عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 11:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 27 إلى 40]

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) )

تفسير قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك...}
ولم يقل: قال الذي لم يتقبل منه (لأقتلنّك) لأن المعنى يدلّ على أن الذي لم يتقبل منه هو القائل لحسده لأخيه: لأقتلنك. ومثله في الكلام أن تقول: إذا اجتمع السفيه والحليم حمد، تنوى بالحمد الحليم، وإذا رأيت الظالم والمظلوم أعنت، وأنت تنوى: أعنت المظلوم، للمعنى الذي لا يشكل. ولو قلت: مرّ بي رجل وامرأة فأعنت، وأنت تريد أحدهما لم يجز حتى يبيّن؛ لأنهما ليس فيهما علامة تستدلّ بها على موضع المعونة، إلا أن تريد: فأعنتهما جميعا).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قرباناً فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين}
[و] قال: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ} فالهمزة لـ"نبأ" لأنها من "أنباته". وألف "ابني" تذهب لأنها ألف وصل في التصغير. وإذا وقفت [قلت] "نبأ" مقصور ولا تقول "نبا" لأنها مضاف فلا تثبت فيها الألف). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({واتل عليهم نبأ ابني آدم} أي خبرهما.
و(القربان): ما تقرّب به إلى اللّه من ذبح وغيره). [تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين (27)
قيل كانا رجلين من بني إسرائيل لأن القربان كان تأكله النار في زمن بني إسرائيل، ومثل ذلك قوله: (إنّ اللّه عهد إلينا ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار)
وقيل ابنا آدم لصلبه، أحدهما هابيل والآخر قابيل، فقربا قربانا.
(فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر).
وكان الرجل إذا قرب قربانا سجد وتنزل النار فتأكل قربانه، فذلك علامة قبول القربان، فنزلت النار وأكلت قربان هابيل، ولم تأكل قربان قابيل.
فحسده قابيل وتوعده بالقتل فقال:
(لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين).
المعنى قال الذي لم يتقبّل منه لأقتلنك، وحذف ذكر الذي لم يتقبل منه؛ لأن في الكلام دليلا عليه، ومثل ذلك في الكلام إذا رأيت الحاكم والمظلوم كنت معه، المعنى كنت مع المظلوم، ويقال إن السيف كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان حين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وكما كان ممنوعا في زمن عيسى، فقال:
(لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28) ). [معاني القرآن: 2/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق}
قال مجاهد: هما ابنا آدم لصلبه هابيل وقابيل وكان من علامة قربانهم إذا تقبل أن يسجد أحدهم ثم تنزل نار من السماء فتأكل القربان والقربان عند أهل اللغة فعلان مما يتقرب به إلى الله جل وعز
قال الحسن: هما من بني إسرائيل؛ لأن القربان كان فيهم). [معاني القرآن: 2/292-293]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين} المعنى قال: الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه لأقتلنك ثم حذف هذا لعلم السامع.
ويروى أن القتل كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان ممنوعا حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ووقت عيسى عليه السلام فلذلك قال {ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين} ). [معاني القرآن: 2/293]

تفسير قوله تعالى: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بسطت إلىّ يدك) (28) أي مددت.
(أن تبوء بإثمي وإثمك) أي أن تحتمل إثمي وتفوز به، وله موضع آخر: أن تقرّ به؛ تقول: بؤت بذنبي، ويقال: قد أبأت الرجل بالرجل أي قتلته، وقد أبأ فلانٌ بفلان، إذا قتله بقتيلٍ. قال عمرو ابن حنيّ التغلبيّ:
ألا تستحى منا ملوكٌ وتتّقى=محارمنا لا يبأء الدّم بالدّم
ولا يباء الدّم بالدّم سواء في معناها، ويقال: أبأت بهذا المنزل، أي نزلت).[مجاز القرآن: 1/161]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين (28)
أي: ما أنا بمجازيك ولا مقاتلك، ولا قاتلك: (إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين) ). [معاني القرآن: 2/166-167]

تفسير قوله تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({تبوء بإثمي}: تحتمله وتقر به. بؤت بالذنب أقررت به). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} أي تنقلب وتنصرف بإثمي أي بقتلي. وإثمك: ما أضمرت في نفسك من حسدي وعدواتي).[تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (إنّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النّار وذلك جزاء الظّالمين (29)
أي أن ترجع إلى الله بإثمي وإثمك.
