عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 02:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم}
لما ذكر أنهم لو رأوا الآية المذكورة قبل في السماء لعاندوا فيها عقب ذلك بهذه الآية، فكأنه قال: وإن في السماء لعبرا منصوبة غير هذه المذكورة، وكفرهم بها، وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو، والبروج: المنازل، واحدها برج، وسمي بذلك لظهوره ووضوحه، ومنه تبرج المرأة ظهورها وبدوها، والعرب تقول: "برج الشيء" إذا ظهر وارتفع). [المحرر الوجيز: 5/279]

تفسير قوله تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وحفظ السماء هو بالرجم بالشهب على ما تضمنته الأحاديث الصحاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشياطين تقرب من السماء أفواجا قال: فينفرد المارد منها، فيعلو فيسمع فيرمى بالشهاب، فيقول لأصحابه وهو يلهث: إنه من الأمر كذا وكذا، فيزيد الشيطان في ذلك، ويلقون إلى الكهنة، فيزيدون مع الكلمة مائة"، ونحو هذا الحديث، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الشهب تجرح وتؤذي ولا تقتل، وقال الحسن: تقتل، وفي الأحاديث ما يدل على أن الرجم كان في الجاهلية ولكنه
[المحرر الوجيز: 5/279]
اشتد في وقت الإسلام، وحفظ السماء حفظا تاما. وقال الزجاج: لم يكن إلا بعد النبي عليه الصلاة والسلام; بدليل أن الشعراء لم يشبهوا به في السرعة إلا بعد الإسلام، وذكر الزهراوي عن أبي رجاء العطاردي أنه قال: كنا لا نرى الرجم بالنجوم قبل الإسلام، و"رجيم" بمعنى مرجوم، فعيل بمعنى مفعول، فإما من رجم الشهب، وإما من الرجم الذي هو الشتم والذم. ويقال: تبعت الرجل واتبعته بمعنى واحد). [المحرر الوجيز: 5/280]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"إلا" بمعنى لكن، هذا قول، والظاهر أن الاستثناء من الحفظ، وقال محمد بن يحيى عن أبيه: إلا من استرق السمع فإنها لم تحفظ منه، ذكره الزهراوي). [المحرر الوجيز: 5/280]

تفسير قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والأرض مددناها} روي في الحديث أن الأرض كانت تتكفأ بأهلها كما تتكفأ السفينة فثبتها الله تبارك وتعالى بالجبال، ويقال: رسا الشيء يرسو إذا رسخ وثبت، وقوله: "موزون"، قال الجمهور: معناه: مقدر محدد بقصد وإرادة، فالوزن على هذا مستعار، وقال ابن زيد: المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والفضة وغير ذلك مما يوزن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
الأول أعم وأحسن). [المحرر الوجيز: 5/280]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"المعايش" جمع معيشة، وقرأها الأعمش بالهمز، وكذلك روى خارجة عن نافع، والوجه ترك الهمز، لأن أصل ياء "معيشة" الحركة، فيردها إلى الأصل الجمع، بخلاف "مدينة ومدائن"، وقوله: {ومن لستم له برازقين} يحتمل أن تكون "من"
[المحرر الوجيز: 5/280]
في موضع نصب على ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون عطفا على "معايش"، كأن الله تعالى عدد النعم في المعايش وهي ما يؤكل ويلبس، ثم عدد النعم في الحيوان والعبيد والضياع وغير ذلك مما ينتفع به الناس وليس عليهم رزقهم، والوجه الثاني: أن تكون "من" معطوفة على موضع الضمير في "لكم"، وذلك أن التقدير: وأعشناكم وأعشنا أمما غيركم من الحيوان، وكأن الآية -على هذا- فيها اعتبار وعرض آية، والوجه الثالث أن تكون "من" منصوبة بإضمار فعل يقتضيه الظاهر وتقديره: وأعشنا من لستم له برازقين، ويحتمل أن تكون "من" في موضع خفض عطفا على الضمير في "لكم"، وهذا قلق في النحو، لأنه العطف على الضمير المجرور وفيه قبح، فكأنه قال: ولمن لستم له برازقين، وأنتم تنتفعون به). [المحرر الوجيز: 5/281]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}، قال ابن جريج: وهو المطر خاصة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وينبغي أن تكون أعم من هذا في كثير من المخلوقات، و"الخزائن" المواضع الحاوية، وظاهر هذا أن الماء والريح ونحو ذلك موجود مخلوق، وهو ظاهر في قولهم في الريح: "عتت على الخزائن، وانفتح منها قدر حلقة الخاتم، ولو كان قدر منخر الثور لأهلك الأرض"، إلى غير ذلك من الشواهد، وذهب قوم إلى أن كونها في القدرة هو خزنها، فإذا شاء الله أوجدها، وهذا أيضا ظاهر في أشياء كثيرة، وهو لازم في الأعراض إذا عممنا لفظة "شيء"، وكيفما كان الأمر فالقدرة تسعه وتتقنه.
