عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:58 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو شئنا لبعثنا في كلّ قريةٍ نذيرًا (51) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا (52) وهو الّذي مرج البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعل بينهما برزخًا وحجرًا محجورًا (53) وهو الّذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربّك قديرًا (54)}.
يقول تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كلّ قريةٍ نذيرًا} يدعوهم إلى اللّه عزّ وجلّ، ولكنّا خصصناك -يا محمّد -بالبعثة إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أنّ تبلّغ النّاس هذا القرآن، {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19]، {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده} [هودٍ: 17] {ولتنذر أمّ القرى ومن حولها} [الأنعام: 92]، {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} [الأعراف: 158]. وفي الصّحيحين: "بعثت إلى الأحمر والأسود" وفيهما: "وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّةً وبعثت إلى النّاس عامّةً"؛ ولهذا قال: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به} يعني: بالقرآن، قاله ابن عبّاسٍ {جهادًا كبيرًا}، كما قال تعالى: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم} [التّوبة: 73،التّحريم: 9]).[تفسير ابن كثير: 6/ 116]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي مرج البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ} أي: خلق الماءين: الحلو والملح، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو الفرات العذب الزّلال. قاله ابن جريجٍ، واختاره ابن جريرٍ، وهذا الّذي لا شكّ فيه، فإنّه ليس في الوجود بحرٌ ساكنٌ وهو عذبٌ فراتٌ. واللّه سبحانه إنّما أخبر بالواقع لينبّه العباد على نعمه عليهم ليشكروه، فالبحر العذب هو هذا السّارح بين النّاس، فرقه تعالى بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهارًا وعيونًا في كلّ أرضٍ بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم.
وقوله: {وهذا ملحٌ أجاجٌ} أي: مالحٌ مرّ زعاقٌ لا يستساغ، وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب: البحر المحيط وما يتّصل به من الزّقاق وبحر القلزم، وبحر اليمن، وبحر البصرة، وبحر فارس وبحر الصّين والهند وبحر الرّوم وبحر الخزر، وما شاكلها وشابهها من البحار السّاكنة الّتي لا تجري، ولكن تتموّج وتضطرب وتغتلم في زمن الشّتاء وشدّة الرّياح، ومنها ما فيه مدٌّ وجزر، ففي أوّل كلّ شهرٍ يحصل منها مدٌّ وفيضٌ، فإذا شرع الشّهر في النّقصان جزرت، حتّى ترجع إلى غايتها الأولى، فإذا استهلّ الهلال من الشّهر الآخر شرعت في المدّ إلى اللّيلة الرّابعة عشرة ثمّ تشرع في النّقص، فأجرى اللّه سبحانه وتعالى -وله القدرة التّامّة -العادة بذلك. فكلّ هذه البحار السّاكنة خلقها اللّه سبحانه وتعالى مالحة الماء، لئلّا يحصل بسببها نتن الهواء، فيفسد الوجود بذلك، ولئلّا تجوى الأرض بما يموت فيها من الحيوان. ولمّا كان ماؤها ملحًا كان هواؤها صحيحًا وميتتها طيّبةً؛ ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد سئل عن ماء البحر: أنتوضّأ به؟ فقال: "هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته". رواه الأئمّة: مالكٌ، والشّافعيّ، وأحمد، وأهل السّنن بإسنادٍ جيّدٍ.
وقوله: {وجعل بينهما برزخًا وحجرًا} أي: بين العذب والمالح {برزخًا} أي: حاجزًا، وهو اليبس من الأرض، {وحجرًا محجورًا} أي: مانعًا أن يصل أحدهما إلى الآخر، كما قال: {مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخٌ لا يبغيان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} [الرّحمن: 19 -21]، وقال تعالى: {أمّن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزًا أإلهٌ مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون} [النّمل: 61]). [تفسير ابن كثير: 6/ 117]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربّك قديرًا} أي: خلق الإنسان من نطفةٍ ضعيفةٍ، فسوّاه وعدّله، وجعله كامل الخلقة، ذكرًا أو أنثى، كما يشاء، {فجعله نسبًا وصهرًا}، فهو في ابتداء أمره ولدٌ نسيبٌ، ثمّ يتزوّج فيصير صهرًا، ثمّ يصير له أصهارٌ وأختانٌ وقراباتٌ. وكلّ ذلك من ماءٍ مهينٍ؛ ولهذا قال: {وكان ربّك قديرًا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 117]

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم ولا يضرّهم وكان الكافر على ربّه ظهيرًا (55) وما أرسلناك إلا مبشّرًا ونذيرًا (56) قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلا من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا (57) وتوكّل على الحيّ الّذي لا يموت وسبّح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرًا (58) الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش الرّحمن فاسأل به خبيرًا (59) وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورًا (60)}.
يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير اللّه من الأصنام، الّتي لا تملك لهم نفعًا ولا ضرًّا، بلا دليلٍ قادهم إلى ذلك، ولا حجّةٍ أدّتهم إليه، بل بمجرّد الآراء، والتّشهّي والأهواء، فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم، ويعادون الله ورسوله [والمؤمنون] فيهم؛ ولهذا قال: {وكان الكافر على ربّه ظهيرًا} أي: عونًا في سبيل الشّيطان على حزب اللّه، وحزب اللّه هم الغالبون، كما قال تعالى: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً لعلّهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جندٌ محضرون} [يس: 74 -75] أي: آلهتهم الّتي اتّخذوها من دون اللّه لا تملك لهم نصرًا، وهؤلاء الجهلة للأصنام جندٌ محضرون يقاتلون عنهم، ويذبّون عن حوزتهم، ولكنّ العاقبة والنّصرة للّه ولرسوله في الدّنيا والآخرة.
قال مجاهدٌ: {وكان الكافر على ربّه ظهيرًا} قال: يظاهر الشّيطان على معصية اللّه، يعينه.
وقال سعيد بن جبيرٍ: {وكان الكافر على ربّه ظهيرًا} يقول: عونًا للشّيطان على ربّه بالعداوة والشّرك.
وقال زيد بن أسلم: {وكان الكافر على ربّه ظهيرًا} قال: مواليًا). [تفسير ابن كثير: 6/ 117-118]

رد مع اقتباس