عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 12:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 51 إلى 66]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) }

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم مّنكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
وقال: {لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء} ثم قال: {بعضهم أولياء بعضٍ} على الابتداء). [معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين (51)
(ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم).
أي من عاضدهم على المسلمين فإنه من عاضده). [معاني القرآن: 2/181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} هذا في المنافقين لأنهم كانوا يمالئون المشركين ويخبرونهم بأسرار المؤمنين). [معاني القرآن: 2/321]

تفسير قوله تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (نخشى أن تصيبنا دائرةٌ) (52) أي دولة، والدوائر قد تدور، وهي الدولة، والدوائل تدول، ويديل الله منه، قال حميد الأرقط:
يردّ عنك القدر المقدورا=ودائرات الدّهر أن تدورا
(بالفتح) (52) أي بالنّصر). [مجاز القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({دائرة}: دولة). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({يسارعون فيهم}: أي في رضاهم: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ} أي يدور علينا الدّهر بمكروه - يعنون الجذب - فلا يبايعوننا.
ونمتاز فيهم فلا يميروننا. فقال اللّه: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} أي بالفرج. ويقال: فتح مكة {أو أمرٍ من عنده} يعني الخصب). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في مرضاتهم). [تأويل مشكل القرآن: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفتح: أن يفتح المغلق...، والفتح: النّصر، كقوله: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ}، وقوله: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ}، لأن النصر يفتح الله به أمرا مغلقا). [تأويل مشكل القرآن: 492] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فترى الّذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين (52)
والمرض ههنا النفاق في الدّين، ومعنى يسارعون فيهم، أي في معاونتهم على المسلمين.
(يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة).
أي نخشى ألّا يتم الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى دائرة أي يدور الأمر عن حاله التي يكون عليها.
وقوله: (فعسى اللّه أن يأتي بالفتح).
أي فعسى اللّه أن يظهر المسلمين.
و " عسى " من الله جلّ وعزّ واجبة.
وقوله عزّ وجلّ: (أو أمر من عنده)، أي أو أن يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإظهار أمر المنافقين بقتلهم.
(فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين) ). [معاني القرآن: 2/181]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فترى الذين في قلوبهم مرض} أي نفاق {يسارعون فيهم} المعنى يسارعون في معاونتهم ثم حذف كما قال جل وعز: {واسأل القرية}). [معاني القرآن: 2/321]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة}
في معناه قولان:
أحدهما روي عن ابن عباس قال يقولون نخشى أن لا يدوم الأمر لمحمد.
والقول الآخر نخشى أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا والقول الأول أشبه بالمعنى كأنه من دارت تدور أي نخشى أن يدور أمر ويدل عليه قوله جل وعز: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} لأن الفتح النصر قال ابن عباس فأتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير وقيل معنى أو أمر من عنده أي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر بأسماء المنافقين {فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم
نادمين}). [معاني القرآن: 2/321-323]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (في قلوبهم مرض) أي: كفر). [ياقوتة الصراط: 211]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في رضاهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَائِرَةٌ}: دولة). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويقول الّذين آمنوا...}
مستأنفة في رفع. ولو نصبت على الردّ على قوله: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده} كان صوابا. وهي في مصاحف أهل المدينة (يقول الذين آمنوا) بغير واو). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ويقول الّذين آمنوا أهـؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}
[و] قال: {ويقول الّذين آمنوا} نصب لأنه معطوف على قوله: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} [52] وقد قرئ رفعا على الابتداء. قال أبو عمرو النصب محال لأنه لا يجوز "وعسى الله أن يقول الذين آمنوا" وإنّما ذا "عسى أن يقول"، يجعل {أن يقول} معطوفة على ما بعد "عسى" أو يكون تابعا، نحو قولهم: "أكلت خبزاً ولبناً" و:
= متقلّداً سيفاً ورمحاً). [معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين (53)
أي يقول المؤمنون الذين باطنهم وظاهرهم واحد: هؤلاء الذين حلفوا وأكدوا أيمانهم أنهم مؤمنون وأنهم معكم أعوانكم على من خالفكم.
(حبطت أعمالهم).
أي ذهب ما أظهروه من الإيمان، وبطل كل خير عملوه بكفرهم وصدهم.
