عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 07:38 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
Lightbulb

تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني شبيب بن سعيدٍ، عن أبان بن أبي عياش، عن مسلم ابن أبي عمران، عن عبيد الله بن عمر بن الخطاب قال: أتى ابن مسعودٍ عشيّة خميسٍ وهو يذكّر أصحابه، قال: فقلت يا أبا عبد الرّحمن، ما الصراط المستقيم، قال: «يا ابن أخي، تركنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أدناه وطرفه في الجنّة وعن يمينه جوادّ، وعن شماله جوادّ، وعلى كلّ جوادّ رجالٌ يدعون كلّ من مرّ بهم: هلمّ لك، هلمّ لك، فمن أخذ معهم وردوا به النّار، ومن لزم الطّريق الأعظم وردوا به الجنّة»). [الجامع في علوم القرآن:1 /38-39]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {اهدنا الصّراط المستقيم}
- نا سويد بن عبد العزيز، قال: نا حصين بن عبد الرّحمن، قال: حدّثني مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ قال: «الصّراط على النّار، يمرّ أولهم مثل البرق، ثمّ كالطّير، ثمّ كالفرس الجواد، وآخرهم يمرّ حبوًا، والملائكة قيامٌ معهم كلاليب من نارٍ، يخطفون النّاس يمينًا وشمالًا، حتّى يقذفوهم في النار»).
[سنن سعيد بن منصور: 2 /525]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (
نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن ثابتٍ، سمع ابن عبّاسٍ يقرأ: (السّراط) - بالسين). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 532]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اهدنا الصّراط المستقيم}
قال أبو جعفرٍ: ومعنى قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم}
في هذا الموضع عندنا: وفّقنا للثّبات عليه، كما روي ذلك عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ: قل يا محمّد
{اهدنا الصّراط المستقيم}
، يقول: ألهمنا الطّريق الهادي».
وإلهامه إيّاه ذلك هو توفيقه له كالّذي قلنا في تأويله. ومعناه نظير معنى قوله:
{وإيّاك نستعين} في أنّه مسألة العبد ربّه التّوفيق للثّبات على العمل بطاعته، وإصابة الحقّ والصّواب فيما أمره به ونهاه عنه فيما يستقبل من عمره دون ما قد مضى من أعماله وتقضّى فيما سلف من عمره، كما في قوله: {وإيّاك نستعين}
مسألةٌ منه ربّه المعونة على أداء ما قد كلّفه من طاعته فيما بقي من عمره. فكان معنى الكلام: اللّهمّ إيّاك نعبد وحدك لا شريك لك، مخلصين لك العبادة دون ما سواك من الآلهة والأوثان، فأعنّا على عبادتك، ووفّقنا لما وفّقت له من أنعمت عليه من أنبيائك وأهل طاعتك من السّبل والمنهاج.
فإن قال قائلٌ:
وأنّى وجدت الهداية في كلام العرب بمعنى التّوفيق؟
قيل له: ذلك في كلامها أكثر وأظهر من أن يحصى عدد ما جاء عنهم في ذلك من الشّواهد، فمن ذلك قول الشّاعر:
لا تحرمنّي هداك اللّه مسألتي.......ولا أكوننّ كمن أودى به السّفر
بمعني: وفّقك اللّه لقضاء حاجتي.
ومنه قول الآخر:
ولا تعجلنّي هداك المليك.......فإنّ لكلّ مقامٍ مقالا
فمعلومٌ أنّه إنّما أراد: وفّقك اللّه لإصابة الحقّ في أمري.
ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه:
{واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
في غير آيةٍ من تنزيله. وقد علم بذلك أنّه لم يعن أنّه لا يبيّن للظّالمين الواجب عليهم من فرائضه. وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه، وقد عمّ بالبيان جميع المكلّفين من خلقه؟ ولكنّه عنى جلّ وعزّ، أنّه لا يوفّقهم، ولا يشرح للحقّ والإيمان صدورهم.
وقد زعم بعضهم أن تأويل قوله:
{اهدنا}
زدنا هدايةً. وليس يخلو هذا القول من أحد أمرين:
إمّا أن يكون قائله قد ظنّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمر بمسألة ربّه الزّيادة في البيان، أو الزّيادة في المعونة والتّوفيق.
فإن كان ظنّ أنّه أمر بمسألتة الزّيادة في البيان فذلك ما لا وجه له؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لا يكلّف عبدًا فرضًا من فرائضه إلاّ بعد تبيينه له وإقامة الحجّة عليه به. ولو كان معنى ذلك معنى مسألته البيان، لكان قد أمر أن يدعو ربّه أن يبيّن له ما فرض عليه، وذلك من الدّعاء خلفٌ؛ لأنّه لا يفرض فرضًا إلاّ مبيّنًا لمن فرضه عليه، أو يكون أمر أن يدعو ربّه أن يفرض عليه الفرائض الّتي لم يفرضها. وفي فساد وجه مسألة العبد ربّه ذلك ما يوضّح عن أنّ معنى: {اهدنا الصّراط المستقيم} غير معنى بيّن لنا فرائضك وحدودك.
أو يكون ظنّ أنّه أمر بمسألة ربّه الزّيادة في المعونة والتّوفيق. فإن كان ذلك كذلك، فلن تخلو مسألته تلك الزّيادة من أن تكون مسألةً للزّيادة في المعونة على ما قد مضى من عمله، أو على ما يحدث. وفي ارتفاع حاجة العبد إلى المعونة على ما قد تقضّى من عمله ما يعلم أنّ معنى مسألة تلك الزّيادة إنّما هو مسألته الزّيادة لما يحدث من عمله. وإذا كان ذلك كذلك صار الأمر إلى ما وصفنا وقلنا في ذلك من أنّه مسألة العبد ربّه التّوفيق لأداء ما كلّف من فرائض ربه فيما يستقبل من عمره.
وفي صحّة ذلك فساد قول أهل القدر الزّاعمين أنّ كلّ مأمورٍ بأمرٍ أو مكلّفٍ فرضًا، فقد أعطي من المعونة عليه ما قد ارتفعت معه في ذلك الفرض حاجته إلى ربّه؛ لأنّه لو كان الأمر على ما قالوا في ذلك لبطل معنى قول اللّه جلّ ثناؤه:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين اهدنا الصّراط المستقيم}
وفي صحّة معنى ذلك على ما بيّنّا فساد قولهم.
وقد زعم بعضهم أنّ معنى قوله:
{اهدنا الصّراط المستقيم}: أسلكنا طريق الجنّة في المعاد، أي قدّمنا له وامض بنا إليه، كما قال جلّ ثناؤه: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} أي أدخلوهم النّار؛ كما تهدى المرأة إلى زوجها، يعني بذلك أنّها تدخل إليه، وكما تهدى الهديّة إلى الرّجل، وكما تهدي السّاق القدم؛ نظير قول طرفة بن العبد:

لعبت بعدي السّيول به
.......وجرى في رونقٍ رهمه
للفتى عقلٌ يعيش به
.......حيث تهدي ساقه قدمه
أي: ترد به الموارد.
وفي قول اللّه جلّ ثناؤه:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} ما ينبئ عن خطأ هذا التّأويل مع شهادة الحجّة من المفسّرين على تخطئته؛ وذلك أنّ جميع المفسّرين من الصّحابة والتّابعين مجمعون على أنّ معنى الصّراط في هذا الموضع غير المعنى الّذي تأوّله قائل هذا القول، وأنّ قوله: {وإيّاك نستعين} مسألة العبد ربّه المعونة على عبادته، فكذلك قوله اهدنا، إنّما هو مسألتة الثّبات على الهدى فيما بقي من عمره.
والعرب تقول: هديت فلانًا الطّريق، وهديته للطّريق، وهديته إلى الطّريق: إذا أرشدته إليه وسدّدته له. وبكلّ ذلك قد جاء القرآن، قال اللّه جلّ ثناؤه: {وقالوا الحمد للّه الّذي هدانا لهذا} وقال في موضعٍ آخر: {اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ} وقال: {اهدنا الصّراط المستقيم} وكلّ ذلك فاشٍ في منطقها موجودٌ في كلامها، من ذلك قول الشّاعر:
أستغفر اللّه ذنبًا لست محصيه.......ربّ العباد إليه الوجه والعمل
يريد: أستغفر اللّه لذنبٍ، كما قال جلّ ثناؤه: {واستغفر لذنبك}.
ومنه قول نابغة بني ذبيان:

فيصيدنا العير المدلّ بحضره
.......قبل الونى والأشعب النّبّاحا
يريد: فيصيد لنا. وذلك كثيرٌ في أشعارهم وكلامهم، وفيما ذكرنا منه كفايةٌ.
القول في تأويل قوله تعالى:
{الصّراط المستقيم}
قال أبو جعفرٍ: أجمعت الحجة من أهل التّأويل جميعًا على أنّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. وكذلك ذلك في لغة جميع العرب؛ فمن ذلك قول جرير بن عطيّة بن الخطفى:

أمير المؤمنين على صراطٍ
.......إذا اعوجّ الموارد مستقيم
يريد على طريق الحقّ.
ومنه
قول الهذليّ أبي ذؤيبٍ:

صبحنا أرضهم بالخيل حتّى
.......تركناها أدقّ من الصّراط
ومنه
قول الرّاجز:

فصدّ عن نهج الصّراط القاصد
والشّواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا غنًى عمّا تركنا.
ثمّ تستعير العرب الصّراط فتستعمله في كلّ قولٍ وعملٍ وصف باستقامةٍ أو اعوجاجٍ، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوجّ باعوجاجه. والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي -أعني:
{اهدنا الصّراط المستقيم}- أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ. وذلك هو الصّراط المستقيم، لأنّ من وفّق لما وفّق له من أنعم اللّه عليه من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصالحين، فقد وفّق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ، وكلّ عبدٍ للّه صالحٍ. وكلّ ذلك من الصّراط المستقيم.
وقد اختلفت تراجمة القرآن في المعنيّ بالصّراط المستقيم، يشمل معاني جميعهم في ذلك ما اخنرنا من التّأويل فيه.
- وممّا قالته في ذلك ما روي عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال وذكر القرآن فقال: «هو الصّراط المستقيم».
-
حدّثنا بذلك، موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ قال: حدّثنا حسينٌ الجعفيّ، عن حمزة الزّيّات، عن أبي المختار الطّائيّ، عن ابن أخي الحارث، عن الحارث، عن عليٍّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
-
وحدّثنا عن إسماعيل بن أبي كريمة، قال: حدّثنا محمّد بن سلمة، عن أبي سنانٍ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختريّ، عن الحارث، عن عليٍّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله.
-
وحدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا حمزة الزّيّات، عن أبي المختار الطّائيّ، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث، عن عليٍّ، قال: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه تعالى».
-
حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، ح. وحدّثنا محمّد بن حميدٍ الرّازيّ، قال. حدّثنا مهران، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، قال: قال عبد اللّه: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه».
- حدّثني محمود بن خداشٍ الطّالقانيّ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن الرّواسيّ، قال: حدّثنا عليٌّ، والحسن، ابنا صالحٍ، جميعًا عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «الإسلام، قال: هو أوسع ممّا بين السّماء والأرض».
-
حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ،قال: حدّثنا بشر بن عمّارٍة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ: قل يا محمّد: {اهدنا الصّراط المستقيم} يقول ألهمنا الطّريق الهادي وهو دين اللّه الّذي لا عوج له».
-
حدّثنا سهلٍ موسى بن الرّازيّ، قال: حدّثنا يحيى بن عوفٍ، عن الفرات بن السّائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «ذلك الإسلام».
-
وحدّثني محمود بن خداشٍ، قال: حدّثنا محمّد بن ربيعة الكلابيّ، عن إسماعيل الأزرق، عن أبي عمر البزّار، عن ابن الحنفيّة، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «هو دين اللّه الّذي لا يقبل من العباد غيره».
-
وحدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن طلحة القنّاد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «هو الإسلام».
-
وحدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «الطّريق».
-
حدّثنا عبد اللّه بن كثيرٍ أبو صديفٍ الآمليّ، قال: حدّثنا هاشم بن القاسم، قال: حدّثنا حمزة بن أبي المغيرة، عن عاصمٍ، عن أبي العالية، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحباه من بعده: أبو بكرٍ وعمر» قال: فذكرت ذلك للحسن، فقال: «صدق أبو العالية ونصح».
-
وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «الإسلام».
-
حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، أنّ عبد الرّحمن بن جبيرٍ، حدّثه عن أبيه، عن نوّاس بن سمعان الأنصاريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ضرب اللّه مثلاً صراطًا مستقيمًا، والصّراط: الإسلام».
-
حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا اللّيث عن معاوية بن صالحٍ، عن عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ، عن أبيه عن نوّاس بن سمعان الأنصاريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله.
قال أبو جعفرٍ: وإنّما وصفه اللّه بالاستقامة، لأنّه صوابٌ لا خطأ فيه. وقد زعم بعض أهل الغباء أنّه سمّاه مستقيمًا لاستقامته بأهله إلى الجنّة، وذلك تأويلٌ لتأويل جميع أهل التّفسير خلافٌ، وكفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلاً على خطئه). [جامع البيان: 1/ 165-176]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({اهدنا الصّراط المستقيم (6)}
قوله: {اهدنا}
-
به عن ابن عبّاسٍ قال: «قال جبريل: قل يا محمّد: اهدنا يقول: ألهمنا».
قوله: {الصراط المستقيم}
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثني يحيى بن اليمان، عن حمزة الزّيّات، عن سعدٍ الطّائيّ، عن ابن أخي الحرث الأعور، عن الحارث قال: دخلت على عليّ بن أبي طالبٍ فقال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ أنّ عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ حدّثه عن أبيه، عن نوّاس بن سمعان الأنصاريّ، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه قال: «
ضرب اللّه مثلا صراطًا مستقيمًا، والصّراط الإسلام ».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا سعدان بن نصرٍ البغداديّ، ثنا أبو النّضر هاشم بن القاسم، أنبأ حمزة ابن المغيرة، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية اهدنا الصّراط المستقيم قال: «هو النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وصاحباه من بعده». قال عاصمٌ: فذكرنا ذلك للحسن فقال: «
صدق أبو العالية ونصح».
والوجه الرّابع:
- ثنا يحيى بن عبدك، ثنا خالد بن عبد الرّحمن المخزوميّ ثنا عمر بن ذرٍّ عن مجاهدٍ في قوله: {الصّراط المستقيم} قال: «الحقّ».
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء أبو كريبٍ، ثنا عثمان بن سعيدٍ الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة ثنا أبو روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{اهدنا الصّراط المستقيم} يقول: ألهمنا دينك الحقّ، وهو لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له»).
[تفسير القرآن العظيم: 1/ 30]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا عمر بن سعدٍ أبو داود، ثنا سفيان، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، في قوله عزّ وجلّ: {الصّراط المستقيم}، قال: «هو كتاب اللّه» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه.
- أخبرني عليّ بن محمّد بن عقبة الشّيبانيّ، بالكوفة، ثنا الهيثم بن خالدٍ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا الحسن بن صالحٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال:
«{الصّراط المستقيم} هو الإسلام، وهو أوسع ما بين السّماء والأرض» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
- حدّثني عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا أبو النّضر، ثنا حمزة بن المغيرة، عن عاصمٍ، عن أبي العالية، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله تعالى
{الصّراط المستقيم} قال: «هو رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وصاحباه» قال: فذكرنا ذلك للحسن فقال: «صدق واللّه ونصح واللّه هو رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2/ 284-285]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.
-أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ
{اهدنا الصراط المستقيم} بالصاد.
-وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه، وابن الأنباري عن ابن عباس، أنه قرأ (اهدنا السراط) بالسين.
-وأخرج ابن الأنباري عن عبد الله بن كثير، أنه كان يقرأ (السراط) بالسين.
-وأخرج ابن الأنباري عن الفراء قال: قرأ حمزة (الزراط) بالزاي قال الفراء: و(الزراط) بإخلاص الزاي، لغة لعذرة وكلب وبني العين.
-وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله:
{اهدنا الصراط المستقيم} يقول: «ألهمنا دينك الحق».
-وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله:
{اهدنا الصراط المستقيم} قال: «ألهمنا الطريق الهادي وهو دين الله الذي لا عوج له».
-وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: «
{الصراط}: الطريق».
-وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والمحاملي في أماليه من نسخة المصنف والحاكم وصححه، عن جابر بن عبد الله في قوله:
{اهدنا الصراط المستقيم} قال: «هو الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض».
-وأخرج ابن جريج عن ابن عباس قال: «
{الصراط المستقيم}: الإسلام».
-وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة: «{الصراط المستقيم}: الإسلام».
-وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس أدخلوا الصراط جميعا ولا تتفرقوا، وداع يدعو من فوق: الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك، لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق: واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم» .
-وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو بكر بن الأنباري في كتاب المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} قال: «هو كتاب الله».
-وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال: «إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين، يا عباد الله هذا الصراط فاتبعوه {الصراط المستقيم}: كتاب الله فتمسكوا به».
-وأخرج ابن أبي شيبة والدارمي والترمذي وضعفه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون فتن» قلت: وما المخرج منها؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل وليس بالهزل وهو حبل الله المتين وهو ذكره الحكيم وهو الصراط المستقيم».
-وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: «{الصراط المستقيم}: الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم».
-وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: «{الصراط المستقيم} تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرفه والطرف الآخر في الجنة».
-وأخرج البيهقي في الشعب من طريق قيس بن سعد عن رجل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «القرآن هو النور المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم».
-وأخرج عبد بن حميد، وابن جريج، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن عساكر من طريق عاصم الأحول عن أبي العالية في قوله: {الصراط المستقيم} قال: «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده» قال: فذكرنا ذلك للحسن فقال: «صدق أبو العالية ونصح».
-وأخرج الحاكم وصححه من طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله: {الصراط المستقيم} قال: «
هو رسول الله وصاحباه».
-وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية الرياحي قال: «تعلموا الإسلام فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه وعليكم بالصراط المستقيم فإن {الصراط المستقيم} الإسلام ولا تحرفوا يمينا وشمالا».
-وأخرج سعيد بن منصور في "سننه"، وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عند سفيان قال: «ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا».
-وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء: «إنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها».
-وأخرج ابن سعد عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يحدث عن الخوارج الذين أنكروا الحكومة فاعتزلوا علي بن أبي طالب قال:
«فاعتزل منهم اثنا عشر ألفا فدعاني علي فقال: اذهب إليهم فخاصهم وادعهم إلى الكتاب والسنة ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصهم بالسنة».
-وأخرج ابن سعد عن عمران بن مناح قال: فقال ابن عباس: «يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم، في بيوتنا نزل فقال: صدقت ولكن القرآن جمال ذو وجوه يقول، ويقولون، ولكن حاججهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصا، فخرج ابن عباس إليهم فحاججهم بالسنن فلم يبق بأيديهم حجة»). [الدر المنثور: 1/ 74-81]

