عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 05:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون}
قال السدي وغيره: سبب مجيئهم أن المجاعة التي أنذر بها يوسف أصابت البلاد التي كان بها يعقوب، وروي أنه كان في العربات من أرض فلسطين بغور الشام، وقيل: كان بالأدلاج من ناحية الشعب، وكان صاحب بادية، له إبل وشاء، فأصابهم الجوع، وكان أهل مصر قد استعدوا وادخروا من السنين الخصيبة، فكان الناس
[المحرر الوجيز: 5/110]
يمتارون من عند يوسف وهو في رتبة العزيز المتقدم، وكان لا يعطي الوارد أكثر من حمل بعير، يسوي بين الناس، فلما ورد إخوته عرفهم يوسف عليه السلام ولم يعرفوه هم لبعد العهد وتغير سنه، ولم يقع لهم -بسبب ملكه ولسانه القبطي- ظن عليه، وروي في بعض القصص أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم، فباحثهم بأن قال لهم (بترجمان): أظنكم جواسيس، فاحتاجوا حينئذ إلى التعريف بأنفسهم فقالوا: نحن أبناء رجل صديق، وكنا اثني عشر، ذهب واحد منا في البرية، وبقي أصغرنا عند أبينا، وجئنا نحن للميرة، وسقنا بعير الباقي منا، وكانوا عشرة ولهم أحد عشر بعيرا، فقال لهم يوسف: ولم تخلف أخوكم؟ قالوا: لمحبة أبينا فيه، قال: فأتوني بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم، وأرى: لم أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين. وروي في القصص أنهم وردوا مصر، واستأذنوا على العزيز وانتسبوا في الاستئذان، فعرفهم وأمر بإنزالهم، وأدخلهم في ثاني يوم على هيئة عظيمة لملكه وأبهة شائقة، وروي أنه كان متلثما أبدا سترا لجماله، وأنه كان يأخذ الصواع فينقره، ويفهم من طنينه صدق ما يحدث به أو كذبه، فسئلوا عن أخبارهم، فكلما صدقوا قال لهم يوسف: صدقتم، فلما قالوا: وكان لنا أخ أكله الذئب طن يوسف الصواع وقال: كذبتم، ثم تغير لهم، وقال: أراكم جواسيس، وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم. وفي ذلك قصص طويل جاءت الإشارة إليه في القرآن وجيزة). [المحرر الوجيز: 5/111]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والجهاز: ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع، وكل ما يحمل، وكذلك جهاز العروس وجهاز الميت.
وقول يوسف عليه السلام: ألا ترون أني أوفي الكيل الآية. يرغبهم في نفسه آخرا، ويؤنسهم ويستميلهم. و"المنزلين": يعني المضيفين في قطره ووقته. والجهاز المشار إليه: الطعام الذي كان حمله لهم). [المحرر الوجيز: 5/111]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم توعدهم إن لم يجيئوا بالأخ بأنه لا كيل لهم عنده في المستأنف، وأمرهم ألا يقربوا له بلدا ولا طاعة، و"لا تقربون" نهي لفظا ومعنى، ويجوز أن يكون لفظه الخبر ومعناه النهي، وتحذف إحدى النونين، كما قرئ: فبم تبشرون بكسر النون، وهذا خبر لا غير، وخلط النحاس في هذا الموضع، وقال مالك رحمه الله: هذه الآية -وما يليها- تقتضي أن كيل الطعام على البائع، وكذلك هي الرواية في التولية والشركة أنها بمنزلة البيع، والرواية في القرض: أن الكيل على
[المحرر الوجيز: 5/111]
المستقرض، وروي أنه حبس منهم شمعون رهينة حتى يجيئوه ببنيامين، قاله السدي، وروي أنه لم يحبس منهم أحدا، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان يوسف يلقي حصاة في إناء فضة مخوص بالذهب فيطن، فيقول لهم: إن هذا الإناء يخبرني أن لكم أبا شيخا".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
كأنها حيلة وإيهام لهم، وروي أن ذلك الإناء به كان يكيل الطعام إظهارا لعزته بحسب غلائه في تلك المدة، وروي أن يوسف عليه السلام استوفى في تلك السنين أموال الناس ثم أملاكهم، فمن هناك ليس لأحد في أرض مصر ومزارعها ملك، وظاهر كل ما فعله يوسف معهم أنه بوحي وأمر، وإلا فكان بر يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه، لكن الله تبارك وتعالى أعلمه بما يصنع ليكمل أجر يعقوب ومحنته وتتفسر الرؤيا الأولى). [المحرر الوجيز: 5/112]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون}
تقدم معنى "المراودة"، أي: سنفائل أباه في أن يتركه يأتي معنا إليك، ثم شددوا هذه المقالة بأن التزموها له في قولهم: {وإنا لفاعلون}، وأراد يوسف عليه السلام المبالغة في استمالتهم بأن رد مال كل واحد منهم في رحله بين طعامه، وأمر بذلك فتيانه). [المحرر الوجيز: 5/112]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: "لفتيته"، وقرأ حمزة، والكسائي: "لفتيانه"، واختلف عن عاصم، ففتيان للكثرة على مراعاة المأمورين، وفتية للقلة على مراعاة المتناولين وهم الخدمة، ويكون هذا الوصف للحر والعبد، وفي
[المحرر الوجيز: 5/112]
مصحف ابن مسعود رضي الله عنه: "وقال لفتيانه وهو يكايلهم".
وقوله: {لعلهم يعرفونها} يريد: لعلهم يعرفون لها يدا أو تكرمة يرون حقها فيرغبون فينا فلعلهم يرجعون حينئذ، وأما ميز البضاعة فلا يقال فيه: "لعل"، وقيل: قصد يوسف برد البضاعة أن يتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فيرجعوا لدفع الثمن، وهذا ضعيف من وجوه، وسرورهم بالبضاعة وقولهم: {هذه بضاعتنا ردت إلينا} يكشف أن يوسف عليه السلام لم يقصد هذا، وإنما قصد أن يستميلهم ويصلهم فيرغبهم في نفسه كالذي كان. وخص البضاعة دون أن يعطيهم غيرها من الأموال لأنها أوقع في نفوسهم؛ إذ يعرفون حلها، وماله هو إنما كان عندهم مالا مجهول الحال، غايته أن يستجاز على نحو استجازتهم قبول الميرة، ويظهر أن ما فعل يوسف من صلتهم وجبرهم في تلك الشدة كان واجبا عليه، إذ هو ملك عدل، وهم أهل إيمان ونبوة. وقيل: علم عدم البضاعة والدراهم عند أبيه فرد البضاعة إليهم لئلا يمنعهم العدم من الانصراف إليه، وقيل: جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك ليبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والظاهر من القصة أنه إنما أراد الاستئلاف وصلة الرحم). [المحرر الوجيز: 5/114]

رد مع اقتباس