عن سبيل اللّه كما قال: (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم).
المعنى ويقول الذين آمنوا في ذلك الوقت، أي في وقت يظهر اللّه نفاقهم فيه). [معاني القرآن: 2/181-182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} أي أهؤلاء الذين اجتهدوا في الأيمان أنهم لا يوالون المشركين ثم قال تعالى: {حبطت أعمالهم} وهذا مثل قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم}). [معاني القرآن: 2/323]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يحبّهم ويحبّونه أذلّةٍ على المؤمنين...}
خفض، تجعلها نعتا (لقوم) ولو نصبت على القطع من أسمائهم في {يحبّهم ويحبّونه} كان وجها. وفي قراءة عبد الله (أذلّة على المؤمنين غلظاء على الكافرين) أذله: أي رحماء بهم).[معاني القرآن: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم (54)
فيها من العربية ثلاثة أوجه، من يرتدد، ومن يرتد بفتح الدال ومن يرتد منكم، بكسر الدال. ولا يجوز في القراءة الكسر لأنه لم يرو أنه قرئ به.
وأمّا (من يرتدد) فهو الأصل، لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضعفين ظهر التضعيف، نحو قوله: (إن يمسسكم قرح) ولو قرئت إن يمسكم قرح كان صوابا، ولكن لا تقرأن به لمخالفته المصحف، ولأن القراءة سنّة.
وقد ثبت عن نافع وأهل الشام يرتدد بدالين، وموضع يرتد جزم، والأصل كما قلنا يرتدد، وأدغمت الدال الأولى في الثانية، وحركت الثانية بالفتح لالتقاء السّاكنين، قال أبو عبيد: إنهم كرهوا اجتماع حرفين متحركين وأحسبه غلط، لأن اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد أكثر في الكلام من أن يحصى نحو شرر ومدد، وقدد، وخدد، والكسر في قوله من يرتد يجوز لالتقاء السّاكنين لأنه أصل.
والفاء جواب للجزاء، أي إن ارتد أحد عن دينه، أي الذي هو الإيمان.
(فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم ويحبّونه).
أي بقوم مؤمنين غير منافقين.
(أذلّة على المؤمنين).
أي جانبهم ليّن على المؤمنين، ليس أنهم أذلاء مهانون.
(أعزّة على الكافرين).
أي جانبهم غليظ على الكافرين.
وقوله: (يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم).
لأن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويظاهرونهم، ويخافون لومهم.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الصحيح الإيمان لا يخاف في نصرة الدين بيده ولا لسانه لومة لائم.
ثم أعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك لا يكون إلا بتسديده وتوفيقه فقال عزّ وجلّ: (ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء).
أي محبتهم للّه ولين جانبهم للمسلمين، وشدتهم على الكافرين فضل من اللّه عزّ وجلّ عليهم، لا توفيق لهم إلا به عزّ وجلّ).[معاني القرآن: 2/182-183]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} في معنى هذا قولان: قال الحسن هو والله أبو بكر رضي الله عنه وأصحابه
حدثنا أبو جعفر قال نا الحسن بن عمر بن أبي الأحوص الكوفي قال نا أحمد بن يونس السري يعني ابن يحيى قال قرأ الحسن هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} حتى قرأ الآية فقال الحسن فولاها الله والله أبا بكر وأصحابه وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال لما نزلت: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري رحمه الله فقال هم قوم هذا). [معاني القرآن: 2/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} قال أبو جعفر سمعت أبا إسحاق وسئل عن معنى هذا فقال ليس يريد أذلة من الهوان وإنما يريد أن جانبهم لين للمؤمنين وخشن على الكافرين). [معاني القرآن: 2/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} أي ذلك اللين للمؤمنين والتشديد على الكافرين تفضل
من الله جل وعز منحهم إياه). [معاني القرآن: 2/324-325]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أذلة على المؤمنين) أي: رحماء رفيقين بالمؤمنين. (أعزة على الكافرين) أي: غلاظ شداد على الكافرين). [ياقوتة الصراط: 211]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يقيمون الصّلاة) (55) أي يديمون الصلاة في أوقاتها). [مجاز القرآن: 1/169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون (55)
بيّن من هم المؤمنون فقال: (الّذين يقيمون الصّلاة).
