عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}
يعني بذلك تعالى ذكره: يا أيّها الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا بما جاءهم به نبيّهم من عند ربّهم، {لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} يقول: لا تتّخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم من دونكم، يقول: من دون أهل دينكم وملّتكم، يعني من غير المؤمنين، وإنّما جعل البطانة مثلاً لخليل الرّجل فشبّهه بما ولي بطنه من ثيابه لحلوله منه في اطّلاعه على أسراره، وما يطويه عن أباعده وكثيرٍ من أقاربه، محلّ ما ولي جسده من ثيابه.
فنهى اللّه المؤمنين به أن يتّخذوا من الكفّار به أخلاّء وأصفياء ثمّ عرّفهم ما هم عليه لهم منطوون من الغشّ والخيانة، وبغيهم إيّاهم الغوائل، فحذّرهم بذلك منهم ومن مخالفتهم، فقال تعالى ذكره: {لا يألونكم خبالاً} يعني لا يستطيعون شرًّا، من ألوت آلو ألوًّا، يقال: ما ألا فلانٌ كذا، أي ما استطاع، كما قال الشّاعر:
جهراء لا تألو إذا هي أظهرت = بصرًا ولا من عيلةٍ تغنيني
يعني لا تستطيع عند الظّهر إبصارًا. وإنّما يعني جلّ ذكره بقوله: {لا يألونكم خبالاً} البطانة الّتي نهى المؤمنين عن اتّخاذها من دونهم، فقال: إنّ هذه البطانة لا تترككم طاقتها خبالاً: أي لا تدع جهدها فيما أورثكم الخبال
وأصل الخبال، والخبال: الفساد، ثمّ يستعمل في معانٍ كثيرةٍ يدلّ على ذلك الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: من أصيب بخبلٍ أو جراحٍ.
وأمّا قوله: {ودّوا ما عنتّم} فإنّه يعني: ودّوا عنتكم، يقول: يتمنّون لكم العنت والشّرّ في دينكم وما يسوءكم ولا يسرّكم.
ذكر أنّ هذه الآية نزلت في قومٍ من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من اليهود وأهل النّفاق منهم، ويصافونهم المودّة بالأسباب الّتي كانت بينهم في جاهليّتهم قبل الإسلام، فنهاهم اللّه عن ذلك وأن يستنصحوهم في شيءٍ من أمورهم.
ذكرالخبربذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: قال محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان رجالٌ من المسلمين يواصلون رجالاً من اليهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهليّة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم، فنهاهم عن مباطنتهم تخوّف الفتنة عليهم منهم: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} إلى قوله: {وتؤمنون بالكتاب كلّه}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً} في المنافقين من أهل المدينة، نهى اللّه عزّ وجلّ المؤمنين أن يتولّوهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتّم} نهى اللّه عزّ وجلّ المؤمنين أن يستدخلوا المنافقين أو يؤاخوهم، أو يتولّوهم من دون المؤمنين.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} هم المنافقون.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً} يقول: لا تستدخلوا المنافقين، تتولّوهم دون المؤمنين.
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا العوّام بن حوشبٍ، عن الأزهر بن راشدٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تستضيئوا بنار أهل الشّرك، ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيًّا قال: فلم ندر ما ذلك حتّى أتوا الحسن فسألوه، فقال: نعم، أمّا قوله: لا تنقشوا في خواتيمكم عربيًّا، فإنّه يقول: لا تنقشوا في خواتيمكم محمّدٌ؛ وأمّا قوله: ولا تستضيئوا بنار أهل الشّرك، فإنّه يعني به المشركين، يقول: لا تستشيروهم في شيءٍ من أموركم، قال: قال الحسن: وتصديق ذلك في كتاب اللّه، ثمّ تلا هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} أمّا البطانة: فهم المنافقون.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} الآية، قال: لا يستدخل المؤمن المنافق دون أخيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} الآية، قال: هؤلاء المنافقون، وقرأ قوله: {قد بدت البغضاء من أفواههم} الآية
واختلفوا في تأويل قوله {ودّوا ما عنتّم} فقال بعضهم معناه: ودّوا ما ضللتم عن دينكم.
- ذكر من قال ذلك:
حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ودّوا ما عنتّم} يقول: ما ضللتم.
