عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 صفر 1435هـ/15-12-2013م, 08:18 AM
أم أسماء باقيس أم أسماء باقيس غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 529
افتراضي

القرآن كلام البارئ، والصوت صوت القارئ

قال أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458هـ) : (أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، في التاريخ، ثنا أبو بكر محمد بن أبي الهيثم المطوعي ببخارى، ثنا محمد بن يوسف الفربري، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول: سمعت عبيد الله بن سعيد يعني أبا قدامة، يقول: سمعت يحيى بن سعيد يعني القطان، يقول: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: أفعال العباد مخلوقة.
قال أبو عبد الله البخاري: حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق، قال الله عز وجل (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم). ). [كتاب الاعتقاد: ؟؟] (م)
قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): (( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيْلاً )، ( وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيْسى بنَ مَرْيَمَ )، (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقولُهُ: ( وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً ).
( مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ )، ( وَلَمَّا جَاءَ مُوْسَى لِمِيْقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ).
( وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيّاً )، وقَوْلُهُ: ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوْسَى أَنِ ائْتِ القَوْمَ الظَّالِمِينَ)، (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُما الشَّجَرَةِ )، وقَوْلُهُ: ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقولُ مَاذا أَجَبْتُمُ المُرْسَلينَ ).). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال زيد بن عبد العزيز الفياض (ت: 1416هـ) : ( ... فإِنْ قِيلَ: فقد قَالَ تَعَالَى :{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُول َ أحْدثَ الْكَلاَمَ العَرَبِيَّ؛ قِيلَ: هَذَا بَاطِلٌ وذَلِكَ أَنَّ اللهَ ذَكَرَ هَذَا فِي مَوْضِعَينِ؛ والرَّسُول ُفِي أحدِ المَوضِعينِ مُحَمَّدٌ، والرَّسُول ُفِي الآْيَةِ الأُخْرى جِبْريلُ، قَالَ تَعَالَى فِي سورةِ الحاقَّةِ :{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْل شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } الآْيَةَ؛ فالرَّسُول ُ هنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ فِي سورةِ التَّكويرِ :{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } فالرَّسُول هُنا جِبْريلُ، فلو كَانَ إضافةً إلى الرَّسُول لِكَوْنِه أحْدَثَ حُروفَهُ أو أحْدَثَ منه شَيئاً لكَانَ الخَبَرانِ مُتَناقضَيْنِ، فإِنَّه إِنْ كَانَ أحدُهما الَّذِي أحْدَثَها امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الآخَرُ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَها.
وأيضاً
فإِنَّه قَالَ :{ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } ولم يَقَلْ: لقَوْلُ مَلكٍ ولا نَبِيٍّ، ولفظُ الرَّسُول ِ يَستلزمُ مُرسلاً له؛ فدلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّسُول َ مُبَلِّغٌ له عَن مُرْسلِهِ، لا أَنَّه أَنْشَأَ منه شيئاً مِن جهةِ نَفْسِه، وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّه أَضَافَهُ إلى الرَّسُول ِلأَنَّه بَلَّغَه وأَدَّاه لا أَنَّه أَنْشَأ منه شيئاً وَابْتَدَأَهُ .
وأيضاً فإِنَّ اللهَ قد كَفَّرَ مَن جَعَلَه قَوْلَ البَشَرِ؛ ومُحَمَّدٌ بَشرٌ، فمَن قَالَ: إِنَّه قَوْلُ مُحَمَّدٍ فقد كَفَرَ ومَعَ هَذَا فقد قَالَ :{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ } فجَعَلَهُ قَوْلَ الرَّسُول ِ البَشَرِيِّ مَعَ تكْفيرِه مَنْ يَقُولُ: إِنَّه قَوْلُ البَشَرِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بذَلِكَ أَنَّ الرَّسُول َ بَلَّغَه عَن مُرسِلِهِ – لا أَنَّه قَوْلُه مِن تِلقاءِ نَفْسِه – وهُوَ كلامُ اللهِ تَعَالَى الَّذِي أرْسَلَهُ .
ولهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بالمَوْقِفِ ويَقُولُ: ((أَلا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلِى قَوْمِه لاِبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي ، فإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي)). رواه أَبُو دَاوُدَ وغيرُهُ.