وإقامتها تمامها بجميع فرضها، وأول فروضها صحة الإيمان بها وهذا كقولك: فلان قائم بعلمه الذي وليه، تأويله إنّه يوفي العمل حقوقه، ومعنى " يقيمون " من قولك هذا قوام الأمر، فأما قوله: (أذلّة على المؤمنين). فمخفوض على نعت قوم، وإن شئت كانت نصبا على وجهين أحدهما الحال، على معنى يحبهم ويحبونه في حال تذللهم على المؤمنين وتعززهم على الكافرين، ويجوز أن يكون نصبا على المدح.
فأما قوله عزّ وجلّ: (وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم).
أي قفينا على آثار الرسل بعيسى أي جعلناه يقفوهم.
وقوله: (مصدّقا لما بين يديه من التّوراة).
أي لما تقدم من التوراة، ونصب " مصدّقا " على الحال وهو جائز أن يكون من صفة الإنجيل فهو منصوب بقوله: " آتيناه " المعنى. آتيناه الإنجيل مستقرا فيه هدى ونور ومصدقا.
ويجوز أن يكون حالا من عيسى.
المعنى وآتيناه الإنجيل هاديا ومصدّقا، لأنّه إذا قيل آتيناه الإنجيل فيه هدى، فالذي أتى بالهدى هو هاد والأحسن أن يكون على معنى وقفينا بعيسى آتيا بالإنجيل وهاديا ومصدقا لما بين يديه من التوراة، والدليل على أنه من صفة عيسى قوله: (يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقا لما بين يديّ من التّوراة).
وقوله: (لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
قال بعضهم: الشرعة الدين والمنهاج الطريق، وقيل: الشرعة والمنهاج جميعا الطريق، والطريق ههنا الدين، ولكن اللفظ إذا اختلف أتي منه بألفاظ تؤكد بها القصة والأمر نحو قول الشاعر:
حيّيت من طلل تقادم عهده=أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
فإن معنى أقوى وأقفر يدل على الخلوة، إلا أن اللفظين أوكد في الخلوّ من لفظ واحد.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد: (شرعة) معناها ابتداء الطريق.
والمنهاج الطريق المستمر، قال: وهذه الألفاظ إذا تكررت في مثل هذا فللزيادة في الفائدة، قال وكذلك قول الحطيئة:
ألا حبذا هند وأرض بها هند=وهند أتى من دونها النّأي والبعد
قال: النّأي لكل ما قل بعده منك أو كثر، كأنّه يقول:
النأي المفارقة قلّت أو كثرت، والبعد إنّما يستعمل في الشيء البعيد ومعنى البعيد عنده ما كثرت مسافة مفارقته، وكأنه يقول لما قرب منه هو ناء عني، وكذلك لما بعد عنه، والنأي عنده المفارقة). [معاني القرآن: 2/183-185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تبارك اسمه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}
قال أبو عبيد أخبرنا هشيم ويزيد عن عبد الملك بن سليمان عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله جل وعز: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} قال: يعني المؤمنين، فقلت له: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: علي من المؤمنين.
قال أبو عبيد: وهذا يبين لك قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه فالمولى والولي واحد والدليل على هذا قوله جل وعز: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}
ثم قال في موضع آخر {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} فمعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ولاية الدين وهي أجل الولايات وقال غير أبي عبيد من كنت ناصره فعلي ناصره). [معاني القرآن: 2/325-326]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإنّ حزب الله هم الغالبون) (56) أي أنصار الله، قال رؤبة:
وكيف أضوى وبلال حزبي
قوله: أضوى أي أنتقص وأستضعف، من الضّوى). [مجاز القرآن: 1/169]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والكفّار أولياء...}
وفي في قراءة أبيّ (ومن الكفار)، ومن نصبها ردّها على {الّذين اتّخذوا}).[معاني القرآن: 1/313]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين (57)
هزءا فيه لغات، إن شئت قلت هزؤا بضم الزاي وتحقيق الهمزة، وهو الأصل والأجود، وإن شئت قلت هزوا وأبدلت من الهمزة واوا، لانضمام ما قبلها وأنها مفتوحة، وإن شئت قلت: هزءا بإسكان الزاي وتحقيق الهمزة.
