عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 5 ربيع الأول 1440هـ/13-11-2018م, 12:31 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ المتّقين في جنّاتٍ ونعيمٍ (17) فاكهين بما آتاهم ربّهم ووقاهم ربّهم عذاب الجحيم (18) كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون (19) متّكئين على سررٍ مصفوفةٍ وزوّجناهم بحورٍ عينٍ (20) }
يخبر تعالى عن حال السّعداء فقال: {إنّ المتّقين في جنّاتٍ ونعيمٍ}، وذلك بضدّ ما أولئك فيه من العذاب والنّكال.
{فاكهين بما آتاهم ربّهم} أي: يتفكّهون بما آتاهم اللّه من النّعيم، من أصناف الملاذّ، من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب وغير ذلك، {ووقاهم ربّهم عذاب الجحيم} أي: وقد نجّاهم من عذاب النّار، وتلك نعمةٌ مستقلّةٌ بذاتها على حدتها مع ما أضيف إليها من دخول الجنّة، الّتي فيها من السّرور ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ). [تفسير ابن كثير: 7/ 431]

تفسير قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون}، كقوله: {كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيّام الخالية} [الحاقّة: 24]. أي هذا بذاك، تفضّلًا منه وإحسانًا). [تفسير ابن كثير: 7/ 431]

تفسير قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {متّكئين على سررٍ مصفوفةٍ} قال الثّوريّ، عن حصينٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: السّرر في الحجال.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا صفوان بن عمرٍو؛ أنه سمع الهيثم بن مالكٍ الطّائيّ يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الرّجل ليتّكئ المتّكأ مقدار أربعين سنةً ما يتحوّل عنه ولا يملّه، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذّت عينه".
وحدّثنا أبي، حدّثنا هدبة بن خالدٍ، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ قال: بلغنا أنّ الرّجل ليتّكئ في الجنّة سبعين سنةً، عنده من أزواجه وخدمه وما أعطاه اللّه من الكرامة والنّعيم، فإذا حانت منه نظرةٌ فإذا أزواجٌ له لم يكن رآهنّ قبل ذلك، فيقلن: قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيبًا.
ومعنى {مصفوفةٌ} أي: وجوه بعضهم إلى بعضٍ، كقوله: {على سررٍ متقابلين} [الصّافّات: 44]. {وزوّجناهم بحورٍ عينٍ} أي: وجعلناهم قريناتٍ صالحاتٍ، وزوجاتٍ حسانًا من الحور العين.
وقال مجاهدٌ: {وزوّجناهم}: أنكحناهم بحورٍ عينٍ، وقد تقدّم وصفهنّ في غير موضعٍ بما أغنى عن إعادته). [تفسير ابن كثير: 7/ 431-432]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21) وأمددناهم بفاكهةٍ ولحمٍ ممّا يشتهون (22) يتنازعون فيها كأسًا لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ (23) ويطوف عليهم غلمانٌ لهم كأنّهم لؤلؤٌ مكنونٌ (24) وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون (25) قالوا إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين (26) فمنّ اللّه علينا ووقانا عذاب السّموم (27) إنّا كنّا من قبل ندعوه إنّه هو البرّ الرّحيم (28) }
يخبر تعالى عن فضله وكرمه، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه: أنّ المؤمنين إذا اتّبعتهم ذرّيّاتهم في الإيمان يلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم، لتقرّ أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع النّاقص العمل، بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته، للتّساوي بينه وبين ذاك؛ ولهذا قال: {ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ}
قال الثّوريّ، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ اللّه ليرفع ذرّيّة المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، لتقرّ بهم عينه ثمّ قرأ: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ}
رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من حديث سفيان الثّوريّ، به. وكذا رواه ابن جريرٍ من حديث شعبة عن عمرو بن مرّة به. ورواه البزّار، عن سهل بن بحرٍ، عن الحسن بن حمّادٍ الورّاق، عن قيس بن الرّبيع، عن عمرو بن مرّة، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ مرفوعًا، فذكره، ثم قال: وقد رواه الثوري، عن عمرو بن مرة، عن سعيدٍ عن ابن عبّاسٍ موقوفًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ، أخبرني محمّد بن شعيبٍ أخبرني شيبان، أخبرني ليثٌ، عن حبيبٍ بن أبي ثابتٍ الأسديّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه، عزّ وجلّ: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم} قال: هم ذرّيّة المؤمن، يموتون على الإيمان: فإن كانت منازل آبائهم، أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم، ولم ينقصوا من أعمالهم الّتي عملوا شيئًا.
وقال الحافظ الطّبرانيّ: حدّثنا الحسين بن إسحاق التّستري، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن غزوان، حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ -أظنّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-قال: "إذا دخل الرّجل الجنّة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنّهم لم يبلغوا درجتك. فيقول: يا ربّ، قد عملت لي ولهم. فيؤمر بإلحاقهم به، وقرأ ابن عبّاسٍ {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ} الآية.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: يقول: والّذين أدرك ذرّيّتهم الإيمان فعملوا بطاعتي، ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنّة، وأولادهم الصّغار تلحق بهم.
وهذا راجعٌ إلى التّفسير الأوّل، فإنّ ذاك مفسّرٌ أصرح من هذا. وهكذا يقول الشّعبيّ، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم، وقتادة، وأبو صالحٍ، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وابن زيدٍ. وهو اختيار ابن جريرٍ. وقد قال عبد اللّه بن الإمام أحمد:
حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا حمد بن فضيل، عن محمّد بن عثمان، عن زاذان، عن عليٍّ قال: سألت خديجة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن ولدين ماتا لها في الجاهليّة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هما في النّار". فلمّا رأى الكراهة في وجهها قال: "لو رأيت مكانهما لأبغضتهما". قالت: يا رسول اللّه، فولدي منك. قال: " في الجنّة". قال: ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ المؤمنين وأولادهم في الجنّة، وإنّ المشركين وأولادهم في النّار". ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم} [الآية] .
هذا فضله تعالى على الأبناء ببركة عمل الآباء، وأمّا فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء، فقد قال الإمام أحمد:
حدّثنا يزيد، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه ليرفع الدّرجة للعبد الصّالح في الجنّة فيقول: يا ربّ، أنّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك".
إسناده صحيحٌ، ولم يخرّجوه من هذا الوجه، ولكن له شاهدٌ في صحيح مسلمٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له"
وقوله: {كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ} لـمّا أخبر عن مقام الفضل، وهو رفع درجة الذّرّيّة إلى منزلة الآباء من غير عملٍ يقتضي ذلك، أخبر عن مقام العدل، وهو أنّه لا يؤاخذ أحدًا بذنب أحدٍ، بل {كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ} أي: مرّتهنّ بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من النّاس، سواءٌ كان أبا أو ابنًا، كما قال: {كلّ نفسٍ بما كسبت رهينةٌ إلا أصحاب اليمين في جنّاتٍ يتساءلون عن المجرمين} [المدّثّر: 38 -41]).[تفسير ابن كثير: 7/ 432-434]

رد مع اقتباس