عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 03:50 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب جامع في الإمالة بعلله
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب جامع في الإمالة بعلله
1- قال أبو محمد: إن سأل سائل فقال: هلا أمالو «على، وإلى، ولدى، وحتى» لأنهن كتبن في المصحف بالياء كما أمالوا: «قضى، ورمى، ورضى، وسعى» ونحوه، لأنهن كتبن في المصحف بالياء؟
فالجواب: أن «قضى، ورمى، وسعى» وشبهه إنما كتبن بالياء، لأن أصل ألفهن الياء، فدل الخط على الأصل، فأملن لتدل الإمالة على الأصل، وليتبع الخط فأما ألف «على، وإلى، ولدى» فليس لهن أصل في الياء، إنما كتبن بالياء، لانقلاب ألفهن مع المضمر إلى الياء في اللفظ، تقول: «عليه، وإليه، ولديه» فكتبن على الانفراد بالياء اتباعًا لاتصالهن بالمضمر، وأيضًا فإن «إلى، وعلى» حرفان، والحروف لا أصل لهن في الإمالات، إذ لا أصل لألفهن في الياء، و«لدى» ظرف غير متمكن بمعنى «عند» ألفه مجهولة، لو سمي به لكانت تثنيته بالواو، وكذلك «إلى» لو سمي به.
قال الأخفش: لو سميت بـ «لدى وإلى» لقلت في التثنية: «لدوان، وإلوان» ومثله «على» لو سميت به، فهذا يدلك على امتناع الإمالة في «إلى، وعلى، ولدى» سميت بذلك أو لم تسم، فقد فارق هذا علة امتناع «قضى، ورمى، وسعى» وقد قيل: إنما كتبت «على، وإلى، ولدى» بالياء لأنهن أشبهن في حال كونهن مع المضمر التثنية في قوله: «غلامية، وزيدية»،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/193]
وقيل: أشبهت: «قضيت، ورميت» في انقلاب الألف إلى الياء مع المضمر، تقول: «قضى، ورمى» بلفظ الألف كما تقول: «على، وإلى، ولدى» بلفظ الألف فإن أضفت إلى مضمر قلت: «قضيت، ورميت، وإليك، وعليك، ولديك» والياء في الخط في: «على، إلى، ولدى» ليس بأصل لهن، وإنما هو على التشبيه بما ذكرنا، فلم يُحكم لهن بالإمالة، كما حكم للذي شبهن به، فأما «حتى» فإنها حرف، ألفها مجهولة لا أصل لها في البناء، فامتنعت من الإمالة لذلك، لكن كتبت بالياء، لأنها كانت رابعة، وقيل إنما كتبت بالياء لأن أصلها «حت» ثم زيدت الألف فيها، فأشبهت الألف الزائدة في: «معزى، وعلقى» وقيل: إنما كتبت ليفرق بين دخولها على المضمر والظاهر، وإذا دخلت على المضمر كتبت بالألف تقول: «حتاك، وحتاي، وحتاه» فلا تكتب إلا بالألف، وإن قلت: «حتى زيد، وحتى عمرو» كتبت بالياء، للفرق بين حالها مع المضمر، وحالها مع المظهر، وكان المضمر أولى بالألف؛ لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها، وقد روي إمالة «حتى» عن بعض القراء، ولم أقرأ به.
2- فإن قيل: فلم أجمعوا على فتح «افتراء» وقد أمالوا «افترى»؟
فالجواب أنهم أمالوا «افترى» لأن الألف أصلها الياء، تقول: «افتريت، وافترى، يفتري»، وتقول: «الفرية»، فتجده كله بالياء، فتميل لتدل بالإمالة على الأصل، وعلى الخط لأنه بالياء في الخط، وأما «افتراء»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/194]
فإن الألف فيه زائدة لا أصل لها في ياء ولا واو، والألف التي كانت في «افترى» انقلبت همزة في «افتراء» فألف «افترى» هي الهمزة في «افتراء»، فلا سبيل إلى إمالتها لتغيرها عن حالها وأصلها، ولا سبيل إلى إمالة الألف التي قبلها، إذ لا أصل لها في الياء.
ومثله الجواب عن فتحهم لـ «أهواء»، وإمالتهم لـ «هوى» الهمزة في «أهواء» هي الألف التي في «هوى»، والألف زائدة، لا أصل لها في الياء، فلا سبيل إلى إمالتهاز
ومن ذلك فتحهم لـ «مراء» إمالتهم لـ «تتمارى» فالهمزة في «مراء» هي الياء في «تتمارى» فافهمه، فلذلك لم يُمل، ومثله إمالتهم لـ «اعتدى» ولا يميلون «اعتداء» لأن الألف في «اعتدى» صارت همزة في «اعتداء » فافهمه.