فهذه الأوجه الثلاثة جيدة يقرأ بهنّ.
وفيها وجه آخر. ولا تجوز القراءة به؛ لأنه لم يقرأ به، وهو أن يقول هزا مثل هدى وذلك يجوز إذا أردت تخفيف همزة هزء فيمن أسكن الزاي أن يقول هزا. تطرح حركتها على الزاي كما تقول رأيت خبا تريد خبئا.
وقوله: (من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار).
النصب فيه على العطف على قوله: (لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوا ولعبا) أي، ولا تتخذوا الكفّار أولياء، ويجوز والكفار أولياء على العطف على الّذين أوتوا الكتاب، المعنى من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار أولياء). [معاني القرآن: 2/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء} وقرأ الكسائي (والكفار أولياء) والمعنى من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار قال الكسائي في حرف أبي رحمه الله ومن الكفار وروي عن ابن عباس رحمه الله أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا} إلى آخر الآيات). [معاني القرآن: 2/326-327]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) )
تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأنّ أكثركم فاسقون...}
(أنّ) في موضع نصب على قوله: {هل تنقمون منّا} إلا إيماننا وفسقكم. (أن) في موضع مصدر، ولو استأنفت (وإن أكثركم فاسقون) فكسرت لكان صوابا). [معاني القرآن: 1/313]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل تنقمون منّا) (59) أي هل تكرهون، قال: نقموا أكثر، ونقموا واحد، وهما لغتان ليس أحدهما بأولى بالوجه من الآخر كما قال:
ما نقموا من نبي أميّة إلاّ... أنهم يحملون ان غضبوا). [مجاز القرآن: 1/170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون (59)
يقال: نقمت على الرجل أنقم، ونقمت عليه أنقم.
والأجود نقمت أنقم، وكذلك الأكثر في القراءة: (وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد).
وأنشد بيت ابن قيس الرقيات.
ما نقموا من أميّة إلّا=أنهم يحلمون إن غضبوا
بالفتح والكسر، نقموا ونقموا، ومعنى نقمت بالغت في كراهة الشيء.
وقوله: (وأنّ أكثركم فاسقون).
المعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا وفسقكم، أي إنما كرهتم إيماننا وأنتم تعلمون أنا على حق لأنكم فسقتم، بأن أقمتم على دينكم لمحبتكم الرياسة، وكسبكم بها الأموال.
فإن قال قائل: وكيف يعلم عالم أن دينا من الأديان حق فيؤثر الباطل على الحق؟
فالجواب في هذا أن أكثر ما نشاهده كذلك. من ذلك أنّ الإنسان يعلم أن القتل يورد النار فيقتل، إما إيثارا لشفاء غيظه أو لأخذ مال.
ومنها أنّ إبليس قد علم أنّ الله يدخله النّار بمعصيته فآثر هواه على قربه من اللّه، وعمل على دخول النار وهذا باب بين). [معاني القرآن: 2/186-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (تنقمون) أي: تنكرون). [ياقوتة الصراط: 211]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً...}
نصبت (مثوبة) لأنها مفسّرة كقوله: {أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا}.
