عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 10:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم} الآية. الضمير في "لهم" لكفار مكة، ويقال: إن سبب الآية كان أن النضر بن الحارث سافر عن مكة إلى الحيرة وغيرها، فجاء إلى مكة وكان قد اتخذ كتب التاريخ "كليلة ودمنة"، وأخبار إسفنديار ورستم"، فكان يقول: إنما يحدث محمد بأساطير الأولين، وحديثي أجمل من حديثه. وقوله: "ماذا" يجوز أن تكون (ما) استفهاما و"ذا" بمعنى: الذي، وفي "أنزل" ضمير عائد، ويجوز أن يكون "ما" و"ذا" اسما واحدا مركبا، كأنه قال: أي شيء؟ وقولهم: "أساطير
[المحرر الوجيز: 5/343]
الأولين" ليس بجواب على السؤال الأول، لأنهم لم يريدوا أنه نزل شيء، ولا أن تم منزلا، ولكنهم ابتدءوا الخبر بأن هذه أساطير الأولين، وإنما الجواب عن السؤال قول المؤمنين في الآية المستقبلة: خيرا، وقولهم: "أساطير الأولين" إنما هو جواب بالمعنى. فأما على السؤال وبحسبه فلا). [المحرر الوجيز: 5/344]

تفسير قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واللام في قوله: "ليحملوا" يحتمل أن تكون لام العاقبة، لأنهم لم يقصدوا بقولهم: "أساطير الأولين" أن يحملوا الأوزار، ويحتمل أن تكون صريح لام كي على معنى: قدر هذا، ويحتمل أن تكون لام الأمر على معنى الحتم عليهم بذلك والصغار الموجب لهم. و"الأوزار: الأثقال، وقوله: "ومن" للتبعيض، وذلك أن هذا الرأس المضل يحمل وزر نفسه كاملا، ويحمل وزرا من أوزار كل مضل بسببه، ولا تنقص أوزار أولئك. وقوله: {بغير علم} يجوز أن يريد بها المضل، أي: أضل بغير برهان قام عنده، ويجوز أن يريد: بغير علم من المقلدين الذين يضلونهم. ثم استفتح الله تعالى الإخبار عن سوء ما يتحملونه للآخرة، وأسند الطبري وغيره في معنى هذه الآية حديثا نصه: "أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، وأيما داع دعا إلى الهدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء"، و"ساء" فعل مسند إلى "ما"، ولا يحتاج في ذلك هنا إلى صلة). [المحرر الوجيز: 5/344]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين}
قال ابن عباس رضي الله عنهما- وغيره من المفسرين: الإشارة بـ الذين من
[المحرر الوجيز: 5/344]
قبلهم إلى نمروذ الذي بنى الصرح ليصعد فيه إلى السماء على زعمه، فلما أفرط في غلوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش بعث الله عليه ريحا فهدمه، وخر سقفه عليه وعلى أتباعه، وقيل: إن جبريل عليه السلام هدمه بجناحه، وألقى أعلاه في البحر، وانجعف من أسلفه. وقالت فرقة أخرى: المراد بـ " الذين من قبلهم " جميع من كفر من الأمم المتقدمة ومكر، ونزلت به عقوبة من الله تعالى، وقوله -على هذا-: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} إلى آخر الآية تمثيل وتشبيه، أي: حالهم كحال من فعل به هذا. وقالت فرقة: المراد بقوله: {فخر عليهم السقف من فوقهم} أي: جاءهم العذاب من قبل السماء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ينحو إلى اللغز.
ومعنى قوله: {من فوقهم} رفع الاحتمال في قوله: {فخر عليهم السقف}، فإنك تقول: "انهدم على فلان بناؤه" وهو ليس تحته، كما تقول: "انفسد عليه متاعه". وقوله: "من فوقهم" ألزم أنهم كانوا تحته.
وقوله: "فأتى" أي: فأتى أمر الله وسلطانه، وقرأ الجمهور: "بنيانهم"، وقرأت فرقة "بنيتهم"، وقرأ جعفر بن محمد: "بنيتهم"، وقرأ الضحاك: "بيوتهم". وقرأ الجمهور: "السقف" بسكون القاف، وقرأت فرقة بضمها، وهي لغة فيه، وقرأ الأعرج بضم السين والقاف، وقرأ مجاهد بضم السين وسكون القاف). [المحرر الوجيز: 5/345]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {ثم يوم القيامة} الآية، ذكر الله تعالى في هذه الآية المتقدمة حال هؤلاء الماكرين في الدنيا، ذكر في هذه حالهم في الآخرة، وقوله: "يخزيهم" لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم، وذلك راجع إلى إدخالهم النار، وهذا نظير قوله تعالى: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته}. وقوله: {أين شركائي} توبيخ لهم، وأضافهم إلى نفسه في مخاطبة الكفار، أي: على زعمكم ودعواكم، قال أبو علي: وهذا كما قال
