عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 07:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل اللّه وإلى الرّسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} أي: إذا دعوا إلى دين اللّه وشرعه وما أوجبه وترك ما حرّمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطّرائق والمسالك، قال اللّه تعالى {أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا} أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟ لا يتبعهم إلّا من هو أجهل منهم، وأضلّ سبيلًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/211-212]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعًا فينبّئكم بما كنتم تعملون (105)}
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ومخبرًا لهم أنّه من أصلح أمره لا يضرّه فساد من فسد من النّاس، سواءٌ كان قريبًا منه أو بعيدًا.
قال العوفي عن ابن عباس عند تفسر هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال والحرام فلا يضرّه من ضلّ بعده، إذا عمل بما أمرته به.
وكذا روى الوالبيّ عنه. وهكذا قال مقاتل بن حيان. فقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم} نصب على الإغراء {لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعًا فينبّئكم بما كنتم تعملون} أي: فيجازي كلّ عاملٍ بعمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ.
وليس في الآية مستدلٌّ على ترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إذا كان فعل ذلك ممكنًا، وقد قال الإمام أحمد رحمه اللّه:
حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا زهير -يعني ابن معاوية-حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، حدّثنا قيس قال: قام أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال: أيّها النّاس، إنّكم تقرؤون هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} إلى آخر الآية، وإنّكم تضعونها على غير موضعها، وإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ النّاس إذا رأوا المنكر ولا يغيّرونه أوشك اللّه، عزّ وجلّ، أن يعمّهم بعقابه". قال: وسمعت أبا بكرٍ يقول: يا أيّها النّاس، إيّاكم والكذب، فإنّ الكذب مجانب الإيمان.
وقد روى هذا الحديث أصحاب السّنن الأربعة، وابن حبّان في صحيحه، وغيرهم من طرقٍ كثيرةٍ عن جماعةٍ كثيرةٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به متّصلًا مرفوعًا، ومنهم من رواه عنه به موقوفًا على الصّدّيق وقد رجّح رفعه الدّارقطنيّ وغيره وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولا في مسند الصّدّيق، رضي اللّه عنه.
وقال أبو عيسى التّرمذيّ: حدّثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، وحدّثنا عبد اللّه بن المبارك، حدّثنا عتبة بن أبي حكيمٍ، حدّثنا عمرو بن جارية اللّخميّ، عن أبي أميّة الشّعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ فقال: أيّة آيةٍ؟ قلت: قوله [تعالى] {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} فقال: أما واللّه لقد سألت عنها خبيرًا، سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعًا، وهوًى متّبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّامًا الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلًا يعملون كعملكم" -قال عبد اللّه بن المبارك: وزاد غير عتبة: قيل يا رسول اللّه، أجر خمسين رجلًا منهم أو منّا؟ قال: "بل أجر خمسين منكم".
ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ. وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ورواه ابن ماجه، وابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، عن عتبة بن أبي حكيمٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن الحسن أنّ ابن مسعودٍ سأله رجلٌ عن قوله {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} فقال: إنّ هذا ليس بزمانها، إنّها اليوم مقبولةٌ. ولكنّه قد أوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا -أو قال: فلا يقبل منكم-فحينئذٍ {عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ}
ورواه أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع عن أبي العالية، عن ابن مسعودٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} الآية، قال: كانوا عند عبد اللّه بن مسعودٍ جلوسًا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين النّاس، حتّى قام كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه، فقال رجلٌ من جلساء عبد اللّه: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإنّ اللّه يقول: {[يا أيّها الّذين آمنوا] عليكم أنفسكم} الآية. قال: فسمعها ابن مسعودٍ فقال: مه، لم يجئ تأويل هذه بعد إنّ القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آيٌ قد مضى تأويلهنّ قبل أن ينزلن، ومنه آيٌ قد وقع تأويلهنّ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنه آيٌ قد وقع تأويلهنّ بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بيسيرٍ، ومنه آيٌ يقع تأويلهنّ بعد اليوم، ومنه آيٌ تأويلهنّ عند السّاعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهنّ يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنّة والنّار. فما دامت قلوبكم واحدةً، وأهواؤكم واحدةً ولم تلبسوا شيعًا، ولم يذق بعضكم بأس بعضٍ فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعضٍ فامرؤٌ ونفسه، عند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا شبابة بن سوّار، حدّثنا الرّبيع بن صبيح، عن سفيان بن عقالٍ قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيّام فلم تأمر ولم تنه، فإنّ اللّه قال: {عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم}؟ فقال ابن عمر: إنّها ليست لي ولا لأصحابي إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب". فكنّا نحن الشّهود وأنتم الغيّب، ولكنّ هذه الآية لأقوامٍ يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.
وقال أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ وأبو عاصمٍ قالا حدّثنا عوف، عن سوّار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجلٌ جليد في العين، شديد اللّسان، فقال: يا أبا عبد الرّحمن، نفرٌ ستّةٌ كلّهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلّهم مجتهدٌ لا يألو وكلّهم بغيضٌ إليه أن يأتي دناءة، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعضٍ بالشّرك. فقال رجلٌ من القوم: وأيّ دناءةٍ تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعضٍ بالشّرك؟
فقال الرّجل: إنّي لست إيّاك أسأل، إنّما أسأل الشّيخ. فأعاد على عبد اللّه الحديث، فقال عبد اللّه: لعلّك ترى، لا أبالك، أنّي سآمرك أن تذهب فتقتلهم! عظهم وانههم، فإن عصوك فعليك نفسك فإنّ اللّه، عزّ وجلّ يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم} الآية.
وقال أيضًا: حدّثني أحمد بن المقدام، حدّثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبي، حدّثنا قتادة، عن أبي مازنٍ قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قومٌ من المسلمين جلوسٌ، فقرأ أحدهم هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ} فقال أكبرهم لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم.
وقال: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا ابن فضالة، عن معاوية بن صالحٍ، عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقةٍ فيها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنّي لأصغر القوم، فتذاكروا بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس اللّه يقول في كتابه: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم}؟ فأقبلوا عليّ بلسانٍ واحدٍ وقالوا: تنزع آيةً من القرآن ولا تعرفها، ولا تدري ما تأويلها!! حتّى تمنّيت أنّي لم أكن تكلمت، وأقبلوا يتحدّثون، فلمّا حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السّنّ، وإنّك نزعت بآيةٍ ولا تدري ما هي؟ وعسى أن تدرك ذلك الزّمان، إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوًى متّبعًا، وإعجاب كلّ ذي رأيٍ برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرّك من ضلّ إذا اهتديت.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا عليّ بن سهل، حدّثنا ضمرة بن ربيعة قال: تلا الحسن هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} فقال الحسن: الحمد للّه بها، والحمد للّه عليها، ما كان مؤمنٌ فيما مضى، ولا مؤمنٌ فيما بقي، إلّا وإلى جانبه منافقٌ يكره عمله.
وقال سعيد بن المسيّب: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلا يضرّك من ضلّ إذا اهتديت.
رواه ابن جريرٍ، وكذا روي من طريق سفيان الثّوريّ، عن أبي العميس، عن أبي البختري، عن حذيفة مثله، وكذا قال غير واحدٍ من السّلف.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن خالدٍ الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد، حدّثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن كعبٍ في قوله: {عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} قال: إذا هدمت كنيسة دمشق، فجعلت مسجدًا، وظهر لبس العصب، فحينئذٍ تأويل هذه الآية). [تفسير القرآن العظيم: 3/212-215]


رد مع اقتباس