عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 109 إلى آخر السورة]

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) )

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا لا علم لنا...}
قالوا: فيما ذكر من هول يوم القيامة. ثم قالوا: إلا ما علمتنا، فإن كانت على ما ذكر فـ (ما) التي بعد (إلا) في موضع نصب؛ لحسن السكوت على قوله: (لا علم لنا)، والرفع جائز). [معاني القرآن: 1/324]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قيل: تدخلهم حيرة من هول القيامة وهول المسألة). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنّك أنت علّام الغيوب (109)
أما نصب " يوم " فمحمول على قوله... (واتّقوا اللّه واسمعوا) أي، واتّقوا يوم يجمع اللّه الرسل، كما قال: (واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا).
ومعنى المسألة من الله تعالى للرسل تكون على جهة التوبيخ للذين أرسلوا إليهم، كما قال عزّ وجلّ: (وإذا الموءودة سئلت (8) بأيّ ذنب قتلت (9).
فإنّما تسأل ليوبّخ قاتلوها، وأمّا إجابة الرسل وقولهم: " لا علم لنا " فقد قال الناس في هذا غير قول:
جاء في بعض التفسير إنّه عزبت عنهم أفهامهم لهول يوم القيامة فقالوا: لا علم لنا مع علمك.
وقال بعضهم: لو كانت عزبت أفهامهم لم يقولوا إنك أنت علام الغيوب.
وقال بعضهم معنى قول الرسل (لا علم لنا) أي بما غاب عنا ممن أرسلنا إليه، أنت يا ربنا تعلم باطنهم ولسنا نعلم غيبهم إنك أنت علام الغيوب). [معاني القرآن: 2/217-218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} هذا السؤال على جهة التوبيخ لمن كذبهم وفي معنى الآية قولان:
أحدهما أنهم لما سئلوا فزعوا فزال وهمهم فقالوا: لا علم لنا. قال مجاهد: لما قيل لهم: ماذا أجبتم فزعوا فقالوا: لا علم لنا فلما ثابت عقولهم خبروا بما علموا.
والقول الآخر أن المعنى لا علم لنا بما غاب عنا وقيل: يدل على صحة هذا القول {إنك أنت علام الغيوب}

وهذا مذهب ابن جريج وروى حجاج عن ابن جريج في قوله عز وجل: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال: قيل لهم: ما علمتم من الأمم بعدكم، قالوا: لا علم لنا.
قال أبو عبيد: ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يرد الحوض أقوام فيختلجون فأقول: أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك))). [معاني القرآن: 2/381-382]


تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ أيّدتّك...}
على فعّلتك؛ كما تقول: قويتك.
وقرأ مجاهد (آيدتك) على أفعلتك.
وقال الكسائيّ: فاعلتك، وهي تجوز. وفي مثل عاونتك.