وقوله: {من لّعنه اللّه} (من) في موضع خفضٍ تردّها على (بشرّ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها؛ كما قال: {قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا} ولو نصبت (من) على قولك: أنبئكم (من) كما تقول: أنبأتك خيرا، وأنبأتك زيدا قائما، والوجه الخفض. وقوله: {وعبد الطّاغوت} على قوله: "وجعل منهم القردة [والخنازير] ومن عبد الطاغوت" وهي في قراءة أبيّ وعبد الله (وعبدوا) على الجمع، وكان أصحاب عبد الله يقرؤون "وعبد الطاغوت" على فعل، ويضيفونها إلى الطاغوت، ويفسّرونها: خدمة الطاغوت. فأراد قوم هذا المعنى، فرفعوا العين فقالوا: عبد الطاغوت؛ مثل ثمار وثمر، يكون جمع جمع. ولو قرأ قارئ (وعبد الطاغوت) كان صوابا جيّدا. يريد عبدة الطاغوت فيحذف الهاء لمكان الإضافة؛ كما قال الشاعر:
=قام ولاها فسقوها صرخدا
يريد: ولاتها. وأما قوله (وعبد الطاغوت) فإن تكن فيه لغة مثل حذر وحذر وعجل فهو وجه، وإلا فإنه أراد - والله أعلم - قول الشاعر:
أبني لبيني إنّ أمّكم=أمةٌ وإن أباكم عبد
وهذا في الشعر يجوز لضرورة القوافي، فأمّا في القراءة فلا). [معاني القرآن: 1/314-315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بشرٍّ من ذلك مثوبةً) (60): تقديرها مفعلة من الثواب على تقدير مصيدة من صدت، ومشعلة من شعلت؛ ومن قرأها (مثوبةً) فجعل تقديرها: مفعولة، بمنزلة مضوفة ومعوشة، كما قال:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفةٍ=أشمّر حتى ينصف السّاق مئزرى
فخرج مخرج ميسور ومعسور). [مجاز القرآن: 1/170]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل هل أنبّئكم بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه من لّعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مّكاناً وأضلّ عن سواء السّبيل}
وقال: {بشرٍّ مّن ذلك مثوبةً عند اللّه} كما قال: {بخيرٍ من ذلك}.
وقال: {وعبد الطّاغوت} أي: {من لّعنه اللّه} {وعبد الطّاغوت}).[معاني القرآن: 1/226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل هل أنبّئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل (60)
أي: بشرّ مما نقمتم من إيماننا ثوابا، و " مثوبة" منصوب على التمييز.
وقوله: (من لعنه اللّه).
وضع " من " إن شئت كان رفعا، وإن شئت كان جرا فأما من جر فيجعله بدلا من شر. المعنى أؤنبئكم بمن لعنه اللّه، ومن رفع فبإضمار هو، كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل هو من لعنه اللّه، كما قال جلّ ثناؤه: (قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار) كأنه فال: هي النار.
وقوله: (وعبد الطّاغوت).
الطاغوت هو الشيطان، وتأويل وعبد الطاغوت: أطاعه فيما سوّل له وأغراه به، وقد قرئت: (وعبد الطاغوت).
والذي أختار (وعبد الطّاغوت) وروي عن ابن مسعود وعبدوا الطاغوت، وهذا يقوي (وعبد الطاغوت)، ومن قال وعبد الطاغوت. فضم الباء وجر الطاغوت، فإنه عند بعض أهل العربية ليس بالوجه من جهتين إحداهما، أن عبد على فعل، وليس هذا من أمثلة الجمع، لأنهم فسروه خدم الطاغوت والثاني أن يكون محمولا على وجعل منهم عبد الطاغوت. فأما من قرأ " وعبد الطاغوت " فهو جمع عبيد وعبد، مثل رغيف ورغف وسرير وسرر، ويكون على معنى وجعل منهم عبد الطاغوت على جعلت زيدا أخاك، أي نسبته إليك، ووجه وعبد الطاغوت - بفتح العين وضم الباء - أن الاسم يبنى على فعل كما قالوا علم زيد. وكما أقول رجل حذر، تأويل حذر أنّه مبالغ في الحذر، فتأويل عبد أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وكان اللفظ لفظ واحد يدل على الجمع.
كما تقول للقوم: منكم عبد العصا، تريد منكم عبيد العصا.
ويجوز بعد هذه الثلاثة الأوجه الرفع في قوله وعبد الطاغوت، فيقول وعبد الطاغوت، وكذلك وعبد الطاغوت بالرفع، ولا تقرأن بهذين الوجهين وإن كانا جائزين، لأن القراءة لا تبتدع على وجه يجوز، وإنما سبيل القراءة اتباع من تقدّم، فيجوز رفع، وعبد الطاغوت، وعبد الطاغوت، على معنى الذم، والمعنى وهم عبد الطاغوت، كأنّه لما قال: (من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير)، دل الكلام على اتباعهم الشياطين، فقيل وهم عبد الطاغوت.
ويجوز أن يكون بدلا من " من " في رفع " من " كأنه لما قيل منهم من لعنه اللّه، وغضب عليه.
