عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 11:34 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

9. السبع المثاني
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (9. السبع المثاني

وقد استُدّل لهذا الاسم بقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}
وبتفسير النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة رضي الله عنهم للمراد بالسبع المثاني في هذه الآية أنه سورة الفاتحة.
كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم )). رواه البخاري.
وصحّ نحوه من حديث أبي سعيد بن المعلّى وحديث أبيّ بن كعب.
وهذا القول مروي عن عمر وعلي وأبي هريرة وهو رواية عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وقال به من التابعين: الحسن البصري وأبو العالية الرياحي وقتادة، وهو رواية عن مجاهد وسعيد بن جبير.
وهذا الاسم (السبع المثاني) مشترك مع السبع الطوال، وقد اختلف في تعيينها على أقوال ليس هذا محلّ بسطها، وقد فسّرت هذه الآية بها، وهو قول ابن مسعود ورواية عن ابن عباس، والمشهور عن مجاهد وسعيد ابن جبير.
واشتراك الأسماء يقع كثيراً كما كان اسم "أمّ الكتاب" مشترك بين ثلاثة أشياء على ما تقدّم بيانه.
قال ابن جرير رحمه الله: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: عني بالسبع المثاني: السبع اللواتي هنّ آيات أم الكتاب، لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهذا الترجيح للمراد بالسبع المثاني في آية الحِجْر لا يقتضي نفي تسمية السبع الطوال بالسبع المثاني.

معنى تسمية الفاتحة بالسبع المثاني
المراد بالسبع آياتها، ولذلك خالفت المعدود بالتذكير في اللفظ، وفي معنى تسميتها بالمثاني أقوال لأهل العلم:
القول الأول: لأنّها تُثنى أي تعادُ في كلِّ ركعة، بل هي أكثر ما يُعاد ويكرر في القرآن، وهذا القول مرويّ عن عمر بن الخطاب والحسن البصري وقتادة، وهو رواية عن ابن عباس.
قال قتادة: (فاتحة الكتاب تثنى في كلّ ركعة مكتوبة وتطوّع). رواه عبد الرزاق وابن جرير.
وقال به من المصنّفين: الفراء، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وابن قتيبة، وابن جرير، وابن الأنباري، وأبو منصور الأزهري، ومكي بن أبي طالب، والبغوي، وغيرهم.
قال ابن جرير رحمه الله: (وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبعَ بأنهنَّ مَثانٍ، فلأنها تُثْنَى قراءتها في كل صلاة وتطوُّع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأوّل ذلك).
والقول الثاني: لأنّ الله تعالى استثناها لرسوله صلى الله عليه وسلَّم فلم يؤتها أحداً قبله، وهذا القول رواه ابن جرير عن ابن عباس، وحكاه جماعة من المفسّرين.
قال ابن جريج: (أخبرني أبي، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه أخبره أنّه، سأل ابن عبّاسٍ عن السّبع المثاني، فقال: " أمّ القرآن "، قال سعيدٌ: ثمّ قرأها، وقرأ منها: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، قال أبي: قرأها سعيدٌ كما قرأها ابن عبّاسٍ، وقرأ فيها {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، قال سعيدٌ: قلت لابن عبّاسٍ: فما المثاني؟ قال: " هي أمّ القرآن، استثناها اللّه لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فرفعها في أمّ الكتاب، فذخرها لهم حتّى أخرجها لهم، ولم يعطها لأحدٍ قبله).
رواه أبو عبيد في «فضائل القرآن»، وابن جرير في تفسيره، وفيه عبد العزيز ابن جريج والد عبد الملك، ضعيف الحديث.
والقول الثالث: قول أبي عبيدة معمر بن المثنى إذ قال: (وإنما سميت آيات القرآن مثاني لأنها تتلو بعضها بعضاً فثنيت الأخيرة على الأولى، ولها مقاطع تفصل الآية بعد الآية حتى تنقضى السورة وهي كذا وكذا آية، وفي آية أخرى من الزمر تصديق ذلك: {الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم..})
والقول الرابع: لأنها مما يُثنى به على الله تعالى، وهذا القول ذكره الزجاج احتمالاً؛ قال: (ويجوز واللّه أعلم أن يكون من المثاني أي مما أثني به على اللّه، لأن فيها حمد اللّه، وتوحيده وذكر ملكه يوم الدّين).
والقول الخامس: المثاني ما دل على اثنين اثنين كأنه جمع مَثْنى أو مشتقّ من المُثنّى الدالّ على اثنين، واختلف في تفسير ذلك على أقوال:
- أحدها:
لأن حروفها وكلماتها مُثنّاة مثل: الرحمن الرحيم، إياك وإياك، الصراط الصراط، عليهم عليهم، غير غير في قراءة عمر، وهذا القول ذكره الثعلبي والواحدي في البسيط وابن الجوزي غير منسوب لأحد معروف.
- والثاني:
لأنها منقسمة إلى قسمين: نصفها ثناء ونصفها دعاء، ونصفها حق الربوبية ونصفها حقّ العبودية ، وهذا القول ذكره الثعلبي.
- والثالث: ما ذكره ابن جرير في تفسيره قال:
(وكان بعض أهل العربية ، يزعم أنها سميت مَثَانِيَ لأن فيها الرحمن الرحيم مرّتين).
- والرابع: سمّيت مثاني لأنها مقسومة بين الله وبين العبد قسمين اثنين، ذكره الثعلبي وابن الجوزي.
- والخامس: لأنها نزلت مرتين، ذكره الثعلبي والواحدي وابن الجوزي عن الحسين بن الفضل.
- والسادس: لما فيها من ذكر المعاني المتقابلة كحق الله وحق العبد، والثواب والعقاب، والهدى والضلال، ونحو ذلك مما يطول شرحه، وهذا القول مأخوذ من معنى وصف القرآن كلّه بأنّه مثاني في قوله تعالى: {كتاباً متشابهاً مثاني} على أحد الأقوال.
قال أبو المظفر السمعاني: ( وإنما سمى القرآن مثاني ؛ لاشتماله على علوم مثناة من الوعد والوعيد ، والأمر والنهى ، ونحوها).
والأقوال الأربعة الأولى مستندة على أصول لغوية صحيحة، وهي في نفسها معان صحيحة، لكن حمل معنى الآية على القول الأول أرجح وأولى، وهو قول جمهور العلماء.