وقوله تعالى: {وما ننزله}، ما كان من المطر ونحوه فالإنزال فيه متمكن، وما كان من غير ذلك فإيجاده والتمكين من الانتفاع به إنزال على تجوز، وقرأ الأعمش: "وما نرسله إلا بقدر معلوم"، وقوله: {بقدر معلوم} روي فيه عن ابن مسعود وغيره أنه ليس عام أكثر مطرا من عام، ولكن ينزله الله في مواضع دون مواضع). [المحرر الوجيز: 5/281]

تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم}
يقال: لقحت الناقة والشجرة فهي لاقحة إذا حملت، والرياح تلقح الشجر والسحاب، فالوجه في الريح أنها ملقحة لا لاقحة، وتتجه صفة الرياح بـ [لواقح] على أربعة أوجه: أولها وأولاها أن جعلها لاقحة حقيقة، وذلك أن الريح منها ما فيه عذاب أو ضر أو نار، ومنها ما فيه رحمة أو مطر أو نصر أو غير ذلك، فإذا بها تحمل ما حملتها القدرة، أو ما علقته من الهواء أو التراب أو الماء الذي مرت عليه، فهي لاقحة بهذا الوجه، وإن كانت أيضا تلقح غيرها وتصير إليه نفعها، والعرب تسمي الجنوب الحامل واللاقحة، وتسمي الشمال الحائل والعقيم ومحوة لأنها تمحو السحاب، روى أبو هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "الريح الجنوب من الجنة، وهي اللواقح التي ذكر الله، وفيها منافع للناس"، ومن هذا قول الطرماح:
قلق لأفنان الريا ... ح للاقح منها وحائل
وقول أبي وجزة:
... ... ..... من نسل جوابة الآفاق..
[المحرر الوجيز: 5/282]
فجعلها حاملا بنسل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويخرج هذا على أنها ملقحة فلا حجة فيه.
والثاني أن يكون وصفها بـ [لواقح] من باب قولهم: "ليل نائم"، أي: فيه نوم ومعه، "ويوم عاصف"، ونحوه، فهذا على طريق المجاز. والثالث أن توصف الرياح بـ [لواقح] على جهة النسب، أي: ذات لقح، كقول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب
أي: ذي نصب. والرابع أن يكون [لواقح] جمع "ملقحة" على حذف زوائده، فكأنه "لقحة" فجمعها كما تجمع "لاقحة"، ومثله قول الشاعر:
لبيك يزيد ضارع لخصومة ... وأشعث ممن طوحته الطوائح
وإنما طوحته المطاوح، وعلى هذا النحو فسرها أبو عبيدة في قوله: "لواقح ملاقح"، وكذلك العبارة عنها في كتاب البخاري: "لواقح ملاقح ملقحة".