قيل: هم عبد الطاغوت وعبد الطاغوت، ويجوز في الكلام أيضا، وعبد الطاغوت - بإسكان الباء - وفتح الدال.
ويكون على وجهين:
أحدهما أن يكون مخففا من عبد - كما يقال في عضد: عضد.
وجائز أن يكون " عبد " اسما واحدا يدل على الجنس.
وكذلك يجوز في عبد الرفع والنصب من جهتين كما وصفنا في عبد.
ويجوز أن يكون النصب من جهتين:
إحداهما على وجعل منهم عبد الطاغوت
ويجوز أن يكون منصوبا عاد الذم، على أعني عبد الطاغوت.
ويجوز في وعبد وعبد وعبد الجر على البدل من " من " ويكون المعنى: هل أنبّئكم بمن لعنه الله وعبد الطاغوت.
ولا يجوز القراءة بشيء من هذه الأوجه إلا بالثلاثة التي رويت وقرأ بها القراء وهي عبد الطاغوت. وهي أجودها، ثم وعبد الطاغوت ثم وعبد الطاغوت.
وقوله: (أولئك شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي هؤلاء الذين هذه صفتهم (شرّ مكانا وأضلّ عن سواء السّبيل).
أي عن قصد السبيل، و " مكانا " منصوب على التفسير). [معاني القرآن: 2/187-189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله}
وفي هذا قولان:
روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود في أمة محمد صلى الله عليه وسلم: هم أقل الناس حظا في الدنيا والآخرة فأنزل الله جل وعز: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك} الآية.
والقول الآخر وهو المعروف الصحيح أن المعنى قل هل أنبئكم بشر من نقومكم علينا ثوابا لأن قبله {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله}
قال الكسائي: يقال: نقمت على الرجل أنقم نقوما ونقمة وقد حكي نقمت أنقم إذا كرهت الشيء أشد الكراهية). [معاني القرآن: 2/327-328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير} قال مجاهد يعني اليهود مسخ منهم). [معاني القرآن: 2/328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وعبد الطاغوت} وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي
وقرأ أبو جعفر (وعبد) مثل ضرب ولا وجه لهذا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (وعبدوا الطاغوت)
وروي عن أبي بن كعب وعن ابن مسعود من طريق آخر أنهما قرءا وعبدت الطاغوت
وقرأ ابن عباس (وعبد الطاغوت)
وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه يجوز وعابد الطاغوت
وروي عن الأعمش ويحيى بن وثاب وعبد الطاغوت
وقرأ أبو واقد الأعرابي (وعباد الطاغوت)
وقرأ حمزة (وعبد الطاغوت)
فمن قرأ (وعبد الطاغوت) فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من ومن قرأ (وعبدوا الطاغوت) فهو عنده بذلك المعنى إلا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز: {ومنهم من يستمعون إليك} ومن قرأ (وعبدت الطاغوت) حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز: {قالت الأعراب}
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فهو عنده جمع عابد كما يقال: شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ (وعابد) فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة
ومن قرأ (وعبد) فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال: مثال ومثل ورغيف ورغف.
وقال بعض النحويين: هو جمع عبد كما يقال: رهن ورهن وسقف وسقف.
ومن قرأ (وعباد) فهو جمع عابد كما يقال: عامل وعمال
ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل عبدا واحدا يدل على جماعة، كما يقال: رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال: عبده يعبده إذا ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال: عبدت أعبد إذا أنفت كما قال:
=وأعبد أن تهجى تميم بدارم
والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل: الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة:
من وحش وجرة موشي أكارعه=طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
ويروى الفرد وقيل: الطاغوت ههنا يعنى به الشيطان
وكذا روي عن بريدة الأسلمي أنه قرأ (وعابد الشيطان)
وأجاز بعض العلماء وعبد الطاغوت بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الإضافة).[معاني القرآن: 2/329-332]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}
أي لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا فخرجوا بكفرهم). [معاني القرآن: 2/332-333]

تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) )
تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون}
وقال: {وأكلهم السّحت} وقال: {عن قولهم الإثم} نصبهما بإسقاط الفعل عليهما). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت لبئس ما كانوا يصنعون (63)
وهم علماؤهم ورؤساؤهم.