وقال آخرون بما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ودّوا ما عنتّم} يقول في دينكم، يعني: أنّهم يودّون أن تعنتوا في دينكم فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: {ودّوا ما عنتّم} فجاء بالخبر عن البطانة بلفظ الماضي في محلّ الحال والقطع بعد تمام الخبر، والحالات الّتي لا تكون إلاّ بصور الأسماء والأفعال المستقبلة دون الماضية منها؟
قيل: ليس الأمر في ذلك على ما ظننت من أنّ قوله: {ودّوا ما عنتّم} حالٌ من البطانة، وإنّما هو خبرٌ عنهم ثانٍ، منقطعٌ عن الأوّل غير متّصلٍ به.
وإنّما تأويل الكلام: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةٌ صفتهم كذا صفتهم كذا، فالخبر عن الصّفّة الثّانية غير متّصلٍ بالصّفة الأولى، وإن كانتا جميعًا من صفة شخصٍ واحدٍ.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ قوله: {ودّوا ما عنتّم} من صلة البطانة،وان معنى ذللك لاتتخذو بطانة ودوا اى احبو ما عنتم
وليس لهذا القول الذى قاله صاحب هذه المقاله وجه معروف وذلك ان البطانه وصلت بقوله: {لا يألونكم خبالاً} فلا وجه لصلةٍ أخرى بعد تمام البطانة بصلته، ولكنّ القول في ذلك كما بيّنّا قبل من أنّ قوله: {ودّوا ما عنتّم} خبرٌ مبتدأٌ عن البطانة غير الخبر الأوّل، وغير حالٍ من البطانة ولا قطعٍ منها). [جامع البيان: 5/707-712]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد بدت البغضاء من أفواههم}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قد بدت بغضاء هؤلاء الّذين نهيتكم أيّها المؤمنون أن تتّخذوهم بطانةً من دونكم لكم بأفواههم، يعني بألسنتهم، والّذي بدا لهم منهم بألسنتهم إقامتهم على كفرهم، وعدواتهم من خالف ما هم عليه مقيمون من الضّلالة، فذلك من أوكد الأسباب من معاداتهم أهل الإيمان؛ لأنّ ذلك عداوةٌ على الدّين، والعداوة على الدّين العداوة الّتي لا زوال لها إلاّ بانتقال أحد المتعاديين إلى ملّةٍ الآخر منهما، وذلك انتقالٌ من هدًى إلى ضلالةٍ كانت عند المنتقل إليها ضلالةً قبل ذلك، فكان في إبدائهم ذلك للمؤمنين ومقامهم عليه أبين الدّلالة لأهل الإيمان على ما هم عليه لهم من البغضاء والعداوة.
وقد قال بعضهم: معنى قوله: {قد بدت البغضاء من أفواههم} قد بدت بغضاؤهم لأهل الإيمان إلى أوليائهم من المنافقين وأهل الكفر بإطلاع بعضهم بعضًا على ذلك.
وزعم قائلو هذه المقالة أنّ الّذين عنوا بهذه الآية أهل النّفاق، دون من كان مصرّحًا بالكفر من اليهود وأهل الشّرك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قد بدت البغضاء من أفواههم} يقول: قد بدت البغضاء من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفّار، من غشّهم للإسلام وأهله وبغضهم إيّاهم.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {قد بدت البغضاء من أفواههم} يقول: من أفواه المنافقين
وهذا القول الّذي ذكرناه عن قتادة قولٌ لا معنى له، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما نهى المؤمنين أن يتّخذوا بطانةً ممّن قد عرفوه بالغشّ للإسلام وأهله، والبغضاء إمّا بأدلّةٍ ظاهرةٍ دالّةٍ على أنّ ذلك من صفتهم، وإمّا بإظهار الموصوفين بذلك العداوة والشّنآن والمناصبة لهم، فأمّا من لم يثبتوه معرفةً أنّه الّذي نهاهم اللّه عزّ وجلّ عن مخالّته ومباطنته، فغير جائزٍ أن يكونوا نهوا عن مخالّته ومصادقته إلاّ بعد تعريفهم إيّاهم، إمّا بأعيانهم وأسمائهم، وإمّا بصفاتٍ قد عرفوهم بها.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان إبداء المنافقين بألسنتهم ما في قلوبهم من بغضاء المؤمنين إلى إخوانهم من الكفّار، غير مدركٍ به المؤمنون معرفة ما هم عليه لهم مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم لهم والتّودّد إليهم، كان بيّنّا أنّ الّذي نهى اللّه المؤمنين عن اتّخاذهم لأنفسهم بطانةً دونهم، هم الّذين قد ظهرت لهم بغضاؤهم بألسنتهم على ما وصفهم اللّه عزّ وجلّ به، فعرفهم المؤمنون بالصّفة الّتي نعتهم اللّه بها، وأنّهم هم الّذين وصفهم تعالى ذكره بأنّهم أصحاب النّار هم فيها خالدون ممّن كان له ذمّةٌ وعهدٌ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من أهل الكتاب؛ لأنّهم لو كانوا المنافقين لكان الأمر فيهم على ما قد بيّنّا، ولو كانوا الكفّار ممّن قد ناصب المؤمنين الحرب، لم يكن المؤمنون متّخذيهم لأنفسهم بطانةً من دون المؤمنين مع اختلاف بلادهم وافتراق أمصارهم، ولكنّهم الّذين كانوا بين أظهر دور المؤمنين من أهل الكتاب أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ممّن كان له من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ وعقدٌ من يهود بني إسرائيل.