وقوله: {في المهد} يقول: صبيّا {وكهلاً} فردّ الكهل على الصفة؛ كقوله: {دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما}). [معاني القرآن: 1/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أيّدتك) (110) أي قوّيتك، يقال: رجل أيّد أي شديد قويٌّ.
(كهيئة الطّير) (110) أي كمثل الطير، ومنه قولهم: دعه على هيئته). [مجاز القرآن: 1/181-182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أيّدتك بروح القدس} أي قويتك وأعنتك {وكهلًا} ابن ثلاثين سنة.
{وإذ علّمتك الكتاب} أي الخط {والحكمة} يعني الفقه). [تفسير غريب القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والخلق: التّصوير، قال الله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}أي: تصوّره). [تأويل مشكل القرآن: 506]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلّم النّاس في المهد وكهلا وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطّين كهيئة الطّير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبيّنات فقال الّذين كفروا منهم إن هذا إلّا سحر مبين (110)
أمّا نعمته على والدته فإنه اصطفاها وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، وكان رزقها يأتيها من عنده وهي في محرابها.
وقوله: (إذ أيّدتك بروح القدس).
أي أيّدتك بجبريل، جائز أن يكون قوله به، إذ حاولت بنو إسرائيل قتله، وجائز أن يكون أيّده به في كل أحواله، لأن في الكلام دليلا على ذلك.
وقوله: (تكلّم النّاس في المهد).
أي أيّدتك مكلّما النّاس في المهد (وكهلا) أي أيدتك كهلا، وجائز أن يكون (وكهلا) محمولا على تكلم، كان المعنى أيدتك مخاطبا للناس في صغرك ومخاطبا الناس كهلا، وقرأ بعضهم: " أأيدتك " على أفعلتك من الأيد وقرأ بعضهم آيدتك على فاعلتك أي عاونتك.
وقوله: (وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني).
الأكمه قال بعضهم: الذي يولد أعمى.
قال الخليل: هو الذي يولد أعمى، وهو الذي يعمى بعد أن كان بصيرا). [معاني القرآن: 2/218-219]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} نعمته على مريم أنه جل وعز اصطفاها وطهرها.
وقال جل وعز: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا}). [معاني القرآن: 2/382-383]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ أيدتك بروح القدس} أيدتك قويتك وروح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم قيل قواه به حين هموا بقتله وقواه به في الحجة). [معاني القرآن: 2/383]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أي قويتك وأعنتك، وروح القُدس: جبريل عليه السلام، والقُدس: الطهر.
و{وَكَهْلاً} ابن ثلاثين سنة.
{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ} أي الخط، {وَالْحِكْمَةَ} أي الفقه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 72-73]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي...}
يقول: ألهمتهم؛ كما قال {وأوحى ربّك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا} أي ألهمها). [معاني القرآن: 1/325]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذ أوحيت إلى الحواريّين) (111) أي ألقيت في قلوبهم، وقد فرغنا من تفسيرهم في موضع قبل هذا، وليس من وحي النبوة إنما هو أمرت، قال العجّاج:
وحي لها القرار فاستقرّت
أي: أمرها بالقرار. يقال: وحى وأوحى). [مجاز القرآن: 1/182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وإذ أوحيت إلى الحواريّين} أي قذفت في قلوبهم،
كما قال: {وأوحى ربّك إلى النّحل} ). [تفسير غريب القرآن: 148-149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحيُ: كلُّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إلهام، كقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ}، و{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ، أي ألهمها). [تأويل مشكل القرآن: 489]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنّا واشهد بأنّنا مسلمون (111)
قال بعضهم: (أوحيت إلى الحواريّين) أي ألهمتهم كما قال: (وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتا) أي ألهمها.
وقال بعضهم (أوحيت إلى الحواريين) معناه: أمرهم.
وأنشدوا قول الشاعر:
الحمد للّه الذي استهلّت
=
=بإذنه السّماء واطمأنّت