(فتكون من أصحاب النّار).
معنى بإثمي: بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك أي إن قتلتني فأنا مريد ذلك. وذلك جزاء الظّالمين). [معاني القرآن: 2/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار}
قال الكسائي: يقال: باء بالشيء يبوء به بوء وبواء إذا انصرف به
قال البصريون: يقال: باء بالشيء إذا أقر به واحتمله ولزمه ومنه تبوأ فلان الدار أي لزمها وأقام بها، يقال: البواء التكافؤ والقتل بواء وأنشد:
فإن تكن القتلى بواء فإنكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
قال أبو العباس محمد بن يزيد في قوله تعالى: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} وهو مؤمن لما كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده إليه بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا
وسئل أبو الحسن بن كيسان: كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار؟
فقال: إنما وقعت الإرادة بعدما بسط يده بالقتل فالمعنى لئن بسطت إلي يدك لتقتلني لامتنعن من ذلك مريدا الثواب.
فقيل له فكيف؟
قال: بإثمي وإثمك وأي إثم له إذا قتل، فقال: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل من أجله قربانك ويروى هذا الوجه عن مجاهد.
والوجه الآخر أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي لأنه قد يأثم في الاعتداء وإن لم يقتل.
والوجه الثالث أنه لو بسط يده إليه أثم فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك فإنه يرجع على صاحبه وصار هذا مثل قولك: المال بينه وبين زيد أي المال بينهما فالمعنى أن تبوء بإثمنا
قال أبو جعفر: ومن أجل ما روي فيه عن ابن مسعود وابن عباس أن المعنى بإثم قتلي وإثمك فيما تقدم من معاصيك فإن قيل: أفليس القتل معصية وكيف يريده؟ قيل: لم يقل أن تبوء بقتلي فإنما المعنى بإثم قتلي إن قتلتني فإنما أراد الحق).[معاني القرآن: 2/294-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وذلك جزاء الظالمين} يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عن ابن آدم أنه قال هذا
ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله). [معاني القرآن: 2/296-297]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَبُوءَ بِإِثْمِي} أي تنقلب وتنصرف بهما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَبُوءَ بِإِثْمِي}: تحمل إثمي). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فطوّعت له نفسه قتل أخيه...}
يريد: فتابعته).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فطوّعت له نفسه) (30) أي شجّعته وآتته على قتله، وطاعت له، أي أطاعته).[مجاز القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين}
وقال: {فطوّعت له نفسه} مثل "فطوّعت" ومعناه: "رخّصت" وتقول "طوّقته إمري" أي: عصبته به).[معاني القرآن: 1/222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فطوّعت له نفسه} أي: شايعته وانقادت له. يقال: طاعت نفسه بكذا، ولساني لا يطوع لكذا. أي لا ينقاد. ومنه يقال: أتيته طائعا وطوعا وكرها.
ولو كان من أطاع لكان مطيعا وطاعة وإطاعة).[تفسير غريب القرآن: 142]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30)
(فطوّعت له نفسه)
تابعته.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: (فطوّعت له نفسه) فغلت من الطوع. والعرب تقول: طاع لهذه الظبية أصول هذه الشجرة، وطاع له كذا وكذا، أي أتاه طوعا.
وقوله: (فأصبح من الخاسرين).
أي ممن خسر حسناته.
وكان حين قتله سلبه ثيابه وتركه عاريا بالأرض القفار). [معاني القرآن: 2/167]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقول جل وعز: {فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله} قال قتادة أي زينت وقال مجاهد أي شجعته يريد أنها ساعدته على ذلك وقال أبو العباس طوعت فعلت من الطوع والطواعية وهي الإجابة إلى الشيء). [معاني القرآن: 2/297]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فأصبح من الخاسرين} أي ممن خسر حسناته والخسران النقصان.