3- فإن قيل: فلم فتح حمزة وغيره «وخافون» وهو يميل «خاف» حيث وقعت؟
فالجواب أنه أمال «خاف» لعلتين: احداهما أن يدل بالإمالة على أنه فعل، وأصله «خوف» فدلت الإمالة على كسرة الواو في الأصل، والعلة الأخرى أنه أمال لتدل الإمالة على كسر الخاء في الإخبار، إذا قلت: خفت، ألا ترى كيف فتح «مات» لأنه فعل بالفتح، ولأن الإخبار بضم الميم في أكثر اللغات، وأما «وخافون» فهو فعل مستقبل لا أصل له في الكسر، بل هو مفتوح الواو في قولك «يخاف» لأن أصله «يخوف» ولأنك إذا أخبرت عن نفسك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/195]
في المستقبل قلت: أخاف، فأوله مفتوح، ولا سبيل إلى إمالته، لامتناع وجود إحدى العلتين فيه، ومثله «يخاف، ويخافا» وشبهه لا يمال لما ذكرنا.
4- فإن قيل: لم أمال أبو الحارث «رؤياي» مثل الدوري ولم يمل «رؤياك»؟
فالجواب أنه لما كانت «رؤياي» في موضع خفض أمالها في قوله: «رؤياي، وتأويل رؤياي» ولما كانت «رؤياك» في موضع نصب لم يملها للفرق بين ما هو في موضع خفض، وما هو في موضع نصب.
5- فإن قيل: لم فتح حمزة ياءات «الرؤيا» كلها، وألفها ألف تأنيث؟
فالجواب أنه فتح لأن تقريب الياء إلى الكسر ثقيل، ففتح للاستخفاف، لأن الفتح على الياء أخف من الكسر، مع أن الهمزة قبل الياء فيه ثقيلة، فلما اجتمع علتان فتح.
6- فإن قيل: لِمَ لم تمل ألف التثنية عند القراء، وهي تنقلب ياء في النصب والخفض، وذلك نحو قوله: «اثنتا عشرة، وقال رجلان» وشبهه؟
فالجواب أن ألف التثنية إنما هي حرف إعراب، أو دلالة على الإعراب زائدة، لا أصل لها في الياء، وإنما انقلبت ياء في النصب والخفض لتدل على الإعراب، فليس انقلابها علة تدل على أصلها؛ إذ لا أصل لها في الياء، وإنما انقلابها ياء تدل به على النصب والخفض لا غير، فلما كانت ألف التثنية لا أصل لها في الياء، لم تجز الإمالة فيها عند القراء، وقد تجوز في الكلام لعلة غير هذا.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/196]
وقد حكى إمالة «الزيدان» للياء التي قبل الألف، وإمالة «كيال، وبياع» جعلوا الياء كالكسرة في «جمال، وسناد» إذ أمالوا الألف للكسرة، وكذلك أمالوا «شيبان، وغيلان» ولا يعتدون بالحرف الذي حال بين الألف والكسرة، على ما تقدم ذكره في إمالة «كلاهما» ولم يمل هذا النوع أحد من القراء، وعلى ذلك أجمعوا على فتح «يخافا، وخانتاهما» وشبهه لأن الألف الأخيرة زائدة، وتدل على التثنية في الفعل، لا أصل لها في ياء ولا واو.
7- فإن قيل: فلم ترك القراء إمالة «أول كافرٍ به» المخفوض وبعد الألف كسرة، وراء مكسورة، وأمالوا «الكافرين»؟
فالجواب أن من أمال «الكافرين» أماله للكسرة في الفاء، ولكسرة الراء اللازمة لها، وللياء التي بعد الراء، فقويت الإمالة لتكرير الكسرات، ولم يكن ذلك في «كافر» لأن كسرة الراء عارضة في الخفض خاصة، ثم تزول في الرفع والنصب، فلما لم تثبت كسرة الراء ضعف عن مشابهة «الكافرين» ففتح «كافر» لذلك، ولم يمل، وإمالته حسنة جائزة في الخفض، لكن لم يفعله أهل الإمالة من القراء، وعلته ما ذكرت لك.
8- فإن قيل: فما بال أهل الإمالة لم يميلوا «مارد، وطارد، ومشارب، وبارد، ولا تمار، ومارج» ونحوه؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/197]
فالجواب أنهم عدلوا إلى الفتح في ذلك؛ لأنه الأصل، ولأنه ليس فيه من الإمالة اتباع خط، ليجمع بين اللغتين، ولأن ما أتى على أصله لا يجب أن يقال فيه: لِمَ أتى على أصله، والفتح هو الأصل، وإنما يعلل ما خرج على أصله بإمالة أو غيرها، والإمالة فيه جائزة، لكن لم ترو عن أحد من القراء علمته.
9- فإن قيل: فلم أمالوا «متى، وأنى، وبلى» وليست بأسماء ولا أفعال؟
فالجواب أن «متى، وأنى» ظرفان، فهما أدخل في الأسماء من كونهما في الحروف، ولما كتبا في المصحف بالياء أميلا، لتدل الإمالة على أن حكمهما حكم الأسماء الممالة، وأنهما في الخط بالياء، فأما «بلى» فهو حرف، لكن أصلها «بل» ثم زيدت الألف للوقوف عليها فأشبهت ألف التأنيث فأمليت كما تمال ألف التأنيث، وقد قيل: إنها ألف تأنيث على الحقيقة، دخلت لتأنيث الأداة، أو لتأنيث الكلمة أو لتأنيث اللفظة، كما دخلت التاء في «ثمت، وربت، ولات» لتأنيث الكلمة أو اللفظ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/198]


رد مع اقتباس