والبغضاء: مصدرٌ، وقد ذكر أنّها في قراءة عبد اللّه بن مسعود: قد بدا البغضاء من أفواههم، على وجه التّذكير، وإنّما جاز ذلك بالتّذكير ولفظه لفظ المؤنّث؛ لأنّ المصادر تأنيثها ليس بالتّأنيث اللاّزم، فيجوز تذكير ما خرج منها على لفظ المؤنّث وتأنيثه، كما قال عزّ وجلّ: {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} وكما قال: {فقد جاءكم بيّنةٌ من ربّكم} وفي موضعٍ آخر: {وأخذت الّذين ظلموا الصّيحة}، {قد جاءتكم بيّنةٌ من ربّكم}
وقال: {من أفواههم} وإنّما بدا ما بدا من البغضاء منهم بألسنتهم؛ لأنّ المعنيّ به الكلام الّذي ظهر للمؤمنين منهم من أفواههم. فقال: قد بدت البغضاء من أفواههم بألسنتهم). [جامع البيان: 5/712-715]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما تخفي صدورهم أكبر}
يعني تعالى ذكره بذلك: والّذي تخفي صدورهم، يعني صدور هؤلاء الّذين نهاهم عن اتّخاذهم بطانةً فتخبنه عنكم أيّها المؤمنون أكبر، يقول: أكبر ممّا قد بدا لكم بألسنتهم من أفواههم من البغضاء وأعظم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما تخفي صدورهم أكبر} يقول: وما تخفي صدورهم أكبر ممّا قد أبدوا بألسنتهم.
- حدّثت عن عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {وما تخفي صدورهم أكبر} يقول: ما تكنّ صدورهم أكبر ممّا قد أبدوا بألسنتهم). [جامع البيان: 5/715]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قد بيّنّا لكم أيّها المؤمنون الآيات، يعني بالآيات العبر، قد بيّنّا لكم من أمر هؤلاء اليهود الّذين نهيناكم أن تتّخذوهم بطانةً من دون المؤمنين ما تعتبرون وتتّعظون به من أمرهم، {إن كنتم تعقلون} يعني إن كنتم تعقلون عن اللّه مواعظه وأمره ونهيه، وتعرفون مواقع نفع ذلك منكم ومبلغ عائدته عليكم). [جامع البيان: 5/715]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالًا ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون (118)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الغبريّ، ثنا محمّد بن عبّادٍ الهنائيّ، ثنا حميد بن مهران المالكيّ الخيّاط قال: سألت أبا غالبٍ يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم قال: حدّثني أبو أمامة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: هم الخوارج.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي الحسين حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عبّاسٍ قوله: لا تتّخذوا بطانةً من دونكم فهم المنافقون
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم في المنافقين من أهل المدينة، نهى المؤمنين أن يتولوهم.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن قتادة قوله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم قال: نهى اللّه تعالى المؤمنين أن يستدخلوا المنافقين، وأن يؤاخوهم وأن يتولّوهم دون المؤمنين.
وروي عن الحسن والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان قالوا: المنافقون.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن الطّبّاع، ثنا هشيمٌ عن العوّام بن حوشبٍ، عن الأزهار بن راشدٍ، عن أنس بن مالكٍ يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم يقول: لا تستشيروا المشركين في شيءٍ من أموركم.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قال: قال محمّد بن أبي محمّدٍ: وكان رجالٌ من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهليّة، فأنزل اللّه تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوّف الفتنة عليهم منهم: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، حدّثني أيّوب بن محمّدٍ الوزّان، ثنا عيسى بن يونس، عن أبي حيّان التّيميّ، عن أبي الزّنباع، عن أبي دهقانة قال: قيل لعمر بن الخطّاب أنّ هاهنا غلاماً من أهل الحيرة حافظاً كاتباً فلو اتّخذته كاتباً قال: قد اتّخذت إذاً بطانةً من دون المؤمنين
قوله تعالى: لا يألونكم خبالا
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: لا يألونكم خبالا يقول: يضلّونكم كما ضلّوا فنهاهم أن يستدخلوا، المنافقين دون المؤمنين، أو يتّخذوهم أولياء.