ثم قال جل وعز: {فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه}
قال مجاهد بعث الله جل وعز غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه وكان ابن آدم هذا أول من قتل ويروى أنه لا يقتل مؤمن إلى يوم القيامة إلا كان عليه كفل من ذنب من قتله). [معاني القرآن: 2/297-298]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (فطوعت) أي: فسامحت). [ياقوتة الصراط: 209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَطَوَّعَتْ لَهُ} أي انقادت وسوغت له ذلك).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (سوأة أخيه) (31) أي فرج أخيه).[مجاز القرآن: 1/162]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فبعث اللّه غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النّادمين}
وقال: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري} فنصب {فأواري} لأنك عطفته بالفاء على {أن} وليس بمهموز لأنه من "واريت" وإنما كانت {عجزت} لأنها من "عجز" "يعجز" وقال بعضهم "عجز" "يعجز"، و"عجز" "يعجز").[معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار قوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ}. أراد: فبعث الله غرابا يبحث التراب على غراب ميّت ليواريه، {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 231]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (الويل): كلمة جامعة للشر كله.
قال الأصمعي: ويل تقبيح، قال الله تعالى: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}. تقول العرب: له الويل، والأليل والأليل: الأنين.
وقد توضع في موضع التّحسّر والتّفجع، كقوله: {يَا وَيْلَنَا}. و{يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}. وكذلك: ويح وويس، تصغير). [تأويل مشكل القرآن: 561] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النّادمين (31)
قال بعضهم بعث الله غرابا يبحث على غراب آخر ميت (ليريه كيف يواري سوءة أخيه).
وقيل بل أكرمه الله بأن بعث غرابا حثا عليه التراب، (ليريه كيف يواري).
(قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب).
يقال: عجزت عن الأمر أعجز عجزا ومعجزة ومعجزة، فأما " يا ويلتى "
فالوقف عليها في غير القرآن يا ويلتاه، والنداء لغير الآدميين نحو (يا حسرة على البعاد) و (يا ويلتى أألد وأنا عجوز)، وقال (يا ويلتى أعجزت).
فإنما وقع في كلام العرب على تنبيه المخاطبين، وأن الوقت الذي تدعى له هذه الأشياء هو وقتها، فالمعنى يا ويلتى تعالي، فإنه من إبّانك، فإنه قد لزمني الويل، وكذلك يا عجبا، المعنى: يا أيها العجب هذا وقتك فعلى هذا كلام العرب). [معاني القرآن: 2/167-168]

تفسير قوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {من أجل ذلك...}
جواب لقتل ابن آدم صاحبه.
وقوله: {ومن أحياها} يقول: عفا عنها، والإحياء ها هنا العفو).[معاني القرآن: 1/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (من أجل ذلك) (32) أي: من جناية ذلك وجرّ ذلك، وهي مصدر أجلت ذلك عليه.
قال الخنّوت، وهو توبة بن مضرّس، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة ابن تميم؛ وإنما سماه الخنّوت الأحنف بن قيس، لأن الأحنف كلّمه فلم يكلمه احتقاراً له، فقال إن صاحبكم هذا الخنّوت؛ والخنّوت المتجبّر الذاهب بنفسه، المستصغر للناس فيما أخبرني أبو عبيدة محمد بن حفص بن محبور الأسيديّ
وأهل خباءٍ صالحٍ ذات بينهم=قد احتربوا في عاجلٍ أنا آجله
فأقبلت في الساعين أسأل عنهم=سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله
أي جانيه وجارّ ذلك عليهم، ويقال: أجلت لي كذا وكذا، أي جررت إليّ وكسبته لي.
(من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض) (32) مجازه: أو بغير فساد في الأرض.
(لمسرفون (32) أي: لمفسدون معتدون). [مجاز القرآن: 1/162-164]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالّبيّنات ثمّ إنّ كثيراً مّنهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون}
[و] قال: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل}. وإن شئت أذهبت الهمزة من {أجل} وحركت النون في لغة من خفف الهمزة. و"الأجل": الجناية من "أجل" "يأجل"، تقول: "قد أجلت علينا شراً" ويقول بعض العرب {من جرّا} من: "الجريرة" ويجعله على "فعلى".
