عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30 ذو الحجة 1431هـ/6-12-2010م, 11:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 3]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ومن قوله تبارك وتعالى: {أوفوا بالعقود...}
يعني: بالعهود. [والعقود] والعهود واحد.
وقوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام} وهي بقر الوحش والظباء والحمر الوحشيّة.
وقوله: {إلاّ ما يتلى عليكم} في موضع نصب بالاستثناء، ويجوز الرفع، كما يجوز: قام القوم إلا زيدا وإلاّ زيد. والمعنى فيه: إلا ما نبينه لكم من تحريم ما يحرم وأنتم محرمون، أو في الحرم. فذلك قوله: {غير محلّي الصّيد} يقول: أحلّت لكم هذه غير مستحلّين للصيد {وأنتم حرمٌ}. ومثله {إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} وهو بمنزلة قولك (في قولك) أحلّ لك هذا الشيء لا مفرطا فيه ولا متعدّيا. فإذا جعلت (غير) مكان (لا) صار النصب الذي بعد لا في غير. ولو كان (محلّين الصيد) نصبت؛ كما قال الله جل وعز {ولا آمّين البيت الحرام} وفي قراءة عبد الله (ولا آمّي البيت الحرام).
{إنّ اللّه يحكم ما يريد}: يقضي ما يشاء). [معاني القرآن: 1/298]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أوفوا بالعقود) (1) واحدها عقد، ومجازها: العهود والأيمان التي عقّدتم. وقال الحطيئة:
قومٌ إذا عقدوا عقداً لجارهم=شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا
ويقال: اعتقد فلان لنفسه، ويقال: وفيت وأوفيت.
(وأنتم حرمٌ) (1) واحدها حرام، قال:
فقلت لها فيئى إليك فإنّني=حرامٌ وإني بعد ذاك لبيب
أي مع ذاك، والمعنى محرم). [مجاز القرآن: 1/145-146]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ إنّ اللّه يحكم ما يريد}
قال: {غير محلّي الصّيد} {أوفوا بالعقود} {غير محلّي الصّيد} نصب (غير) على الحال.
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلاً مّن رّبّهم ورضواناً وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب}
[و] قال: {لا تحلّوا شعائر اللّه} واحدها "شعيرة".
[و] قال: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} فـ"الشنئان" متحرك مثل "الدرجان" و"الميلان"، وهو من "شنئته" فـ"أنا أشنؤه" "شنئاناً". وقال: {لا يجرمنّكم} أي: لا يحقّنّ لكم. لأنّ قوله: {لا جرم أنّ لهم النّار} إنما هو حقٌّ أنّ لهم النّار. قال الشاعر:
ولقد طعنت أبّا عيينة طعنةً=جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي: حقّ لهٌا.
وقوله: {أن صدّوكم} يقول: "لأن صدّوكم" وقد قرئت {إن صدّوكم} على معنى "إن هم صدّوكم" أي: "إن هم فعلوا" أي: إن همّوا ولم يكونوا فعلوا. وقد تقول ذلك أيضاً وقد فعلوا كأنك تحكي ما لم يكن؛ كقول الله تعالى: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخٌ لّه من قبل} وقد كان عندهم قد وقعت السرقة.
وقال: {أن تعتدوا} أي: لا يحقنّ لكم شنئان قوم أن تعتدوا. أي: لا يحملنّكم ذلك على العدوان. ثم قال: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى}). [معاني القرآن: 1/215-216]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أوفوا بالعقود}: العقود واحدها عقد). [غريب القرآن وتفسيره: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({أوفوا بالعقود} أي بالعهود. يقال: عقد لي عقدا، أي جعل لي عهدا، قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم=شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
ويقال: هي الفرائض التي ألزموها.
{بهيمة الأنعام} الإبل والبقر والغنم والوحوش كلها.
{إلّا ما يتلى عليكم} مما حرّم.
{غير محلّي الصّيد وأنتم حرمٌ} واحدهم حرام. والحرام والمحرم سواء.
ثم تلا ما حرم عليهم وهو الذي استثناه فقال: {حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير} ). [تفسير غريب القرآن: 138]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله جلّ وعزّ: (يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلّا ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد وأنتم حرم إنّ اللّه يحكم ما يريد (1)
خاطب اللّه جلّ وعزّ جميع المؤمنين بالوفاء بالعقود التي عقدها اللّه عليهم، والعقود التي يعقدها بعضهم على بعض على ما يوجبه الدين، فقال: (يا أيّها الّذين آمنوا) أي يا أيها الذين صدقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أوفوا بالعقود، والعقود العهود، يقال: وفيت بالعهد وأوفيت.
والعقود واحدها عقد، وهي - أوكد العهود يقال: عهدت إلى فلان في كذا وكذا، تأويله ألزمته ذلك.
فإنما قلت: عاقدته أو عقدت عليه، فتأويله أنك ألزمته ذلك باستيثاق.
وقال بعضهم: أوفوا بالعقود أي كان عقد بعضكم على بعض في الجاهلية، نحو الموالاة، ونحو قوله: (والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) والمواريث تنسخ العقود في باب المواريث.
يقال: عقدت الحبل والعهد فهو معقود.
قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم=شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا
تأويله أنهم يوفون عهودهم بالوفاء بها، ويقال أعقدت العسل ونحوه فهو معقد وعقيد، وروى بعضهم: عقدت العسل والكلام أعقدت.
قال الشاعر:
وكأنّ ربّا أو كحيلا معقدا=حشّ القيان به جوانب قمقم
وقوله جلّ وعزّ: (أحلّت لكم بهيمة الأنعام).
قال بعضهم: بهيمة الأنعام: الظباء والبقر الوحشية والحمر الوحشية.
والأنعام في اللغة تشتمل على الإبل والبقر والغنم.
فالتأويل - واللّه أعلم - أحلت لكم بهيمة الأنعام، أي أحلت لكم الإبل والبقر والغنم والوحش. والدليل على أن الأنعام مشتملة على ما وصفنا قوله عز وجلّ: (ومن الأنعام حمولة وفرشا) فالحمولة الإبل التي تحمّل والفرش صغار الإبل، قال (ثمانية أزواج من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين)
ثم قال: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) وهذا مردود على قوله: (وهو الّذي أنشأ جنّات معروشات)، وأنشأ (ومن الأنعام حمولة وفرشا).
