عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22 ربيع الثاني 1435هـ/22-02-2014م, 12:16 AM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق}

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أصالةً ولكل مؤمن بالتبع.

الحكمة من إثبات "قل" في التلاوة

فإن قيل: لِمَ أثبتت {قل} في التلاوة؟، ولم لا يبدأ القارئ بـ(أعوذ برب الفلق)؟
قيل: قال زرُّ بن حبيش رحمه الله: سألت أُبيَّ بن كعب -رضي الله عنه- عن المعوذتين فقال: (سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: (( قيل لي فقلت)) فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري.
فكلمة {قل} من القرآن الذي أُمِرْنا بتلاوته فهي من كلام الله، ولو حذفت لأوهمَ ذلك استعاذة الرب جلَّ جلاله، وهو متنزه عن ذلك؛ فإن الله يعيذ ولا يستعيذ ، وإنما أَمَر عباده بالاستعاذة به.

معنى (أعوذ)
{أعوذ} أي: ألتجئ وأعتصم وأستجير {برب الفلق}.
وحقيقة الاستعاذة: طَلَبُ الأمان مما يُخاف منه.

سَعَة معاني الفلَق
{برب الفلق} أي: مالكه ومدبر أمره والمتصرف فيه، والفَلَقُ: اسم لكل ما يُفلَقُ أي: يُشق فيخرج منه ما شُقَّ عنه، كفَلَقِ الصبح الذي ينشق من جوف الليل بعد اشتداد الظلمة؛ فيخرج الصبح مشعاً منتشراً باسطاً نورَه على البسيطة، بعد ما كانت الظلمة بها محيطة ، وكما تُفلَق الحبة المصمتة التي لا مخرج فيها؛ فيفلقها الله فيخرج منها نباتُ الأرض الذي يأكل منه الناس والأنعام، وكما يَفلق النوى الذي ينبت منه النخلُ ذو الطلع النضيد، قال الله تعالى: {الله فالق الحب والنوى}.
وكما يَفلق للجنين الذي في بطن أمه مخرجاً يسهّل له به خروجه فيخرج حياً سليماً تبتهج بخروجه النفوس.
وهذه آيات يشاهدها الناس في يومهم وليلتهم وفي طعامهم وأنعامهم وأنفسهم فيها عبرة وتذكير وتنبيه لأمور أرشد الله إلى التفكر فيها.
ومن قال من أهل العلم: {الفلق}: الصبح؛ فهو تفسير بالمثال لتوضيح الصورة وتقريبها للذهن لا لحصر معنى الفلق في الصبح.
فهو أحد معاني الفلق، لكن لا يقصر المعنى عليه؛ فإن اللفظ الواحد في لغة العرب ربما دلَّ على معان متعددة، ومنها لفظ الفلق فإنه يدل على معانٍ واسعة جليلة لمن تدبر وتفكر وأناب وتذكر، فالذي يَفْلِقُ الصبحَ بعد اشتدادِ الظلمة فيشعُّ منه النور، ويفلق الحبة فيخرج منها النبات الذي هو أصل الطعام وعماده ، ويفلق للأجنَّة في بطون أمهاتها مخرجاً فتخرج منه وتحيا بإذن الله : قادرٌ على أن يفلق لك مخرجاً من الشرور وإن أحاطت بك من كل جانب.
وهذا من معاني تخصيص الاستعاذة بـ(رب الفلق) في هذه السورة واختيار هذه الربوبية الخاصة على ما سواها ، لحسن مناسبتها لما يستعاذ منه.
فالذي يفلق هذه الأمور العظيمة التي تتكرر كل يوم في صور شتى لا تعد ولا تحصى؛ لا يعجزه أن يفرّج عنك كربك ويصرف عنك ما تخشى من الشر والسوء، ويجعل لك فرجاً ومخرجاً.
وتأمل ما قصَّه الله من أنباء الرسل والصالحين وكيف فرَّج الله عنهم بعدما كاد أن يحيط بهم الكرب من كل مكان فجعل الله لأوليائه فرجاً ومخرجاً.
ولك في قصة موسى وأصحابه مع فرعون وجنوده عظة وعبرة؛ فإنه لما تراءى الجمعان وقال أصحاب موسى إنا لمَدركون؛ وذلك لمَّا رأوا أن البحر أمامهم وفرعونَ وجنودَه خلفهم، ولم يبصروا طريقاً يسلكونه للنجاة؛ فقالوا: {إنا لمدركون} فقال موسى عليه السلام: {كلا إن معي ربي سيهدين} فهداه ربُّ الفَلَق؛ ففلق له البحرَ {فكان كل فرق كالطود العظيم} فخرج موسى وأصحابُه يمشون في طرق يابسة وسط البحر حتى استتموا خارجين منه، وتبعهم فرعون وجنوده حتى استتموا داخلين في البحر فانطبق عليهم؛ فنجى الله موسى وأصحابَه وأهلك فرعون وجنوده وجعلهم عبرة وآية يعتبر بها المؤمنون فيوقنون بأنَّ الله ينجّي عبادَه المؤمنين مهما ادلهمَّت عليهم الخطوب وأحاطت بهم الكروب ؛ فربُّ الفلق قادرٌ على أن يفلق لهم مخرجاً ينجيهم به.
وبهذا تعلم المناسبة بين وصف المستعاذ به والمستعاذ منه؛ فإن الله تعالى هو رب الفلق أي: مالكه والمتصرف فيه فلا يكون فَلْقٌ إلا بإذنه، ولا يخرج شيء من شيء إلا بإذنه.
وكل بلاء وشرٍّ يعرض للعبد فإنه لا ينجيه منه إلا ربُّ الفلق؛ لأن العبد يحتاج إلى أن يُفلق عنه هذا الشر الذي أحاط به ليخرجَ منه سليماً، ولا يملك ذلك إلا ربُّ الفلق.
{من شر ما خلق} هذا عام لجميع الشرور، لا يخرج عن هذا العموم شيء منها.
والله تعالى لم يأمرك بالاستعاذة به إلا ليعيذك، والله تعالى يحبُّ أن يعيذ من استعاذ به؛ فهو الملك الجليل الذي يجير ولا يجار عليه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: (( يا عقبة اقرأ بـ{قل أعوذ برب الفلق} فإنك لن تقرأ سورة أحبَّ إلى الله عزَّ وجلَّ وأبلغ عندَه منها؛ فإن استطعت أن لا تفوتك فافعل)). رواه النسائي والحاكم.

رد مع اقتباس