وقال: {أنّه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض} يقول: "أو بغير فسادٍ في الأرض"). [معاني القرآن: 1/223]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فكأنّما قتل النّاس جميعاً} أي يعذّب كما يعذّب قاتل الناس جميعا.
{ومن أحياها} أجر في إحيائها كما يؤجر من أحيا النّاس جميعاً وإحياؤه إياها: أن يعفو عن الدم إذا وجب له القود). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فأصبح من النّادمين (31) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبيّنات ثمّ إنّ كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32)
الأجود أن يكون (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل).
يقال أجلت الشيء أأجله أجلا إذا جنيته قال خوّات بن جبير:
وأهل خباء صالح كنت بينهم=قد احتربوا في عاجل أنا آجله
أي أنا جانيه.
وتأويل الويل في اللغة قال سيبويه، الويل كلمة تقال عند الهلكة، وقيل الويل واد في جهنم، وهذا غير خارج من مذاهب أهل اللغة.
لأن من وقع في ذلك فقد وقع في هلكة:
وقوله: (أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض).
" فساد " معطوف على " نفس "، المعنى بغير فساد، فكأنما قتل الناس جميعا، أي المؤمنون كلهم خصماء القاتل، وقد وترهم وتر من قصد لقتلهم جميعا.
(ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعا).
أي من استنقذها من غرق أو حرق أو هدم، أو ما يميت لا محالة، أو استنقذها من ضلالة.
(فكأنّما أحيا النّاس جميعا).
أي أجره على اللّه أجر من أحياهم أجمعين. وجائز أن يكون في إسدائه إليهم المعروف بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كلّ واحد منهم.
فإن قال قائل، كيف يكون ثوابه ثواب من أحياهم جميعا؟ فالجواب في هذا كالجواب في قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فالتأويل أن الثواب الذي إذا جعل للحسنة كان غاية ما يتمنّى يعطى العامل لها عشرة أمثاله). [معاني القرآن: 2/168-169]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا} وقرأ الحسن (أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) والمعنى على قراءته أو عمل فسادا
وقال ابن عباس في قوله جل وعز: {فكأنما قتل الناس جميعا}: أوبق نفسه فصار بمنزلة من قتل الناس جميعا أي في استحقاقه العذاب ويستحق المقتول النصر وطلب الثأر من القاتل على المؤمنين جميعا.
قال ابن عباس: إحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله عز وجل.
وقال قتادة: عظم الله أمره فألحقه من الإثم هذا.
وقيل: هو تمثيل أي الناس جميعا له خصماء ومعنى أو فساد في الأرض وفساده الحرب وإخافة السبيل
وفي حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: سمعت عثمان بن عفان رحمه الله يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنى بعد إحصان أو كفر بعد إيمان أو قتل نفس بغير حق)))
ومعنى {فكأنما أحيا الناس جميعا} على قول قتادة أنه يعطى من الثواب على قدر ذلك.
وقيل: وجب شكره على الناس جميعا فكأنما من عليهم جميعا يروى هذا عن مكحول، وقول ابن عباس أولاها وأصحها). [معاني القرآن: 2/298-300]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع...}
(أن) في موضع رفع.
فإذا أصاب الرجل الدم والمال وأخاف السبيل صلب، وإذا أصاب القتل ولم يصب المال قتل، وإذا أصاب المال ولم يصب القتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى "من خلاف" ويصلح مكان (من) على، والباء، واللام.
ونفيه أن يقال: من قتله فدمه هدر. فهذا النفي). [معاني القرآن: 1/306]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يحاربون الله ورسوله) (33) والمحاربة ها هنا: الكفر.
(أو تقطع أيديهم وأرجلهم) من خلافٍ) (33) يده اليمنى ورجله اليسرى، يخالف بين قطعهما). [مجاز القرآن: 1/164]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله} مفسر في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
المحاربون لله ورسوله: هم الخارجون على الإمام وعلى جماعة المسلمين، يخيفون السّبل، ويسعون في الأرض بالفساد. وهم ثلاثة أصناف:
رجل قتل النفس ولم يأخذ مالا.
ورجل قتل النفس وأخذ المال.
ورجل أخذ المال ولم يقتل النفس.