[المحرر الوجيز: 5/345]
تعالى حكاية: {ذق إنك أنت العزيز الكريم}، وكما قال تعالى: {يا أيه الساحر ادع لنا ربك}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والإضافات تترتب معقولة وملفوظا بها بأرق سبب، وهذا كثير في كلامهم، ومنه قول الشاعر:
إذا قلت قدني قال بالله حلفة ... لتغني عني ذا إنائك أجمعا
فأضاف الإناء إلى حاسيه. وقرأ البزي عن ابن كثير: "شركاي" بقصر الشركاء وفتح الياء، وقرأ الجمهور بالمد وفتح الياء بعد الهمزة، وقرأت فرقة بالمد وياء ساكنة.
وقوله: "تشاقون" معناه: تحاربون وتحاجون، أي: تكون في شق والحق في شق، وقرأ الجمهور: "تشاقون" بفتح النون، وقرأ نافع وحده بكسرها، ورويت عن الحسن بخلاف، وضعف هذه القراءة أبو حاتم، وقد تقدم القول في مثله في "الحجر" في "تبشرون"، وقرأت فرقة: "تشاقوني" بشد النون وكسرها وياء بعدها. والذين أوتوا العلم هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين، وقال يحيى بن سلام: "هم المؤمنون، وهذا الخطاب منهم يوم القيامة".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والصواب أن يعم جميع من آتاه الله علم ذلك من جميع من حضر الموقف من ملك وإنسي وغير ذلك، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 5/346]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين}
"الذين" نعت لـ "الكافرين" في قول أكثر المتأولين، ويحتمل أن يكون "الذين" مرتفعا بالابتداء منقطعا مما قبله، وخبره في قوله: {فألقوا السلم} فزيدت الفاء في الخبر، وقد يجيء مثل هذا. و"الملائكة" يريد القابضين لأرواحهم، وقوله: {ظالمي أنفسهم} حال–. و"السلم" هنا: الاستسلام، أي: رموا بأيديهم وقالوا: "ما كنا نعمل من سوء" فحذف "قالوا" لدلالة الظاهر عليه، قال الحسن: هي مواطن، فمرة يقرون على أنفسهم، كما قال: وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، ومرة يجحدون كهذه الآية، ويحتمل قولهم: {ما كنا نعمل من سوء} وجهين: أحدهما أنهم كذبوا وقصدوا الكذب اعتصاما منهم به، على نحو قولهم: {والله ربنا ما كنا مشركين}، والآخر أنهم أخبروا عن أنفسهم أنهم لم يكونوا يعملون سوءا، فأخبروا عن ظنهم بأنفسهم، وهو كذب في نفسه، وحسن الرد عليهم في الوجهين جميعا بـ "بلى"، أي يقال لهم: بلى، وقوله: {إن الله عليم بما كنتم تعملون} وعيد وتهديد، وظاهر الآية أنها عامة في جميع الكفار. وإلقاؤهم السلم ضد مشاقتهم قبل، وقال عكرمة: نزلت في قوم من أهل مكة آمنوا بقلوبهم ولم يهاجروا، فأخرجهم كفار مكة مكرهين إلى بدر فقتلوا هنالك، فنزلت فيهم هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما اشتبهت عليه بالآية الأخرى التي نزلت في أولئك باتفاق من العلماء، وعلى هذا القول يحسن قطع "الذين" ورفعه بالابتداء، فتأمله. والقانون أن "بلى" تجيء بعد النفي، و"نعم" تجيء بعد الإيجاب، وقد تجيء بعد التقرير، كقولك: أليس كذا؟
[المحرر الوجيز: 5/347]
ونحوه، ولا تجيء بعد نفي سوى التقرير: وقرأ الجمهور "تتوفاهم" بالتاء من فوق، وقرأ حمزة بالياء، وهي قراءة الأعمش، قال أبو زيد: أدغم أبو عمرو: "السلم ما"). [المحرر الوجيز: 5/348]

تفسير قوله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "فادخلوا" من كلام الذي يقول: "بلى"، و"أبواب جهنم" مفضية إلى طباقها التي هي بعض على بعض، والأبواب كذلك باب على باب، و"خالدين" حال، واللام في قوله: "فلبئس" لام التأكيد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذكر سيبويه، وهو إجماع من النحويين فيما علمت أن لام التأكيد لا تدخل على الفعل الماضي وإنما تدخل عليه لام القسم، ولكن دخلت على "بئس" لما لم تتصرف أشبهت الأسماء وبعدت عن حال الفعل في هذا، وهي بعيدة أيضا عن حال الفعل من جهة أنها لا تدخل على زمان. و"المثوى": موضع الإقامة، ونعم وبئس إنما يدخلان على معرف بالألف واللام، أو مضاف إلى معرف بذلك، و"المثوى" هنا محذوف تقديره: ولبئس المثوى مثوى المتكبرين، والمتكبر هنا هو الذي أفضى به كبره إلى الكفر). [المحرر الوجيز: 5/348]

رد مع اقتباس