ثم ذكر ثمانية أزواج بدلا من قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشا).
والسورة تدعى سورة الأنعام، فبهيمة الأنعام هذه، وإنما قيل لها: بهيمة الأنعام؛ لأن كل حي لا يميز فهو بهيمة، وإنما قيل له: بهيمة لأنه أبهم عن أي يميز، فأعلم اللّه عز وجلّ أن الذي أحل لنا مما أبهم هذه الأشياء.
وقوله: (إلّا ما يتلى عليكم).
موضع ما نصب بـ (إلّا)، وتأويله أحلّت لكم بهيمة الأنعام (إلا ما يتلى عليكم) من الميتة والدم والموقوذة والمتردية والنطيحة (غير محلّي الصّيد) أي أحلّت لكم هذه لا محلين الصيد (وأنتم حرم).
وقال أبو الحسن الأخفش: انتصب (غير محلّي الصّيد) على قوله: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، كأنّه قيل: أوفوا بالعقود غير محلى الصيد.
وقال بعضهم: يجوز أن تكون " ما " في موضع رفع على أنه يذهب إلى أنه يجوز جاء إخوتك إلّا زيد، وهذا عند البصريين باطل؛ لأن المعنى عند هذا القائل: جاء إخوتك وزيد. كأنّه يعطف بها كما يعطف بلا، ويجوز عند البصريين جاء الرجال إلا زيد على معنى جاء الرجال غير زيد، على أن تكون صفة للنكرة أو ما قارب النكرة من الأجناس.
وقوله: (وأنتم حرم).
أي محرمون. وأحد الخرم حرام، - يقال: رجل حرام وقوم حرم.
قال الشاعر:
فقلت لها فيئي إليك فإنّني=حرام وإني بعد ذاك لبيب
أي ملبّ.
وقوله: (إنّ اللّه يحكم ما يريد).
أي الخلق له عزّ وجلّ، يحل منه ما يشاء لمن يشاء، ويحرم ما يريد). [معاني القرآن: 2/139-142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (من ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}
قال مجاهد: العقود العهود وذلك معروف في اللغة يقال: عهدت إليه إذا أمرته بأمر وعقدت عليه وعاقدته إذا أمرته واستوثقت منه
وقيل: يراد بالعقود ههنا الفرائض). [معاني القرآن: 2/247-248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم}
قال الحسن: الأنعام الإبل والبقر والغنم.
وروى عوف عن الحسن: بهيمة الأنعام الشاة والبعير والبقرة.
وروى زهير بن معاوية عن قابوس بن أبي ظبيان قال: ذبحنا بقرة فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال: حدثنا عبد الله بن عباس أن هذا بهيمة الأنعام.
قال أبو جعفر: الأول أولى لأن بعده {إلا ما يتلى عليكم} وليس في الأجنة ما يستثنى، وقيل لها: بهيمة الأنعام؛ لأنها أبهمت عن التمييز). [معاني القرآن: 2/248-249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد} واحد الحرم حرام وحرام بمعنى محرم قيل له: محرم وحرام لما حرم عليه من النكاح وغيره يقال أحرم إذا دخل في الحرم كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء وأشهر إذا دخل في الشهر). [معاني القرآن: 2/249-250]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُقُودِ} العهود). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 67]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُقُودِ}: العهود.
1- {حُرُمٌ}: محرمين). [العمدة في غريب القرآن: 117]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) )
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه...}
كانت عامّة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فأنزل الله تبارك وتعالى: لا تستحلّوا ترك ذلك.
وقوله: {ولا الشّهر الحرام}: ولا القتال في الشهر الحرام.
{ولا الهدي} وهو هدي المشركين: أن تعرضوا له ولا أن تخيفوا من قلّد بعيره. وكانت العرب إذا أرادت أن تسافر في غير أشهر الحرم قلّد أحدهم بعيره، فيأمن بذلك، فقال: لا تخيفوا من قلّد. وكان أهل مكّة يقلّدون بلحاء الشجر، وسائر العرب يقلّدون بالوبر والشعر.
وقوله: {ولا آمّين البيت} يقول: ولا تمنعوا من أمّ البيت الحرام أو أراده من المشركين. ثم نسخت هذه الآية التي في التوبة {فاقتلوا المشركين حيث وجدتّموهم} إلى آخر الآية.
وقوله: {ولا يجرمنّكم} قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش: ولا يجرمنّكم، من أجرمت، وكلام العرب وقراءة القرّاء {يجرمنكم} بفتح الياء. جاء التفسير: ولا يحملنّكم بغض قوم. قال الفرّاء: وسمعت العرب تقول: فلان جريمة أهله، يريدون: كاسب لأهله، وخرج يجرمهم: يكسب لهم. والمعنى فيها متقارب: لا يكسبنّكم بغض قوم أن تفعلوا شرّا. فـ (أن) في وضع تصب. فإذا جعلت في (أن) (على) ذهبت إلى معنى: لا يحملنّكم بغضهم على كذا وكذا، على أن لا تعدلوا، فيصلح طرح (على)؛ كما تقول: حملتني أن أسال وعلى أن أسأل.
{ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} وقد ثقّل الشنآن بعضهم، وأكثر القرّاء على تخفيفه. وقد روى تخفيفه وتثقيله عن الأعمش؛ وهو: لا يحملنكم بغض قوم، فالوجه إذا كان مصدرا أن يثقّل، وإذا أردت به بغيض قوم قلت: شنآن.
و{أن صدّوكم} في موضع نصب لصلاح الخافض فيها. ولو كسرت على معنى الجزاء لكان صوابا. وفي حرف عبد الله (إن يصدّوكم) فإن كسرت جعلت الفعل مستقبلا، وإن فتحت جعلته ماضيا. وإن جعلته جزاء بالكسر صلح ذلك كقوله: {أفنضرب عنكم الذّكر صفحاً إن كنتم} وأن، تفتح وتكسر. وكذلك {أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان} تكسر. ولو فتحت لكان صوابا، وقوله: {باخعٌ نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين} [فيه] الفتح والكسر.