=
أوحى لها القرار فاستقرت
قالوا معناه: أمرها.
وقال بعضهم: معنى (وإذ أوحيت إلى الحواريّين) أتيتهم في الوحي إليك بالبراهين والآيات التي استدلوا بها على الإيمان فآمنوا بي). [معاني القرآن: 2/219-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي} قيل معنى أوحيت ههنا: ألهمت كما قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} وقيل: معناه: أمرت، كما قال الشاعر:
=أوحى لها القرار فاستقرت
وقيل معنى أوحيت ههنا: بينت ودللت بالآيات والبراهين). [معاني القرآن: 2/383-384]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} أي قذفت في قلوبهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 73]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل يستطيع ربّك...}
بالتاء والياء.
قرأها أهل المدينة وعاصم بن أبى النجود والأعمش بالياء: (يستطيع ربّك)، وقد يكون ذلك على قولك: هل يستطيع فلان القيام معنا؟ وأنت تعلم أنه يستطيعه، فهذا وجه.
وذكر عن عليّ وعائشة رحمهما الله أنهما قرأ (هل تستطيع ربّك) بالتاء.
وذكر عن معاذ أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تستطيع ربّك) بالتاء، وهو وجه حسن. أي هل تقدر على أن تسأل ربك {أن ينزّل علينا مائدةً مّن السّماء}). [معاني القرآن: 1/325]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل يستطيع ربّك) (112) أي هل يريد ربك.
(أن ينزّل علينا مائدةً من السّماء) (112) أصلها أن تكون مفعولة، فجاءت فاعلة كما يقولون: تطليقة بائنة، وعيشة راضية؛ وإنما ميد صاحبها بما عليها من الطعام، فيقال: مادنى يميدنى، قال رؤبة:
=إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطى المسئول به؛ امتدتك، ومدتنى أنت). [مجاز القرآن: 1/182-183]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ((المائدة) الطعام. من مادني يميدني. كأنها تميد للآكلين.
أي تعطيهم. أو تكون فاعلة بمعنى مفعول بها. أي ميد بها الآكلون). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إذ قال الحواريّون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربّك أن ينزّل علينا مائدة من السّماء قال اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (112)
جائز أن يكون موضع " عيسى " نصبا، كما تقول: يا زيد بن عمرو؛ لأن ابنا إذا أضيف إلى اسم معروف علم أو أضيف إلى كنية معروفة جعل وما قبله كالشيء الواحد فجميع النحويين يختارون يا زيد بن عمرو، وكلهم يجيزون: " يا زيد بن عمرو.
وعلى هذا جائز أن يكون موضع عيسى موضع اسم مبني على الضمّ، قالوا كلّهم، فإن قلت: يا زيد بن أخينا، ويا زيد ابن الرجل الصالح فضممت زيدا لا غير. لأن النصب إنما يكون إذا أضيف ابن إلي علم كما وصفنا.
وقد قرئ: (هل تستطيع ربّك) و (هل يستطيع ربّك).
فمن قرأ (هل تستطيع ربّك). فالمعنى هل تستدعي إجابته وطاعته في أن ينزل علينا، ومن قراها (هل يستطيع ربّك) كان معناه هل يقدر ربّك.
قال أبو إسحاق: وليس المعنى عندي - واللّه أعلم - أنهم جهلوا أن اللّه يقدر على أن ينزل مائدة، ولكن وجه السؤال هل ترينا أنت أن ربّك يرينا ما سألنا من أجلك من آياتك التي تدل على نبوتك.
فأمّا المائدة فقال أبو عبيدة: إنها في المعنى مفعولة ولفظها فاعلة، قال: وهي مثل عيشة راضية، وقال إن المائدة من العطاء، والممتاد المفتعل المطلوب منه العطاء.
قال الشاعر:
=إني أمير المؤمنين الممتاد
وماد زيد عمرا إذا أعطاه. والأصل عندي في مائدة أنها فاعلة من ماد يميد إذا تحرّك فكأنّها تميد بما عليها.
وقيل في التفسير إنها أنزلت عليهم في يوم الأحد وكان عليها خبز وسمك، فالنصارى تجعل الأحد عيدا - فيما قيل - لذلك.
وقال بعضهم إنها لم تنزل للتّهوّد الذي وقع في الكفر بعد نزولها، والأشبه أن تكون لأن نزولها قد جاء ذكره في هذه القصة.
قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّي منزّلها عليكم) وقال غير أهل الإسلام إنها نزلت، والأخبار أنها انتهت، فالتصديق بها واجب.
فأمّا وجه مسألة الحواريين عيسى المائدة فيحمل ضربين أحدهما أن يكونوا ازدادوا تثبيتا، كما قال إبراهيم: (ربّ أرني كيف تحي الموتى).
وجائز أن تكون مسألتهم المائدة قبل علمهم أنه أبرأ الأكمه والأبرص وأنّه أحيا الموتى.
وأما قول عيسى للحواريين: (اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين).
فإنّما أمرهم ألّا يقترحوا هم الآيات، وألّا يقوموا بين يدي الله ورسوله.
لأن الله قد أراهم الآيات والبراهين بإحياء الموتى وهو أوكد فيما سألوا وطلبوا). [معاني القرآن: 2/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} روى شيبة بن نصاح المقري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا {هل يستطيع ربك} ولكن قالوا هل تستطيع ربك وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ومعاذ وابن عباس (هل تستطيع ربك) وكذلك قرأ سعيد بن جبير
وقال سعيد: إنما هو هل تستطيع أن تسأل ربك والتقدير عند أهل العربية على هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك ثم حذف كما قال {واسأل القرية} و{هل يستطيع ربك} حسن بغير حذف معروف في كلام العرب أن يقال: هل يستطيع أن يقوم بمعنى هل يستطيع أن يفعل ذلك بمسألتي وأنت تعرف أنه يستطيعه وفي سؤال الحواريين تنزيل المائدة قولان:
أحدهما أنهم سألوا ذلك ليتبينوا كما قال إبراهيم عليه السلام: رب أرني كيف تحيي الموتى
والقول الآخر أن يكون سؤالهم هذا من قبل أن يعلموا أن عيسى يبرئ الأكمه والأبرص