قوله تعالى: ودّوا ما عنتّم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ودّوا ما عنتّم قال: ما عنتم: ما ظللتم.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ودّوا ما عنتّم يقول ودّ المنافقون ما عنت المؤمنين في دينهم.
قوله تعالى: قد بدت البغضاء من أفواههم
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: قد بدت البغضاء من أفواههم يقول: من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفّار، غشّهم للإسلام وأهله وبغضهم إيّاه
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ: أنّه قال: من أفواه المنافقين.
قوله تعالى: وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: وما تخفي صدورهم أكبر يقول: ما تكنّ صدورهم أكبر ممّا قد أبدوا بألسنتهم.
وروي عن قتادة أنّه قال: أكبر ممّا بدا من ألسنتهم.
قوله تعالى: إن كنتم تعقلون
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ بن الفرج قال:
سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم لعلّكم تعقلون
قال: تتفكّرون). [تفسير القرآن العظيم: 2/742-744]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا تتخذوا بطانة من دونكم قال نزلت في المنافقين من أهل المدينة). [تفسير مجاهد: 134]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم} [آل عمران: 118].
- عن أبي أمامة عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - «في قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالًا ودّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} [آل عمران: 118]، قال: هم الخوارج».
رواه الطّبرانيّ، وإسناده جيّدٌ). [مجمع الزوائد: 6/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 118 - 120.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوف الفتنة عليهم منهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لا تتخذوا بطانة من دونكم} قال: هم المنافقون.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: نزلت في المنافقين من أهل المدينة، نهى المؤمنين أن يتولوهم.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند جيد عن حميد بن مهران المالكي الخياط قال: سألت أبا غالب عن قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم} الآية، قال: حدثني أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: هم الخوارج.
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تنقشوا في خواتيمكم عربيا ولا تستضيئوا بنار المشركين، فذكر ذلك للحسن فقال: نعم، لا تنقشوا في خواتيمكم محمدا ولا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم قال الحسن: وتصديق ذلك في كتاب الله {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب، أنه قيل له: إن هنا غلاما من أهل الحيرة حافظا كاتبا فلو اتخذته كاتبا قال: قد اتخذت إذن بطانة من دون المؤمنين.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {لا تتخذوا بطانة} يقول: لا تستدخلوا المنافقين تتولوهم دون المؤمنين.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {ودوا ما عنتم} يقول: ما ضللتم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {ودوا ما عنتم} يقول: ود المنافقون ما عنت المؤمنون في دينهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {قد بدت البغضاء من أفواههم} يقول: من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفار من غشهم للإسلام وأهله وبغضهم إياهم {وما تخفي صدورهم أكبر} يقول: ما تكن صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم). [الدر المنثور: 3/736-741]

تفسير قوله تعالى: (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم وتؤمنون بالكتاب كلّه وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ها أنتم أيّها المؤمنون الّذين تحبّونهم، يقول: تحبّون هؤلاء الكفّار الّذين نهيتكم عن اتّخاذهم بطانةً من دون المؤمنين، فتودّونهم وتواصلونهم، وهم لا يحبّونكم، بل ينتطئوون لكم على العداوة والغشّ، وتؤمنون بالكتاب كلّه.
ومعنى الكتاب في هذا الموضع معنى الجمع، كما يقال: أكثر الدّرهم في أيدي النّاس، بمعنى الدّراهم، فكذلك قوله: {وتؤمنون بالكتاب كلّه}، إنّما معناه: بالكتب كلّها كتابكم الّذي أنزل اللّه إليكم، وكتابهم الّذي أنزله إليهم، وغير ذلك من الكتب الّتي أنزلها اللّه على عباده.