وأمّا قوله: {بل اللّه يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان} فـ (أن) مفتوحة؛ لأنّ معناها ماضٍ؛ كأنك قلت: منّ عليكم أن هداكم. فلو نويت الاستقبال جاز الكسر فيها. والفتح الوجه لمضيّ أوّل الفعلين. فإذا قلت: أكرمتك أن أتيتني، لم يجز كسر أن؛ لأنّ الفعل ماضٍ.
وقوله: {وتعاونوا} هو في موضع جزم. لأنها أمر، وليست بمعطوفة على {تعتدوا}). [معاني القرآن للفراء: 1/298-300]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (شعائر الله) (2) واحدتها شعيرة وهي الهدايا، ويدلك على ذلك قوله: (حتّى يبلغ الهدى محلّه) (2/196)، وأصلها من الإشعار وهو أن يقلّد، أو يحلل أو يطعن شقّ سنامها الأيمن بحديدة ليعلمها بذلك أنّها هدية، وقال الكميت:
نقتّلهم جيلاً فجيلاً تراهم=شعائر قربانٍ بها يتقرّب
الجيل والقرن واحد، ويقال: إن شعائر الله ها هنا المشاعر؛ الصّفا والمروة ونحو ذلك.
(ولا آمّين البيت الحرام) (2) ولا عامدين، ويقال: أممت. وتقديرها هممت خفيفة. وبعضهم يقول: يمّمت، وقال:
إنّي كذاك إذا ما ساءني بلدٌ=يمّمت صدر بعيري غيره بلدا
(ولا يجرمنّكم شنئان قومٍ) (2) مجازه: ولا يحملنّكم ولا يعدينّكم، وقال:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً=جمعت فزارة بعدما أن يغضبوا
ومجاز (شنئان قومٍ) أي بغضاء قوم، وبعضهم يحرّك حروفها، وبعضهم يسكّن النون الأولى كما قال الأحوص:
وما العيش إلاّ ما تلذّ وتشتهى=وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
وبعضهم يقول: (شنان قومٍ) تقديره (أبان)، ولا يهمزه، وهو مصدر شنيت، وله موضع آخر معناه: شنئت حقك أقررت به وأخرجته من عندي كما قال العجّاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم=وشنئوا الملك لملكٍ ذي قدم
شنئوا الملك: أخرجوه وأدّوه وسلّموا إليه. (وقدم). قال الله تبارك وتعالى: (أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم) (10/2) قدم: منزلة ورفعة، وقدم من القديم، وقدم إذا تقدم أمامه، وقال الفرزدق:
ولو كان في دينٍ سوى ذا شنئتم=لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه). [مجاز القرآن: 1/146-148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وأنتم حرم}: محرمون واحدها حرام.
2- {ولا آمين البيت الحرام}: عامدين إليه.
2- {يجرمنكم}: يحملنكم.
2- {والشنآن}: البغض).[غريب القرآن وتفسيره: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وكذا {شعائر اللّه} ما جعله علما لطاعته. واحدها شعيرة مثل الحرم. يقول: لا تحلّوه فتصطادوا فيه، وأشباه ذلك.
{ولا الشّهر الحرام} فتقاتلوا فيه.
{ولا الهدي} وهو ما أهدي الى البيت. وهو من الشّعائر. وإشعاره أن يقلّد ويجلّل ويطعن في سنامه ليعلم بذلك أنه هدي. يقول: فلا تستحلوه قبل أن يبلغ محلّه.
{ولا القلائد} وكان الرجل يقلّد بعيره من لحاء شجر الحرم فيأمن بذلك حيث سلك.
{ولا آمّين البيت الحرام} يعني العامدين إلى البيت. واحدهم آمّ.
{يبتغون فضلًا من ربّهم} أي يريدون فضلا من اللّه أي رزقا بالتجارة.
{ورضواناً} بالحج {وإذا حللتم} أي خرجتم من إحرامكم {فاصطادوا} على الإباحة.
{ولا يجرمنّكم} أي لا يكسبنكم. يقال: فلان جارم أهله: أي كاسبهم. وكذلك جريمتهم. وقال الهذليّ ووصف عقابا:
جريمة ناهض في رأس نيق ترى لعظام ما جمعت صليبا
والناهض: فرخها. يقول هي تكسب له وتأتيه بقوته.
{شنآن قومٍ} أي: بعضهم يقال: شنأته أشنؤه: إذا أبغضته.
يقول: لا يحملنكم بغض قوم نازلين بالحرم على أن تعتدوا فتستحلوا حرمة الحرم). [تفسير غريب القرآن: 138-140]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربّهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنئان قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)
الشعائر واحدتها شعيرة، ومعناه ما أشعر أي أعلم ليهدى إلى بيت اللّه الحرام.
وقال قوم: شعائر الله يعنى به جميع متعبدات اللّه التي أشعرها اللّه.
أي جعلها أعلاما لنا.
(ولا الهدي)
الهدي واحدته هدية مثل جدية وجدي يعني حدبة السّرج.
و (القلائد) كانوا يقلدون بلحاء الشجر ويعتصمون بذلك وهذا كله كان للمشركين، وكان قد أمر المسلمون بأن لا يحلوا هذه الأشياء التي يتقرب بها المشركون إلى الله وكذلك (ولا آمّين البيت الحرام) وهذا كله منسوخ.
وكذلك (ولا الشهر الحرام) وهو المحرم لأن القتال كان مرفوعا فيه، فنسخ جميع ذلك قوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد).
وقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا).
هذا اللفظ أمر ومعناه الإباحة، لأن اللّه عزّ وجل حرم الصيد على المحرم، وأباحه له إذا حلّ من إحرامه، ليس أنه واجب عليه إذا حلّ أن يصطاد، ومثله قوله: (فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه) تأويله أنه أبيح لكم بعد الفراغ من الصلاة، ومثل ذلك في الكلام: لا تدخلن هذه الدار حتى تودي ثمنها، فإذا أديت فادخلها، تأويله فإذا أديت فقد أبيح لك دخولها.
وقوله: (ولا يجرمنّكم شنئان قوم).