فأما قول عيسى: لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، فيعني أن لا تقترحوا الآيات ولا تسألوا ما لم يسأل غيركم من الأمم.
قال أبو عبيدة: مائدة من الطعام وهي فاعلة بمعنى مفعولة كما قال جل وعز: {في عيشة راضية}.
وقال أبو إسحاق: مائدة عندي من ماد يميد إذا تحرك.
وقرأ عاصم الجحدري: (تكون لنا عيدا لأولانا وأخرانا) وقرأ الأعمش (تكن لنا عيدا)

وقيل: إنها أنزلت وقيل إنها لم تنزل، والصواب، أن يقال: إنها أنزلت لقوله جل وعز: {قال الله إني منزلها عليكم}.
وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر -وبعضهم يرفعه- قال: أنزلت المائدة خبزا ولحما وأمروا أن لا يخزنوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا خنازير.
حدثنا القاسم بن زكريا المطرز نا الحسين بن قرعة قال نا ابن حبيب عن سعيد بن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة خبزا ولحما فأمروا أن لا يدخروا ولا يرفعوا فادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير.

ويروى: أن هذه محنة أمر الله جل وعز امتحانهم بها.
قال عبد الله بن مسعود: أشد الناس عذابا أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون.
وقال الحسن: لما أوعدوا بالعذاب إن هم عصوا قالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل.
وقال مجاهد: لما قيل لهم: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين امتنعوا من نزولها لم تنزل وقيل إن هذا العذاب في الآخرة). [معاني القرآن: 2/384-388]


