عرض مشاركة واحدة
  #46  
قديم 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م, 01:01 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

أنواع ثواب تلاوة القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أنواع ثواب تلاوة القرآن
ومن أحسن تلاوة القرآن فإنّه يُثاب بأنواع من الثواب العظيم في الدنيا والآخرة فضلاً من الله تعالى، وإكراماً منه لصاحب القرآن:

أ: فمما يثاب به في الدنيا:
1: أن تلاوته للقرآن طمأنينة للقلب وسكينة للنفس ونور للصدر، وجلاء للحزن وذهاب للهَمّ؛ كما قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب} ، وقد فسّر الذكر هنا بالقرآن، ولا شكّ أن القرآن من الذكر، وهو يدخل في معنى هذه الآية دخولاً أوّلياً؛ وتلاوته والاستماع له بقلب منيب يحصل بهما من الطمأنينة والسكينة ما يدفع عن المؤمن انزعاجه من المقلقات والأحداث العارضة والإيذاءات الشيطانية؛ ويثبّته في مواضع الفتن؛ وهذا الثواب النفسي الذي يجده قارئ القرآن بركته على روحه وجسده حتى كأنّ كلَّ عضو من أعضائه تناله بركة تلاوته، من أعظم الثواب المعجّل لقارئ القرآن.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قال أحد قط إذا أصابه هم أو حزن: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحا ".
قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟
فقال: " بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها " رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وغيرهم.
2. ومن ثواب تلاوة القرآن: محبة الله تعالى لمن يتلو كتابه مؤمنا به؛ معظّما لهداه؛ فرحاً بفضله ورحمته؛ وهذه المحبة العظيمة لها آثار مباركة على حياة المؤمن، وكلما كان أحسن تلاوة للقرآن كان نصيبه من هذه المحبة وآثارها أعظم.
ومن دلائل محبّة الله تعالى لمن يتلو كتابه مؤمنا به ثناؤه عليهم في مواضع من كتابه الكريم، ثناء يشرّفهم به ويرغّب به عباده في تلاوة كتابه، والتقرّب به إليه.
وتزداد محبّة الله تعالى بازدياد صدق العبد في التقرّب إلى الله تعالى بتلاوة كتابه وتقديمه إيّاه على ما تشتهيه نفسه كما دلّ عليه الحديث الذي رواه منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة:
- يبغض الشيخ الزاني، والفقير المختال، والمكثر البخيل.
- ويحب ثلاثة: رجل كان في كتيبة؛ فكَرَّ يحميهم حتى قُتِل أو فتح الله عليه، ورجل كان في قوم فأدلجوا فنزلوا من آخر الليل، وكان النومُ أحبَّ إليهم مما يُعدل به، فناموا وقام يتلو آياتي ويتملَّقني، ورجل كان في قوم فأتاهم رجل يسألهم بقرابة بينهم وبينه فبخلوا عنه، وخلف بأعقابهم فأعطاه حيث لا يراه إلا الله ومن أعطاه). رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي بإسناد صحيح.
وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جاراً لخباب بن الأرتّ؛ فخرجنا مرة من المسجد، فأخذ بيدي فقال: « يا هناه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تَقَرَّب إليه بشيء أحبَّ إليه من كلامه » رواه الحاكم والبيهقي واللالكائي، واحتجّ به الإمام أحمد.
وقد فقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَضْلَ هذا العمل الجليل فكانوا أحسن الأمّة عناية به.
- قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: « لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر في المصحف ». رواه البيهقي في كتاب الاعتقاد.
- وقال عبد الله بن مسعود: « لو أن رجلا بات يحمل على الجياد في سبيل الله، وبات رجل يتلو كتاب الله لكان ذاكرُ الله أفضلَهما» رواه ابن أبي شيبة
- وقال عبد الله بن عمر: « لو بات رجل ينفق دينارا دينارا، ودرهما درهما، ويحمل على الجياد في سبيل الله، وبات رجل يتلو كتاب الله حتى يصبح متقبَّلا منه، وبتُّ أتلو كتاب الله حتى أصبح متقبلا مني، لم أحبَّ أن لي عملَه بعملي » رواه ابن أبي شيبة.
- وروى سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي أنه قال: «لو بات رجل يعطي البِيضَ القِيَان، وبات آخر يتلو كتاب الله عز وجل ويذكر الله تعالى» قال سليمان التيمي: (كأنه يرى أن الذي يذكر الله أفضل). رواه أبو نعيم الأصبهاني.
البيض القيان: الجواري ذوات الحسن في الصوت والصورة، وذكرها لأنّها من أَنفَسِ ما يُهدى؛ لمظنّة الشحّ بها.