أي لا يحملنكم بغض قوم، يقال شنئته شنآنا معناه أبغضته إبغاضا.
والشنآن مصدر مثل غلى غليانا، ونزا نزوانا، فالمعنى لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا.
وموضع " أن " نصب، أي تعتدوا لأن صدوكم عن المسجد الحرام فموضع أن الأولى نصب مفعول له، وموضع أن الثانية نصب مفعول به.
المعنى لا يكسبنكم بغض قوم أي بغضكم قوما الاعتداء بصدهم إيّاكم عن المسجد الحرام يقال: فلان جريمة أهله أي هو كاسبهم.
وقيل في التفسير: لا يحملنكم بغض قوم، والمعنى واحد.
وقال الأخفش: لا يحقّنّ لكم بغض قوم.
وهذه ألفاظ مختلفة والمعنى واحد.
وقوله عزّ وجلّ: (وتعاونوا على البرّ والتّقوى).
وهذا كله منسوخ إلا التعاون من المسلمين على البر). [معاني القرآن: 2/142-144]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله}
قال أبو عبيدة: الشعائر الهدايا الواحدة شعيرة وقال غيره شعيرة بمعنى مشعرة.
وقال الأصمعي: أشعرتها أعلمتها.
وروى الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: (إنما أشعرت ليعلم أنها بدنة).
وقال مجاهد: شعائر الله الصفا والمروة والحرم والمعنى على هذا القول لا تحلوا الصيد في الحرم والتقدير لا تحلوا لأنفسكم شعائر الله.
ومن قال بأنها: البدن فالآية عنده منسوخة.
قال الشعبي: ليس في المائدة آية منسوخة إلا {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} وكذلك قال قتادة وقال نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وكانوا قبل قد منعوا من قتالهم في الشهر إذا كانوا آمين البيت الحرام). [معاني القرآن: 2/250-251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا الشهر الحرام} وهو رجب). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا الهدي} واحد الهدي هدية). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا القلائد} قال الضحاك وعطاء كانوا يأخذون من شجر الحرم فلا يقربون إذا رئي عليهم). [معاني القرآن: 2/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا آمين البيت الحرام} الأم القصد أي لا تستحلوا منع القاصدين البيت الحرام ويجوز أن يكون المعنى لا تحلوا قصد الآمين ثم حذف). [معاني القرآن: 2/251-252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا}
قال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: يبتغون الأجر والتجارة). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإذا حللتم فاصطادوا} وهذا إباحة بعد حظر وليس بحتم). [معاني القرآن: 2/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}
قال أبو عبيدة: ولا يجرمنكم لا يكسبنكم وأنشد:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة=جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وقال الأخفش: ولا يحقنكم.
وقال الفراء: ولا يحملنكم.
وهذه المعاني متقاربة؛ لأن من حمل رجلا على إبغاض رجل فقد أكسبه إبغاضه فإذا كان الأمر كذلك فالذي هو أحسن أن يقال ما قاله ابن عباس وقتادة قالا: أي لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان
وقرأ الأعمش (ولا يجرمنكم) بضم الياء.
قال الكسائي: جرم يجرم وأجرم يجرم بمعنى واحد الفتح في هذا أكثر والضم في الجناية أكثر والشنآن الإبغاض ويقرأ (شنئان) بإسكان النون وليس بالحسن لأن المصادر لا تكاد تكون على فعلان.
وقرأ أبو عمرو (إن صدوكم) بكسر الهمزة بمعنى الشرط.
وروي عن الأعمش أنه قرأ (إن يصدوكم) وهو لحن عند النحويين؛ لأن إن إذا جزمت لم يتقدم جوابها.
والمعنى على قراءة من فتح ولا يجرمنكم شنآن قوم؛ لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، ومن كسر فالمعنى عنده إن فعلوا هذا والمعنى على الفتح؛ لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 2/252-255]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (شَنئانُ قَوْمٍ) أي: عداوة قوم، ويسكن - أيضا). [ياقوتة الصراط: 207]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولا آمِّينَ} أي عامدين، والواحد آمٌ، وأصله آمِمٌ.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} أي بغض قوم، أي لا يحملنكم بغضهم على العدوان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 67]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({شَعَائِرَ}: علامات.
2- {الْهَدْيَ}: الإبل الذي يهدى إلى البيت.
2- {الْقَلائِدَ}: أن يقلد البعير من ورق الشجر فلا يعرض له
2- {آمِّينَ}: قاصدين
2- {يَجْرِمَنَّكُمْ}: يكسبنكم
2- {شَنَانُ}: بغض). [العمدة في غريب القرآن: 117-118]

تفسير قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أهلّ لغير اللّه به...}
{وما}: في موضع رفع بما لم يسمّ فاعله.
{والمنخنقة}: ما اختنقت فماتت ولم تدرك.
{والموقوذة}: المضروبة حتى تموت ولم تذكّ.
{والمتردّية}: ما تردّى من فوق جبل أو بئر، فلم تدرك ذكاته.
{والنّطيحة}: ما نطحت حتى الموت. كل ذلك محرّم إذا لم تدرك ذكاته.
وقوله: {إلاّ ما ذكّيتم} نصب ورفع.
{وما ذبح على النّصب}: ذبح للأوثان. و(ما ذبح) في موضع رفع لا غير.
{وأن تستقسموا} رفع بما لم يسمّ فاعله. والاستقسام: أنّ سهاما كانت تكون في الكعبة، في بعضها: أمرني ربى، (وفي موضعها: نهاني ربي) فكان أحدهم إذا أراد سفرا أخرج سهمين فأجالهما، فإن خرج الذي فيه (أمرني ربي) خرج. وإن خرج الذي فيه (نهاني ربي) قعد وأمسك عن الخروج.
قال الله تبارك وتعالى: {ذالكم فسقٌ اليوم} والكلام منقطع عند الفسق، و{اليوم} منصوب بـ (يئس) لا بالفسق.
{اليوم أحلّ لكم الطّيّبات} نصب (اليوم) بـ (أحلّ).