والحبر " العالم، والحبر المداد بالكسر، فأعلم اللّه أن رؤساءهم وسفلتهم مشتركون في الكفر.
ومعنى: (لولا ينهاهم الرّبّانيّون): هلّا ينهاهم). [معاني القرآن: 2/189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} وقرأ أبو الجراح (لولا ينهاهم الربيون)
قال مجاهد: الربانيون والأحبار العلماء والفقهاء والربانيون فوق الأحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب إليها فقيل ربي ثم جمع فقيل: ربيون.
قال أبو جعفر: والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار في تركهم نهي هؤلاء
قال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننا لا ننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر).[معاني القرآن: 2/333-334]

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ...}
أرادوا: ممسكة عن الإنفاق والإسباغ علينا. وهو كقوله: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط} في الإنفاق.
{بل يداه مبسوطتان} وفي حرف عبد الله (بل يداه بسطان) والعرب تقول: الق أخاك بوجه مبسوط، وبوجه بسط).[معاني القرآن: 1/315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يد الله مغلولةٌ) (64) أي خير الله ممسك.
(وألقينا بينهم العداوة والبغضاء) (64) أي جعلنا (كلّما أوقدوا ناراً للحرب) (64) أي كلما نصبوا حرباً). [مجاز القرآن: 1/170-171]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيراً مّنهم مّا أنزل إليك من رّبّك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا ناراً لّلحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فساداً واللّه لا يحبّ المفسدين}
وقال: {وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ غلّت أيديهم}. فذكروا أنّها "العطيّة" و"النّعمة". وكذلك {بل يداه مبسوطتان} كما تقول: "إنّ لفلان عندي يداً" أي: نعمةً. وقال: {أولي الأيدي والأبصار} أي: أولي النّعم. وقد تكون "اليد" في وجوه، تقول "بين يدي الدار" تعني: قدامها، وليست للدار يدان). [معاني القرآن: 1/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وقالت اليهود يد اللّه مغلولةٌ} أي ممسكة عن العطاء منقبضة. وجعل الغلّ لذلك مثلا). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} يريد كلما هاجوا شرًّا وأجمعوا أمراً ليحاربوا النبي صلّى الله عليه وسلّم سَكَّنه الله ووهَّن أمرهم). [تأويل مشكل القرآن: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} أي: ممسكة). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أخبر عزّ وجلّ بعظيم فريتهم فقال:
(وقالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه ويسعون في الأرض فسادا واللّه لا يحبّ المفسدين (64)
أي: قالوا يده ممسكة عن الاتساع علينا. كما قال الله جلّ وعزّ (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) تأويله لا تمسكها عن الإنفاق.
قال بعضهم: معنى (يد اللّه مغلولة) نعمته مقبوضة عنّا، وهذا القول خطأ ينقضه: (بل يداه مبسوطتان).
فيكون المعنى: بل نعمتاه مبسوطتان، نعم اللّه أكثر من أن تحصى.
وقال بعضهم: وقالوا يد اللّه مغلولة عن أعدائنا، أي لا يعذبنا.
وقال بعض أهل اللغة: إنّما أجيبوا على قدر كلامهم.
كما قالوا: يد الله مغلولة، يريدون به تبخيل اللّه.
فقيل: (بل يداه مبسوطتان). أي هو جواد (ينفق كيف يشاء)
ومعنى (غلّت أيديهم) أي جعلوا بخلاء. فهم أبخل قوم.
وقيل: (غلّت أيديهم) أي غلت في نار جهنم.
وقوله: (وليزيدنّ كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانا وكفرا).
أي كلما نزل عليك شيء من القرآن كفروا به فيزيد كفرهم والطغيان الغلو والكفر ههنا.
وقوله: (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) جعلهم اللّه مختلفين في دينهم متباغضين، كما قال: (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى) فألقى اللّه بينهم العداوة، وهي أحد الأسباب التي أذهب اللّه بها جدّهم وشوكتهم.
وقوله: (كلّما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه).
هذا مثل أي كلما جمعوا على النبي والمسلمين وأعدوا لحربهم فرق اللّه جمعهم وأفسد ذات بينهم.
وقوله: (ويسعون في الأرض فسادا).