فإذا قدر الإمام عليهم فإنّ بعضهم يقول: هو مخيّر في هذه العقوبات، بأيّها شاء عاقب كل صنف منهم.
وكان بعضهم يجعل لكل صنف منهم حدّا لا يتجاوزه إلى غيره:
فمن قتل النفس ولم يأخذ المال قتل، لأن النفس بالنفس.
ومن قتل وأخذ المال: صلب إلى أن يموت، فكان الشّهر له بالصّلب جزاء له بأخذه المال، وقتله جزاء له بقتله للنفس.
ومن أصاب المال ولم يقتل، فإن شاء الإمام قطع يده اليمنى جزاء بالسّرق، ورجله اليسرى جزاء بالخروج والمجاهرة بالفساد. وإن شاء نفاه من الأرض.
وقد اختلفوا في نفيه من الأرض، فقال بعضهم: هو أن يقال: من لقيه فليقتله.
وقال آخر: هو أن يطلب في كل أرض يكون بها.
وقال آخر: هو أن ينفى من بلده.
وقال آخر: هو أن يحبس.
قال أبو محمد:
ولا أرى شيئا من هذه التفاسير، أشبه بالنفي في هذا الموضع من الحبس، لأنّه إذا حبس ومنع من التصرّف والتقلّب في البلاد، فقد نفي منها كلّها وألجئ إلى مكان واحد. وقال بعض المسجونين:
خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى
إذا جاءنا السّجّان يوما لحاجة عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدّنيا
ومن جعل النفي له أن يقال: من لقيه فليقتله، أو أن يطلب في كل أرض يكون بها- فإنه يذهب- فيما أحسب- إلى أنّ هذا جزاؤه قبل أن يقدر عليه، لأنّه لا يجوز أن يكون الإمام يظفر به فيدع عقوبته ثم يقول: من لقيه فليقتله. أو يجده فيتركه ثم يطلبه في كل أرض.
وإذا كان هذا هكذا اختلفت العقوبات فصار بعضها لمن قدر عليه، وبعضها لمن لم يقدر عليه. وأشبه الأشياء أن تكون كلّها فيمن ظفر به.
وأما نفيه من بلده إلى غيره، فليس نفي الخارب من بلده إلى غيره عقوبة له، إذ كان في خرابته وخروجه غائبا عن مصره، بل هو إهمال وتسليط وبعث على التّزيّد في العيث والفساد). [تأويل مشكل القرآن: 399-401]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33)
موضع " أن " رفع المعنى: إنما جزاؤهم القتل أو الصلب أو القطع للأيدي والأرجل من خلاف، لأن القائل إذا قال: إنما جزاؤك دينار.
فالمعنى ما جزاؤك إلا دينار.
وقول العلماء إنّ هذه الآية نزلت في الكفار خاصة.
وروي في التفسير أن أبا برزة الأسلمي كان عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يعرض لما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم – بسوء، وألا يمنع من ذلك، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنع من يريد أبا برزة، فمر قوم يريدون النبي بأبي برزة، فعرض أصحابه لهم فقتلوا وأخذوا المال فأنزل اللّه تعالى على نبيه وأتاه جبريل فأعلمه أنّّ اللّه يأمره أن من أدركه منهم قد قتل وأخذ المال قتله وصلبه، ومن قتل ولم يأخذ المال قتله، ومن أخذ المال ولم يقتل قطع يده لأخذه المال وقطع رجله لإخافة السبيل..
وقال بعضهم: المسلمون مخيرون في أمر المشركين، إن شاؤوا قتلوهم وصلبوهم أو قطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف.
ومعنى: (ينفوا من الأرض) فيه قولان:
قال بعضهم من قتله فدمه هدر أي لا يطالب قاتله بدمه.
وقيل: (أو ينفوا من الأرض) أن يقاتلوا حيث توجهوا منها، لا يتركوا فارين. يقال: نفيت الشيء أنفيه نفيا ونفاية والنّفاية ما يطرح وينفى، القليل.
مثل البراية والنّحّاتة.
وقوله: (ذلك لهم خزي في الدّنيا).
يقال: خزي الرجل يخزى خزيا إذا افتضح وتحيّر فضيحة.