وقوله: {غير متجانفٍ لإثمٍ} مثل قوله: {غير محلّي الصيد} يقول: غير معتمد لإثم. نصبت (غير) لأنها حال لـ (من)، وهي خارجة من الاسم الذي في (اضطرّ) ). [معاني القرآن: 1/301]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حرّمت عليكم الميتة) (3): مخفّفة، وهي تخفيف ميتّة، ومعناهما واحد، خفّفت أو ثقّلت. كقول ابن الرّعلاء:
ليس من مات فاستراح بميتٍ=إنما الميت ميّت الأحياء
إنما الميت من يعيش ذليلاً=سيّئا باله قليل الرّجاء
واسم ابن الرّعلاء كوتىّ، والكؤتيّ، والكوئىّ يهمز، ولا يهمز. والكوتى من الخيل والحمير: القصار. قال: فلا أدري أيكون في الناس أم لا؛ قال: ولا أدري الرّعلاء أبوه أو أمّه.
(وما أهلّ لغير الله به) (3) مجازه: وما أهلّ به لغير الله، ومعناه: وما ذكر غير اسم الله عليه إذا ذبح أو نحر، وهي من استهلال الكلام.
قال رجل: وخاصم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنين: (أرأيت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهلّ، أليس مثل ذلكم يطلّ). ومنه قولهم: أهلّ بالحجّ أي تكلّم به، وأظهره من فيه.
وقال ابن أحمر:
يهلّ بالفرقد ركبانها=كما يهلّ الرّاكب المعتمر
يقال: معتمر ومعتم، والعمار والعمامة، وكل شيء على الرأس من إكليل أو تاج أو عمامة، فهو عمار؛ وله موضع آخر.
ما ذبح لغيره، كقول ابن هرمة:
كم ناقةٍ قد وجأت لبّتها=بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل
أي بمنفجر.
(والمنخنقة) (3): التي انحنقت في خناقها حتى ماتت.
(والموقوذة) (3): التي تضرب حتى توقذ فتموت منه أو ترمى؛ يقال: رماه بحجر، فوقذه يقذه وقذاً ووقوذاً.
(والمتردّية) (3): التي تردّت فوقعت في بئر أو وقعت من جبل أو حائط أو نحو ذلك فماتت.
(والنّطيحة) (3): مجازها مجاز المنطوحة حتى ماتت.
(وما أكل السّبع) (3) وهو الذي يصيده السّبع فيأكل منه ويبقى بعضه ولم يذكّ، وإنما هو فريسة.
(إلاّ ما ذكّيتم) (3): وذكاته أن تقطع أوداجه أو تنهر دمه وتذكر اسم الله عليه إذا ذبجته، كقوله:
نعم هو ذكّاها وأنت أضعتها=وألهاك عنها خرفةٌ وفطيم
الخرفة اجتناء، اخترف اجتنى.
(وما ذبح على النّصب) (3) وهو واحد الأنصاب، وكان أبو عمرو يقول: نصب بفتح أوله ويسكن الحرف الثاني منه.
والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
(وأن تستقسموا بالأزلام) (3) وهو من استفعلت من قسمت أمرى، بأن أجيل القداح لتقسم لي أمري: أأسافر أم أقيم أم أغزو أو لا أغزو ونحو ذلك فتكون هي التي تأمرني وتنهاني ولكلّ ذلك قدحٌ معروف وقال:
=ولم أقسم فتر بثنى القسوم
ويقال: ربثه يربثه ربثاً إذا حبسه. وواحد الأزلام: زلم وزلم لغتان وهو القدح.
(ذلكم فسقٌ) (3) أي كفر.
(ورضيت لكم الإسلام ديناً) (3) أي اخترت لكم.
(في مخمصةٍ) (3) أي مجاعة، وقال الأعشى:
تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم=وجاراتكم سغب يبتن خمائصا
أي جياعاً.
(غير متجانف لإثمٍ) (3) أي غير متعوّج مائل إليه، وكل منحرف، وكل أعوج فهو أجنف). [مجاز القرآن: 1/148-153]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلاّ ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب وأن تستقسموا بالأزلام ذالكم فسقٌ اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطرّ في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {والموقوذة} من (وقذت) فـ"هي موقوذةٌ".
{والنّطيحة} فيها الهاء لأنها جعلت كالاسم مثل "أكيلة الأسد". وإنما تقول: "هي أكيلٌ" و"هي نطيحٌ" "لأنّ كل ما فيه "مفعولة" فـ"الفعيل" فيه بغير الهاء نحو "القتيل" و"الصريع" إذا عنيت المرأة و"هي جريحٌ" لأنك تقول "مجروحةٌ".
وقال: {وما أكل السّبع} ولغة يخففون "السبع".
{وما ذبح على النّصب} وجميعه: "الأنصاب".
{وأن تستقسموا بالأزلام} يقول: "وحرّم ذلك " وواحدها "زلم" و"زلم".
وقال: {مخمصةٍ} تقول: "خمصه الجوع" نحو "المغضبة" لأنه أراد المصدر.
[وقال] {يئس الّذين كفروا} مهموزة الياء الثانية وهي من "فعل" "يفعل" وكسر الياء الأولى لغة نحو "لعب" ومنهم من يكسر اللام والعين ويسكنون العين ويفتحون اللام أيضاً ويكسرونها وكذلك "يئس". وذلك أنّ "فعل" إذا كان ثانيه احد الحروف الستة كسروا أوله وتركوه على الكسر، كما يقولون ذلك في "فعيل" نحو "شعير" و"صهيل". ومنهم من يسكن ويكسر الأولى نحو "رحمه الله" فلذلك تقول: "يئس" تسكر الياء وتسكن الهمزة. وقد قرئت هذه الآية {نعمّا يعظكم به} على تلك اللغة التي يقولون فيها "لعب". وأناس يقولون "نعم الرّجل زيدٌ" فقد يجوز كسر هذه النون التي في "نعم" لأن التي بعدها من الحروف الستة كما كسر "لعب". وقولهم: "إن العين ساكنة من "نعمّا" إذا أدغمت خطأ لأنه لا يجتمع ساكنان. ولكن إذا شئت أخفيته فجعلته بين الإدغام والإظهار فيكون في زنة متحرك كما قرئت {إنّي ليحزنني} يشمون النون الأولى الرفع.