تفسير قوله تعالى: (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) )
تفسير قوله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تكون لنا عيداً...}
(وتكن لنا). وهي في قراءة عبد الله (تكن لنا عيدا) بغير واو. وما كان من نكرة قد وقع عليها أمر جاز في الفعل بعده الجزم والرفع.
وأمّا المائدة فذكر
أنها نزلت، وكانت خبزا وسمكا. نزلت - فيما ذكر - يوم الأحد مرّتين، فلذلك اتخذوه عيدا.
وقال بعض المفسّرين: لم تنزل؛ لأنه اشترط عليهم أنه إن أنزلها فلم يؤمنوا عذّبهم، فقالوا: لا حاجة لنا فيها). [معاني القرآن: 1/325-326]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا) (114) مجاز العيد ها هنا: عائدة من الله علينا، وحجة وبرهان.
(وآيةً منك) (114) أي: علماً وعلامة). [مجاز القرآن: 1/183]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً مّن السّماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا وآيةً مّنك وارزقنا وأنت خير الرّازقين}
[وقال] {قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدةً مّن السّماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} فجعل {تكون} من صفة "المائدة" كما قال: {هب لي من لّدنك وليّاً يرثني} رفع إذا جعله صفة وجزم إذا جعله جوابا كما تقول: "أعطني ثوباً يسعني" إذا أردت واسعا و"يسعني" إذا جعلته جوابا كأنك تشترط أنه يسعك.
[و] قال: {وآيةً مّنك} عطف على "العيد" كأنه قال: "يكون عيداً وآيةً" وذكر أن قراءة ابن مسعود (تكن لنا عيداً).
وليس قولهم {هل يستطيع} [112] لأنهم ظنوا أنه لا يطيق. ولكنه كقول العرب: أتستطيع أن تذهب في هذه الحاجة وتدعنا من كلامك"، وتقول: "أتستطيع أن تكفّ عنّي فإنّي مغموم". فليس هذا لأنه لا يستطيع ولكنه يريد "كفّ عنّي" ويذكر له الاستطاعة ليحتج عليه أي: إنّك تستطيع. فإذا ذكّره إياها علم أنها حجة عليه. وإنما قرئت (هل تستطيع ربّك) فيما لديّ لغموض هذا المعنى الآخر والله أعلم. وهو جائز كأنه أضمر الفعل فأراد "هل تستطيع أن تدعو ربّك" أو "هل تستطيع ربّك أن تدعوه"، فكل هذا جائز.
و"المائدة" الطعام. و"فعلت" منها: "مدت" "أميد". قال الشاعر:
نهدى رؤوس المجرمين الأنداد = إلى أمير المؤمنين الممتاد
و["الممتاد"] هو "مفتعلٌ" من "مدت"). [معاني القرآن: 1/233]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تكون لنا عيداً} أي مجمعا. {وآيةً منك} أي علامة). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال عيسى ابن مريم اللّهمّ ربّنا أنزل علينا مائدة من السّماء تكون لنا عيدا لأوّلنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرّازقين (114)
ذكر سيبويه أن (اللّهمّ) كالصوت وأنه لا يوصف، وأن (ربّنا) منصوب على نداء آخر، وقد شرحنا هذا قبل شرحا تاما.
ومعنى قوله: (وآية منك).
أي فتكون لنا علامة منك). [معاني القرآن: 2/221-222]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وأمّا قوله: (قال اللّه إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين (115)
فجائز، أن يكون يعجّل لهم العذاب في الدنيا، وجائز أن يكون في الآخرة لقوله: (لا أعذّبه أحدا من العالمين) ). [معاني القرآن: 2/222]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا عيسى ابن مريم...}
(عيسى) في موضع رفع، وإن شئت نصبت. وأمّا (ابن) فلا يجوز فيه إلا النصب. وكذلك تفعل في كل اسم دعوته باسمه ونسبته إلى أبيه؛ كقولك: يا زيد بن عبد الله، ويا زيد بن عبد الله. والنصب في (زيد) في كلام العرب أكثر. فإذا رفعت فالكلام على دعوتين، وإذا نصبت فهو دعوة. فإذا قلت: يا زيد أخا تميم، أو قلت: يا زيد ابن الرجل الصالح رفعت الأوّل، ونصبت الثاني؛ كقول الشاعر:
يا زبرقان أخا بني خلفٍ=ما أنت ويل أبيك والفخر). [معاني القرآن: 1/326]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذ قال الله يا عيسى) (116) مجازه: وقال الله يا عيسى، وإذ من حروف الزوائد، وكذلك: (وإذ علّمتك الكتاب والحكمة) (110) أي علمتك.
(ءانت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي) (116)، هذا باب تفهيم، وليس باستفهام عن جهل ليعلمه، وهو يخرج مخرج الاستفهام، وإنما يراد به النّهى عن ذلك ويتهدد به، وقد علم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجل لعبده: أفعلت كذا؟ وهو يعلم أنه لم يفعله ولكن يحذّره، وقال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا=وأندى العالمين بطون راح
ولم يستفهم، ولو كان استفهاماً ما أعطاه عبد الملك مائةً من الإبل برعاتها.
(أتّخذوني وأمّي إلهين) (116) إذا أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى غلّب فعل الذّكر وذكّروهما). [مجاز القرآن: 1/183-184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم} بمعنى إذ يقول اللّه يوم القيامة. فعل بمعنى يفعل. على ما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الكلام على مذهب الاستفهام وهو تقرير كقوله سبحانه: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}، و{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}). [تأويل مشكل القرآن: 279]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنّك أنت علّام الغيوب (116)
فالمسألة ههنا على وجه التوبيخ للذين ادّعوا عليه لأنهم مجمعون أنه صادق الخبر وأنّه لا يكذبهم وهو الصادق عندهم فذلك أوكد في الحجة عليهم وأبلغ في توبيخهم، والتوبيخ ضرب من العقوبة.
قال: (سبحانك). أي براء أنت من السوء.
(ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ).
وأمّا قوله: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنّك أنت علّام الغيوب).
و" الغيوب " بالكسر والضم.
قال أبو إسحاق: هذا موضع أعني (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) يلبّس به أهل الإلحاد على من ضعف علمه باللغة ولا تعلم حقيقة هذا
إلا من اللغة، قال أهل اللغة: النفس في كلام العرب تجري على ضربين أحدهما قولك خرجت نفس فلان وفي نفس فلان أن يفعل كذا وكذا.
والضرب الآخر معنى النفس فيه معنى جملة الشيء ومعنى حقيقة الشيء، قتل فلان نفسه، وأهلك فلان نفسه، فليس معناه أن الإهلاك وقع ببعضه، إنما الإهلاك وقع بذاته كلها، ووقع بحقيقته، ومعنى تعلم ما في نفسي، أي تعلم ما أضمره، ولا أعلم ما في نفسك. لا أعلم ما في حقيقتك وما عندي علمه، فالتأويل أنك تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم، ويدل عليه: (إنّك أنت علّام الغيوب).
فإنما هو راجع إلى الفائدة في المعلوم والتوكيد أن الغيب لا يعلمه إلا اللّه جلّ ثناؤه). [معاني القرآن: 2/222-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك} في معنى هذا قولان:
أحدهما أن هذا يقال له في الآخرة، قال قتادة يقال له: هذا يوم القيامة قال: ألا ترى أنه قال: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لا يكون إلا يوم القيامة
وقال السدي: انه قال هذا حين رفعه؛ لأنه قال: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فإنما هذا على أنهم في الدنيا أي إن تغفر لهم بعد التوبة واحتج لصاحب هذا القول بأن إذ في كلام العرب لما مضى