معاني المثاني في لغة العرب
ويطلق لفظ "المثاني" في اللغة على معانٍ سوى ما تقدّم: منها ما كان بعد المبادئ، وأثناء الشيء، وما انعطف وانحنى وإن لم يردّ آخره على أوَّله ومنه مثاني الوادي أي ما انعطف وانحنى منه، وأكثر ما يطلق هذا اللفظ في كلام العرب وأشعارهم على الحبال لأنّها تُثْنَى بعضها على بعض عند فَتْلِها، ولهذه المعاني شواهدها المبثوثة في كتب اللغة، وترجع إلى أصول متقاربة، وليس هذا محلّ بسطها، وإنما المراد التنبيه إلى الأصول اللغوية لأقوال أهل العلم.

المراد بالمثاني في النصوص وفي كلام أهل العلم
ولفظ "المثاني" يرد في النصوص وفي استعمال أهل العلم على ستة معانٍ؛ فهو اسم مشترك لمعانٍ متعدّدة لا تعارض بينها، وأكثرها صحيح لا خلاف فيه، وفي بعضها ما استخرج فهماً لا نصاً، والسياق يحدد المعنى المراد:
المعنى الأول: القرآن كله مثانٍ، واستُدِلَّ له بقول الله تعالى: {الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}.
وقال حسان بن ثابت:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه ... ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت
ونُسب هذا البيت لابنه عبد الرحمن.
والمعنى الثاني: آيات سورة الفاتحة، وبه فُسِّرَ قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} على أحد الأقوال كما تقدّم.
والمعنى الثالث: السور السبع الطوال، وبه فسرت الآية السابقة على أحد الأقوال، واختلف في تعيين أسماء السور السبع على نحو أربعة أقوال.
والمعنى الرابع: أنها سور الربع الثالث من القرآن وهي ما بين المئين والمفصل على أحد الأقوال في معنى حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه مرفوعاً: (أعطيت السبع الطول مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل) رواه أبو عبيد وأبو داوود الطيالسي وأحمد وابن جرير وغيرهم من طريق قتادة عن أبي المليح عن واثلة، وهو حديث حسن إن شاء الله.
قال إبراهيم النخعي: (قدم علقمة مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم صلى عند المقام ركعتين قرأ فيهما بالسبع الطول.
ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما بالمئين.
ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما بالمثاني.
ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما بالمفصل).
رواه أبو عبيد في غريب الحديث عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي، وهذا إسناد صحيح رجاله أئمّة ثقات.
وعلقمة هو ابن قيس النخعي من كبار فقهاء التابعين وقرائهم، صلّى خلف عمر سنتين، ولزم عبد الله بن مسعود وتفقّه به، وكان يًشبَّه به في هديه ودلّه وسمته، وهو خال إبراهيم النخعي.
و(طاف أسبوعاً) أي سبعة أشواط.
قال ابن جرير: (وأما "المثاني": فإنَّها ما ثَنَّى المئيَن فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني)
وهذا المعنى راجع إلى تسمية ما بعد المبادئ بالمثاني.
والمعنى الخامس: أنها ما كانت آياتها دون المائة وليست من المفصل، وهذا القول ذكره البيهقي في شعب الإيمان، واستدلّ له بقول ابن عباس: (قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" فوضعتموها في السبع الطول) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي في الكبرى من طريق عوف الأعرابي عن يزيد الفارسي عن ابن عباس، ويزيد الفارسي ذكره البخاري في الضعفاء، وقال أبو زرعة: لا بأس به، ولعل الراجح أنه ممن لا يقبل تفرّده بمثل هذا الخبر.
والمعنى السادس: أنها أنواع معاني القرآن؛ فهو أمر ونهي، وبشارة ونذارة، وضرب أمثال، وتذكير بالنعم، وأنباء.
وهذا القول روى معناه ابن جرير عن زياد بن أبي مريم في تفسير قول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} قال: (أعطيتك سبعةَ أجزاءٍ: مُرْ، وانْهَ، وبشِّرْ، وأنذِرْ، واضربِ الأمثال، واعدُدِ النّعم، وآتيتك نبأَ القرآن).
وتفسير الآية بهذا المعنى لا دليل عليه، وهو مخالف لما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا أعلم مستنداً لحصر معاني القرآن في هذه الأنواع من أثر ولا نظر، وبعض ما ذكر داخل في بعض). [تفسير سورة الفاتحة:43 - 50]


رد مع اقتباس