وقال: {اليوم أكملت لكم دينكم} لأّنّ الإسلام كان فيه بعض الفرائض فلما فرغ الله مما أراد منه قال: {اليوم أكملت لكم دينكم} {ورضيت لكم الإسلام ديناً} لا على غير هذه الصفة.
وقال: {فمن اضطرّ في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ فإنّ اللّه غفورٌ رّحيمٌ} كأنه قال: "فإنّ الله له غفورٌ رحيم". كما تقول: "عبد الله ضربت" تريد: ضربته. قال الشاعر:
ثلاثٌ كلّهنّ قتلت عمداً = فأخزى الله رابعةً تعود
وقال الآخر:
قد أصبحت أم الخيار تدّعي = عليّ ذنباً كلّه لم أصنع). [معاني القرآن: 1/216-217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وما أهل لغير الله به}: أي ما ذكر عليه اسم غير الله.
وأصل الإهلال الصوت والكلام.
استهل الصبي إذا صاح وأهل الحج إذا تكلم به. وكل رافع صوته مهل. يقال: أهل بالحج إذا لبى.
3- {والمنخنقة}: التي تموت في خناقها.
3- {والموقوذة}: المضروبة حتى تموت.
3- {والمتردية}: الواقعة من الجبل أو غيره.
3- {والنطيحة}: المنطوحة.
3- {وما أكل السبع}: الفريسة وهي التي أكل السبع بعضها.
3- {إلا ما ذكيتم}: الذكاة الذبح.
3- {النصب}: واحد الأنصاب. الحجارة التي كانوا يعبدونها.
3- {والأزلام}: القداح والاستقسام أن يجيلها فيفعل ما يأمره به القدح وينهاه عنه وواحد الأزلام زلم وبعضهم يقول زلم والقدح
والزلم السهم الذي لا ريش له وقال بعضهم الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها.
3- (المخمصة): المجاعة).[غريب القرآن وتفسيره: 125-128]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وما أهلّ لغير اللّه به} أي ذبح لغير اللّه، وذكر عند ذبحه غير اسم اللّه. واستهلال الصّبيّ منه، أي صوته. وإهلال الحج منه، أي التّكلّم بإيجابه والتلبية.
{والمنخنقة} التي تختنق.
{والموقوذة} التي تضرب حتى توقذ، أي تشرف على الموت. ثم تترك حتى تموت، وتؤكل بغير ذكاة. ومنه يقال: فلان وقيذ. وقد وقذته العبادة.
{والمتردّية} الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر. يقال: تردّي: إذا سقط. ومنه قوله تعالى: {وما يغني عنه ماله إذا تردّى} أي تردّي في النار.
{والنّطيحة} التي تنطحها شاة أخرى أو بقرة. فعيله بمعنى مفعوله.
{وما أكل السّبع} أي افترسه فأكل بعضه.
{إلّا ما ذكّيتم} يقول: إلا ما لحقتم من هذا كلّه وبه حياة فذبحتموه.
{وما ذبح على النّصب} وهو حجر أو صنم، منصوب كانوا يذبحون
عنده يقال له: النّصب والنّصب. وجمعه أنصاب.
{وأن تستقسموا بالأزلام} وهي القداح. واحدها. زلم وزلم.
والاستقسام بها: أن يضرب بها ثم يعمل بما يخرج فيها من أمر أو نهي.
وكانوا إذا أرادوا أن يقتسموا شيئا بينهم وأحبوا أن يعرفوا قسم كلّ امرئ تعرّفوا ذلك منها. فأخذ الاستقسام من القسم وهو النّصيب. كأنه طلب النّصيب.
و(المخمصة): المجاعة. والخمص الجوع. قال الشاعر يذم رجلا:
يرى الخمص تعذيبا وإن يلق شبعة يبت قلبه من قلّة الهمّ مبهما
{غير متجانفٍ لإثمٍ} أي منحرف مائل إلى ذلك. والجنف: الميل. والإثم: أن يتعدي عند الاضطرار فيأكل فوق الشّبع). [تفسير غريب القرآن: 140-141]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلّا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطرّ في مخمصة غير متجانف لإثم فإنّ اللّه غفور رحيم (3)
(حرّمت عليكم الميتة).
أصله الميتة بالتشديد، إلا أنه مخفف، ولو قرئت الميتة لجاز، يقال: ميّت، وميت، والمعنى واحد.
وقال بعضهم: الميّت يقال لما: لم يمت.
والميت لما قد مات، وهذا خطأ إنما ميّت يصلح لما قد مات، ولما سيموت.
قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّك ميّت وإنّهم ميّتون).
وقال الشاعر في تصديق أن الميت والميّت بمعنى واحد:
ليس من مات فاستراح بميت=إنما الميت ميّت الأحياء
فجعل الميت مخففا من الميت.
وقوله: (والدّم).
قيل: إنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ويشوونها ويأكلونها، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الدم المسفوح، أي المصبوب حرام، فأمّا المتلطخ بالدم
فهو كاللحم في الحل.
وقوله: (وما أهلّ لغير اللّه به).
موضعه رفع، والمعنى: وحرم عليكم ما أهل لغير اللّه به، ومعنى (أهلّ لغير اللّه به) ذكر عليه اسم غير اللّه، وقد فسرنا أن الإهلال رفع الصوت
بالشيء فما يتقرّب به من الذبح لغير اللّه، أو ذكر غير اسمه فحرام.
(ولحم الخنزير) حرام، حرم الله أكله، وملكه، والخنزير يشمل على الذكر والأنثى.
وقوله (والمنخنقة).
وهي التي تنخنق بربقتها أي بالحبل الذي تشدّ به، وبأي جهة اختنقت فهي حرام.
وقوله: (والموقوذة).
وهي التي تقتل ضربا، يقال وقذتها أوقذها وقذا وأوقذتها أوقذها إيقاذا.
إذا أثخنتها ضربا.
وقوله عزّ وجلّ: (والنطيحة).
وهي التي تنطح أو تنطح فتموت.
وقوله: (وما أكل السّبع).
موضع " ما " أيضا رفع عطف على ما قبلها.