والقول الأول عليه أكثر أهل التفسير فأما حجة صاحب هذا القول الثاني بأن إذ لما مضى فلا تجب؛ لأن إخبار الله جل وعز عما يكون بمنزلة ما كان فعلى هذا يصح أنه للمستقبل وسنذكر قولهم في: {إن تعذبهم فإنهم عبادك}). [معاني القرآن: 2/388-390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} قال أبو إسحاق النفس عند أهل اللغة على معنيين أحدهما أن يراد بها بعض الشيء والآخر أن يراد بها الشيء كله نحو قولك قتل فلان نفسه فقوله عز وجل: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} معناه تعلم حقيقتي وما عندي والدليل على هذا قوله: {انك أنت علام الغيوب} وقال غيره تعلم غيبي ولا أعلم غيبك). [معاني القرآن: 2/390-391]

تفسير قوله تعالى: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (الرّقيب) (117): الحافظ). [مجاز القرآن: 1/184]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما قلت لهم إلّا ما أمرتني به أن اعبدوا اللّه ربّي وربّكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم وأنت على كلّ شيء شهيد (117)
(أن اعبدوا اللّه ربّي وربّكم)
جائز أن تكون في معنى " أي " مفسّرة، المعنى ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أي اعبدوا، ويجوز أن تكون " أن " في موضع جر على البدل من الهاء، وتكون " أن " موصولة ب (اعبدوا الله) ومعناه إلا ما أمرتني به بأن يعبدوا اللّه.
ويجوز أن يكون موضعها نصبا على البدل، من (ما).
المعنى ما قلت لهم شيئا إلا أن اعبدوا اللّه، أي ما ذكرت لهم إلا عبادة اللّه). [معاني القرآن: 2/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} قال قتادة الرقيب الحافظ وكذلك هو عند أهل اللغة). [معاني القرآن: 2/391]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (عبادك) (118): جمع عبد، بمنزلة عبيد). [مجاز القرآن: 1/184]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فإنّهم عبادك} أي عبيدك عبد وعباد، كما يقال: فرخ وفراخ، وكلب وكلاب). [تفسير غريب القرآن: 149]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم (118) ).
معنى قول عيسى - عليه السلام - (وإن تغفر لهم) اختلف أهل النظر في تفسير قول عيسى: (وإن تغفر لهم).
فقال بعضهم: معناه: إن تغفر لهم كذبهم عليّ.
وقالوا: لا يجوز أن يقول عيسى عليه السلام: إن الله يجوز أن يغفر الكفر، وكأنه على هذا القول: إن تغفر لهم الحكاية فقط، هذا قول أبي العباس محمد بن يزيد، ولا أدري أشيء سمعه أم استخرجه، والذي عندي واللّه أعلم، أن عيسى قد علم أن منهم من آمن ومنهم من أقام على الكفر، فقال: عيسى في جملتهم. (إن تعذّبهم) أي إن تعذب من كفر منهم.
فإنهم عبادك وأنت العادل عليهم لأنك أوضحت لهم الحق وكفروا بعد وجوب الحجة عليهم، وإن تغفر لمن أقلع منهم وآمن فذلك تفضل منك لأنه قد كان لك ألا تقبلهم وألا تغفر لهم بعد عظيم فريتهم، وأنت في مغفرتك لهم عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، " حكيم " في ذلك.
وقال بعض الناس: جائز أن يكون اللّه لم يعلم عيسى أنّه لا يغفر الشرك، وهذا قول لا يعرج عليه لأن قوله تعالى (إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به) لا يخص شيئا من أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - دون غيرها، لأن هذا خبر والخبر لا ينسخ، وهذا القول دار في المناظرة وليس شيئا يعتقده أحد يوثق بعلمه). [معاني القرآن: 2/223-224]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم} في هذا أقوال فمن أحسنها أن هذا على التسليم لله جل وعز وقد علم أنه لا يغفر لكافر ولا يدرى أكفروا بعد أم آمنوا ومن الدليل على صحة هذا القول أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا وقرأ صلى الله عليه وسلم (كما بدأكم تعودون) فيؤمر بأمتي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي
فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وقرأ إلى قوله: {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}
وروى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة يردد {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}
وقيل: إنه معطوف على قوله: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به}
والمعنى على هذا القول ما قلت في الدنيا إلا هذا
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: لا يراد بهذا مغفرة الكفر
وإنما المعنى ولأن تغفر لهم كذبهم علي وحكايتهم عني ما لم أقل.
وقال أبو إسحاق: قد علم عيسى صلى الله عليه وسلم أن منهم من آمن فالمعنى عندي والله أعلم إن تعذبهم على فريتهم وكفرهم فقد استحقوا ذلك وإن تغفر لمن تاب منهم بعد الافتراء العظيم والكفر وقد كان لك أن لا تقبل توبته بعد اجترائه عليك فإنك أنت العزيز الحكيم وأما قول من قال إن عيسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترئ على كتاب الله جل وعز لأن الإخبار من الله جل وعز لا ينسخ وقيل كان عند عيسى صلى الله عليه وسلم أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به إلا أنهم على عمود دينه فقال وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي). [معاني القرآن: 2/391-393]


