عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 03:17 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({آمنوا باللّه ورسوله وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه فالّذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ (7) وما لكم لا تؤمنون باللّه والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين (8) هو الّذي ينزّل على عبده آياتٍ بيّناتٍ ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور وإنّ اللّه بكم لرءوفٌ رحيمٌ (9) وما لكم ألّا تنفقوا في سبيل اللّه وللّه ميراث السّماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلًّا وعد اللّه الحسنى واللّه بما تعملون خبيرٌ (10) من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له وله أجرٌ كريمٌ (11) }
أمر تعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل، والدّوام والثّبات على ذلك والاستمرار، وحثّ على الإنفاق ممّا جعلكم مستخلفين فيه أي ممّا هو معكم على سبيل العارية، فإنّه قد كان في أيدي من قبلكم ثمّ صار إليكم، فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته، فإن يفعلوا وإلّا حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه.
وقوله: {ممّا جعلكم مستخلفين فيه} فيه إشارةٌ إلى أنّه سيكون مخلّفًا عنك، فلعلّ وارثك أن يطيع اللّه فيه، فيكون أسعد بما أنعم اللّه به عليك منك، أو يعصي اللّه فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان.
قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، سمعت قتادة يحدّث، عن مطرّف-يعني بن عبد الله بن الشخير-عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهو يقول: " {ألهاكم التّكاثر} [التّكاثر:1]، يقول ابن آدم: مالي مالي! وهل لك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت؟ ".
ورواه مسلمٌ من حديث شعبة، به وزاد: "وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركه للنّاس"
وقوله: {فالّذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ} ترغيبٌ في الإيمان والإنفاق في الطّاعة). [تفسير ابن كثير: 8/ 10-11]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {وما لكم لا تؤمنون باللّه والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم}؟ أي: وأيّ شيءٍ يمنعكم من الإيمان والرّسول بين أظهركم، يدعوكم إلى ذلك ويبيّن لكم الحجج والبراهين على صحّة ما جاءكم به؟ وقد روينا في الحديث من طرق في أوائل شرح "كتاب الإيمان" من صحيح البخاريّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال يومًا لأصحابه: "أيّ المؤمنين أعجب إليكم إيمانًا؟ " قالوا: الملائكة. قال: "وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربّهم؟ " قالوا: فالأنبياء. قال: "وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ ". قالوا: فنحن؟ قال: "وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانًا قومٌ يجيؤون بعدكم يجدون صحفًا يؤمنون بما فيها"
وقد ذكرنا طرفًا من هذا في أوّل سورة "البقرة" عند قوله: {الّذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: 3].
وقوله: {وقد أخذ ميثاقكم} كما قال: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} [المائدة:7]. ويعني بذلك: بيعة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
وزعم ابن جريرٍ أنّ المراد بذلك الميثاق الّذي أخذ عليهم في صلب آدم، وهو مذهب مجاهدٍ، فاللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 8/ 11]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {هو الّذي ينزل على عبده آياتٍ بيّناتٍ} أي: حججًا واضحاتٍ، ودلائل باهراتٍ، وبراهين قاطعاتٍ، {ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور} أي: من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادّة إلى نور الهدى واليقين والإيمان، {وإنّ اللّه بكم لرءوفٌ رحيمٌ} أي: في إنزاله الكتب وإرساله الرّسل لهداية النّاس، وإزاحة العلل وإزالة الشّبه). [تفسير ابن كثير: 8/ 11-12]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ولـمّا أمرهم أوّلًا بالإيمان والإنفاق، ثمّ حثّهم على الإيمان، وبيّن أنّه قد أزال عنهم موانعه، حثّهم أيضًا على الإنفاق. فقال: {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل اللّه وللّه ميراث السّماوات والأرض} أي: أنفقوا ولا تخشوا فقرًا وإقلالًا فإنّ الّذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض، وبيده مقاليدهما، وعنده خزائنهما، وهو مالك العرش بما حوى، وهو القائل: {وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرّازقين} [سبإٍ:39]، وقال {ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ} [النّحل:96] فمن توكّل على اللّه أنفق، ولم يخش من ذي العرش إقلالًا وعلم أنّ اللّه سيخلفه عليه.
وقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} أي: لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله، وذلك أنّ قبل فتح مكّة كان الحال شديدًا، فلم يكن يؤمن حينئذٍ إلّا الصّدّيقون، وأمّا بعد الفتح فإنّه ظهر الإسلام ظهورًا عظيمًا، ودخل النّاس في دين اللّه أفواجًا؛ ولهذا قال: {أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد اللّه الحسنى}
والجمهور على أنّ المراد بالفتح هاهنا فتح مكّة. وعن الشّعبيّ وغيره أنّ المراد بالفتح هاهنا: صلح الحديبية، وقد يستدلّ لهذا القول بما قال الإمام أحمد:
حدّثنا أحمد بن عبد الملك، حدّثنا زهير، حدّثنا حميد الطّويل، عن أنسٍ قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرّحمن بن عوفٍ كلامٌ، فقال خالدٌ لعبد الرّحمن: تستطيلون علينا بأيّامٍ سبقتمونا بها؟ فبلغنا أنّ ذلك ذكر للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: " دعوا لي أصحابي فوالّذي نفسي بيده، لو أنفقتم مثل أحدٍ-أو مثل الجبال-ذهبًا، ما بلغتم أعمالهم"
ومعلومٌ أنّ إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكّة، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الّذين بعث إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالد بن الوليد بعد الفتح، فجعلوا يقولون: "صبأنا، صبأنا"، فلم يحسنوا أن يقولوا: "أسلمنا"، فأمر خالدٌ بقتلهم وقتل من أسر منهم، فخالفه عبد الرّحمن بن عوفٍ، وعبد اللّه بن عمر وغيرهما. فاختصم خالدٌ وعبد الرّحمن بسبب ذلك
والّذي في الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: " لا تسبّوا أصحابي، فوالّذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهبًا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"
وروى ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، من حديث ابن وهبٍ: أخبرنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّه قال: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عام الحديبية، حتّى إذا كنّا بعسفان قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يوشك أن يأتي قومٌ تحقّرون أعمالكم مع أعمالهم" فقلنا: من هم يا رسول اللّه أقريشٌ؟ قال: لا ولكن أهل اليمن، هم أرقّ أفئدةً وألين قلوبًا". فقلنا: أهم خيرٌ منّا يا رسول اللّه؟ قال: "لو كان لأحدهم جبلٌ من ذهبٍ فأنفقه، ما أدرك مدّ أحدكم ولا نصيفه، ألا إنّ هذا فضل ما بيننا وبين النّاس، {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد اللّه الحسنى واللّه بما تعملون خبيرٌ}
] وهذا الحديث غريبٌ بهذا السّياق، والّذي في الصّحيحين من رواية جماعةٍ، عن عطاء بن يسارٍ عن أبي سعيدٍ -ذكر الخوارج-: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية" الحديث. ولكن روى ابن جريرٍ هذا الحديث من وجهٍ آخر، فقال:
حدّثني بن البرقيّ، حدّثنا بن أبي مريم، أخبرنا محمّد بن جعفرٍ، أخبرني زيد بن أسلم، عن أبي سعيدٍ التّمّار، عن أبي سعيدٍ الخدريّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يوشك أن يأتي قومٌ تحقّرون أعمالكم مع أعمالهم". قلنا: من هم يا رسول اللّه؟ قريشٌ؟ قال: "لا ولكن أهل اليمن، لأنّهم أرقّ أفئدةً، وألين قلوبًا". وأشار بيده إلى اليمن، فقال: "هم أهل اليمن، ألا إنّ الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانيةٌ". فقلنا: يا رسول اللّه، هم خيرٌ منّا؟ قال: "والّذي نفسي بيده، لو كان لأحدهم جبلٌ من ذهبٍ ينفقه ما أدّى مدّ أحدكم ولا نصيفه". ثمّ جمع أصابعه ومدّ خنصره، وقال: "ألا إنّ هذا فضل ما بيننا وبين النّاس، {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد اللّه الحسنى واللّه بما تعملون خبيرٌ}] "
فهذا السّياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظًا كما تقدّم، فيحتمل أنّه أنزل قبل الفتح إخبارًا عمّا بعده، كما في قوله تعالى في سورة "المزّمّل"-وهي مكّيّةٌ، من أوائل ما نزل-: {وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه} الآية [المزّمّل: 20] فهي بشارةٌ بما يستقبل، وهكذا هذه واللّه أعلم.