تفسير قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الرّحمن بن زيدٍ، عن أبيه قال: «{المغضوب عليهم}: اليهود، و{الضالين}: النصارى»). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 54]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن بديل العقيلي، قال: أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي وهو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بني القين فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: «المغضوب عليهم» وأشار إلى اليهود). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 37]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن بديل العقيلي قال: أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي وهو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بني القين فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: «هؤلاء الضالون» يعني النصارى). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 37]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {صراط الّذين أنعمت عليهم}
- نا سفيان، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطبٍ، عن أبيه، أنّه سمع عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يقرأ: (صراط من أنعمت عليهم) ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 533]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}
- نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه كان يقرأ: (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) ). [سنن سعيد بن منصور: 2 /534]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال لعديّ بن حاتمٍ: «المغضوب عليهم: اليهود، والنّصارى هم الضّالّون»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 537]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}
- حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، أخبرنا مالكٌ، عن سميٍّ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} فقولوا: آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدّم من ذنبه»). [صحيح البخاري: 6/ 17]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: (باب {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين})
قال أهل العربيّة: لا زائدةٌ لتأكيد معنى النّفي المفهوم من غير لئلّا يتوهّم عطف الضّالّين على الّذين أنعمت.
وقيل: لا بمعنى غير، ويؤيّده قراءة عمر: (غير المغضوب عليهم وغير الضّالّين) ذكرها أبو عبيدٍ وسعيد بن منصورٍ بإسنادٍ صحيحٍ وهي للتّأكيد أيضًا وروى أحمد وبن حبّان من حديث عديّ بن حاتمٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «{المغضوب عليهم}: اليهود، {ولا الضّالّين}: النّصارى» هكذا أورده مختصرًا وهو عند التّرمذيّ في حديثٍ طويلٍ وأخرجه بن مردويه بإسنادٍ حسنٍ عن أبي ذرٍّ وأخرجه أحمد من طريق عبد اللّه بن شقيقٍ أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه وقال بن أبي حاتمٍ: لا أعلم بين المفسّرين في ذلك اختلافًا، قال السّهيليّ: وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود {فباءوا بغضبٍ على غضبٍ} وفي النّصارى {قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا}.
ثمّ أورد المصنّف حديث أبي هريرة في موافقة الإمام في التّأمين وقد تقدّم شرحه في صفة الصّلاة، وروى أحمد وأبو داود والتّرمذيّ من حديث وائل بن حجرٍ قال سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} فقال: «آمين»، ومدّ بها صوته، وروى أبو داود وبن ماجة نحوه من حديث أبي هريرة). [فتح الباري: 8/ 159]

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب {غير المغصوب عليهم ولا الضّالّين})
أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} ، ولا وجه لذكر لفظ: باب هنا، ولا ذكره حديث الباب ههنا مناسباً لأنّه لا يتعلّق بالتفسير، وإنّما محله أن يذكر في فضل القرآن.
- حدّثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالكٌ، عن سمّي، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} فقولوا: آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدّم من ذنبه».
مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وسمي، بضم السّين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء: مولى أبي بكر بن عبد الرّحمن ابن الحارث، وأبو صالح ذكوان الزيات. والحديث مضى في الصّلاة في: باب جهر الإمام بآمين، بهذا الإسناد، ومضى الكلام فيه هناك).
[عمدة القاري: 18/ 81-82]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ): (باب {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}
(باب {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}) الجمهور على جر "غير" بدلًا من الذين على المعنى أو من ضمير عليهم، ورد بأن أصل غير الوصفية والإبدال بالأوصاف ضعيف، وقد يقال استعمل غير استعمال الأسماء نحو غيرك يفعل كذا فجاز وقوعه بدلًا لذلك. وعن سيبويه هو صفة للذين، ورد بأن غيرًا لا تتعرف.
وأجيب: بأن سيبويه نقل أن ما أضافته غير محضة قد يتمحض فيتعرف إلا الصفة المشبهة وغير داخل في هذا العموم وقرئ شاذًّا بالنصب، فقيل حال من ضمير عليهم وناصبها أنعمت، وقيل من الذين وعاملها معنى الإضافة.
قال ابن كثير: والمعنى {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} ممن تقدم وصفهم بالهداية والاستقامة غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ولا صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق، وأكد الكلام بلا ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين وهما طريقتا اليهود والنصارى، ومن أهل العربية من زعم أن "لا" في قوله: {ولا الضالين} زائدة. والصحيح ما سبق من أنها لتأكيد النفي لئلا يتوهم عطف الضالين على {الذين أنعمت عليهم} وللفرق بين الطريقين ليتجنب كل منهما،
فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم، ولذا كان الغضب لليهود والضلال للنصارى، لأن من علم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لم يهتدوا إلى طريقه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الرسول الحق ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، وأخص أوصاف النصارى الضلال، وقد روى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم أن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «المغضوب عليهم: اليهود والضالين: النصارى»، والمراد بالغضب هنا الانتقام وليس المراد به تغيرًا يحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام إذ هو محال على الله تعالى فالمراد الغاية لا الابتداء.
- حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، أخبرنا مالكٌ، عن سميٍّ عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} فقولوا: آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدّم من ذنبه».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مصغرًا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«إذا قال الإمام في الصلاة: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} فقولوا: آمين»)، بالمد والقصر لغتان، ومعناها استجب فهي اسم فعل بني على الفتح،
وقيل: اسم من أسماء الله تعالى التقدير: يا أمين، وضعف بأنه لو كان كذلك لكان مبنيًا على الضم لأنه منادى مفرد معرفة، ولأن أسماء الله تعالى توقيفية، ووجه الفارسي قول من جعله اسمًا له تعالى على معنى أن فيه ضميرًا يعود عليه تعالى لأنه اسم فعل.
«فمن وافق قوله» بآمين «قول الملائكة» بها «غفر له» أي للقائل منكم «ما تقدم من ذنبه» المتقدم كله فـ(من) بيانية لا تبعيضية، وظاهره يشمل الصغائر والكبائر، والحق أنه عام خص منه ما يتعلق بحقوق الناس فلا يغفر بالتأمن للأدلة فيه، لكنه شامل للكبائر إلا أن يدعي خروجها بدليل آخر، وزاد الجرجاني في أماليه في آخر هذا الحديث: «وما تأخر».
وعن عكرمة مما رواه عبد الرزاق قال: «صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإن وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد». وقد سبق مزيد لهذا في باب جهر الإمام بالتأمين من كتاب الصلاة). [إرشاد الساري: 7/6]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن المثنّى، وبندارٌ، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماك بن حربٍ، عن عبّاد بن حبيشٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اليهود مغضوبٌ عليهم والنّصارى ضلاّلٌ» فذكر الحديث بطوله). [سنن الترمذي: 5 /54]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله جلّ ثناؤه: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن سميٍّ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} فقولوا: آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدّم من ذنبه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/7]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالين}.
وقوله {صراط الّذين أنعمت عليهم} إبانةٌ عن الصّراط المستقيم، أيّ الصّراط هو إذ كان كلّ طريقٍ من طرق الحقّ صراطًا مستقيمًا؟ فقيل لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: اهدنا يا ربّنا الصّراط المستقيم، صراط الّذين أنعمت عليهم، بطاعتك وعبادتك من ملائكتك، وأنبيائك، والصّدّيقين، والشّهداء، والصّالحين.
وذلك نظير ما قال ربّنا جلّ ثناؤه في تنزيله: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا وإذًا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عظيمًا ولهديناهم صراطًا مستقيمًا ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين}.
قال أبو جعفرٍ: فالّذي أمر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته أن يسألوا ربّهم من الهداية للطّريق المستقيم، هي الهداية للطّريق الّذي وصف اللّه جلّ ثناؤه صفته. وذلك الطّريق هو طريق الّذين وصفهم اللّه بما وصفهم به في تنزيله، ووعد من سلكه فاستقام فيه طائعًا للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، أن يورده مواردهم، واللّه لا يخلف الميعاد.
وبنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عبّاسٍ وغيره.
- حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمّارٍ، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {صراط الّذين أنعمت عليهم} يقول: «طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، الّذين أطاعوك وعبدوك».
- وحدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: أخبرنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ، عن ربيعٍ: {صراط الّذين أنعمت عليهم} قال: «النّبيّون».
- وحدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {أنعمت عليهم} قال: «المؤمنين».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: قال وكيعٌ: «{أنعمت عليهم} المسلمين».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه: {صراط الّذين أنعمت عليهم} قال: «النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه».
قال أبو جعفرٍ: وفي هذه الآية دليلٌ واضحٌ على أنّ طاعة اللّه جلّ ثناؤه لا ينالها المطيعون إلاّ بإنعام اللّه بها عليهم وتوفيقه إيّاهم لها. أولا يسمعونه يقول: {صراط الّذين أنعمت عليهم} فأضاف كلّ ما كان منهم من اهتداءٍ وطاعةٍ وعبادةٍ إلى أنّه إنعامٌ منه عليهم؟
فإن قال قائلٌ: وأين تمام هذا الخبر، وقد علمت أنّ قول القائل لآخر: أنعمت عليك، مقتضٍ الخبر عمّا أنعم به عليه، فأين ذلك الخبر في قوله: {صراط الّذين أنعمت عليهم} وما تلك النّعمة الّتي أنعمها عليهم؟
قيل له: قد قدّمنا البيان فيما مضى من كتابنا هذا عن اجتزاء العرب في منطقها ببعضٍ من بعضٍ إذا كان البعض الظّاهر دالاً على البعض الباطن وكافيًا منه، فقوله: {صراط الّذين أنعمت عليهم} من ذلك؛ لأنّ أمر اللّه جلّ ثناؤه عباده بمسألته المعونة وطلبهم منه الهداية للصّراط المستقيم لمّا كان متقدّمًا قوله: {صراط الّذين أنعمت عليهم} الّذي هو إبانةٌ عن الصّراط المستقيم، وإبدالٌ منه، كان معلومًا أنّ النّعمة الّتي أنعم اللّه بها على من أمرنا بمسألته الهداية لطريقهم هو المنهاج القويم والصّراط المستقيم الّذي قد قدّمنا البيان عن تأويله آنفًا، فكان ظاهر ما ظهر من ذلك مع قرب تجاور الكلمتين مغنيًا عن تكراره كما قال نابغة بني ذبيان:

كأنّك من جمال بني أقيشٍ.......يقعقع خلف رجليه بشنّ
يريد: كأنّك من جمال بني أقيشٍ جملٌ يقعقع خلف رجليه بشنٍّ، فاكتفى بما ظهر من ذكر الجمال الدّالّ على المحذوف من إظهار ما حذف.
وكما قال الفرزدق بن غالبٍ:


ترى أرباقهم متقلّديها.......إذا صدئ الحديد على الكماة
يريد: متقلّديها هم، فحذف هم إذ كان الظّاهر من قوله: أرباقهم دالًّا عليها.
والشّواهد على ذلك من شعر العرب وكلامها أكثر من أن تحصى، فكذلك ذلك في قوله: {صراط الّذين أنعمت عليهم}.
القول في تأويل قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم}
قال أبو جعفرٍ: والقرّاء مجمعةٌ على قراءة غير بجرّ الرّاء منها. والخفض يأتيها من وجهين:
أحدهما أن يكون غير صفةً للّذين ونعتًا لهم فتخفضها، إذ كان الّذين خفضًا وهي لهم نعتٌ وصفةٌ؛ وإنّما جاز أن يكون غير نعتًا لالّذين، والّذين معرفةٌ وغير نكرةٍ؛ لأنّ الّذين بصلتها ليست بالمعرفة المؤقّتة كالأسماء الّتي هي أماراتٌ بين النّاس، مثل: زيدٍ وعمرٍو، وما أشبه ذلك؛ وإنّما هي كالنّكرات المجهولات، مثل: الرّجل والبعير، وما أشبه ذلك؛ فما كان الّذين كذلك صفتها، وكانت غير مضافةً إلى مجهولٍ من الأسماء نظير الّذين في أنّه معرفةٌ غير مؤقّتةٍ كما الّذين معرفةٌ غير مؤقّتةٍ، جاز من أجل ذلك أن يكون: {غير المغضوب عليهم} نعتًا لـ{الّذين أنعمت عليهم} كما يقال: لا أجلس إلاّ إلى العالم غير الجاهل، يراد: لا أجلس إلاّ إلى من يعلم، لا إلى من يجهل. ولو كان {الّذين أنعمت عليهم} معرفةً مؤقّتةً كان غير جائزٍ أن يكون {غير المغضوب عليهم} لها نعتًا، وذلك أنّه خطأٌ في كلام العرب إذا وصفت معرفةً مؤقّتةً بنكرةٍ أن تلزم نعتها النّكرة إعراب المعرفة المنعوت بها، إلاّ على نيّة تكرير ما أعرب المنعت بها. خطأٌ في كلامهم أن يقال: مررت بعبد اللّه غير العالم، فتخفض غير إلاّ على نيّة تكرير الباء الّتي أعربت (عبد اللّه) فكان معنى ذلك لو قيل كذلك: مررت (بعبد اللّه) مررت بغير العالم. فهذا أحد وجهي الخفض في: {غير المغضوب عليهم}.
والوجه الآخر من وجهي الخفض فيها: أن يكون الّذين بمعنى المعرفة المؤقّتة. وإذا وجّه إلى ذلك، كانت غير مخفوضةً بنيّة تكرير الصّراط الّذي خفض الّذين عليها، فكأنّك قلت: {صراط الّذين أنعمت عليهم} صراط غير المغضوب عليهم.
وهذان التّأويلان في {غير المغضوب عليهم}، وإن اختلفا باختلاف معربيهما، فإنّهما يتقارب معناهما؛ من أجل أنّ من أنعم اللّه عليه فهداه لدينه الحقّ فقد سلم من غضب ربّه ونجا من الضّلال في دينه.
فسواءٌ إذ كان سامع قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم} غير جائزٍ أن يرتاب مع سماعه ذلك من تاليه في أنّ الّذين أنعم اللّه عليهم بالهداية للصّراط، غير غاضبٍ ربّهم عليهم مع النّعمة الّتي قد عظمت منّته بها عليهم في دينهم، ولا أن يكونوا ضلاّلاً وقد هداهم الحقّ ربّهم، إذ كان مستحيلاً في فطرهم اجتماع الرّضا من اللّه جلّ ثناؤه عن شخصٍ والغضب عليه في حالٍ واحدةٍ واجتماع الهدى والضّلال له في وقتٍ واحدٍ، أوصف القوم مع وصف اللّه إيّاهم بما وصفهم به من توفيقه إيّاهم وهدايته لهم وإنعامه عليهم بما أنعم اللّه به عليهم في دينهم بأنّهم غير مغضوبٍ عليهم ولا هم ضالّون، أم لم يوصفوا بذلك؛ لأنّ الصّفة الظّاهرة الّتي وصفوا بها قد أنبأت عنهم أنّهم كذلك وإن لم يصرّح وصفهم به. هذا إذا وجّهنا غير إلى أنّها مخفوضةٌ على نيّة تكرير الصّراط الخافض الّذين، ولم نجعل {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} من صفة {الّذين أنعمت عليهم} بل إذا جعلناهم غيرهم؛ وإن كان الفريقان لا شكّ منعمًا عليهما في أديانهم. فأمّا إذا وجّهنا: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} إلى أنّها من نعت {الّذين أنعمت عليهم} فلا حاجة بسامعه إلى الاستدلال، إذ كان الصّريح من معناه قد أغنى عن الدّليل.
وقد يجوز نصب غير في {غير المغضوب عليهم} وإن كنت للقراءة بها كارهًا لشذوذها عن قراءة القرّاء. وإنّ ما شذّ من القراءات عمّا جاءت به الأمّة نقلاً ظاهرًا مستفيضًا، فرأيٌ للحقّ مخالفٌ وعن سبيل اللّه وسبيل رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وسبيل المسلمين متجانفٌ، وإن كان له، لو كان جائز القراءة به، في الصّواب مخرجٌ.
وتأويل وجه صوابه إذا نصبت: أن يوجّه إلى أن يكون صفةً للهاء والميم اللّتين في عليهم العائدة على الّذين، لأنّها وإن كانت مخفوضةً بعلى، فهي في محلّ نصبٍ بقوله: {أنعمت} فكان تأويل الكلام إذا نصبت غير الّتي مع المغضوب عليهم: صراط الّذين هديتهم إنعامًا منك عليهم غير مغضوبٍ عليهم، أي: لا مغضوبًا عليهم ولا ضالّين. فيكون النّصب في ذلك حينئذٍ كالنّصب في غير في قولك: مررت بعبد اللّه غير الكريم ولا الرّشيد، فتقطع غير الكريم من عبد اللّه، إذ كان عبد اللّه معرفةً مؤقّتةً وغير الكريم نكرةً مجهولةً.
وقد كان بعض نحويّي البصريّين يزعم أنّ قراءة من نصب غير في {غير المغضوب عليهم} على وجه استثناءٍ {غير المغضوب عليهم} من معاني صفة {الّذين أنعمت عليهم} كأنّه كان يرى أنّ معنى الّذين قرءوا ذلك نصبًا: {اهدنا الصّراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم} إلاّ المغضوب عليهم الّذين لم تنعم عليهم في أديانهم ولم تهدهم للحقّ، فلا تجعلنا منهم؛ كما قال نابغة بني ذبيان:

وقفت فيها أصيلالاً أسائلها.......عيت جوابًا وما بالرّبع من أحد
إلا واريّ لأيًا ما أبيّنها.......والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
والأواريّ معلومٌ أنّها ليست من عداد أحدٍ في شيءٍ. فكذلك عنده استثنى {غير المغضوب عليهم} من {الّذين أنعمت عليهم} وإن لم يكونوا من معانيهم في الدّين في شيءٍ.
وأمّا نحويّو الكوفيّين فأنكروا هذا التّأويل واستخطئوه، وزعموا أنّ ذلك لو كان كما قاله الزّاعم ما زعم من أهل البصرة لكان خطأً أن يقال: {ولا الضّالّين} لأنّ لا نفيٌ وجحدٌ، ولا يعطف بجحدٍ إلاّ على جحدٍ؛ وقالوا: لم نجد في شيءٍ من كلام العرب استثناءً يعطف عليه بجحدٍ، وإنّما وجدناهم يعطفون على الاستثناء بالاستثناء، وبالجحد على الجحد فيقولون في الاستثناء: قام القوم إلاّ أخاك وإلاّ أباك؛ وفي الجحد: ما قام أخوك، ولا أبوك؛ وأما قام القوم إلاّ أباك ولا أخاك، فلم نجده في كلام العرب؛ قالوا: فلمّا كان ذلك معدومًا في كلام العرب وكان القرآن بأفصح لسان العرب نزوله، علمنا إذ كان قوله: {ولا الضّالّين} معطوفًا على قوله: {غير المغضوب عليهم} أنّ (غير) بمعنى الجحد لا بمعنى الاستثناء، وأنّ تأويل، من وجّهها إلى الاستثناء خطأٌ.
فهذه أوجه تأويل {غير المغضوب عليهم} باختلاف أوجه إعراب ذلك.
وإنّما اعترضنا بما اعترضنا في ذلك من بيان وجوه إعرابه، وإن كان قصدنا في هذا الكتاب الكشف عن تأويل آي القرآن، لما في اختلاف وجوه إعراب ذلك من اختلاف وجوه تأويله، فاضطرّتنا الحاجة إلى كشف وجوه إعرابه، لتنكشف لطالب تأويله وجوه تأويله على قدر اختلاف المختلفة في تأويله وقراءته.
والصّواب من القول في تأويله وقراءته عندنا القول الأوّل، وهو قراءة: {غير المغضوب عليهم} بخفض الرّاء من غير بتأويل أنّها صفةٌ لـ{الّذين أنعمت عليهم} ونعتٌ لهم؛ لما قد قدّمنا من البيان إن شئت، وإن شئت فبتأويل تكرار صراط كلّ ذلك صوابٌ حسنٌ.
فإن قال لنا قائلٌ: فمن هؤلاء المغضوب عليهم الّذين أمرنا اللّه جلّ ثناؤه بمسألته أن لا يجعلنا منهم؟
قيل: هم الّذين وصفهم اللّه جلّ ثناؤه في تنزيله فقال: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السّبيل} فأعلمنا جلّ ذكره بمنّه ما أحلّ بهم من عقوبته بمعصيتهم إيّاه، ثمّ علّمنا، منّةً منه علينا، وجه السّبيل إلى النّجاة، من أن يحلّ بنا مثل الّذي حلّ بهم من المثلات، ورأفةً منه بنا.
فإن قيل: وما الدّليل على أنّهم أولاء الّذين وصفهم اللّه وذكر نبأهم في تنزيله على ما وصفت؟
قيل: حدّثني أحمد بن الوليد الرّمليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ الرّقّيّ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «المغضوب عليهم: اليهود».
- وحدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة عن سماك بن حربٍ، قال: سمعت عبّاد بن حبيشٍ يحدّث عن عديّ بن حاتمٍ قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ المغضوب عليهم: اليهود».
- وحدّثني عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمّد بن مصعبٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حربٍ، عن مرّيّ بن قطريٍّ، عن عديّ بن حاتمٍ قال: سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه جلّ وعزّ: {غير المغضوب عليهم} قال: «هم اليهود».
- وحدّثنا حميد بن مسعدة الساميّ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ: أنّ رجلاً أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو محاصرٌ وادي القرى فقال: من هؤلاء الّذين تحاصر يا رسول اللّه؟ قال: «هؤلاء المغضوب عليهم: اليهود».
- وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سعيدٍ الجريريّ، عن عروة، عن عبد اللّه بن شقيقٍ: أنّ رجلاً أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحوه.
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن بديلٍ العقيليّ، قال: أخبرني عبد اللّه بن شقيقٍ: أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجلٌ من بني القين، فقال: يا رسول اللّه من هؤلاء؟ قال:«المغضوب عليهم» وأشار لليهود.
- وحدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا خالدٌ الواسطيّ، عن خالدٍ الحذّاء، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، أنّ رجلاً سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحوه.
- وحدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمّارٍ، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{غير المغضوب عليهم} يعني اليهود الّذين غضب اللّه عليهم».
- وحدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن طلحة، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{غير المغضوب عليهم} هم اليهود».
- وحدّثنا ابن حميدٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهدٍ، قال: {غير المغضوب عليهم} قال: «هم اليهود».
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن أبي جعفرٍ، عن ربيعٍ: {غير المغضوب عليهم} قال: «اليهود».

- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {غير المغضوب عليهم} قال: «اليهود».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «{غير المغضوب عليهم}: اليهود».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني ابن زيدٍ، عن أبيه، قال: «{المغضوب عليهم}: اليهود».
قال أبو جعفرٍ: واختلف في صفة الغضب من اللّه جلّ ذكره؛
فقال بعضهم: غضب اللّه على من غضب عليه من خلقه إحلال عقوبته بمن غضب عليه، إمّا في دنياه، وإمّا في آخرته، كما وصف به نفسه جلّ ذكره في كتابه فقال: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين} وكما قال: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير}.
وقال بعضهم: غضب اللّه على من غضب عليه من عباده ذمٌّ منه لهم ولأفعالهم، وشتمٌ منه لهم بالقول.
وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهومٌ، كالّذي يعرف من معاني الغضب. غير أنّه وإن كان كذلك من جهة الإثبات، فمخالفٌ معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميّين الّذى يزعجهم ويحرّكهم ويشقّ عليهم ويؤذيهم؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لا تحلّ ذاته الآفات، ولكنّه له صفةٌ كما العلم له صفةٌ، والقدرة له صفةٌ على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد الّتي هي معارف القلوب وقواهم الّتي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها.
القول في تأويل قوله تعالى: {ولا الضّالّين}.
قال أبو جعفرٍ: كان بعض أهل البصرة يزعم أنّ لا مع الضّالّين أدخلت تتميمًا للكلام والمعنى إلغاؤها، يستشهد على قيله ذلك ببيت العجّاج:
في بئرٍ لا حورٍ سرى وما شعر
ويتأوّله بمعنى: في بئر حورٍ سرى، أي: في بئر هلكةٍ، وأنّ لا بمعنى الإلغاء والصّلة. ويعتلّ أيضًا لذلك بقول أبي النّجم:

فما ألوم البيض أن لا تسخرا.......لمّا رأين الشّمط القفندرا
وهو يريد: فما ألوم البيض أن تسخر وبقول الأحوص:

ويلحينني في اللّهو أن لا أحبّه.......وللّهو داعٍ دائبٌ غير غافل
يريد: ويلحينني في اللّهو أن أحبّه. وبقوله تعالى: {ما منعك ألاّ تسجد} يريد أن تسجد.
وحكي عن قائل هذه المقالة أنّه كان يتأوّل غير الّتي مع المغضوب عليهم أنّها بمعنى سوى، فكان معنى الكلام كان عنده: {اهدنا الصّراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم} الّذين هم سوى المغضوب عليهم والضّالين.
وكان بعض نحويّي الكوفيين يستنكر ذلك من قوله، ويزعم أنّ (غير) الّتي مع المغضوب عليهم لو كانت بمعنى سوى لكان خطأً أن يعطف عليها بـ(لا)، إذ كانت (لا) لا يعطف بها إلاّ على جحدٍ قد تقدّمها. كما كان خطأً قول القائل: عندي سوى أخيك، ولا أبيك؛ لأنّ سوى ليست من حروف النّفي والجحود؛ ويقول: لمّا كان ذلك خطأً في كلام العرب، وكان القرآن بأفصح اللّغات من لغات العرب. كان معلومًا أنّ الّذي زعمه القائل أنّ (غير) مع (المغضوب عليهم) بمعنى: سوى المغضوب عليهم خطأٌ، إذ كان قد كرّ عليه الكلام بلا. وكان يزعم أنّ غير هنالك إنّما هي بمعنى الجحد. وكان صحيحًا في كلام العرب وفاشيًا ظاهرًا في منطقها توجيه غير إلى معنى النّفي ومستعملاً فيهم: أخوك غير محسنٍ ولا مجملٍ، يراد بذلك أخوك لا محسنٌ، ولا مجملٌ، ويستنكر أن تأتي لا بمعنى الحذف في الكلام مبتدأً ولمّا يتقدّمها جحدٌ، ويقول: لو جاز مجيئها بمعنى الحذف مبتدأً قبل دلالةٍ تدلّ، على ذلك من جحدٍ سابقٍ، لصحّ قول قائلٍ قال: أردت أن لا أكرم أخاك، بمعنى: أردت أن أكرم أخاك. وكان يقول: ففي شهادة أهل المعرفة بلسان العرب على تخطئة قائل ذلك دلالةٌ واضحةٌ على أنّ لا تأتي مبتدأةً بمعنى الحذف، ولمّا يتقدّمها جحدٌ. وكان يتأوّله في (لا) الّتي في بيت العجّاج الّذي ذكرنا أنّ البصريّ استشهد به لقوله إنّها جحدٌ صحيحٌ، وأنّ معنى البيت: سرى في بئرٍ لا تحير عليه خيرًا، ولا يتبيّن له فيها أثر عملٍ، وهو لا يشعر بذلك ولا يدري به. من قولهم: طحنت الطّاحنة فما أحارت شيئًا؛ أي: لم يتبيّن لها أثر عملٍ. ويقول في سائر الأبيات الأخر، أعني مثل بيت أبي النّجم:


فما ألوم البيض أن لا تسخرا
إنّما جاز أن تكون لا بمعنى الحذف، لأنّ الجحد قد تقدّمها في أوّل الكلام، فكان الكلام الآخر مواصلاً للأوّل، كما قال الشّاعر:

ما كان يرضى رسول اللّه فعلهم.......والطّيّبان أبو بكرٍ ولا عمر
فجاز ذلك، إذ كان قد تقدّم الجحد في أوّل الكلام.
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول الآخر أولى بالصّواب من الأوّل، إذ كان غير موجودٍ في كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحدٍ تقدّمه بلا الّتي معناها الحذف، ولا جائزٌ العطف بها على سوى، ولا على حرف الاستثناء. وإنّما لـ(غير) في كلام العرب معانٍ ثلاثةٌ:
أحدها الاستثناء، والآخر الجحد، والثّالث سوى،
فإذا ثبت خطأ أن لا تكون بمعنى الإلغاء مبتدأٌ وفسد أن يكون عطفًا على غير الّتي مع {المغضوب عليهم} لو كانت بمعنى إلاّ الّتي هي استثناءٌ، ولم يجز أيضًا أن يكون عطفًا عليها لو كانت بمعنى سوى، وكانت لا موجودةً عطفًا بالواو الّتي هي عاطفةٌ لها على ما قبلها، صحّ وثبت أن لا وجه لغير الّتي مع {المغضوب عليهم} يجوز توجيهها إليه على صحّة إلاّ بمعنى الجحد والنّفي، وأن لا وجه لقوله: {ولا الضّالّين} إلاّ العطف على {غير المغضوب عليهم}.
فتأويل الكلام إذًا إذ كان صحيحًا ما قلنا بالّذي عليه استشهدنا: {اهدنا الصّراط المستقيم * صراط الّذين أنعمت عليهم} لا المغضوب عليهم ولا الضّالّين.
فإن قال لنا قائلٌ: ومن هؤلاء الضّالّون الّذين أمرنا اللّه بالاستعاذة باللّه أن يسلك بنا سبيلهم، ونضلّ ضلالهم؟
قيل: هم الّذين وصفهم اللّه في تنزيله، فقال: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل}.
فإن قال: وما برهانك على أنّهم أولاء؟
قيل: حدّثنا أحمد بن الوليد الرّمليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا الضّالّين} قال: «النّصارى».
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، أنبأنا محمّد بن جعفرٍ، أنبأنا شعبة عن سماكٍ، قال: سمعت عبّاد بن حبيشٍ يحدّث عن عديّ بن حاتمٍ، قال:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الضّالّين: النّصارى».
- وحدّثني عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا مسلمٌ بن عبد الرّحمن، قالا: حدّثنا محمّد بن مصعبٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حربٍ، عن مرّيّ بن قطريٍّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال:سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه: {ولا الضّالّين} قال: «النّصارى هم الضّالّون».
- حدّثنا حميد بن مسعدة الساميّ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ: أنّ رجلاً، أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو محاصر وادي القرى قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: «هؤلاء الضّالّون: النّصارى».
- وحدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سعيدٍ الجريريّ، عن عروة يعني ابن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ عن بديلٍ العقيليّ، قال: أخبرني عبد اللّه بن شقيقٍ، أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجلٌ من بني القين فقال: يا رسول اللّه من هؤلاء؟ قال: «هؤلاء الضّالّون» يعني النّصارى.
- وحدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا خالدٌ الواسطيّ، عن خالدٍ الحذّاء، عن عبد اللّه بن شقيقٍ أنّ رجلاً سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو محاصرٌ وادي القرى وهو على فرسٍ من هؤلاء؟ قال: «الضّالّون» يعني النّصارى .
- وحدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهدٍ: {ولا الضّالّين} قال: «النّصارى».
- وحدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمّارٍ، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ولا الضّالّين} قال: «وغير طريق النّصارى الّذين أضلّهم اللّه بفريتهم عليه». قال: «يقول: فألهمنا دينك الحقّ، وهو لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، حتّى لا تغضب علينا كما غضبت على اليهود ولا تضلّنا كما أضللت النّصارى فتعذّبنا بما تعذّبهم به. يقول: امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك وقدرتك».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: «الضّالّين: النّصارى».
- وحدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن محمّدٍ الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{ولا الضّالّين}: هم النّصارى».
- وحدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: أخبرنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ، عن ربيعٍ: «{ولا الضّالّين} النّصارى».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال عبد الرّحمن بن زيدٍ: «{ولا الضّالّين} النّصارى».
- وحدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زيدٍ، عن أبيه، قال: «{ولا الضّالّين} النّصارى».
قال أبو جعفرٍ: فكلّ جائر عن قصد السّبيل وسالكٍ غير المنهج القويم فضالٌّ عند العرب لإضلاله وجه الطّريق، فلذلك سمّى اللّه جلّ ذكره النّصارى ضلاّلاً لخطئهم في الحقّ منهج السّبيل، وأخذهم من الدّين في غير الطّريق المستقيم.
فإن قال قائلٌ: أوليس ذلك أيضًا من صفة اليهود؟
قيل: بلى.
فإن قال: كيف خصّ النّصارى بهذه الصّفة، وخصّ اليهود بما وصفهم به من أنّهم مغضوبٌ عليهم؟
قيل: إنّ كلا الفريقين ضلاّلٌ مغضوبٌ عليهم، غير أنّ اللّه جلّ ثناؤه وسم كلّ فريقٍ منهم من صفته لعباده بما يعرفونه به إذا ذكره لهم، أو أخبرهم عنه، ولم يسمّ واحدًا من الفريقين إلاّ بما هو له صفةٌ على حقيقته، وإن كان له من صفات الذّمّ زياداتٌ عليه.
وقد ظنّ بعض أهل الغباء من القدريّة أنّ في وصف اللّه جلّ ثناؤه النّصارى بالضّلال بقوله: {ولا الضّالّين} وإضافته الضّلاّل إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه،وتركه وصفهم بأنّهم المضلّلون كالّذي وصف به اليهود أنّهم المغضوب عليهم، دلالةً على صحّة ما قاله إخوانه من جهلة القدريّة جهلاً منه بسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه. ولو كان الأمر على ما ظنّه الغبيّ الّذي وصفنا شأنه لوجب أن يكون شأن كلّ موصوفٍ بصفةٍ أو مضافٍ إليه فعلٌ لا يجوز أن يكون فيه سببٌ لغيره، وأن يكون كلّ ما كان فيه من ذلك لغيره سببٌ فالحقّ فيه أن يكون مضافًا إلى مسبّبه، ولو وجب ذلك لوجب أن يكون خطأً قول القائل: تحرّكت الشّجرة إذا حرّكتها الرّياح، واضطربت الأرض، إذا حرّكتها الزّلزلة، وما أشبه ذلك من الكلام الّذي يطول بإحصائه الكتاب.
وفي قول اللّه جلّ ثناؤه: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} وإضافته الجري إلى الفلك، وإن كان جريها بإجراء غيرها إيّاها، ما يدلّ على خطأ التّأويل الّذي تأوّله من وصفنا قوله في قوله: {ولا الضّالّين} وادّعائه أنّ في نسبة اللّه جلّ ثناؤه الضّلالة إلى من نسبها إليه من النّصارى تصحيحًا لما ادّعى المنكرون أن للّه في أفعال خلقه سببٌا من أجله وجدت أفعالهم، مع إبانة اللّه عزّ ذكره نصًّا في آيٍ كثيرةٍ من تنزيله أنّه المضلّ الهادي؛ فمن ذلك قوله جلّ ثناؤه: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً فمن يهديه من بعد اللّه أفلا تذكّرون} فأنبأ جلّ ذكره أنّه المضلّ الهادي دون غيره.
ولكنّ القرآن نزل بلسان العرب، على ما قد قدّمنا البيان عنه في أوّل الكتاب. ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه، وإن كان مسبّبه غير الّذي وجد منه أحيانًا، وأحيانًا إلى مسبّبه، وإن كان الّذي وجد منه الفعل غيره. فكيف بالفعل الّذي يكتسبه العبد كسبًا ويوجده اللّه جلّ ثناؤه عينًا ونشأةً؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلى مكتسبه كسبًا له بالقوّة منه عليه والاختيار منه له، وإلى اللّه جلّ ثناؤه بإيجاد عينه وإنشائها تدبيرًا.
مسألةٌ يسأل عنها أهل الإلحاد الطّاعنون في القرآن
إن سألنا منهم سائلٌ فقال: إنّك قد قدّمت في أوّل كتابك هذا في وصف البيان بأنّ أعلاه درجةً وأشرفه مرتبةً، أبلغه في الإبانة عن حاجة المبين به عن نفسه وأبينه عن مراد قائله وأقربه من فهم سامعه، وقلت مع ذلك إنّ أولى البيان بأن يكون كذلك كلام اللّه جلّ ثناؤه لفضله على سائر الكلام وبارتفاع درجته على أعلى درجات البيان. فما الوجه إذ كان الأمر على ما وصفت في إطالة الكلام بمثل سورة أمّ القرآن بسبع آياتٍ؟
وقد حوت معاني جميعها منها آيتان، وذلك قوله: {مالك يوم الدّين}، {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} إذ كان لا شكّ أنّ من عرف: {مالك يوم الدّين} فقد عرفه بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى. وأنّ من كان للّه مطيعًا، فلا شكّ أنّه لسبيل من أنعم اللّه عليه في دينه متّبعٌ، وعن سبيل من غضب عليه وضلّ منعدلٌ، فما في زيادة الآيات الخمس الباقية من الحكمة الّتي لم تحوها الآيتان اللّتان ذكرنا؟
قيل له: إنّ اللّه تعالى ذكره جمع لنبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولأمّته بما أنزل إليه من كتابه معاني لم يجمعهنّ بكتابٍ أنزله إلى نبيٍّ قبله ولا لأمّةٍ من الأمم قبلهم. وذلك أنّ كلّ كتابٍ أنزله جلّ ذكره على نبيٍّ من أنبيائه قبله، فإنّما أنزل ببعض المعاني الّتي يحوي جميعها كتابه الّذي أنزله إلى نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، كالتّوراة الّتي هي مواعظ وتفصيلٌ، والزّبور الّذي هو تحميدٌ وتمجيدٌ، والإنجيل الّذي هو مواعظ وتذكيرٌ؛ لا معجزة في واحدٍ منها تشهد لمن أنزل إليه بالتّصديق. والكتاب الّذي أنزل على نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يحوي معاني ذلك كلّه، ويزيد عليه كثيرًا من المعاني الّتي سائر الكتب غيره منها خالٍ، وقد قدّمنا ذكرها فيما مضى من هذا الكتاب.
ومن أشرف تلك المعاني الّتي فضل بها كتابنا سائر الكتب قبله: نظمه العجيب، ورصفه الغريب، وتأليفه البديع، الّذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورةٍ منه الخطباء، وكلّت عن رصف شكل بعضه البلغاء، وتحيّرت في تأليفه الشّعراء، وتبلّدت قصورًا عن أن تأتي بمثله لديه أفهام الفهماء.
فلم يجدوا له إلاّ التّسليم، والإقرار بأنّه من عند الواحد القهّار، مع ما يحوي مع ذلك من المعاني الّتي هي ترغيبٌ، وترهيبٌ، وأمرٌ، وزجرٌ، وقصصٌ، وجدلٌ، ومثلٌ، وما أشبه ذلك من المعاني الّتي لم تجتمع في كتابٍ أنزل إلى الأرض من السّماء. فمهما يكن فيه من إطالةٍ على نحو ما في أمّ القرآن، فلما وصفت قبل من أنّ اللّه جلّ ذكره أراد أن يجمع برصفه العجيب، ونظمه الغريب، المنعدل عن أوزان الأشعار، وسجع الكهّان، وخطب الخطباء، ورسائل البلغاء، العاجز عن وصف مثله جميع الأنام، وعن نظم نظيره كلّ العباد الدّلالة على نبوّة نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وبما فيه من تحميدٍ وتمجيدٍ وثناءٍ عليه، تنبيهًا للعباد على عظمته وسلطانه وقدرته وعظم مملكته، ليذكروه بآلائه ويحمدوه على نعمائه، فيستحقّوا به منه المزيد ويستوجبوا عليه الثّواب الجزيل.
وبما فيه من نعت من أنعم عليه بمعرفته، وتفضّل عليه بتوفيقه لطاعته، تعريف عباده أنّ كلّ ما بهم من نعمةٍ في دينهم ودنياهم فمنه، ليصرفوا رغبتهم إليه، ويبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة والأنداد.
وبما فيه من ذكره ما أحلّ بمن عصاه من مثلاته، وأنزل بمن خالف أمره من عقوباته؛ ترهيب عباده عن ركوب معاصيه، والتّعرّض لما لا قبل لهم به من سخطه، فيسلك بهم في النّكال والنّقمات سبيل من ركب ذلك من الهلاّك.
فذلك وجه إطالة البيان في سورة أمّ القرآن، وفيما كان نظيرًا لها من سائر سور الفرقان، وذلك هو الحكمة البالغة والحجّة الكاملة
). [جامع البيان: 1/ 186-201]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): {صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين (7)}
قوله: {صراط الّذين أنعمت عليهم}

- به عن ابن عبّاسٍ: {صراط الّذين أنعمت عليهم} يقول: «طريق من أنعمت عليهم».
قوله تعالى: {أنعمت عليهم}
الوجه الأول
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: {أنعمت عليهم} يقول: «الملائكة والنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء الّذين أطاعوني وعبدوني».
والوجه الثّاني
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {صراط الّذين أنعمت عليهم} قال: «هم المؤمنون».