[المحرر الوجيز: 5/283]
وقرأ الجمهور: "الرياح" بالجمع، وقرأ الكوفيون: حمزة، وطلحة بن مصرف، والأعمش، ويحيى بن وثاب: "الريح" بالإفراد، وهي للجنس فهي في معنى الجمع، ومثلها الطبري بقولهم: "قميص أخلاق، وأرض أغفال".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله من حيث هو أجزاء كثيرة تجمع صفته، فكذلك "ريح لواقح" لأنها متفرقة الهبوب، وكذلك "دار بلاقع"، أي: كل موضع منها بلقع. وقال الأعمش: إن في قراءة عبد الله "وأرسلنا الرياح تلقح"، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الريح من نفس الرحمن". ومعنى الإضافة هنا إضافة خلق إلى خالق، كما قال: "من روحي"، ومعنى "من نفس الرحمن" أي من تنفيسه وإزالته الكرب والشدائد، فمن التنفيس بالريح النصر بالصبا، ودرور الأرزاق بها، وما لها من الخدمة في الأرزاق وجلب الأمطار وغير ذلك مما يكثر عده، ولقد حدثت أن ابن أبي قحافة رحمه الله فسر هذا الحديث نحو هذا، وأنشد في تفسيره:
فإن الصبا ريح إذا ما تنفست ... على نفس مهموم تجلت همومها
وهذا من جملة التنفيس.
[المحرر الوجيز: 5/284]
والعرب تقول: أسقى وسقى بمعنى واحد، وقال لبيد:
سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال
فجاء باللغتين، وقال أبو عبيدة: أما إذا كان من سقي الشفة خاصة فلا يقال إلا سقى، وأما إن كان لسقي الأرض والثمار وجملة الأشياء فيقال: أسقى، وأما الداعي لأرض أو غيرها بالسقي فإنما يقال فيه: أسقى، ومنه قول ذي الرمة:
وقفت على رسم لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
على أن بيت لبيد دعاء، وفيه اللغتان). [المحرر الوجيز: 5/285]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإنا لنحن نحيي ونميت} الآية. هذه الآية مع الآيات التي قبلها تضمنت العبرة والدلالة على قدرة الله تعالى، وما يوجب توحيده وعبادته، فمعنى هذه الآية: وإنا لنحن نحيي من نشاء بإخراجه من العدم إلى وجود الحياة، ونرده عند البعث من مرقده ميتا، ونميت بإزالة الحياة عمن كان حيا. ونحن الوارثون أي: لا يبقى شيء سوانا، وكل شيء هالك إلا وجهه، لا رب غيره). [المحرر الوجيز: 5/285]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى بإحاطة علمه بمن تقدم من الأمم وبمن تأخر في الزمن، من لدن أهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة، وأعلم أنه هو الحاشر لهم، الجامع لعرض يوم القيامة على تباعدهم في الأقطار والأزمان، وأن حكمته وعلمه يأتيان بهذا كله على أتم غاياته التي قدرها وأرادها. وقرأ الأعرج: "يحشرهم" بكسر الشين.
[المحرر الوجيز: 5/285]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
بهذا سياق معنى الآية، وهو قول جمهور المفسرين. وقال الحسن: معنى قوله: {ولقد علمنا المستقدمين} أي: في الطاعة والبدار إلى الإيمان والخيرات، و"المستأخرين" بالمعاصي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإن كان اللفظ يتناول كل من تقدم وتأخر على جميع وجوهه، فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمنا. وقال ابن عباس، ومروان بن الحكم، وأبو الجوزاء: نزل قوله تعالى: {ولقد علمنا المستقدمين} الآية في قوم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة جميلة تصلي وراءه، فكان بعض القوم يتقدم في الصفوف لئلا تفتنه، وكان بعضهم يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة، فنزلت الآية فيهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما تقدم الآية من قوله: {ونحن الوارثون} وما تأخر من قوله: {وإن ربك هو يحشرهم} يضعف هذه التأويلات، لأنها تذهب إيصال المعنى، وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد الله). [المحرر الوجيز: 5/286]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}

رد مع اقتباس