يقول تعالى ذكره: فأنتم إذ كنتم أيّها المؤمنون تؤمنون بالكتب كلّها، وتعلمون أنّ الّذين نهيتكم عن أن تتّخذوهم بطانةً من دونكم كفّارٌ بذلك كلّه، بجحودهم ذلك كلّه ما في ذلك كله من عهود اللّه إليهم وتبديلهم ما فيه من أمر اللّه ونهيه، أولى بعداوتكم إيّاهم، وبغضائهم وغشّهم منهم بعداوتكم وبغضائكم مع جحودهم بعض الكتب وتكذيبهم ببعضها.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وتؤمنون بالكتاب كلّه} أي بكتابكم وكتابهم، وبما مضى من الكتب قبل ذلك، وهم يكفرون بكتابكم، فأنتم أحقّ بالبغضاء لهم منهم لكم.
وقال: {ها أنتم أولاء} ولم يقل: هؤلاء أنتم، ففرّق بين ها، وأولاء بكناية اسم المخاطبين لأنّ العرب كذلك تفعل في هذا إذا أرادت به التّقريب ومذهب النّقصان للّذي يحتاج إلى تمام الخبر، وذلك مثل أن يقال لبعضهم: أين أنت؟ فيجيب المقول ذلك له: ها أنا ذا، فيفرّق بين التّنبيه وذا بمكنيّ اسم نفسه، ولا يكادون يقولون: هذا أنا، ثمّ يثنّى ويجمع على ذلك، وربّما أعادوا حرف التّنبيه مع ذا، فقالوا: ها أنا هذا ولا يفعلون ذلك إلاّ فيما كان تقريبًا، فأمّا إذا كان على غير التّقريب والنّقصان، قالوا: هذا هو، وهذا أنت، وكذلك يفعلون مع الأسماء الظّاهرة، يقولون: هذا عمرٌو قائمًا، إن كان هذا تقريبًا، وإنّما فعلوا ذلك في المكنيّ مع التّقريب تفرقةً بين هذا إذا كان بمعنى النّاقص الّذي يحتاج إلى تمامٍ، وبينه وبين ما إذا كان بمعنى الاسم الصّحيح.
وقوله: {تحبّونهم} خبرٌ للتّقريب.
وفي هذه الآية إبانةٌ من اللّه عزّ وجلّ عن حال الفريقين، أعني المؤمنين والكافرين، ورحمة أهل الإيمان ورأفتهم بأهل الخلاف لهم، وقساوة قلوب أهل الكفر وغلظتهم على أهل الإيمان.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم وتؤمنون بالكتاب كلّه} فواللّه إنّ المؤمن ليحبّ المنافق ويأوي له ويرحمه، ولو أنّ المنافق يقدر على ما يقدر عليه المؤمن منه لأباد خضراءه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: المؤمن خيرٌ للمنافق من المنافق للمؤمن يرحمه، ولو يقدر المنافق من المؤمن على مثل ما يقدر المؤمن عليه منه لأباد خضراءه.
وكان مجاهدٌ يقول: نزلت هذه الآية في المنافقين
- حدّثني بذلك محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ). [جامع البيان: 5/716-718]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ}
يعني بذلك تعالى ذكره أنّ هؤلاء الّذين نهى اللّه المؤمنين أن يتّخذوهما بطانةً من دونهم، ووصفهم بصفتهم إذا لقوا المؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أعطوهم بألسنتهم تقيّةً، حذرًا على أنفسهم منهم، فقالوا لهم: قد آمنّا وصدّقنا بما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإذا هم خلوا فصاروا في خلاءٍ حيث لا يراهم المؤمنون، عضّوا على ما يرون من ائتلاف المؤمنين، واجتماع كلمتهم، وصلاح ذات بينهم، أناملهم، وهي أطراف أصابعهم، تغيّظًا ممّا بهم من الموجدة عليهم، وأسًى على ظهرٍ يسندون إليه لمكاشفتهم العداوة ومناجزتهم المحاربة.
وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ} إذا لقوا المؤمنين قالوا آمنّا ليس بهم إلاّ مخافةً على دمائهم وأموالهم، فصانعوهم بذلك {وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ} يقول: ممّا يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه لو يجدون ريحًا لكانوا على المؤمنين، فهم كما نعت اللّه تبارك وتعالى
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بمثله، إلاّ أنّه قال: من الغيظ لكراهتهم الّذي هم عليه ولم يقل: لو يجدون ريحًا وما بعده.