والنَّاسُ يَعلمونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ تَكَلَّمَ بِحُروفِه وَمَعانِيهِ بِصَوْتِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ المْبُلِّغُونَ عنه يُبلِّغونَ كَلاَمَه بِحَرَكَاتِهِمْ وأصْواتِهم كما قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نَضَّرَ اللهُ امْرأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَبَلَّغَهُ كَما سَمِعَهُ)) فالمُسْتمِعُ منه مُبَلِّغٌ حَدِيثَه كما سَمِعَهُ لكن بصوتِ نَفْسِه لا بصوتِ الرَّسُولِ، فالْكَلاَمُ هُوَ كلامُ الرَّسُول ِ تَكلَّمَ به بِصَوتِه والْمُبَلِّغُ بَلَّغَ كلامَ رسولِ اللهِ بصوتِ نَفْسِه، وإذا كَانَ هَذَا مَعلوماً فِي تَبليغِ كلامِ المَخلوقِ فكلامُ الخالِقِ أوْلَى بذَلِكَ، ولهَذَا قَالَ تَعَالَى :{ وَإِنْ أَحَدٌ مِن الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ }وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ)) . فجَعَلَ الْكَلاَمَ كلامَ البَارِي وجَعَلَ الصَّوتَ الَّذِي يَقْرَؤُه العَبْدُ صوتَ القَارِئِ، وأصواتُ العِبادِ ليست هِيَ الصَّوتَ الَّذِي يُنادِي اللهُ به ويَتكَلَّمُ به، كما نَطَقَت النُّصُوصُ بذَلِكَ، بل ولا ومِثلَه.
فمَن قَالَ عَن الْقُرْآنِ الَّذِي يَقْرؤه المُسْلِمونَ لَيْسَ هُوَ كلامَ اللهِ أو هُوَ كَلاَمُ غيرِ اللهِ فهُوَ مُلحِدٌ مُبتدِعٌ ضَالٌّ . ومَنْ قَالَ : إِنَّ أصواتَ الْعِبَادِ أو المِدَادَ الَّذِي يُكتبُ به الْقُرْآنُ قَدِيمٌ أزَلِيٌّ فهُوَ مُلْحِدٌ مُبتدِعٌ . بل هَذَا الْقُرْآنُ هُوَ كَلاَمُ اللهِ ، وهُوَ مُثبَتٌ فِي المصَاحفِ وكَلاَمُ اللهِ مُبلَّغٌ عنه مَسموعٌ مِن القُرَّاءِ . لَيْسَ مَسموعاً منه . فالإِنْسَانُ يَرَى الشَّمسَ والقَمرَ والكواكبَ بطريقِ المُباشِرِ ، ويَراها فِي ماءٍ أو مِرآةٍ فهَذِهِ رؤيةٌ مُقَيَّدةٌ بِالواسِطةِ ، وتلك مُطلقةٌ بطريقِ المُباشِرِ . ويُسمَعُ مِن المُبَلِّغِ عنه بِواسطةٍ . والمقصودُ بالسَّماعِ هُوَ كلامُهُ فِي المَوْضِعينِ كما أَنَّ المقصودَ بالرُّؤيةِ هُوَ المَرئِيُّ فِي المَوْضِعينِ .
وإذا قِيلَ لِلمسموعِ إِنَّه كَلاَمُ اللهِ فهُوَ كَلاَمُ اللهِ مَسْموعاً مِن المُبَلِّغِ عنه، لا مَسموعاً منه، فهُوَ مسموعٌ بِواسطةِ صوتِ العبدِ ، وصوتُ العبدِ مخلوقٌ، وأما كَلاَمُ اللهِ منه فهُوَ غيرُ مخلوقٍ حيثما تَصرَّفَ.
