عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 11:45 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وقرأ ورش: "الم احسب الناس أن يتركوا" بفتح الميم من غير همز بعدها، وذلك على تخفيف الهمزة وإلقاء حركتها على الميم.
وهذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام، فكانت صدورهم تضيق لذلك، وربما استنكر أن يمكن الله الكفرة من المؤمنين، قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه السيرة
هي سيرة الله تبارك وتعالى في عباده اختبارا للمؤمنين وقتئذ; ليعلم الصادق ويرى ثواب الله تعالى له، ويعلم الكاذب ويرى عقابه إياه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الآية -وإن كانت نزلت بهذا السبب، وفي هذه الجماعة- فهي بمعناها باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله تعالى باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك، وإذا اعتبر أيضا كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن، ولكن التي تشبه نازلة المؤمنين مع قريش هي ما ذكرناه مع أمر العدو في كل ثغر.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر؛ -إذ كان يعذب في الله- ونظرائه. وقال الشعبي: سبب الآية ما كلفه المؤمنون، أما الفتنة فهي الهجرة التي لم يتركوا دونها; لا سيما وقد لحقهم بسببها أن اتبعهم الكفار وردوهم وقاتلوهم، فقتل من قتل ونجا من نجا. وقال السدي: نزلت في مسلمين كانوا بمكة وكرهوا الجهاد والقتال حين فرض على النبي صلى الله عليه وسلم.
و "حسب" معناه: ظن، و"أن" نصب بـ "حسب"، وهي والجملة التي بعدها تسد مسد مفعولي "حسب"، و"أن" الثانية في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الخفض، وتقديره: "بأن يقولوا"، ويحتمل أن يقدر: "لأن يقولوا"، والمعنى في الباء واللام مختلف، وذلك أنه في الباء كما تقول: "تركت زيدا بحاله"، وهي في اللام بمعنى: "من أجل"، أي: حسبوا أن إيمانهم علة للترك). [المحرر الوجيز: 6/ 622-623]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و الذين من قبلهم يريد بهم المؤمنين مع الأنبياء في سالف الدهر.
وقرأ الجمهور: "فليعلمن" بفتح الياء واللام الثانية، ومعنى ذلك: ليظهرن علمه ويوجد ما علمه أزلا، وذلك أن علمه بهذا أزلا قديم، وإنما هو عبارة عن الإيجاد بالحالة التي تضمنها العلم القديم، والصدق والكذب على بابهما، أي: من صدق فعله وقوله ومن كذب. وقالت فرقة: إنما هي استعارة، وإنما أراد بهما الصلابة في الدين، أو الاضطراب فيه وفي جهاد العدو، ونحو هذا، ونظير هذا قول زهير:
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
قال النقاش: وقيل: إن الإشارة بـ "صدقوا" إلى مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه; لأنه أول قتيل قتل من المؤمنين يوم بدر.
وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "فليعلمن" بضم الياء وكسر اللام الثانية، وهذه القراءة تحتمل ثلاثة معان: أحدها أن يعلم في الآخرة هؤلاء الصادقين والكاذبين بمنازلهم من ثوابه وعقابه، وبأعمالهم في الدنيا، بمعنى يوقفهم على ما كان منهم، والثاني أن يعلم الناس والعالم هؤلاء الصادقين والكاذبين، أي: يفضحهم ويشهرهم، هؤلاء في الخير، وهؤلاء في الشر، وذلك في الدنيا والآخرة، والثالث أن يكون ذلك من العلامة، أي: يضع لكل طائفة علما تشهر به، فالآية -على هذا- ينظر إليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أسر سريرة ألبسه الله رداءها. وعلى كل معنى منها ففيها وعد للمؤمنين الصادقين، ووعيد للكافرين.
وقرأ الزهري الأولى كقراءة الجماعة، والثانية كقراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه). [المحرر الوجيز: 6/ 623-624]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون}
"أم" معادلة للألف في قوله: "أحسب"، وكأنه عز وجل قرر الفريقين، قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون، وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات بتعذيب المؤمنين وغير ذلك على ظنهم أنهم يسبقون عقاب الله تعالى ويعجزونه.
وقوله تعالى: {الذين يعملون السيئات} -وإن كان الكفار المراد الأول بحسب النازلة التي الكلام فيها- فإن لفظ الآية يعم كل عاص وعامل سيئة من المسلمين وغيرهم.
وقوله: {ساء ما يحكمون} يجوز أن تكون "ما" بمعنى الذي، فهي في موضع رفع، ويجوز أن تكون في موضع نصب على تقدير: ساء حكما يحكمونه. وفي هذه الآية وعيد للكفرة، وتأنيس للمؤمنين يظهر في وعده بالنصر في القيامة، وبأنه آت; إذ قد أجله الله تعالى وأخبر به). [المحرر الوجيز: 6/ 625]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وفي قوله: {من كان يرجو لقاء الله} تثبيت، أي: من كان على هذا الحق فليوقن بأنه آت وليزدد بصيرة، وقال أبو عبيدة: "يرجو" هنا بمعنى: يخاف، والصحيح أن الرجاء هنا على بابه، وقال الزجاج: المعنى: لقاء ثواب الله، وقوله تعالى: {وهو السميع العليم} معناه: لأقوال كل فرقة، العليم بالمعتقدات التي لهم). [المحرر الوجيز: 6/ 625]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} إعلام بأن كل واحد مجازى بفعله الحسن، فهو حظه الذي ينبغي ألا يفرط فيه، فإن الله غني عن جهاده وعن العالمين بأسرهم.
وهاتان الآيتان كأنهما [ .....] على سواء إلى الطائفة المرتابة المترددة في فتنة الكفار، التي كانت تنكر أن ينال الكفار المؤمنين بمكروه، وترتاب من أجل ذلك، فكأنهم قيل لهم: من كان يؤمن بالبعث فإن الأمر حق في نفسه، والله تعالى بالمرصاد، أي: هذه بصيرة لا ينبغي أن يعتقدها لوجه أحد. وكذلك من جاهد فثمرة جهاده له، فلا يمن بذلك على أحد، وهذا كما يقول المناظر عند سوق حجته: من أراد أن ينظر إلى الحق فإن الأمر كذا وكذا، ونحو هذا فتأمله.
وقيل: معنى الآية: ومن جاهد عدوه لنفسه لا يريد وجه الله، فإنما جهاده لنفسه لا لله تعالى، وليس لله بجهاده.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول ذكره المفسرون، وهو قول ضعيف). [المحرر الوجيز: 6/ 625-626]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والذين آمنوا} الآية، إخبار عن المؤمنين المهاجرين الذين هم في أعلى رتبة من البدار إلى الله تبارك وتعالى، أشاد بهم عز وجل وبحالهم ليقيم بهم نفوس المتخلفين عن الهجرة، وهم الذين فتنهم الكفار إلى الحصول في هذه المرتبة، و"السيئة": الكفر وما اشتمل عليه، ويدخل في ذلك المعاصي من المؤمنين مع الأعمال الصالحة واجتناب الكبائر، وفي قوله عز وجل: {ولنجزينهم أحسن} حذف مضاف تقديره: ثواب أحسن الذي كانوا يعملون). [المحرر الوجيز: 6/ 626]

رد مع اقتباس