وقوله: (إلّا ما ذكّيتم).
أي إلا ما أدركتم ذكاته من هذه التي وصفنا، وموضع " ما " نصب أي حرمت عليكم هذه الأشياء إلّا الشيء الذي أدرك ذبحه منها، وكل ذبح ذكاة، ومعنى التذكية أن يدركها وفيها بقية تشخب معها الأوداج، وتضطرب اضطراب المذبوح الذي أدركت ذكاته.
وأهل العلم يقولون إن أخرج السّبع الحشوة، أو قطع الجوف قطعا خرج معه الحشوة فلا ذكاة لذلك، وتأويله إنّه يصير في حالة ما لا يؤثر في حياته الذبح، وأصل الذكاء في اللغة كلها تمام الشيء، فمن ذلك الذّكاء في السن والفهم، وهو تمام السن، قال الخليل: الذكاء في السّن أن يأتي على قروحه سنة، وذلك تمائم استكمال القوة.
قال زهير:
يفضّله إذا اجتهدوا عليه=تمام السّنّ منه والذّكاء
وقيل: جري المذكيات غلاب. أي جري المسانّ التي قد تأسّنت.
وتأويل تمام السّن النهاية في الشباب فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال لها: الذكاء والذكاء في الفهم أن يكون فهما تامّا سريع القبول، وذكيت النار إنما هو من هذا. تأويله أتممت إشعالها.
(إلا ما ذكيتم) ما أذكيتم ذبحة على التمام.
وقوله: (وما ذبح على النّصب).
والنصب الحجارة التي كانوا يعبدونها، وهي الأوثان واحدها نصاب.
وجائز أن يكون واحدا، وجمعه أنصاب.
وقوله: (وأن تستقسموا بالأزلام).
موضع " أن " رفع، والمعنى وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام.
وواحد الأزلام زلم، وزلم، وهي سهام كانت في الجاهلية مكتوب على بعضها " أمرني ربّي " وعلى بعضها: " نهاني ربّي - فإذا أراد الرّجل سفرا أو أمرا يهتم به
اهتماما شديدا ضرب تلك القداح، فإن خرج السهم الذي عليه " أمرني ربّي مضى لحاجته، وإن خرج الذي عليه " نهاني ربي " لم يمض في أمره، فأعلم اللّه عزّ وجل أن ذلك حرام، ولا فرق بين ذلك وبين قول المنجمين: لا تخرج من أجل نجم كذا، وأخرج من أجل طلوع نجم كذا؛ لأن الله جلّ وعزّ قال: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا)
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس لا يعلمهن إلا اللّه))، وذكر الآية التي في آخر سورة لقمان.
(إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأيّ أرض تموت).
وهذا هو دخول في علم اللّه الذي هو غيب، وهو حرام كالأزلام التي ذكرها الله جل وعز أنها حرام.
والاستقسام بالأزلام فسق. والفسق اسم لكل ما أعلم الله أنه مخرج عن الحلال إلى الحرام، فقد ذم الله به جميع الخارجين من متعبّداته وأصله عند أهل اللغة قد فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها.
ولو كان بعض هذه المرفوعات نصبا على المعنى لجاز في غير القرآن.
لو قلت حرمت على الناس الميتة والدم ولحم الخنزير، وتحمله على معنى وحرم الله الدم ولحم الخنزير لجاز ذلك، فأمّا القرآن فخطأ فيه أن نقرأ بما لم يقرأ به من هو قدوة في القراءة، لأن القراءة سنة لا تتجاوز.
وقوله: (اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم).
"اليوم " منصوب على الظرف، وليس يراد به - واللّه أعلم - يوما بعينه.
معناه الآن يئس الذين كفروا من دينكم، وهذا كما تقول أنا اليوم قد كبرت.
وهذا الشأن لا يصلح في اليوم. تريد أنا الآن، وفي هذا الزمان ومعناه: أن قد حوّل الله الخوف الذي كاد يلحقكم منهم اليوم ويئسوا من بطلان الإسلام وجاءكم ما كنتم توعدون من قوله: (ليظهره على الدّين كلّه).
والدّين اسم لجميع ما تعبّد اللّه خلقه، وأمرهم بالإقامة عليه، والذي به يجزون، والذي أمرهم أن يكون عادتهم.
وقد بينّا ذلك في قوله: (مالك يوم الدين).
وقوله: (فلا تخشوهم واخشون).
أي فليكن خوفكم لله وحده، فقد أمنتم أن يظهر دين على الإسلام وكذلك - واللّه أعلم -.
قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم).
أي الآن أكملت لكم الدين بأن كفيتكم خوف عدوكم وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد، بأن كفينا من كنا نخافه.
وقد قيل أيضا: (اليوم أكملت لكم دينكم) أي أكملت لكم فرض ما تحتاجون إليه في دينكم. وذلك جائز حسن، فأما أن يكون دين الله في وقت من الأوقات غير كامل فلا.
وقوله عزّ وجلّ: (فمن اضطرّ في مخمصة).
أي فمن دعته الضرورة في مجاعة؛ لأن المخمصة شدة ضمور البطن.
(غير متجانف لإثم).
أي غير مائل إلى إثم.
(فإن اللّه غفور رحيم).
أي فإن الله أباحه ذلك رحمة منه وتسهيلا على خلقه، وكذلك فمن اضطر غير باغ ولا عاد، أي غير آكل لها على جهة الاستحلال ولا عاد: أي مجاوز لقدر الحاجة، وغير آكل لها على جهة التلذذ فإن اللّه غفور رحيم). [معاني القرآن: 2/144-149]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير}
يقال: ميتة وميتة بمعنى واحد هذا قول من يوثق به من أهل اللغة.
وقيل: الميتة ما لم تمت بعد والميتة التي قد ماتت.
وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها فحرم الله جل وعز: {الدم المسفوح} وهو المصبوب). [معاني القرآن: 2/255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وما أهل لغير الله به}
أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسمه وأصل الإهلال الصوت ومنه سمي الإهلال بالحج وهو الصوت بالتلبية وإيجاب الحج ومنه استهلال المولود ومنه أهل الهلال؛ لأن الناس إذا رأوه أومأوا إليه بأصواتهم). [معاني القرآن: 2/255-256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {المنخنقة} قال قتادة هي التي تموت في خناقها). [معاني القرآن: 2/256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والموقوذة} قال الضحاك كانوا يأخذون الشاة أو غيرها من البهائم فيضربونها عند آلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها ويقال وقذه وأقذه فهو موقوذ وموقذ إذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ومنه قيل فلان وقيذ). [معاني القرآن: 2/256]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والمتردية}
قال الضحاك: المتردية أن تتردى في ركية أو من جبل، ويقال: تردى إذا سقط ومنه {وما يغني عنه ماله إذا تردى} {والنطيحة} المنطوحة). [معاني القرآن: 2/256-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وما أكل السبع} أي ما افترسه فأكل بعضه وقرأ الحسن (السبع) وهو مسكن استثقالا للضمة). [معاني القرآن: 2/257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {إلا ما ذكيتم} والتذكية أن تشخب الأوداج دما ويضطرب اضطراب المذبوح وأصل التذكية في اللغة التمام وقال زهير:
يفضله إذا اجتهدا عليه=تمام السن منه والذكاء
ومنه لفلان ذكاء أي هو تام الفهم وذكيت النار أي أتممت إيقادها وذكيت الذبيحة أتممت ذبحها على ما يجب). [معاني القرآن: 2/257-258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وما ذبح على النصب} وقرأ طلحة على النصب قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها وربما استبدلوا منها ويجوز أن يكون جمع نصاب). [معاني القرآن: 2/258]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأن تستقسموا بالأزلام}
قال قتادة: كان أحدهم إذا أراد أن يخرج كتب على قدح يعني السهم تأمرني بالخروج وعلى الآخر لا تأمرني بالخروج وجعل بينهما سهما منيحا لم يكتب عليه شيئا فيجيلها فإن خرج الذي عليه تأمرني بالخروج خرج وإن خرج الذي عليه لا تأمرني بالخروج لم يخرج وإن خرج المنيح رجع فأجالها، وإنما قيل لهذا الفعل: استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون كما يقال: الاستسقاء في الاستدعاء للسقي، ونظير هذا الذي حرمه الله قول المنجم: لا تخرج من أجل نجم كذا أو اخرج من أجل نجم كذا وقال جل وعز: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت}
قال أبو جعفر: وذكر محمد بن جرير أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أن الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها.
قال محمد بن جرير: قال لنا سفيان بن وكيع: هي الشطرنج). [معاني القرآن: 2/258-260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ذلكم فسق} والفسق الخروج أي الخروج من الحلال إلى الحرام وقوله جل وعز: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم}
قال ابن عباس: يئس الذين كفروا من دينكم المعنى يئس الذين كفروا أن تعود الجاهلية.
وقال ورقاء: المعنى لأن يئس الذين كفروا من دينكم وهذا معروف عند أهل اللغة كما تقول أنا اليوم قد كبرت عن هذا). [معاني القرآن: 2/260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {اليوم أكملت لكم دينكم}
روي أن أناسا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر رضي لله عنه: نزلت في يوم جمعة يوم عرفة.
وروي عن على رضي الله عنه أنه قال: نزلت يوم عرفة أو عشية عرفة.
وفي معنى الآية قولان:
أحدهما الآن أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله، كما تقول: قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك.
ويجوز أن يكون المعنى اليوم أكملت لكم دينكم فوق ما تحتاجون إليه من الحلال والحرام في أمر دينكم
وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة أنه قال في المائدة: ثماني عشرة فريضة ليست في غيرها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والاستقسام بالأزلام وتحليل طعام الذين أوتوا الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب والجوارح مكلبين وتمام الطهور إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}.
ويروى أنها آخر سورة أنزلت). [معاني القرآن: 2/261-262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمن اضطر في مخمصة} المخمصة ضمور البطن من الجوع). [معاني القرآن: 2/262]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {غير متجانف لإثم}
قال قتادة: الإثم ههنا أن تأكل منها فوق الشبع). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فإن الله غفور رحيم} أي رحمكم فأباح لكم هذه الأشياء عند الضرورة). [معاني القرآن: 2/263]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَالْمُنْخَنِقَةُ} التي تنخنق بحبل.
{وَالْمَوْقُوذَةُ} التي تضرب بعود أو حجر حتى تشرف على الموت.
{وَالْمُتَرَدِّيَةُ} الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر.
{وَالنَّطِيحَةُ} التي تنطحها شاة أخرى، وهي (فعلية) بمعنى (مفعولة) ويجوز أن تكون هي الناطحة، نطحت غيرها فماتت، فتكون النطيحة بمعنى الناطحة.
{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} أي افترسه فأكل بعضه، فكل هذا حرام إذا مات حتف أنفه، وكذلك هو حرام عند أهل المدينة، وإن أُدرك حياً بحياة لا يُرجى دوامها، ثم قال تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} أي أدركتم ذكاته من هذا، وفيه روح، ويرجى حياته لو ترك، هذا مذهب مالك رحمه الله- فكلوه.
{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} هو ما ذبح عند صنم أو حجر كانوا يذبحون عنده، (والأزلام) القداح، و(الاستقسام) بها (أن يٌضرب) ثم يعمل بها يخرج فيها من أمر أو نهي.
(والمخمصة) المجاعة.
{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ} أي منحرف مائل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 67-68]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}: لم يذكر عليه اسم الله
3- {الْمُنْخَنِقَةُ}: التي تخنق فتموت
3- {الْمَوْقُوذَةُ}: التي تضرب حتى الموت
3- {الْمُتَرَدِّيَةُ}: التي تسقط من موضع عالٍ فتموت
3- {النَّطِيحَةُ}: التي تنطح فتموت
3- {ذَكَّيْتُمْ}: ذبحتم
3- {النُّصُبِ}: الأصنام
3- {تَسْتَقْسِمُواْ}: تفعلون ما يخرجه السهم
3- {الأَزْلاَمِ}: القداح
3- {مَخْمَصَة}: مجاعة
3- {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ}: غير مائل إلى معصية). [العمدة في غريب القرآن: 118-120]


رد مع اقتباس