عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 01:10 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه فأنجاه اللّه من النّار إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون (24) وقال إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانًا مودّة بينكم في الحياة الدّنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين (25)}
يقول تعالى مخبرًا عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم، ودفعهم الحقّ بالباطل: إنّه ما كان لهم جوابٌ بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على الهدى والبيان، {إلا أن قالوا اقتلوه أو حرّقوه}، وذلك لأنّهم قام عليهم البرهان، وتوجّهت عليهم الحجّة، فعدلوا إلى استعمال جاههم وقوّة ملكهم، {قالوا ابنوا له بنيانًا فألقوه في الجحيم. فأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأسفلين} [الصّافّات: 97، 98]، وذلك أنّهم حشدوا في جمع أحطابٍ عظيمةٍ مدّةً طويلةً، وحوّطوا حولها، ثمّ أضرموا فيها النّار، فارتفع لها لهبٌ إلى عنان السّماء: ولم توقد نارٌ قطّ أعظم منها، ثمّ عمدوا إلى إبراهيم فكتّفوه وألقوه في كفّة المنجنيق، ثمّ قذفوا به فيها، فجعلها اللّه عليه بردًا وسلامًا، وخرج منها سالـمًا بعد ما مكث فيها أيّامًا. ولهذا وأمثاله جعله اللّه للنّاس إمامًا. فإنّه بذل نفسه للرّحمن، وجسده للنّيران، وسخا بولده للقربان، وجعل ماله للضّيفان، ولهذا اجتمع على محبّته جميع أهل الأديان.
وقوله: {فأنجاه اللّه من النّار} أي: سلّمه [اللّه] منها، بأن جعلها عليه بردًا وسلامًا، {إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون}). [تفسير ابن كثير: 6/ 271]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانًا مودّة بينكم في الحياة الدّنيا} يقول لقومه مقرّعا لهم وموبّخًا على سوء صنيعهم، في عبادتهم الأوثان: إنّما اتّخذتم هذه لتجتمعوا على عبادتها في الدّنيا، صداقةً وألفةً منكم، بعضكم لبعضٍ في الحياة الدّنيا. وهذا على قراءة من نصب {مودّة بينكم}، على أنّه مفعولٌ له، وأمّا على قراءة الرّفع فمعناه: إنّما اتّخاذكم هذا يحصّل لكم المودّة في الدّنيا فقط {ثمّ يوم القيامة} ينعكس هذا الحال، فتبقى هذه الصّداقة والمودّة بغضة وشنآنًا، فـ {يكفر بعضكم ببعضٍ} أي: تتجاحدون ما كان بينكم، {ويلعن بعضكم بعضًا} أي: يلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع، {كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أختها} [الأعراف: 38]، وقال تعالى: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتّقين} [الزّخرف: 67]، وقال هاهنا {ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين} أي: ومصيركم ومرجعكم بعد عرصات القيامة إلى النّار، وما لكم من ناصرٍ ينصركم، ولا منقذٍ ينقذكم من عذاب اللّه. وهذا حال الكافرين، فأمّا المؤمنون فبخلاف ذلك.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي حدّثنا أبو عاصمٍ الثّقفيّ [حدّثنا] الرّبيع بن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن جعدة بن هبيرة المخزوميّ، عن أبيه، عن جدّه عن أمّ هانئٍ -أخت عليّ بن أبي طالبٍ -قالت: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أخبرك أنّ اللّه تعالى يجمع الأوّلين والآخرين يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ، فمن يدري أين الطّرفان "، فقالت اللّه ورسوله أعلم. "ثمّ ينادي منادٍ من تحت العرش: يا أهل التّوحيد، فيشرئبّون" قال أبو عاصم: يرفعون رؤوسهم. "ثمّ ينادي: يا أهل التّوحيد، ثمّ ينادي الثّالثة: يا أهل التّوحيد، إنّ اللّه قد عفا عنكم" قال: "فيقول النّاس قد تعلّق بعضهم ببعضٍ في ظلامات الدّنيا -يعني: المظالم -ثمّ ينادي: يا أهل التّوحيد، ليعف بعضكم عن بعضٍ، وعلى اللّه الثّواب"). [تفسير ابن كثير: 6/ 271-272]

تفسير قوله تعالى: {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فآمن له لوطٌ وقال إنّي مهاجرٌ إلى ربّي إنّه هو العزيز الحكيم (26) ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب وآتيناه أجره في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين (27)}.
يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم: أنّه آمن له لوطٌ، يقال: إنّه ابن أخي إبراهيم، يقولون هو: لوط بن هاران بن آزر، يعني: ولم يؤمن به من قومه سواه، وسارّة امرأة [إبراهيم] الخليل. لكن يقال: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين الحديث الوارد في الصّحيح: أنّ إبراهيم حين مرّ على ذلك الجبّار، فسأل إبراهيم عن سارّة: ما هي منه؟ فقال: [هي] أختي، ثمّ جاء إليها فقال لها: إنّي قد قلت له: "إنّك: أختي"، فلا تكذّبيني، فإنّه ليس على وجه الأرض [أحدٌ] مؤمنٌ غيرك وغيري، فأنت أختي في الدّين. وكأنّ المراد من هذا -والله أعلم -أنه ليس على وجه الأرض زوجان على الإسلام غيري وغيرك، فإنّ لوطًا عليه السّلام، آمن به من قومه، وهاجر معه إلى بلاد الشّام، ثمّ أرسل في حياة الخليل إلى أهل "سدوم" وإقليمها، وكان من أمرهم ما تقدّم وما سيأتي.
وقوله: {وقال إنّي مهاجرٌ إلى ربّي} يحتمل عود الضّمير في قوله: {وقال}، على لوطٍ، لأنّه أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلى إبراهيم -قال ابن عبّاسٍ، والضّحاك: وهو المكنّى عنه بقوله: {فآمن له لوطٌ} أي: من قومه.
ثمّ أخبر عنه بأنّه اختار المهاجرة من بين أظهرهم، ابتغاء إظهار الدّين والتّمكّن من ذلك؛ ولهذا قال: {إنّه هو العزيز} أي: له العزّة ولرسوله وللمؤمنين به، {الحكيم} في أقواله وأفعاله وأحكامه القدريّة والشّرعيّة.
وقال قتادة: هاجرا جميعًا من "كوثى"، وهي من سواد الكوفة إلى الشّام. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّها ستكون هجرةٌ بعد هجرةٍ، ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها، حتى تلفظهم أرضهم وتقذرهم روح اللّه، وتحشرهم النّار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل ما سقط منهم".
وقد أسند الإمام أحمد هذا الحديث، فرواه مطوّلًا من حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب قال: لـمّا جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية، قدمت الشّام فأخبرت بمقامٍ يقومه نوفٌ البكالي، فجئته؛ إذ جاء رجلٌ، فانتبذ النّاس وعليه خميصة، وإذا هو عبد اللّه بن عمرو بن العاص. فلمّا رآه نوفٌ أمسك عن الحديث، فقال عبد اللّه: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّها ستكون هجرةٌ بعد هجرةٍ، فينحاز النّاس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلّا شرار أهلها، فتلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الرّحمن، تحشرهم النّار مع القردة والخنازير فتبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل منهم من تخلّف". قال: وسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "سيخرج أناسٌ من أمّتي من قبل المشرق، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلّما خرج منهم قرنٌ قطع، كلّما خرج منهم قرنٌ قطع" حتّى عدّها زيادةً على عشرين مرّةً "كلّما خرج منهم قرنٌ قطع، حتّى يخرج الدّجّال في بقيّتهم".
ورواه أحمد عن أبي داود، وعبد الصّمد، كلاهما عن هشامٍ الدّستوائي، عن قتادة، به
وقد رواه أبو داود في سننه، فقال في كتاب الجهاد، باب ما جاء في سكنى الشّام:
حدّثنا عبيد اللّه بن عمر، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثني [أبي]، عن قتادة، عن شهر بن حوشبٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "ستكون هجرةٌ بعد هجرةٍ، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضهم وتقذرهم نفس الرّحمن، وتحشرهم النّار مع القردة والخنازير".