وقوله: {وكلا وعد اللّه الحسنى} يعني المنفقين قبل الفتح وبعده، كلّهم لهم ثوابٌ على ما عملوا، وإن كان بينهم تفاوتٌ في تفاضل الجزاء كما قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا} [النّساء:95]. وهكذا الحديث الّذي في الصّحيح: "المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى اللّه من المؤمن الضّعيف، وفي كلٍّ خيرٌ" وإنّما نبّه بهذا لئلّا يهدر جانب الآخر بمدح الأوّل دون الآخر، فيتوهّم متوهّمٌ ذمّه؛ فلهذا عطف بمدح الآخر والثّناء عليه، مع تفضيل الأوّل عليه؛ ولهذا قال: {واللّه بما تعملون خبيرٌ} أي: فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذلك إلّا لعلمه بقصد الأوّل وإخلاصه التّامّ، وإنفاقه في حال الجهد والقلّة والضّيق. وفي الحديث: "سبق درهمٌ مائة ألفٍ" ولا شكّ عند أهل الإيمان أنّ الصّدّيق أبا بكرٍ، رضي اللّه عنه، له الحظّ الأوفر من هذه الآية، فإنّه سيّد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء، فإنّه أنفق ماله كلّه ابتغاء وجه اللّه، عزّ وجلّ، ولم يكن لأحدٍ عنده نعمةٌ يجزيه بها.
وقد قال أبو محمّدٍ الحسين بن مسعودٍ البغويّ عند تفسير هذه الآية أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشّريحيّ أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثّعلبيّ، أخبرنا عبد اللّه بن حامد بن محمّدٍ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيّوب، أخبرنا محمّد بن يونس، حدّثنا العلاء بن عمرٍو الشّيبانيّ، حدّثنا أبو إسحاق الفزاريّ، حدّثنا سفيان بن سعيدٍ، عن آدم بن عليٍّ، عن ابن عمر قال: كنت عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده أبو بكرٍ الصّدّيق، وعليه عباءةٌ قد خلّها في صدره بخلالٍ، فنزل جبريل فقال: مالي أرى أبا بكرٍ عليه عباءةٌ قد خلّها في صدره بخلال؟ فقال: "أنفق ماله عليّ قبل الفتح" قال: فإنّ اللّه يقول: اقرأ عليه السّلام، وقل له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول اللّه: "يا أبا بكرٍ، إنّ اللّه يقرأ عليك السّلام، ويقول لك: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال: أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه: أسخط على ربّي عزّ وجلّ؟ إنّي عن ربّي راضٍ
هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه). [تفسير ابن كثير: 8/ 12-14]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} قال عمر بن الخطّاب: هو الإنفاق في سبيل اللّه، وقيل: هو النّفقة على العيال والصّحيح أنّه أعمّ من ذلك، فكلّ من أنفق في سبيل اللّه بنيّةٍ خالصةٍ وعزيمةٍ صادقةٍ، دخل في عموم هذه الآية؛ ولهذا قال: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له} كما قال في الآية الأخرى: {أضعافًا كثيرةً واللّه يقبض ويبصط وإليه ترجعون} [البقرة: 245] أي: جزاءٌ جميلٌ ورزقٌ باهرٌ-وهو الجنّة-يوم القيامة.
قال بن أبي حاتمٍ حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا خلف بن خليفة، عن حميدٍ الأعرج، عن عبد اللّه بن الحارث، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: لـمّا نزلت هذه الآية: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له} قال أبو الدّحداح الأنصاريّ: يا رسول اللّه، وإنّ اللّه ليريد منّا القرض؟ " قال: "نعم، يا أبا الدّحداح". قال أرني يدك يا رسول اللّه قال: فناوله يده قال: فإنّي قد أقرضت ربّي حائطي-وله حائطٌ فيه ستّمائة نخلةٍ، وأمّ الدّحداح فيه وعيالها- قال: فجاء أبو الدحداح فنادها: يا أمّ الدّحداح. قالت: لبّيك. فقال: اخرجي، فقد أقرضته ربّي، عزّ وجلّ-وفي روايةٍ: أنّها قالت له: ربح بيعك يا أبا الدّحداح. ونقلت منه متاعها وصبيانها، وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كم من عذق رداح في الجنّة لأبي الدّحداح". وفي لفظٍ: "ربّ نخلةٍ مدلّاةٍ عروقها درٌّ وياقوت لأبي الدحداح في الجنة".). [تفسير ابن كثير: 8/ 14-15]

رد مع اقتباس