- حدّثنا عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا مسلمٌ، قال: حدّثني يحيى بن عمرو بن مالكٍ النكريّ قال: حدّثنا أبي، قال: كان أبو الجوزاء إذا تلا هذه الآية: {وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ} قال: هم الاباضيّة
القول في التويل الانامل
والأنامل: جمع أنملةٍ، ويقال أنملةٌ، وربّما جمعت أنملاً قال الشّاعر:
أوفيّكما ما بلّ حلقي ريقتي = وما حملت كفّاي أنملي العشرا
وهي أطراف الأصابع.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، الأنامل: أطراف الأصابع
- حدّثت عن عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، بمثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل الأصابع.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل عن ابى اسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد اللّه، قوله: {عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ} قال: عضّوا على أصابعهم). [جامع البيان: 5/718-720]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل موتوا بغيظكم إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد لهؤلاء اليهود الّذين وصفت لك صفتهم، وأخبرتك أنّهم إذا لقوا أصحابك، قالوا آمنّا، وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ: موتوا بغيظكم اى موتو بالغيظ الّذي بكم على المؤمنين، لاجتماع كلمتهم، وائتلاف جماعتهم.
وخرج هذا الكلام مخرج الأمر، وهو دعاءٌ من اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يدعو عليهم بأن يهلكهم اللّه كمدًا ممّا بهم من الغيظ على المؤمنين، قبل أن يروا فيهم ما يتمنّون لهم من العنت في دينهم، والضّلالة بعد هداهم، فقال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: اهلكوا بغيظكم إنّ اللّه عليمٍ بذات الصّدور، يعني بذلك أنّ اللّه ذو علمٍ بالّذي في صدور هؤلاء الّذين إذا لقوا المؤمنين، قالوا: آمنّا، وما ينطوون لهم عليه من الغلّ والغمّر، ويعتقدون لهم من العداوة والبغضاء، وبما في صدور جميع خلقه، حافظٌ على جميعهم ما هو عليه منطوٍ من خيرٍ وشرٍّ، حتّى يجازى جميعهم على ما قدّم من خيرٍ وشرٍّ، واعتقد من إيمانٍ وكفرٍ، وانطوى عليه لرسوله وللمؤمنين من نصيحةٍ أو غلٍّ وغمرٍ). [جامع البيان: 5/721]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم وتؤمنون بالكتاب كلّه وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور (119)
قوله تعالى: ها أنتم أولاء
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان ها أنتم أولاء معشر الأنصار
قوله تعالى: تحبّونهم ولا يحبّونكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم قال: هم المنافقون يجامعونكم بألسنتهم على الإيمان، ويحبّونكم على ذلك.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم فو الله إنّ المؤمن ليحسن إلى المنافق، ويأوي له، ويرحمه ولو أنّ المنافق يقدر على ما يقدر عليه المؤمن لأباد خضراءه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن غالبٍ البغداديّ، ثنا سعيد بن أشعث، ثنا يحيى بن عمرو بن مالكٍ النّكريّ قال: سمعت أبي يحدث عن أبي الجوزاء في قوله: ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم قال: هم الأباضيّة.
والوجه الثّالث:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان تحبّونهم يعني اليهود ولا يحبّونكم
قوله تعالى: وتؤمنون بالكتاب
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: وتؤمنون بالكتاب كلّه كتاب محمّدٍ والكتاب الّذي كان من قبل محمّدٍ.
قوله تعالى: وإذا لقوكم قالوا آمنا
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن غالبٍ، ثنا سعيد يعني ابن أشعث، ثنا يحيي بن عمرو ابن مالكٍ قال: سمعت أبي يحدّث، عن أبي الجوزاء كان إذا تلا هذه الآية وإذا لقوكم قالوا آمنا قال: نزلت هذه الآية في الأباضيّة.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّدٍ، ثنا محمّدٌ، عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: وإذا لقوكم قالوا آمنّا يعني: المنافقين إذا لقوا المؤمنين أظهروا الإيمان فيحبّونهم على ما أظهروا لهم، ويرون أنّهم صادقون بما يقولون ولا يعلمون بما في قلوبهم من الشّكّ والكفر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: وإذا لقوكم يعني أهل النّفاق إذا لقوا المؤمنين قالوا: آمنّا ليس بهم إلا مخافةٌ على دمائهم وأموالهم.
قوله تعالى: وإذا خلوا
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: خلوا يعني: مضوا.
قوله تعالى: عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ
- حدّثنا أبي ثنا مقاتل بن محمّدٍ، ثنا وكيعٌ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قال:
عضّوا على أطراف أصابعهم. وروي عن الضّحّاك، والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ ومقاتلٍ نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن غالبٍ، ثنا سعيد بن أشعث، ثنا يحيى بن عمرو بن مالكٍ النّكريّ قال: سمعت أبي يحدّث، عن أبي الجوزاء في قوله: وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قال: نزلت هذه الآية في الأباضيّة.