أي يجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتبهم). [معاني القرآن: 2/189-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم}
في هذه الآية ثلاثة أقوال أحسنها ما روي عن ابن عباس أنه قال: قالت اليهود: إن الله عز وجل بخيل والمعنى عند أهل اللغة على التمثيل أي قالوا: هو ممسك عنا لم يوسع علينا حين أجدبوا كما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} فهذا نظير ذاك والله أعلم
وقيل اليد ههنا: النعمة وقيل هذا القول غلط لقوله: {بل يداه مبسوطتان} فنعم الله جل وعز أكثر من أن تحصى فكيف يكون {بل نعمتاه مبسوطتان} فقال: من احتج لمن قال: إنهما نعمتان بأن المعنى النعمة الظاهرة والباطنة والقول الثالث أن المعنى أنه لا يعذبنا أي مغلولة عن عذابنا). [معاني القرآن: 2/334-335]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي جعل بأسهم بينهم فهم متباغضون غير متفقين فهم أبغض خلق الله إلى الناس
وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى
والذي قال حسن: ويكون راجعا إلى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء).[معاني القرآن: 2/335-336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} هذا تمثيل أي كلما تجمعوا شتت الله أمرهم.
وقال قتادة أذلهم الله جل وعز بمعاصيهم فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهم تحت أيدي المجوس). [معاني القرآن: 2/336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويسعون في الأرض فسادا}
أي يسعون في إبطال الإسلام). [معاني القرآن: 2/336-337]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لكفّرنا عنهم سيّئاتهم) (65) أي لمحونا عنهم). [مجاز القرآن: 1/171]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم...}
يقول: من قطر السماء ونبات الأرض من ثمارها وغيرها. وقد يقال: إن هذا على وجه التوسعة؛ كما تقول: هو في خير قرنه إلى قدمه). [معاني القرآن: 1/315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (منهم أمّةٌ) (66) أي جماعة). [مجاز القرآن: 1/171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يقال: من قطر السماء ونبات الأرض.
ويقال أيضا: هو كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه). [تفسير غريب القرآن: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (66)
أي لو عملوا بما فيهما، ولم يكتموا ما علموا من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما.
(وما أنزل إليهم من ربّهم).
وهو - واللّه اعلم - القرآن. أي لو عملوا بما في هذه الكتب من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأظهروا أمره.
(لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم).
قيل إنه كان أصابهم جدب، فأعلم اللّه أنّهم لو اتقوا لأوسع عليهم في رزقهم، ودلّ بهذا على ما أصابهم من الجدب فيما عاقبهم به.
ومعنى (لأكلوا من فوقهم).
أي لأكلوا من قطر السماء.
(ومن تحت أرجلهم).
من نبات الأرض. وقيل قد يكون هذا من جهة التوسعة كما تقول فلان في خير من قرنه إلى قدمه، وقد أعلم الله جل وعزّ أن التّقى سعة في الرزق فقال: (ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا).
وقال: (ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقال في قصة نوح: (استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا (10) يرسل السّماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات) وهي البساتين. فوعدهم الله أتم الغنى على الإيمان والاستغفار.
وقوله: (منهم أمّة مقتصدة).
أي من أهل الكتاب، قال بعضهم: يعنى بهذا من آمن منهم وقيل يعني به طائفة لم تناصب النبي - صلى الله عليه وسلم - مناصبة هؤلاء، والذي أظنّه - واللّه أعلم - أنّه لا يسمي اللّه من كان على شيء من الكفر مقتصدا.
(وكثير منهم ساء ما يعملون).
المعنى بئس شيئا عملهم). [معاني القرآن: 2/191-192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} أي لو أظهروا ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليهم من ربهم يعني به القرآن والله أعلم). [معاني القرآن: 2/337]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} فهذا يدل على أنهم كانوا في جدب ومن فوقهم على قول ابن عباس ومجاهد والسدي يعني المطر ومن تحت أرجلهم يعني النبات.
وقيل: يجوز أن يكون تمثيلا أي لوسعنا عليهم، كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه أي قد شمله الخير، والأول قول أهل التأويل). [معاني القرآن: 2/337-338]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} أي من مطر السماء ونبات الأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]


رد مع اقتباس