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا يزيد، أخبرنا أبو جناب يحيى بن أبي حيّة، عن شهر بن حوشبٍ قال: سمعت عبد اللّه بن عمر يقول لقد رأيتنا وما صاحب الدّينار والدّرهم بأحقّ من أخيه المسلم، ثمّ لقد رأيتنا بآخرة الآن، والدّينار والدّرهم أحبّ إلى أحدنا من أخيه المسلم، ولقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لئن أنتم اتّبعتم أذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، وتركتم الجهاد في سبيل اللّه، ليلزمنّكم اللّه مذلّة في أعناقكم، ثمّ لا تنزع منكم حتّى ترجعوا إلى ما كنتم عليه، وتتوبوا إلى اللّه عزّ وجلّ". وسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لتكوننّ هجرةٌ بعد هجرةٍ إلى مهاجر أبيكم إبراهيم حتّى لا يبقى في الأرضين إلّا شرار أهلها وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم روح الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تقيل حيث يقيلون، وتبيت حيث يبيتون، وما سقط منهم فلها". ولقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم -قال يزيد: لا أعلمه إلّا قال -يحقر أحدكم علمه مع علمهم، يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم، فطوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه. كلّما طلع منهم قرنٌ قطعه اللّه". فردّد ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عشرين مرّةً، أو أكثر، وأنا أسمع.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسين بن الفضلٍ، أخبرنا عبد اللّه بن جعفرٍ، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا أبو النّضر إسحاق بن يزيد وهشام بن عمّارٍ الدّمشقيّان قالا حدّثنا يحيى بن حمزة، حدّثنا الأوزاعيّ، عن نافعٍ -وقال أبو النّضر، عمّن حدّثه، عن نافعٍ -عن عبد اللّه بن عمر: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "سيهاجر أهل الأرض هجرةً بعد هجرةٍ، إلى مهاجر إبراهيم، حتّى لا يبقى إلّا شرار أهلها، تلفظهم الأرضون وتقذرهم روح الرّحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، لها ما سقط منهم".
غريبٌ من حديث نافعٍ. والظّاهر أنّ الأوزاعيّ قد رواه عن شيخٍ له من الضّعفاء، واللّه أعلم. وروايته من حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص أقرب إلى الحفظ). [تفسير ابن كثير: 6/ 272-274]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب}، كقوله تعالى: {فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيًّا} [مريم: 49] أي: إنّه لـمّا فارق قومه أقرّ اللّه عينه بوجود ولدٍ صالحٍ نبيٍّ [وولد له ولدٌ صالحٌ] في حياة جدّه. وكذلك قال اللّه: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} [الأنبياء: 72] أي: زيادةً، كما قال: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} أي: ويولد لهذا الولد ولدٌ في حياتكما، تقرّ به أعينكما. وكون يعقوب ولدٌ لإسحاق نصّ عليه القرآن، وثبتت به السّنّة النّبويّة، قال اللّه: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون} [البقرة: 133]، وفي الصّحيحين: "إنّ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
فأمّا ما رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب [نافلةً]}، قال: "هما ولدا إبراهيم". فمعناه: أنّ ولد الولد بمنزلة الولد؛ فإنّ هذا أمرٌ لا يكاد يخفى على من هو دون ابن عبّاسٍ.
وقوله: {وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب}، هذه خلعة سنية عظيمةٌ، مع اتّخاذ اللّه إيّاه خليلًا وجعله للنّاس إمامًا، أن جعل في ذرّيّته النّبوّة والكتاب، فلم يوجد نبيٌّ بعد إبراهيم عليه السّلام، إلّا وهو من سلالته، فجميع أنبياء بني إسرائيل من سلالة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، حتّى كان آخرهم عيسى ابن مريم، فقام في ملئهم مبشّرًا بالنّبيّ العربيّ القرشيّ الهاشميّ، خاتم الرّسل على الإطلاق، وسيّد ولد آدم في الدّنيا والآخرة، الّذي اصطفاه اللّه من صميم العرب العرباء، من سلالة إسماعيل بن إبراهيم، عليهم السّلام: ولم يوجد نبيٌّ من سلالة إسماعيل سواه، عليه أفضل الصّلاة والسّلام [من اللّه تعالى].
وقوله: {وآتيناه أجره في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} أي: جمع اللّه له بين سعادة الدّنيا الموصولة بسعادة الآخرة، فكان له في الدّنيا الرّزق الواسع الهنيّ والمنزل الرّحب، والمورد العذب، والزّوجة الحسنة الصّالحة، والثّناء الجميل، والذّكر الحسن، فكلّ أحدٍ يحبّه ويتولّاه، كما قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة وغيرهم، مع القيام بطاعة اللّه من جميع الوجوه، كما قال تعالى: {وإبراهيم الّذي وفّى} [النّجم: 37]، أي: قام بجميع ما أمر به، وكمّل طاعة ربّه؛ ولهذا قال تعالى: {وآتيناه أجره في الدّنيا وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين}، كما قال تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين. شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ. وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} [النحل: 120-121]).[تفسير ابن كثير: 6/ 274-275]

رد مع اقتباس