قوله تعالى: من الغيظ
- ثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ يقول: ممّا يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهية للّذي هم عليه، لو يجدون ريحاً لكانوا على المؤمنين. فهم كما نعت اللّه.
قوله تعالى: قل موتوا بغيظكم
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: قل موتوا بغيظكم يعني أهل النّفاق.
قوله تعالى: إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور بما في قلوبهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/744-746]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم}
قال المؤمن خير للمنافق من المنافق للمؤمن يرحمه في الدنيا، لو يقدر المنافق من المؤمن على مثل ما يقدر عليه منه لأباد خضراءه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة، مثله.
وأخرج إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وتؤمنون بالكتاب كله} أي بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود {وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل} قال: هكذا ووضع أطراف أصابعه في فيه
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {وإذا لقوكم} الآية، قال: إذا لقوا المؤمنين {قالوا آمنا} ليس بهم إلا مخافة على دمائهم وأموالهم فصانعوهم بذلك {وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} يقول: مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه لو يجدون ريحا لكانوا على المؤمنين.
وأخرج ابن جرير عن السدي {عضوا عليكم الأنامل} قال: الأصابع.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء قال: نزلت هذه الآية في الإباضية). [الدر المنثور: 3/736-741]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تصبكم سيّئةٌ يفرحوا بها وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئًا إنّ اللّه بما يعملون محيطٌ}
يعني بقوله تعالى ذكره: {إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم} إن تنالوا أيّها المؤمنون سرورًا بظهوركم على عدوّكم، وتتابع النّاس في الدّخول في دينكم، وتصديق نبيّكم، ومعاونتكم على أعدائكم، يسؤهم. فيحزنو لذلك يقول وإن تنلكم مساءةٌ بإخفاق سريّةٍ لكم، أو بإصابة عدوٍّ لكم منكم، أو اختلافٍ يكون بين جماعتكم يفرحوا بها.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تصبكم سيّئةٌ يفرحوا بها}، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفةً وجماعةً وظهورًا على عدوّهم، غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقةً واختلافًا أو أصيب طرفٌ من أطراف المسلمين سرّهم ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به، فهو دائبهم كلّما خرج منهم قرنٌ أكذب اللّه أحدوثته وأوطأ محلّته، وأبطل حجّته، وأظهر عورته، فذاك قضاء اللّه فيمن مضى منهم وفيمن بقي إلى يوم القيامة.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تصبكم سيّئةٌ يفرحوا بها} قال: هم المنافقون إذا رأوا من أهل الإسلام جماعةٌ وظهورًا على عدوّهم، غاظهم ذلك غيظًا شديدًا وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقةً واختلافًا، أو أصيب طرفٌ من أطراف المسلمين، سرّهم ذلك وأعجبوا به قال اللّه عزّ وجلّ: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئًا إنّ اللّه بما يعملون محيطٌ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم} قال: إذا رأوا من المؤمنين جماعةً وألفةً ساءهم ذلك، وإذا رأوا منهم فرقةً واختلافًا فرحوا
وأمّا قوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئًا} فإنّه يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإن تصبروا أيّها المؤمنون على طاعة اللّه، واتّباع أمره فيما أمركم به، واجتناب ما نهاكم عنه، من اتّخاذ بطانةٍ لأنفسكم من هؤلاء اليهود الّذين وصف اللّه صفتهم من دون المؤمنين، وغير ذلك من سائر ما نهاكم، وتتّقوا ربّكم، فتخافوا التّقدّم بين يديه فيما ألزمكم، وأوجب عليكم من حقّه وحقّ رسوله، لا يضرّكم كيدهم شيئًا: أي كيد هؤلاء الّذين وصف صفتهم.
ويعني بكيدهم غوائلهم الّتي يبتغونها للمسلمين ومكرهم بهم ليصدّوهم عن الهدى وسبيل الحقّ.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: {لا يضرّكم} فقرأ ذلك جماعةٌ من أهل الحجاز وبعض البصريّين: (لا يضركم) مخفّفةً بكسر الضّاد من قول القائل: ضارني فلانٌ فهو يضيرني ضيرًا وقد حكي سماعًا من العرب: ما ينفعني ولا يضورني، فلو كانت قرئت على هذه اللّغة لقيل: لا يضركم كيدهم شيئًا، ولكنّي لا أعلم أحدًا قرأ به.