وقد خزى يخزي خزاية، إذا استحا كأنه يتحير أن يفعل قبيحا). [معاني القرآن: 2/169-170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف}
قال الحسن: السلطان مخير أي هذه الأشياء شاء فعل. وكذلك روى ابن نجيح عن عطاء وهو قول مجاهد وإبراهيم والضحاك وهو حسن في اللغة؛ لأن أو تقع للتخيير كثيرا
وقال أبو مجلز: الآية على الترتيب فمن حارب فقتل وأخذ المال صلب ومن قتل قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن لم يقتل ولم يأخذ المال نفي.
وروى هذا القول حجاج بن أرطأة عن عطية عن ابن عباس مثله غير أنه قال في أوله: فمن حارب وقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب، وليس في قول أبي مجلز قبل الصلب ذكر شيء، واحتج أصحاب هذا القول بحديث رواه عثمان وعائشة وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث..) وذكر الحديث قالوا: فقد امتنع قتله إلا أن يقتل فوجب أن تكون الآية على المراتب
وقال الزهري في قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} كلما علم أنه في موضع قوتل حتى يخرج منه.
وقال أهل الكوفة: النفي ههنا الحبس.
وقال سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز: ينفى من بلدته إلى بلدة أخرى غيرها). [معاني القرآن: 2/300-302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}
يقال: خزي يخزى خزيا إذا افتضح وتحير وخزي يخزى خزاية إذا استحيا كأنه تحير كراهة أن يفعل القبيح). [معاني القرآن: 2/302]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إلّا الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ اللّه غفور رحيم (34)
جائز أن يكون موضع الذين رفعا بالابتداء، وخبره (فاعلموا أنّ اللّه غفور رحيم).
المعنى غفور رحيم لهم، المعنى: لكن التائبون من قبل القدرة عليهم.
فاللّه غفور رحيم لهم.
وجائز أن يكون (إلّا الّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) موضع " الذين " نصب، فيكون المعنى جزاؤهم الذي وصفنا إلّا التائبين.
ثم قال بعد: (أنّ اللّه غفور رحيم)
واللّه جلّ وعزّ، جعل التوبة لك، فادرأوا عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم ليكون ذلك أدعى إلى الدخول في الإسلام.
وجعل توبة المؤمنين من الزنا والقتل والسرقة لا ترفع عنهم إقامة الحدود عليهم، وتدفع عنهم العذاب في الآخرة؛ لأن في إقامة الحدود الصلاح للمؤمنين، والحياة، قال الله جل ثناؤه:
(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) ). [معاني القرآن: 2/170-171]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وابتغوا إليه الوسيلة) (35)، أي القربة، أي اطلبوا، واتخذوا ذلك بطاعته، ويقال: توسلت إليه تقرّبت، وقال:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا=وعاد التصافي بيننا والوسائل
الحوائج، وقال عنترة:
إنّ الرّجال لهم إليك وسيلةٌ=أن يأخذوك تكحّلي وتخضّبي
الحاجة، (قال رؤبة:
النّاس إن فصّلتهم فصائلا=كلٌّ إلينا يبتغى الوسائلا) ). [مجاز القرآن: 1/164-165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({الوسيلة}: القربة). [غريب القرآن وتفسيره: 130]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({الوسيلة} القربة والزّلفة. يقال: توسل إليّ بكذا أي تقرب). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون (35)
معناه اطلبوا إليه القربة.
(وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون).
أي لعلكم تظفرون بعدوكم، والمفلح الفائز بما فيه غاية صلاح حاله). [معاني القرآن: 2/171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة}
قال ابن عباس: يعني القربة وكذلك قال الحسن.
وروى موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوسيلة درجة عند الله جل وعز وليس فوقها درجة))). [معاني القرآن: 2/303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْوَسِيلَةَ} القُربة والُزلفى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْوَسِيلَةَ}: القربة). [العمدة في غريب القرآن: 121]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم مّا في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم ولهم عذابٌ أليمٌ}
وقال: {لو أنّ لهم مّا في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم} يقول: "لو أنّ هذا معهم للفداء ما تقبّل منهم"). [معاني القرآن: 1/223]

تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (عذابٌ مقيمٌ) (37) أي دائم، قال:
فإنّ لكم بيوم الشّعب منّي=عذاباً دائماً لكم مقيما).[مجاز القرآن: 1/165]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها}
قال يزيد: الفقير.
