عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينًا (61) قال أرأيتك هذا الّذي كرّمت عليّ لئن أخّرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذرّيّته إلا قليلا (62)}
يذكر تعالى عداوة إبليس -لعنه اللّه -لآدم، عليه السّلام، وذرّيّته، وأنّها عداوةٌ قديمةٌ منذ خلق آدم، فإنّه تعالى أمرالملائكة بالسّجود، فسجدوا كلّهم إلّا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له؛ افتخارًا عليه واحتقارًا له {قال أأسجد لمن خلقت طينًا} كما قال في الآية الأخرى: {أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ} [الأعراف: 12].
وقال أيضًا: {أرأيتك}، يقول للرّبّ جراءةً وكفرًا، والرّبّ يحلم وينظر {قال أرأيتك هذا الّذي كرّمت عليّ لئن أخّرتني إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذرّيّته إلا قليلا}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ يقول: لأستولينّ على ذرّيّته إلّا قليلًا.
وقال مجاهدٌ: لأحتوينّ. وقال ابن زيدٍ: لأضلّنّهم.
وكلّها متقاربةٌ، والمعنى: أنّه يقول: أرأيتك هذا الّذي شرّفته وعظّمته عليّ، لئن أنظرتني لأضلّنّ ذرّيّته إلّا قليلًا منهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 93]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال اذهب فمن تبعك منهم فإنّ جهنّم جزاؤكم جزاءً موفورًا (63) واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا (64) إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربّك وكيلا (65)}.
لـمّا سأل إبليس [عليه اللّعنة] النّظرة قال اللّه له: {اذهب} فقد أنظرتك. كما قال في الآية الأخرى: {قال فإنّك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم} [الحجر: 37، 38] ثمّ أوعده ومن تبعه من ذرّيّة آدم جهنّم، فقال: {فمن تبعك منهم فإنّ جهنّم جزاؤكم} أي: على أعمالكم {جزاءً موفورًا}
قال مجاهدٌ: وافرًا. وقال قتادة: موفّرا عليكم، لا ينقص لكم منه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 93]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قيل: هو الغناء. قال مجاهدٌ: باللّهو والغناء، أي: استخفّهم بذلك.
وقال ابن عبّاسٍ في قوله: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال: كلّ داعٍ دعا إلى معصية اللّه، عزّ وجلّ، وقال قتادة، واختاره ابن جرير.
وقوله: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} يقول: واحمل عليهم بجنودك خيّالتهم ورجلتهم ؛ فإنّ "الرّجل" جمع "راجلٍ"، كما أنّ "الرّكب" جمع "راكبٍ" و"صحبٌ" جمع "صاحبٍ".
ومعناه: تسلّط عليهم بكلّ ما تقدرعليه. وهذا أمرٌ قدريٌّ، كما قال تعالى: {ألم تر أنّا أرسلنا الشّياطين على الكافرين تؤزّهم أزًّا} [مريم: 83] أي: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا، وتسوقهم إليها سوقًا. وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ في قوله: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} قال: كلّ راكبٍ وماشٍ في معصية اللّه.
وقال قتادة: إنّ له خيلًا ورجالًا من الجنّ والإنس، وهم الّذين يطيعونه.
وتقول العرب: "أجلب فلانٌ على فلانٍ": إذا صاح عليه. ومنه: "نهى في المسابقة عن الجلب والجنب" ومنه اشتقاق "الجلبة"، وهي ارتفاع الأصوات.
وقوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد} قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ: هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي اللّه.
وقال عطاءٌ: هو الرّبا. وقال الحسن: [هو] جمعها من خبيثٍ، وإنفاقها في حرامٍ. وكذا قال قتادة.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: أمّا مشاركته إيّاهم في أموالهم، فهو ما حرّموه من أنعامهم، يعني: من البحائر والسّوائب ونحوها. وكذا قال الضّحّاك وقتادة.
[ثمّ] قال ابن جريرٍ: والأولى أن يقال: إنّ الآية تعمّ ذلك كلّه.
وقوله: {والأولاد} قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والضّحّاك: يعني أولاد الزّنا.
وقال علي ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهًا بغير علمٍ.
وقال قتادة، عن الحسن البصريّ: قد واللّه شاركهم في الأموال والأولاد مجّسوا وهوّدوا ونصّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام، وجزّؤوا من أموالهم جزءًا للشّيطان وكذا قال قتادة سواءً.
وقال أبو صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ: هو تسميتهم أولادهم "عبد الحارث" و"عبد شمسٍ" و"عبد فلانٍ".
قال ابن جريرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب أن يقال: كلّ مولودٍ ولدته أنثى، عصى اللّه فيه، بتسميته ما يكرهه اللّه، أو بإدخاله في غير الدّين الّذي ارتضاه اللّه، أو بالزّنا بأمّه، أو بقتله ووأده، وغير ذلك من الأمور الّتي يعصي اللّه بفعله به أو فيه، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه؛ لأنّ اللّه لم يخصّص بقوله: {وشاركهم في الأموال والأولاد} معنى الشّركة فيه بمعنًى دون معنًى، فكلّ ما عصي اللّه فيه -أو به، وأطيع فيه الشيطان -أو به، فهو مشاركة.
وهذا الّذي قاله متّجه، وكلٌّ من السّلف، رحمهم اللّه، فسّر بعض المشاركة، فقد ثبت في صحيح مسلمٍ، عن عياض بن حمارٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يقول اللّه عزّ وجلّ: إنّي خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم".
وفي الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "لو أنّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم اللّه، اللّهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولدٌ في ذلك، لم يضرّه الشّيطان أبدًا".
وقوله: {وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} كمّا أخبر تعالى عن إبليس أنّه يقول إذا حصحص الحقّ يوم يقضى بالحقّ: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ} الآية [إبراهيم: 22]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 93-95]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ}: إخبارٌ بتأييده تعالى عباده المؤمنين، وحفظه إيّاهم، وحراسته لهم من الشّيطان الرّجيم؛ ولهذا قال: {وكفى بربّك وكيلا} أي: حافظًا ومؤيّدًا وناصرًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة، حدّثنا ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السّفر".
ينضي، أي: يأخذ بناصيته ويقهره). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 95]

رد مع اقتباس