قوله: {غير المغضوب عليهم}
- حدّثنا علان بن المغيرة المصريّ، ثنا أحمد بن حنبلٍ، ثنا محمّد بن جعفرٍ غندرٌ، ثنا شعبة قال: سمعت سماك بن حربٍ يقول: سمعت عبّاد بن حبيشٍ يحدّث عن عديّ بن حاتمٍ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «{المغضوب عليهم}: اليهود، {ولا الضّالّين}: النّصارى». قال أبو سعيد: ولا أعلم بين المفسّرين في هذا الحرف اختلافًا.
قوله تعالى: {ولا الضّالّين}
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ الدّشتكيّ، أنبأ عمرو بن أبي قيسٍ، عن سماك بن حربٍ، عن عبّاد بن حبيشٍ، عن عديّ بن حاتمٍ قال: أتيت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو جالسٌ في المسجد فقال: «إنّ اليهود مغضوبٌ عليهم، والنّصارى ضلالٌ».
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء أبو كريبٍ، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، ثنا أبو روقٍ عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: «وغير طريق الظالمين، وهم النّصارى الّذين أضلّهم اللّه بعزّيّتهم عليه، يقول: فألهمنا دينك الحقّ، وهو لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له حتّى لا تغضب علينا كما غضبت على اليهود، ولا تضلّنا كما أضللت النّصارى فتعذّبنا كما تعذّبهم. يقول: امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك ورقّتك وقدرتك». قال أبو محمّدٍ: ولا أعلم في هذا الحرف اختلافا بين المفسرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 31]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) - عدي بن حاتم- رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المغضوب عليهم: اليهود، والضالّين: النّصارى».
هذا لفظ الترمذي، وهو طرفٌ من حديثٍ طويل يتضمّن إسلام عديّ بن حاتم، وهو مذكور في كتاب «الفضائل» من حرف «الفاء»). [جامع الأصول: 2/ 7]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (- وعن عبد اللّه بن شقيقٍ أنّه أخبره من سمع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول وهو بوادي القرى، وهو على فرسه، وسأله رجلٌ من بلقين، فقال لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: من هؤلاء؟ قال: «هؤلاء المغضوب عليهم» وأشار إلى اليهود. فقال: من هؤلاء؟ قال: «الضّالّون» يعني النّصارى.
وجاءه رجلٌ فقال: استشهد مولاك -أو غلامك- فلانٌ، قال: «بل يجرّ إلى النّار في عباءةٍ غلّها».
- وفي روايةٍ بسنده: وسأله رجلٌ من بلقين، فقال: «يا رسول اللّه، من هؤلاء المغضوب عليهم؟» فأشار إلى اليهود، فذكر نحوه.
رواه كلّه أحمد، ورجال الجميع رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6 /310-311]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (وعن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - أنّه قرأ على رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {مالك يوم الدّين} بالألف، غير المغضوب عليهم، خفضٍ، رواه الطّبرانيّ، وفيه الفيّاض بن غزوان وهو ضعيفٌ، وجماعةٌ لم أعرفهم). [مجمع الزوائد: 6/ 311] (م)
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن السّاميّ حدّثنا حمد بن حنبلٍ حدّثنا محمّد بن جعفرٍ حدّثنا شعبة قال سمعت سماك بن حربٍ قال سمعت عبّاد بن حبيشٍ يحدّث عن عديّ بن حاتمٍ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المغضوب عليهم: اليهود، والضّالّين: النّصارى»). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/ 424]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
-أخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي داود، وابن الأنباري كلاهما في المصاحف من طرق عمر بن الخطاب، أنه كان يقرأ (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين).
-وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن أبي داود، وابن الأنباري عن عبد الله بن الزبير قرأ (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين) في الصلاة.
-وأخرج ابن الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ (عليهمي) بكسر الهاء والميم واثبات الياء.
-وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج أنه كان يقرأ (عليهمو) بضم الهاء والميم وإلحاق الواو.
-وأخرج ابن الأنباري عن عبد الله بن كثير أنه كان يقرأ (أنعمت عليهمو) بكسر الهاء وضم الميم مع إلحاق الواو.
-وأخرج ابن الأنباري عن ابن إسحاق أنه قرأ {عليهم} بضم الهاء والميم من غير إلحاق واو.
-وأخرج ابن أبي داود عن إبراهيم قال: كان عكرمة والأسود يقرآنها (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين).
-وأخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال: «{أنعمت عليهم} الآية السادسة».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {صراط الذين أنعمت عليهم} يقول: «طريق من أنعمت عليهم من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك».
-وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {صراط الذين أنعمت عليهم} قال: «المؤمنين».
-وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله {صراط الذين} قال: «النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه».
-وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله {صراط الذين أنعمت عليهم} قال: «النبيون»، {غير المغضوب عليهم} قال: «اليهود»، {ولا الضالين} قال: «النصارى».
-وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {غير المغضوب عليهم} قال: «اليهود»، {ولا الضالين} قال: «النصارى».
-وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: «اليهود والنصارى».
-وأخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده، وعبد بن حميد، وابن جرير والبغوي في معجم الصحابة، وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال: أخبرني من سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرس له وسأله رجل من بني العين فقال: من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ قال: «اليهود» قال: فمن الضالون؟ قال: «النصارى».
-وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل: من هؤلاء؟ قال: «هؤلاء المغضوب عليهم» يعني اليهود، قال: يا رسول الله فمن هؤلاء الطائفة الأخرى؟ قال: «هؤلاء الضالون» يعني النصارى.
-وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الله بن شقيق، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {المغضوب عليهم} قال: «اليهود» قلت: {الضالين} قال: «النصارى».
-وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن شقيق عن رجل من بلعين عن ابن عم له أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت: من هؤلاء عندك؟ قال: «{المغضوب عليهم}: اليهود {ولا الضالين} النصارى».
-وأخرج سفيان بن عيينة في تفسيره وسعيد بن منصور عن إسماعيل بن أبي خالد أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «المغضوب عليهم اليهود، والضالون هم النصارى».
-وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى».
-وأخرج أحمد وأبو داود، وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني عن الشريد قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على إلية يدي قال: «أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟!».
-وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود قال: «{المغضوب عليهم} اليهود و{الضالين} النصارى».
-وأخرج ابن جريج عن مجاهد، مثله، قال ابن أبي حاتم: لا أعلم خلافا بين المفسرين في تفسير {المغضوب عليهم} باليهود {الضالين} بالنصارى). [الدر المنثور: 1/ 81-87]

التأمين بعد: {ولا الضالين}
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (ذكر آمين:
-أخرج وكيع، وابن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال: «لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فبلغ {ولا الضالين} قال: قل آمين فقال: آمين».
-وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن وائل بن حجر الحضرمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال: «آمين» يمد بها صوته.
-وأخرج الطبراني والبيهقي عن وائل بن حجر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: «رب اغفر لي، آمين».
-وأخرج الطبراني عن وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال: «آمين» ثلاث مرات.
-وأخرج ابن ماجه عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال {ولا الضالين} قال: «آمين».
-وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ -يعني الإمام- {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين يحبكم الله».
-وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
-وأخرج أبو يعلى في مسنده، وابن مردويه بسند جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال الذين خلفه: آمين، التقت من أهل السماء وأهل الأرض، ومن لم يقل: آمين، كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا سهامهم ولم يخرج سهمه، فقال: ما لسهمي لم يخرج؟، قال: إنك لم تقل: آمين».
-وأخرج أبو داود بسند حسن عن أبي زهير النميري وكان من الصحابة أنه كان إذا دعا الرجل بدعاء قال: «اختمه بآمين فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة». وقال أخبركم عن ذلك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأتينا على رجل قد ألح في المسألة فوقف النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسمع منه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أوجب إن ختم»، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: «بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب».
-وأخرج أحمد، وابن ماجه والبيهقي في "سننه" عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم علي التأمين».
-وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين».
-وأخرج ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود قوم حسد حسدوكم على ثلاثة أشياء: إفشاء السلام، وإقامة الصف، وآمين».
-وأخرج الطبراني في الأوسط عن معاذ بن جبل أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن اليهود قوم حسد ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث: رد السلام، وإقامة الصفوف، وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة: آمين».
-وأخرج الحارث بن أسامة في مسنده والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعطيت ثلاث خصال: أعطيت صلاة الصفوف، وأعطيت السلام وهو تحية أهل الجنة، وأعطيت آمين، ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلا أن يكون الله أعطاها هرون فإن موسى كان يدعو وهرون يؤمن»، ولفظ الحكيم: «إن الله أعطى أمتي ثلاثا لم يعطها أحد قبلهم: السلام وهو تحية أهل الجنة، وصفوف الملائكة، وآمين إلا ما كان من موسى وهرون».
-وأخرج الطبراني في الدعاء، وابن عدي، وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين».
-وأخرج جوبير في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال: قلت: يا رسول الله ما معنى آمين؟ قال: «رب افعل».
-وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس، مثله.
-وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ومجاهد قالا: «آمين اسم من أسماء الله».
-وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير، مثله.
-وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: «كان يستحب إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} أن يقال: اللهم اغفر لي، آمين».
-وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: «إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقل: اللهم إني أسالك الجنة وأعوذ بك من النار».
-وأخرج ابن أبي شيبة عن الربيع بن خيثم قال: «إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فاستعن من الدعاء ما شئت».
-وأخرج ابن شاهين في السنة عن إسماعيل بن مسلم قال: في حرف أبي بن كعب (غير المغضوب عليهم وغير الضالين آمين بسم الله)، قال إسماعيل: وكان الحسن إذا سئل عن آمين ما تفسيرها: «هو اللهم استجب»). [الدر المنثور: 1/ 87-93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال: آمين لم يبق في السماء ملك مقرب إلا استغفر له»). [الدر المنثور: 1 /93]


رد مع اقتباس