عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:29 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقل الحق من ربكم} الآية. المعنى: وقل لهم يا محمد: هذا الحق من ربكم، أي: هذا القرآن، أو هذا الإعراض عنكم، وترك الطاعة لكم، وصبر النفس مع المؤمنين. وقرأ قعنب وأبو السمال: "وقل" بفتح اللام، قال أبو حاتم: وذلك رديء في العربية. وقوله: {فمن شاء فليؤمن} الآية، توعد وتهديد، أي: فليختر كل امرئ لنفسه ما يجده غدا عند الله عز وجل. وتأولت فرقة: فمن شاء الله إيمانه فليؤمن ومن شاء الله كفره فليكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا متوجه، أي: فحقه الإيمان وحقه الكفر، ثم عبر عن ذلك بلفظ الأمر إلزاما وتحريضا من حيث للإنسان - في ذلك - التكسب الذي به يتعلق ثواب الإيمان وعقاب الكفر. وقرأ الحسن، وعيسى الثقفي: "فليؤمن.. وليكفر" بكسر اللامين.
و"أعتدنا" مأخوذ من العتاد، وهو الشيء المعد الحاضر.
و "السرادق" هو الجدار المحيط كالحجارة التي تدور وتحيط الفسطاط، وقد تكون من نوع الفسطاط أديما أو ثوبا أو نحوه، ومنه قول رؤبة:
يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود
[المحرر الوجيز: 5/599]
ومنه قول سلامة بن جندل:
هو المولج النعمان بيتا سماؤه ... صدور الفيول بعد بيت مسردق
وقال الزجاج: "السرادق": كل ما أحاط بالشيء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا عندي أخص مما قال الزجاج.
واختلف في سرادق النار - فقال ابن عباس رضي الله عنهما: سرادقها حائط من نار، وقالت فرقة: سرادقها دخان يحيط بالكفار، وقوله تعالى: {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب}. وقالت فرقة: الإحاطة هي في الدنيا، والسرادق: البحر، وروي هذا المعنى من طريق يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجيء قوله تعالى: {أحاط بهم}، أي: بالبشر، ذكر الطبري الحديث عن يعلى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البحر هو جهنم"، وتلا هذه الآية، ثم قال: "والله لا أدخله أبدا، أو ما دمت حيا"، وروي عنه أيضا عليه الصلاة والسلام من طريق أبي سعيد الخدري أنه قال: "لسرادق النار أربعة جدر كثف، عرض كل جدار مسيرة أربعين سنة".
وقوله تعالى: "يغاثوا" أي يكون لهم مقام الغوث، وهذا نحو قول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/600]
تحية بينهم ضرب وجيع
أي: القائم مقام التحية.
و "المهل"، قال أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: هو دردي الزيت إذا انتهى حره، وقالت فرقة: هو كل مائع سخن حتى انتهى حره، وقال ابن مسعود وغيره: كل ما أذيب من ذهب أو فضة أو رصاص أو نحو هذا من الفلز حتى تميع، وروي أن عبد الله بن مسعود أهديت إليه سقاية من ذهب أو فضة فأمر بها فأذيبت حتى تميعت وتلونت ألوانا، ثم دعا من ببابه من أهل الكوفة فقال: ما رأيت في الدنيا شيئا أدنى شبها بالمهل من هذا، يريد: أدنى شبها بشراب أهل النار. وقالت فرقة: "المهل": الصديد والدم إذا اختلطا، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في الكفن: "إنما هو للمهلة"، يريد: لما يسيل من الميت في قبره، ويقوى هذا بقوله تعالى: {من ماء صديد} الآية.
وقوله تعالى: {يشوي الوجوه} روي في معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تقرب الشربة من الكافر، فإذا دنت منه تكرهها، فإذا دنت أكثر شوت وجهه وسقطت فيها فروة وجهه، وإذا شرب تقطعت أمعاؤه". و"المرتفق": الشيء الذي يرتفق به،
[المحرر الوجيز: 5/601]
أي يطلب رفقه، و"المرتفق" الذي هو المتكأ أخص من هذا الذي في الآية; لأنه في شيء واحد من معنى الرفق، على أن الطبري قد فسر الآية به، والأظهر عندي أن يكون "المرتفق" بمعنى الشيء الذي يطلب رفقه باتكاء وغيره. وقال مجاهد: "المرتفق": المجتمع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
كأنه ذهب بها إلى موضع الرفاقة، ومنه الرفقة، وهذا كله راجع إلى الرفق، وأنكر الطبري أن يعرف لقول مجاهد معنى، والقول بين الوجه، والله المعين). [المحرر الوجيز: 5/602]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا}
قوله عز وجل: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} اعتراض مؤكد للمعنى، مذكر بأفضال الله تعالى، منبه على حسن جزائه، بين قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وقوله: {أولئك لهم جنات}، فقوله تعالى: {أولئك لهم جنات عدن} ابتداء وخبر، جملة هي خبر "إن" الأولى، ونحو هذا من الاعتراض قول الشاعر:
إن الخليفة -إن الله ألبسه ... سربال ملك -به ترجى الخواتيم
[المحرر الوجيز: 5/602]
قال الزجاج: ويجوز أن يكون خبر "إن" في قوله: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}; لأن المحسنين هم المؤمنون، فكأن المعنى: لا نضيع أجرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومذهب سيبويه أن الخبر في قوله تعالى: {لا نضيع} على حذف العائد، تقديره: من أحسن عملا منهم). [المحرر الوجيز: 5/603]

تفسير قوله تعالى: {أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"العدن": الإقامة، ومنه المعدن; لأن حجره مقيم فيه ثابت، وقوله تعالى: {من تحتهم} يريد: من تحت غرفهم ومبانيهم. وقرأ الجمهور: "من أساور"، وروى أبان عن عاصم: "من أسورة" بغير ألف وبزيادة هاء، وواحده الأساور: إسوار وحذفت الياء من الجمع; لأن الباب: أساوير، وهي ما كان في الذراع من الحلي، وقيل: أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، وإنما الإسوار بالفارسية القائد ونحوه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويقال في حلي الذراع: إسوار، ذكره أبو عبيدة معمر، ومنه قول الشاعر:
والله لولا فتية صغار ... كأنما وجوههم أقمار
تضمهم من العتيك دار ... أخاف أن يصيبهم إقتار
أو لاطم ليس له إسوار ... لما رآني ملك جبار
ببابه ما وضح النهار
[المحرر الوجيز: 5/603]
أنشده أبو بكر بن الأنباري حاشية في كتاب أبي عبيدة.
و "السندس": رقيق الديباج، و"الإستبرق": ما غلظ منه، وقال بعض المفسرين: هي لفظة أعجمية عربت، وأصلها: استبره، وقال بعضهم بل هو الفعل العربي سمي به، فهو إستبرق، من البريق، فغير حين سمي به بقطع الألف، ويقوي هذا القول أن ابن محيصن قرأ: "من سندس وإستبرق"، فجاء موصول الهمزة حيث وقع، ولا يجره بل بفتح القاف، ذكره الأسواري، وذكره أبو الفتح وقال: هذا سهو أو كالسهو.
و"الأرائك": جمع أريكة، وهو السرير في الحجال، والضمير في قوله: "وحسنت" للجنات، وحكى النقاش عن أبي عمران الجوني أنه قال: الإستبرق: الحرير المنسوج بالذهب، وحكى مكي والزهراوي وغيرهما حديثا مضمنه أن قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية نزلت في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم، سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "أعلم قومك أنها نزلت في هؤلاء الأربعة" وهم حضور). [المحرر الوجيز: 5/604]

رد مع اقتباس