عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 07:49 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

تفسير السلف

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل الاستعاذة: تأويل قوله: {أعوذ}.
قال أبو جعفرٍ: والاستعاذة: الاستجارة.
وتأويل قول القائل: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم، أستجير باللّه دون غيره من سائر خلقه من الشّيطان، أن يضرّني في ديني، أو يصدّني عن حقٍّ يلزمني لربّي.
تأويل قوله: {من الشّيطان} قال أبو جعفرٍ: والشّيطان في كلام العرب، كلّ متمرّدٍ من الجنّ والإنس والدّوابّ وكلّ شيءٍ، ولذلك قال ربّنا جلّ ثناؤه: {وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوًّا شياطين الإنس والجنّ} فجعل من الإنس شياطين، مثل الّذي جعل من الجنّ.
وقال عمر بن الخطّاب رحمة اللّه عليه وركب برذونًا، فجعل يتبختر به، فجعل يضربه، فلا يزداد إلاّ تبخترًا، فنزل عنه، وقال: «ما حملتموني إلاّ على شيطانٍ ما نزلت عنه حتّى أنكرت نفسي».
- حدّثنا بذلك يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهبٍ، قال: خبّرني هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر.
قال أبو جعفرٍ: وإنّما سمّي المتمرّد من كلّ شيءٍ شيطانًا، لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله، وبعده عن الخير؛ وقد قيل إنّه أخذ من قول القائل: شطنت داري من دارك، يريد بذلك بعدت، ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان:

نأت بسعاد عنك نوى شطون.......فبانت والفؤاد بها رهين

والنّوى: الوجه الّذي نوته وقصدته، والشّطون: البعيد، فكأنّ الشّيطان على هذا التّأويل، فيعالٌ من شطن؛ وممّا يدلّ على أنّ ذلك كذلك، قول أميّة بن أبي الصّلت:

أيّما شاطنٍ عصاه عكاه.......ثمّ يلقى في السّجن والأكبال

ولو كان فعلان، من شاط يشيط، لقال أيّما شائطٍ، ولكنّه قال أيّما شاطنٍ، لأنّه من شطن يشطن، فهو شاطنٌ.
تأويل قوله: {الرّجيم}.
وأمّا الرّجيم فهو فعيلٌ، بمعنى مفعولٍ، كقول القائل: كفٌّ خضيبٌ، ولحيةٌ دهينٌ، ورجلٌ لعينٌ، يريد بذلك: مخضوبةٌ، ومدهونةٌ، وملعونٌ؛ وتأويل الرّجيم: الملعون، المشتوم. وكلّ مشتومٍ بقولٍ رديءٍ أو سبٍّ، فهو مرجومٌ وأصل الرّجم: الرّمي بقولٍ كان أو بفعلٍ ومن الرّجم بالقول قول أبي إبراهيم، لإبراهيم صلوات اللّه عليه: {لئن لم تنته لأرجمنّك}.
وقد يجوز أن يكون قيل للشّيطان رجيمٌ، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه طرده من سمواته، ورجمه بالشّهب الثّواقب.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ أنّ أوّل ما نزل جبريل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، علّمه الاستعاذة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «أوّل ما نزل جبريل على محمّدٍ، قال: يا محمّد استعذ، قل: أستعيذ بالسّميع العليم من الشّيطان الرّجيم. ثمّ قال: قل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. ثمّ قال: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}»، قال عبد اللّه: «وهي أوّل سورةٍ أنزلها اللّه على محمّدٍ، بلسان جبريل، فأمره أن يتعوّذ باللّه دون خلقه»). [جامع البيان: 1 /109-111]


رد مع اقتباس