). [الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): ( (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأمَنهُ)، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمُعونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ )، (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ )، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ( إِنَّ هَذا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إِسْرَائيلَ أَكْثَرَ الَّذي هُمْ فيهِ مخْتَلِفونَ )، ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )، ( لَوْ أَنْزَلْنَا هذا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ )، (وَإِذا بَدَّلْنَا آيَةً مَكانَ آيَةٍ واللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمونَ ).). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408) : ( وقَولُهُ: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)

ش: ... وكلامُه -سُبْحَانَهُ- صفةٌ من صفاتِه غيرُ مخلوقٍ، وأمَّا صوتُ القارئِ وكذا المِدادُ والورقُ فهي مخلوقةٌ، لهذهِ الآيةِ ولحديثِ: ((بَيِّنُوا القُرآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ))، فبَيَّنَ أنَّ الأصواتَ الَّتي يُقرأ بها القرآنُ أصواتُنا، والقرآنَ كلامُ اللهِ، فالقرآنُ كلامُ الباري والصَّوتُ صوتُ القارئِ.
...
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ رحمه اللهُ: ولم يقلْ أحدٌ من السَّلفِ إنَّه مخلوقٌ أو أنَّه قديمٌ، بل الآثارُ متواترةٌ عن السَّلفِ مِن الصَّحابةِ والتَّابعين لهم بإحسانٍ أنَّهم يقولونَ: القرآنُ كلامُ اللهِ ... والنَّاسُ يَقْرءُونه بأصواتِهم ويكتبونَه بِمِدَادِهِم وما بينَ اللوحَينِ كلامُ اللهِ وكلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، والمِدَادُ الَّذي يُكتب به القرآنُ مخلوقٌ، والصَّوتُ الَّذي يُقْرأ به هو صوتُ العبدِ، والعبدُ وصوتُه وحركاتُه وسائرُ صفاتِه مخلوقةٌ، فالقرآنُ الَّذي يَقْرؤه المسلمونَ كلامُ الباري، والصَّوتُ صوتُ القارئِ، انتهى.
قال البخاريُّ رحمه اللهُ في كتابِ(خَلْقِ أَفْعَالِ العِبَادِ) بعد ذكرِ هذه الآيةِ والآيةِ الَّتي بعدَها، أي قَولُهُ سُبْحَانَهُ: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجيد * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) وقَولُهُ: (وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ ) قال: ذكرَ اللهُ أنَّ القرآنَ يُحفظُ ويُسَطَرُ، والقرآنُ المُوعى في القلوبِ المَسْطورُ في المصاحفِ المَتْلوُّ بالألسنةِ كلامُ اللهِ ليس بمخلوقٍ، وأمَّا المِدادُ والورقُ والجلدُ فإنَّه مخلوقٌ، انتهى. من (فتحِ البارِي).). [التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): ( ومِن الإِيمانِ باللهِ وكُتُبِهِ الإِيمانُ بأَنَّ القرآنَ: كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلوقٍ، منهُ بَدَأَ، وإِليهِ يَعودُ، وأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقيقةً، وأَنَّ هذا القرآنَ الَّذي أَنْزَلَهُ على محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُو كلامُ اللهِ حقيقةً، لا كَلامَ غيرِهِ.
ولا يجوزُ إِطلاقُ القَوْلِ بأَنَّهُ حِكايةٌ عَنْ كلامِ اللهِ، أَو عِبارَةٌ، بلْ إِذا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ في المصاحِفِ؛ لمْ يخْرُجْ بذلك عنْ أَنْ يَكونَ كَلامَ اللهِ تعالى حَقيقةً، فإِنَّ الكلامَ إِنَّما يُضَافُ حقيقةً إِلى مَنْ قالَهُ مُبْتَدِئاً، لا إِلى مَن قالَهُ مُبَلِّغاً مُؤدِّياً.
وهُوَ كَلامُ اللهِ؛ حُروفُهُ، ومَعانيهِ، ليسَ كَلامُ اللهِ الحُروفَ دُونَ المَعاني، ولا المَعانِيَ دُونَ الحُروفِ). [العقيدة الواسطية:؟؟]
- قال عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408): ( قولُه:(غير مخلوقٍ).
ش: ... وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولم يَقُلْ أحدٌ مِن السَّلَفِ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ أو قديمٌ، بل الآثارُ متواتِرةٌ عنهم بأنَّهم يقولون: القرآنُ كلامُ اللَّهِ، ولمَّا ظَهَرَ مَن قال: إنَّه مخلوقٌ، قالوا رداًّ لكلامِه: إنَّه غيرُ مخلوقٍ، وأوَّلُ مَن عُرِفَ أنَّه قال: القرآنُ مخلوقٌ الجعدُ بنُ دِرْهمٍ، وصاحِبُه الجهمُ بنُ صفوانَ، وأوَّلُ مَن عُرِفَ أنَّه قال: إنَّه قديمٌ هُوَ عبدُ اللَّهِ بنُ سعيدِ بنِ كِلابٍ. انتهى.