تفسير قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هذا يوم ينفع الصّادقين...}
ترفع (اليوم) بـ (هذا)، ويجوز أن تنصبه؛ لأنه مضاف إلى غير اسم؛ كما قالت العرب: مضى يومئذٍ بما فيه. ويفعلون ذلك به في موضع الخفض؛ قال الشاعر:
رددنا لشعثاء الرسول ولا أرى=كيومئذٍ شيئا تردّ رسائله
وكذلك وجه القراءة في قوله: {من عذاب يومئذٍ}؛ {ومن خزي يومئذ} ويجوز خفضه في موضع الخفض؛ كما جاز رفعه في موضع الرفع. وما أضيف إلى كلام ليس فيه مخفوض فافعل به ما فعلت في هذا؛ كقول الشاعر:
على حين عاتبت المشيب على الصبا=وقلت ألمّا تصح والشيب وازع
وتفعل ذلك في يوم، وليلة، وحين، وغداة، وعشيّة، وزمن، وأزمان وأيام، وليال. وقد يكون قوله: {هذا يوم ينفع الصّادقين} كذلك. وقوله: {هذا يوم لا ينطقون} فيه ما في قوله: (يوم ينفع) وإن قلت "هذا يومٌ ينفع الصادقين" كما قال الله: {واتقوا يوما لا تجزي نفسٌ} تذهب إلى النكرة كان صوابا. والنصب في مثل هذا مكروه في الصفة؛ وهو على ذلك جائز، ولا يصلح في القراءة). [معاني القرآن: 1/326-327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 295] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قال اللّه هذا يوم ينفع الصّادقين صدقهم لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي اللّه عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم (119)
القراءة برفع " اليوم " ونصب " اليوم " جميعا، فأمّا من رفع اليوم فعلى خبر هذا اليوم، قال الله اليوم ذو منفعة صدق الصادقين ومن نصب فعلى أن يوم منصوب على الظرف، المعنى قال اللّه: هذا لعيسى في يوم ينفع الصادقين صدقهم، أي قال اللّه هذا في يوم القيامة، ويجوز أن يكون قال الله هذه الأشياء وهذا الذي ذكرناه يقع في يوم ينفع الصادقين صدقهم، وزعم بعضهم أن (يوم) منصوب لأنه مضاف إلى الفعل، وهو في موضع رفع بمنزله يومئذ مبني على الفتح في كل حال، وهذا عند البصريين خطأ، لا يجيزون هذا يوم آتيك يريدون هذا يوم إتيانك لأن آتيك فعل مضارع، فالإضافة إليه لا تزيل الإعراب عن جهته ولكنهم يجيزون ذلك يوم نفع زيدا صدقه، لأن الفعل الماضي غير مضارع، فهي إضافة إلى غير متمكن وإلى غير ما ضارع المتمكن، وفيها وجه ثالث. (هذا يوم ينفع الصادقين) بتنوين " يوم " على إضمار (هذا يوم ينفع - فيه الصادقين صدقهم)، ويكون كقوله: (واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا).
ومثله قول الشاعر:
وما الدّهر إلا تارتان فمنهما أموت=وأخرى أبتغي العيش أكدح
المعنى فمنهما تارة أموت فيها). [معاني القرآن: 2/224-225]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} سئل بعض أهل النظر عن معنى هذا فقيل له لو صدق الكافر وقال أسأت لم ينفعه ذلك والجواب عن هذا أن يوم القيامة يوم مجازاة وليس بيوم عمل فإنما المعنى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا وتركهم الافتراء على الله جل اسمه وعلى رسله وقيل ينفعهم صدقهم في العمل والله أعلم بما أراد). [معاني القرآن: 2/394]

تفسير قوله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) )


رد مع اقتباس