قيل لجابر بن عبد الله: أنتم يا أصحاب محمد تقولون أن قوما يخرجون من النار والله يقول {وما هم بخارجين منها} فقال جابر: إنكم تجعلون العام خاصا والخاص عاما إنما هذا في الكفار خاصة فقرأت الآية من أولها إلى آخرها فإذا هي في الكفار خاصة). [معاني القرآن: 2/303-304]

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما...}
مرفوعان بما عاد من ذكرهما. والنصب فيهما جائز؛ كما يجوز أزيد ضربته، وأزيدا ضربته. وإنما تختار العرب الرفع في "السارق والسارقة" لأنهما [غير] موقّتين، فوجّها توجيه الجزاء؛ كقولك: من سرق فاقطعوا يده، فـ (من) لا يكون إلا رفعا، ولو أردت سارقا بعينه أو سارقة بعينها كان النصب وجه الكلام. ومثله {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} وفي قراءة عبد الله "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما".
وإنما قال (أيديهما) لأنّ كل شيء موحّد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع. فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضربا. ومثله {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}.
وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان: اليدين والرجلين والعينين. فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية. وقد يجوز تثنيتهما؛ قال أبو ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ=كنوافذ العبط التي لا ترقع
وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان. وذلك أن تقول للرجلين: خلّيتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قمصكما.
وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلاّ في خلق الإنسان، وكلٌّ سواء. وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما؛ لأن المعنى: اليمين من كل واحد منهما؛ كما قال الشاعر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا=فإنّ زمانكم زمن خميص
وقال الآخر:
الواردون وتيم في ذرى سبأٍ=قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
من قال: (ذرى) جعل سبأ جيلا، ومن قال: (ذرى) أراد موضعا.
ويجوز في الكلام أن تقول: أتني برأس شاتين، ورأس شاة. فإذا قلت: برأس شاة فإنما أردت رأسي هذا الجنس، وإذا قلت برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة؛ قال الشاعر في غير ذلك:
كأنه وجه تركيّين قد غضبا=مستهدف لطعانٍ غير تذبيب). [معاني القرآن: 1/306-308]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما) (38) هما مرفوعان كأنهما خرجا مخرج قولك: وفي القرآن السّارق والسارقة، وفي الفريضة: السارق والسارقة جزاؤهما أن تقطع أيديهما فاقطعوا أيديهما؛ فعلى هذا رفعا أو نحو هذا، ولم يجعلوهما في موضع الإغراء فينصبوهما، والعرب تقول: الصّيد عندك، رفع وهو في موضع إغراء، فكأنه قال: أمكنك الصيد عندك فالزمه، وكذلك: الهلال عندك، أي طلع الهلال عندك فانظر إليه، ونصبهما عيسى بن عمر. ومجاز (أيديهما) مجاز يديهما، وتفعل هذا العرب فيما كان من الجسد فيجعلون الاثنين في لفظ الجميع.
(نكالاً من الله) (38) أي عقوبة وتنكيلا). [مجاز القرآن: 1/165-166]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({نكالًا من اللّه} أي عظة من اللّه بما عوقبا به لمن رآهما.
ومثله قوله: {فجعلناها نكالًا لما بين يديها وما خلفها}). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم (38)
اختلف النحويون في تفسير الرفع فيهما.
قال سيبويه وكثير من البصريين إن هذا وقوله: (الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة).
وقوله: (واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما).
هذه الأشياء مرفوعة على معنى:
وفيما فرض اللّه عليكم السارق والسارقة، والزانية والزاني، أو السارق والسارقة فيما فرض اللّه عليكم.
ومعنى قولهم هذا: فيما فرض عليكم حكم السارق والسارقة.
وقال سيبويه: الاختيار في هذا النصب في العربيّة.
كما تقول زيدا أضربه، وقال أبت العامّة القراءة إلاّ بالرّفع، يعني بالعامة الجماعة.
وقرأ عيسى ابن عمر: " والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما ".