وأمَّا أفعالُ العِبادِ كأصواتِهم ومِدادِهم الذي يَكتُبون به القرآنَ، والوَرَقِ الذي يَكتُبون عليه، فإنَّ ذَلِكَ مِن جُملةِ المخلوقِ، ولذَلِكَ يقولونَ: الكلامُ كلامُ البارِئِ والصَّوتُ صوتُ القَارِئِ، وفي الحديثِ: ((زَيِّنُوا الْقُرَآنَ بَأَصْوَاتِكُمْ)).
قال ابنُ القيِّمِ في (النُّونيَّةِ):
وَكَذَلِكَ القرآنُ عينُ كلامِه الْـ...مسموعِ مِنه حقيقةً بَبَيانِ
هُوَ قولُ ربِّي كُلُّه لا بَعْضُه...لفظاً ومعنًى ما هُما خَلْقانِ
تَنْزيلُ رَبِّ العالَمِينَ وقولُه اللَّـ...ـفظُ والمعنى بِلا رَوَغانِ
لكنَّ أصواتَ العِبادِ وفِعلَهم ... كمِدادِهِم والرَّقِّ مخلوقانِ
فالصَّوتُ للقَاري ولكنَّ الـــــ....ـكَلام كلامُ ربِّ العرشِ ذي الإحسانِ.). [التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
- قال زيد بن عبد العزيز الفياض (ت: 1416هـ) : ( وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مُسَمَّى الكَلامِ فِي الأَصْلِ فَقِيلَ: هُوَ اسْمُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى المَعْنَى، وَقِيلَ: المَعْنَى المَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ وَقِيلَ لكُلٍّ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ اسْمٌ عَامٌّ لهُمَا جميعاً يَتَنَاوَلُهُمَا عِنْدَ الإِطْلاقِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ التَّقْيِيدِ يُرَادُ بِهِ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً.
هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الفُقَهَاءِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا القَوْلُ لا يُعْرَفُ فِي كَثِيرٍ مِن الكُتُبِ، فَتَنَازُعُهُمْ فِي مُسَمَّى النُّطْقِ كَتَنَازُعِهِمْ فِي مُسَمَّى النَّاطِق،ِ فَمَنْ سَمَّى شخصاً مُحمَّداً وَإِبْرَاهِيمَ وَقَالَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ وَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ لمْ يَكُنْ هَذَا مُحمَّداً وَإِبْرَاهِيمَ المَذْكُورَيْنِ فِي القُرْآنِ، وَلَوْ قَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَإِبْرَاهِيمُ خَليلُ اللَّهِ يَعْنِي بِهِ خَاتَمَ الرُّسُلِ وَخَليلَ الرَّحْمَنِ لكَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِمُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ اللَّذينِ فِي القُرْآنِ، لكِنْ قَدْ تَكَلَّمَ بِالاسْمِ وَأَلَّفَهُ كلاماً فَهُوَ كَلامُهُ لمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فِي القُرْآنِ العَرَبِيِّ الذي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ، فَالحُرُوفُ الَّتِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَإِذَا كُتِبَتْ فِي المُصْحَفِ قِيلَ: كَلامُ اللَّهِ المَكْتُوبُ فِي المُصْحَفِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا نَفْسُ أَصْوَاتِ العِبَادَ فَمَخْلُوقَةٌ، وَالمِدَادُ مَخْلُوقٌ، وَشَكْلُ المِدَادِ مَخْلُوقٌ.