3: ومن ثواب تلاوته: أن القارئ يتبصّر به ويعتبر فيهديه إلى معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، ويذكّره بآلائه ونعمائه، ويبصّره بالصراط المستقيم والهدي القويم في جميع شؤونه، ويفقّهه في أحكام دينه وسلوكه وتعامله، ويعلّمه الاعتبار والتفكّر، والتبصّر والتذكر، والحكمة والسداد؛ فيستفيد من القرآن علماً كثيراً مباركاً بما تضمّنه من الآيات البيّنات، والأمثال التي صرّفها الله عزّ وجل عن علم وحكمة وحسن تقدير، وما فيه من القصص الكثيرة المباركة بما حوته من الدروس والمواعظ والعبر، إلى غير ذلك من أنواع البصائر والبيّنات التي تحصل لمن أحسن تلاوة القرآن؛ كما قال الله تعالى: { لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)} ،
- وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)}
- وقال تعالى: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} .
- وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُإِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)}
- وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}
وفي القرآن من أنواع البصائر والبيّنات ما يفتح للعبد أبواب الإيمان واليقين والحكمة؛ فإنّه يرى الأمور بعين البصيرة، ويَنظر إلى الأحداث كما يحبُّ اللهُ أن يُنظر إليها، ولا تغرّه الظواهر التي تغرّ الجاهلين وتخدعهم، بل ينفذ بصره إلى حقيقة ما أراده الله، ويفقه سنن الابتلاء وعواقبه؛ ويعرف هدى الله فيما يعرض له؛ فيتّبع رضوان الله، ويفوز بمحبّته ومعيّته الخاصة، حتى ينال ما وعده الله من الكفاية وحسن العاقبة، وذلك أنّ عالم الغيب يختلف عن عالَم الشهادة، وأكثر الناس إنما ينظرون إلى ظواهر عالم الشهادة ويتخرّصون في عالم الغيب؛ فيغترون بما يرون في الحياة الدنيا، ويضلون عما تحصل لهم به العاقبة الحسنة في أمورهم، وصاحب القرآن يتّبع هدى الله الذي هو عالِمُ الغيب والشهادة، ومن بيده ملكوت كلّ شيء، وإليه عاقبة الأمور؛ فهو الذي يقدّر الأقدار ، ويدبّر الأمر، ويتولّى الجزاء، فتصديق وعده جلّ وعلا واتّباع ما بيّن من الهدى في كتابه الكريم يفضي بصاحبه إلى العاقبة الحسنة.
ولتفاصيل ذلك أمثلة كثيرة تبيّن تفاوت الناس في انتفاعهم من القرآن، فأوفرهم حظا وأحسنهم نصيباً من يحسن تلاوة القرآن بقلب منيب؛ لأنّ الله تعالى قد وعد أهل الإنابة بالهداية؛ كما قال تعالى: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} وقال تعالى: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}.
ومن هدى الله قلبه، ونوّره بنور وحيه، وأحياه بروح أمره : آتاه فرقانا يميّز به بين الحقّ والباطل، ويثبت به في مواضع الفتن التي تزلّ فيها الأقدام، ويبصّره بالحقائق على ما هي عليه، وينظر إلى العواقب كأنه يراها رأي عين، لا يرتاب فيها، ولا يتردد في اتّباع هدى الله، وهذا علم يقيني خاصّ خالص لأهل الخشية والإنابة الذين ينتفعون بما أنزل الله تعالى في كتابه، ويعتبرون بما فيه من الآيات والعبر، ويعقلون أمثاله، ويصدّقون أخباره، ويؤمنون به ويعظّمونه؛ فلا يستوي هؤلاء الموفّقون المهديّون ومن كانوا في غفلة عن هدى القرآن متبعين لما تهواه أنفسهم، كما قال الله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)}، وقال تعالى: { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)}.
والمقصود أن من أعظم ما يثاب به قارئ القرآن بقلب منيب ما يحصل له من العلم اليقيني الخاصّ المبارك القائم على بصائر القرآن وبيّناته، وهذا العلم الجليل أصلٌ لهدايات عظيمة، وبركات كثيرة.
ولو ذهبنا نشرح كل نوع من أنواع ثواب القرآن لطال بنا المقام، وتشعّب الحديث شُعَباً كثيرة؛ ورأينا في كل شعبة ما يدعونا للوقوف عليها، والتفكّر فيها، وتأمّل آثارها المباركة، وتعرّف خلاصة ما ذكره أهل العلم فيها من الفوائد والتنبيهات؛ ولطائف الاستدلالات؛ فيفضي بنا ذلك إلى التطويل والإكثار من حيث أردنا التلخيص والاختصار، وحسبنا فيما بقي أن نوجز العبارة بما يكفي للدلالة والتنبيه على ما نَقْصُر عن تَقَصِّيه.