وكذلك الزانية والزاني، وهذه القراءة وإن كان القارئ بها مقدّما لا أحب أن يقرأ بها، لأن الجماعة أولى بالاتباع، إذ كانت القراءة سنة.
قال أبو إسحاق: ودليلي أن القراءة الجيدة بالرفع في.. والزانية والزاني.
في، (والسّارق والسّارقة) قوله جل ثناؤه: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما).
وقال غير سيبويه من البصريين. وهو محمد بن يزيد المبرد: اختار أن يكون (والسّارق والسّارقة) رفعا بالابتداء، لأن القصد ليس إلى واحد بعينه.
فليس هو مثل قولك زيدا فأضربه، إنما هو كقولك: من سرق فاقطع يده.
ومن زنى فاجلده، وهذا القول هو المختار، وهو مذهب بعض البصريين والكوفيين.
وقيل " أيديهما " يعني به أيمانهما. وفي قراءة ابن مسعود "والسّارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم."
قال بعض النحويين: إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد؛ لأنّ أكثر أعضائه فيه منه اثنان فحمل ما كان فيه الواحد على مثل ذلك.
قال لأن للإنسان عينين فإذا ثنيت قلت عيونهما فجعلت قلوبكما وظهورهما في القرآن، وكذلك أيديهما، وهذا خطأ، إنما ينبغي أن يفصل بين ما في الشيء منه واحد، وبين ما في الشيء منه اثنان.
وقال قوم: إنّما فعلنا ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما في الشيء منه اثنان فجعل ما في الشيء منه واحد تثنيته جمعا نحو قول الله عزّ وجلّ: (إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما).
قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا الباب أن كل ما كان في الشيء منه واحد لم يثنّ، ولفظ به على لفظ الجمع، لأن الإضافة تبينه، فإذا قلت أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط، وأصل التثنية الجمع لأنك إذا ثنيت الواحد فقد جمعت واحدا إلى واحد، وكان الأصل أن يقال اثنا رجال، ولكن " رجلان " يدل على جنس الشيء وعدده، فالتثنية يحتاج إليها للاختصار، فإذا لم يكن اختصار ردّ الشيء إلى أصله، وأصله الجمع.
فإذا قلت قلوبهما فالتثنية في " هما " قد أغنتك عن تثنية قلب فصار الاختصار ههنا ترك تثنية قلب، وإن ثني ما كان في الشيء منه واحد فذلك جائز عند النحويين.
قال الشاعر:
=ظهراهما مثل ظهور الترسين.
فجاء بالتثنية والجمع في بيت واحد.
وحكى سيبويه أنه قد يجمع المفرد والذي ليس من شيء إذا أردت به التثنية.
وحكي عن العرب: " وضعا رحالهما " يريد رحلي راحلتهما.
وأجمعت الفقهاء أن السارق يقطع حرّا كان أو عبدا، وأن السارقة تقطع
حرّة كانت أو أمة، وأجمعوا أن القطع من الرسغ، والرسغ المفصل بين الكف والساعد، ويقال رسغ ورصغ والشين أجود (جزاء بما كسبا).
(جزاء) نصب لأنه مفعول به.
المعنى فاقطعوا بجزاء فعلهم.
وكذلك (نكالا من اللّه)، وإن شئت كانا منصوبين على المصدر الذي دل عليه فاقطعوا، لأن معنى فاقطعوا جازوهم ونكّلوا بهم). [معاني القرآن: 2/171-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} قال سيبويه المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة). [معاني القرآن: 2/304]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {جزاء بما كسبا نكالا من الله} يقال نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل). [معاني القرآن: 2/304]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نَكَالاً} عظة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}
المعنى غفور له وجعل الله توبة الكافرين تدرأ عنهم الحدود؛ لأن ذلك أدعى إلى الإسلام وجعل توبة المسلمين عن السرقة والزنا لا تدرأ عنهم الحدود؛ لأن ذلك أعظم لأجورهم في الآخرة وأمنع لمن هم أن يفعل مثل فعلهم.
وقال مجاهد والشعبي: قرأ عبد الله بن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) ). [معاني القرآن: 2/304-305]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) )


رد مع اقتباس