وَلهَذَا كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِن أَئِمَّةِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: مَن قَالَ اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ أَوْ لفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ مَن قَالَ: لفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوقٌ - يَعْنِي بِهِ القُرْآنَ - فَهُوَ جَهْمِيٌّ؛ لأَنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ لفِظَ يَلْفِظُ لفْظاً. وَمُسَمَّى هَذَا فِعْلُ العَبْدِ، وَفِعْلُ العَبْدِ مَخْلُوقٌ، وَيُرَادُ بِاللَّفْظِ القَوْلُ الذي يَلْفِظُ بِهِ اللافِظُ وَذَلكَ كَلامُ اللَّهِ لا كَلامُ القَارِئِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فَقَدْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لمْ يَتَكَلَّمْ بِهَذَا القُرْآنِ وَأَنَّ هَذَا الذي يَقْرَؤُهُ المُسْلمُونَ ليْسَ هُوَ كَلامَ اللَّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ بِالاضْطِرَارِ مِن دِينِ الرَّسُولِ، وَأَمَّا صَوْتُ العَبْدِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ.
وَقَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ المَسْمُوعَ صَوْتُ العَبْدِ وَلَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ قَطُّ: مَن قَالَ: إِنَّ صَوْتِيَ بِالقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَإِنَّمَا قَالَ: مَن قَالَ: لفْظِي بِالقُرْآنِ.
وَالفَرْقُ بَيْنَ لفْظِ الكَلامِ وَصَوْتِ المُبَلِّغِ لهُ فَرْقٌ وَاضِحٌ، فَكُلُّ مَن بَلَّغَ كَلامَ غَيْرِهِ بِلَفْظِ ذَلكَ الرَّجُلِ فَإِنَّمَا بَلَّغَ لفْظَ ذَلكَ الغَيْرِ لا لفْظَ نَفْسِهِ، وَهُوَ إِنَّمَا بَلَّغَهُ بِصَوْتِ نَفْسِهِ لا بِصَوْتِ ذَلكَ الغَيْرِ وَنَفْسِ اللَّفْظِ والتِّلاوةِ وَالقِرَاءةِ وَالكِتَابَةِ وَنَحْوِ ذَلكَ لَمَّا كَانَ يُرَادُ بِهِ المَصْدَرُ الذي هُوَ حَرَكَاتُ العِبَادِ وَمَا يَحْدُثُ عَنْهَا مِن أَصْوَاتِهِمْ وَشَكْلِ المِدَادِ، وَيُرَادُ بِهِ نَفْسُ الكَلامِ الذي يَقْرَؤُهُ التَّالي وَيَتْلُوهُ وَيَلْفِظُ بِهِ وَيَكْتُبُهُ، مَنَعَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِن إِطْلاقِ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ الذي يَقْتَضِي جَعْلَ صِفَاتِ اللَّهِ مَخْلُوقَةً أَوْ جَعْلَ صِفَاتِ العِبَادِ ومِدادَهُمْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: نَقُولُ: القُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ حَيْثُ تَصَرَّفَ - أَيْ حَيْثُ تُلِيَ وَكُتِبَ وَقُرِئَ مِمَّا هُوَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ كَلامُ اللَّهِ فَهُوَ كَلامُهُ، وَكَلامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ مِن صِفَاتِ العِبَادِ وَأَفْعَالهِمُ الَّتِي يَقْرَءُونَ وَيَكْتُبُونَ بِهَا كَلامَهُ كَأَصْوَاتِهِمْ ومِدادِهم فَهُوَ مَخْلُوقٌ. وَلهَذَا مَن لمْ يَهْتَدِ إِلَى هَذَا الفَرْقِ يَحَارُ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ القُرْآنَ وَاحِدٌ وَيَقْرَؤُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ. وَالقُرْآنُ لا يَكْثُرُ فِي نَفْسِهِ بِكَثْرَةِ قِرَاءَةِ القُرَّاءِ وَإِنَّمَا يَكْثُرُ مَا يَقْرَءُونَ بِهِ القُرْآنَ، فَمَا يَكْثُرُ وَيَحْدُثُ فِي العِبَادِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَالقُرْآنُ نَفْسُهُ لفْظُهُ وَمَعْنَاهُ الذي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ وَسَمِعَهُ جِبْرِيلُ مِن اللَّهِ وَسَمِعَهُ مُحَمَّـدٌ مِن جِبْرِيلَ وَبَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ إِلَى النَّاسِ وَأَنْذَرَ بِهِ الأُمَمَ لقَوْلهِ تَعَالَى:{ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } ـ قُرْآنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كَلامٌ اللَّهِ ليْسَ بِمَخْلُوقٍ.). [الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية: ؟؟] (م)
)


رد مع اقتباس