4: ومن أنواع ثواب تلاوة القرآن؛ زيادة الإيمان بتلاوته وبالاستماع إليه؛ كما قال الله تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}، وقال تعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} ، وأوجه زيادة الإيمان بتلاوة القرآن وبالاستماع إليه متعددة؛ فإنّ الإيمان يزيد بالطاعات؛ وتلاوة القرآن عبادة قولية يثاب عليها العبد ويزداد بها إيمانه، ودعاء العبد لربّه إذا مرّ بآية رحمة أو آية عذاب؛ عبادة قولية قلبية يثاب عليها.
وما يقوم بقلب قارئ القرآن من أنواع العبادات القلبية من التصديق وزيادة اليقين والخشية والإنابة والرغبة والرهبة والصدق والإخلاص والتوكل والاستعانة وتعظيم حرمات الله وشعائره وغير ذلك من العبادات القلبية العظيمة؛ كل ذلك مما يزداد به إيمان العبد إذا أحسن تلاوة القرآن؛ فإنَّ القرآن يخاطبُ القلبَ وينمِّي فيه هذه العبادات العظيمة ؛ التي إذا صحّت في القلب صلح القلب وصلح سائر الجسد.
ثمّ ما يقوم به قارئ القرآن من أنواع العبادات العملية التي أرشد الله إليها في كتابه الكريم كإقامة الصلاة وإحسان الإنفاق في سبيله، والاجتهاد في فعل الخيرات، والكفّ عن المحرمات، مما يزداد به العبد إيمانا وصلاحاً ؛ فإنّ القارئ الصادق إذا وقف على أمر لله تعالى حرص على أن يكون من أهل ذلك الأمر، وإذا وقف على نهي عن أمر من الأمور حرص على اجتنابه، ولا يزال كذلك حتى يحقق التقوى التي مبناها على فعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه.
والخلاصة أن زيادة الإيمان بتلاوة القرآن تكون بقراءته وبما يترتّب عليها من أنواع العبادات القولية والقلبية والعملية، وأنّ زيادة الإيمان من عاجل ثواب قارئ القرآن.
5: ومن أنواع ثواب قراءة القرآن ما جعل الله تعالى لقارئه من الحسنات الكثيرة المضاعفة، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة:
- منها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول "الم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». رواه الترمذي وصححه والبيهقيّ في شعب الإيمان وغيرهما، وقد رُوي عن ابن مسعود مرفوعاً وموقوفاً من طرق يشدّ بعضها بعضاً، وصححه الألباني وجماعة من أهل العلم.
- ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خَلِفَات عظام سمان؟» قلنا: نعم، قال: «فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاته، خير له من ثلاث خلفات عظام سمان» رواه مسلم في صحيحه.
ورواه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، ولفظه: «هل يُحِبُّ أحدكم إذا أتى أهله أن يجد عندهم ثلاث خلفات عظاما سمانا» قلنا: نعم يا رسول الله؛ قال: «فثلاث آيات يقرأ بهن»
الخَلِفة: الناقة التي في بطنها ولدها.
- ومنها حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟»، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل» رواه مسلم، وأحمد وأبو داوود ، وفي روايتهما (فيتعلم آيتين من كتاب الله..).
- الكوماء: الناقة العظيمة السنام). [بيان فضل القرآن:91 - 99]


رد مع اقتباس