وقرأ ذلك جماعةٌ من أهل المدينة وعامّة قرّاء أهل الكوفة: {لا يضرّكم كيدهم شيئًا} بضمّ الضّاد وتشديد الرّاء من قول القائل: ضرّني فلانٌ فهو يضرّني ضرًّا.
وأمّا الرّفع في قوله: {لا يضرّكم} فمن وجهين: أحدهما على اتّباع الرّاء في حركتها، إذ كان الأصل فيها الجزم، ولم يمكن جزمها لتشديدها أقرب حركات الحروف الّتي قبلها، وذلك حركة الضّاد، وهي الضّمّة، فألحقت بها حركة الرّاء لقربها منها، كما قالوا: مدّ يا هذا، والوجه الآخر من وجهي الرّفع في ذلك: أن تكون مرفوعةً على صحّةٍ، وتكون لا بمعنى ليس وتكون الفاء الّتي هي جوّاب الجزاء متروكةً لعلم السّامع بموضعها.
وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وإن تصبروا وتتّقوا فليس يضرّكم كيدهم شيئًا، ثمّ تركت الفاء من قوله: {لا يضرّكم كيدهم} ووجّهت لا إلى معنى ليس، كما قال الشّاعر:
فإن كان لا يرضيك حتّى تردّني = إلى قطريٍّ لا إخالك راضيا
ولو كانت الرّاء محرّكةً إلى النّصب والخفض كان جائزًا، كما قيل: مدّ يا هذا، ومدّ.
وقوله: {إنّ اللّه بما يعملون محيطٌ} يقول جلّ ثناؤه: إنّ اللّه بما يعمل هؤلاء الكفّار في عباده وبلاده من الفساد والصّدّ عن سبيله والعداوة لأهل دينه وغير ذلك من معاصي اللّه محيطٌ بجميعه، حافظٌ له لا يعزب عنه شيءٌ منه، حتّى يوفّيهم جزاءهم على ذلك كلّه ويذيقهم عقوبته عليه). [جامع البيان: 5/721-724]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم وإن تصبكم سيّئةٌ يفرحوا بها وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئًا إنّ اللّه بما يعملون محيطٌ (120)
قوله تعالى: إن تمسسكم حسنةٌ
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن في قوله: إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم قال: أنبأ اللّه المؤمنين بعدّوهم فقال: إن تصبكم حسنةٌ يسؤهم ذلك.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: إن تمسسكم حسنةٌ تسؤهم إذا رأوا من أهل الإسلام ألفةً وجماعةً وظهوراً على عدوّهم غاظهم ذلك وساءهم.
قوله تعالى: تسؤهم
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: إن تمسسكم حسنةٌ يعني: النّصر على العدو والرّزق والخير يسوء ذلك اليهود. يعني أهل قريضة والنّضير.
قوله تعالى: وإن تصبكم سيّئةٌ
- قرأت على محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: وإن تصبكم سيّئةٌ يفرحوا بها قال: إذا رأوا من أهل الإسلام فرقةً واختلافاً، أو أصيب طرفٌ من أطراف المسلمين سرّهم ذلك، أعجبوا وابتهجوا به فهم كما رأيتم كلّما خرج منهم قرنٌ أكذب اللّه أحدوثته، وأوطأ محلّته، وأبطل حجّته وأظهر عورته فذلك قضاء اللّه فيمن مضى منهم، وفيمن بقى إلى يوم القيامة.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وإن تصبكم سيّئةٌ هي القتل والهزيمة، والجهد.
قوله تعالى: يفرحوا بها
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: يفرحوا بها يعني اليهود.
قوله تعالى: وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا يقول: لا يضرّكم قولهم شيئاً.
قوله تعالى: إنّ اللّه بما يعملون محيطٌ
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: إنّ اللّه بما يعملون محيطٌ يقول:
أحاط علمه بأعمالهم، ومنهم من يقول: أنزلت في المنافقين). [تفسير القرآن العظيم: 2/746-748]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {إن تمسسكم حسنة} يعني النصر على العدو والرزق والخير يسؤهم ذلك {وإن تصبكم سيئة} يعني القتل والهزيمة والجهد
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: إذا رأوا من أهل الإسلام إلفة وجماعة وظهورا على عدوهم غاظهم ذلك وساءهم وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا أو أصيب طرف من أطراف المسلمين سرهم ذلك وابتهجوا به.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم} مشددة برفع الضاد والراء). [الدر المنثور: 3/736-741]


رد مع اقتباس