع الصوت والأصوات , (ومعناه) واحد , قال الله :
{إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير}, ولم يقل: أصواتٌ , وكلّ صواب.). [معاني القرآن: 2/424]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وينجّي اللّه الذين اتّقوا بمفازاتهم }: بنجاتهم من الفوز). [مجاز القرآن: 2/191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وينجّي اللّه الّذين اتّقوا بمفازتهم}: من العذاب، أي: بمنجاتهم).[تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وينجّي اللّه الّذين اتّقوا بمفازتهم لا يمسّهم السّوء ولا هم يحزنون (61)}
(بمفازتهم), و(بمفازاتهم) يقرآن جميعا). [معاني القرآن: 4/360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} : أي: بنجائهم من النار , ويقرأ: بمفازاتهم , والتوحيد أجود لأن مفازة بمعنى الفوز). [معاني القرآن: 6/189]

تفسير قوله تعالى:{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" له مقاليد السّموات والأرض " : أي: المفاتيح ,واحدها: مقليد , وواحد الأقاليد إقليد، وقال الأعشى:
فتىً لو يجاري الشّمس ألقت قناعها = أو القمر الساري لألقى المقالدا).
[مجاز القرآن: 2/191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((المقاليد): المفاتيح). [غريب القرآن وتفسيره: 326]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({له مقاليد السّماوات والأرض}: أي: مفاتيحها , وخزائنها، واحدها: «إقليد» , يقال: هو فارسي، معرب : «إكليد»). [تفسير غريب القرآن: 384]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({له مقاليد السّماوات والأرض والّذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون (63)}: أي: مفاتيح السّماوات، المعنى : ما كان من شيء من السّماوات والأرض , فالله خالقه , وفاتح بابه.
{والّذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون} : أي: الذين يقولون إن شيئا ليس مما خلق اللّه أو رزقه من السّماوات والأرض , فليس الله خالقه، أولئك هم الخاسرون.). [معاني القرآن: 4/361]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون}
روى سعيد , عن قتادة قال:
مقاليد : أي : مفاتيح .
قال أبو جعفر : ومعنى :
{ له مفاتح السموات والأرض }: هو خالق ما فيهما , ومفتاح بابه بيده عز وجل, ثم قال: {والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون} : أي: من زعم أن غيره خلق شيئا من هذا, فقد خسر وكفر.). [معاني القرآن: 6/189-190]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {له مقاليد}: أي: مفاتيح، واحدها: إقليد).[ياقوتة الصراط: 447]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَقَالِيدُ}: مفاتيح.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 214]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَقَالِيدُ}: مفاتيح.).[العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) }
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون}, وقال: {أفغير اللّه تأمرونّي أعبد} : يريد "أفغير الله أعبد تأمرونني" كأنه أراد الإلغاء - والله أعلم - كما تقول "هل ذهب فلان, تدري؟, جعله على معنى "ما تدري"). [معاني القرآن: 3/41]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه - جل وعز - أنه إنما ينبغي أن يعبد الخالق وحده لا شريك له , فقال: قل لهم بعد هذا البيان:{قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون (64)}
(أفغير) منصوب بـ (أعبد) لا بقوله (تأمرونّي), المعنى : أفغير اللّه أعبد أيها الجاهلون فيما تأمرونني).
[معاني القرآن: 4/361]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم أخبر أنه ينبغي أن يعبد وحده , بعد البراهين: {قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} , أي: أفغير الله أعبد في أمركم , هذا قول سيبويه.). [معاني القرآن: 6/190]


رد مع اقتباس