عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 06:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {لا تجعل مع الله إلها آخر} الآية. الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد: جميع الخلق، قاله الطبري وغيره، و"الذم" هنا لاحق من الله تعالى ومن ذوي العقول في أن يكون الإنسان يجعل عودا أو حجرا أفضل من نفسه، ويخصه بالكرامة، وينسب إليه الألوهية، ويشركه مع الله الذي خلقه ورزقه وأنعم عليه. و"الخذلان" في هذا يكون بإسلام الله تعالى، وألا يكفل له بنصر، و"المخذول": الذي لا ينصره من يجب أن ينصره، و"الخاذل" من الظباء التي تترك ولدها، ومن هذه اللفظة قول الراعي:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... وسعى فلم أر مثله مخذولا). [المحرر الوجيز: 5/459]

تفسير قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}
"قضى" في هذه الآية هي بمعنى: أمر وألزم وأوجب عليكم، وهكذا قال الناس. وأقول: المعنى: وقضى ربك أمره ألا تعبدوا إلا إياه، وليس في هذه الألفاظ إلا أمر بالاقتصار على عبادة الله، فذلك هو المقضي، لا نفس العبادة. و"قضى" في كلام العرب: أتم المقضي محكما، والمقضي هنا هو الأمر، وفي مصحف ابن مسعود: "ووصى"، وهي قراءة أصحابه وقراءة ابن عباس، والنخعي، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران، وكذلك عند أبي بن كعب. وقال الضحاك: تصحف على قوم "وصى" بـ "قضى" حين اختلطت الواو بالصاد وقت كتب المصحف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، وإنما القراءة مروية بسند وقد ذكر أبو حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما مثل قول الضحاك، وقال عن ميمون بن مهران: إنه قال: "إن على قول ابن عباس رضي الله عنهما لنورا، قال الله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي
[المحرر الوجيز: 5/460]
أوحينا إليك}. ثم ضعف ابن حاتم أن يكون ابن عباس رضي الله عنهما قال ذلك، وقال: "لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا". والضمير في تعبدوا لجميع الخلق، وعلى هذا التأويل مضى السلف والجمهور، وسأل الحسن بن أبي الحسن رجل فقال له: إنه طلق امرأته ثلاثا، فقال له الحسن: عصيت ربك وبانت منك امرأتك ثلاثا، فقال له الرجل: قضي ذلك علي، فقال له الحسن -وكان فصيحا-: ما قضى الله أي: ما أمر الله، وقرأ هذه الآية، فقال الناس، تكلم الحسن في القدر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن تكون "قضى" على مشهورها في الكلام، ويكون الضمير في "تعبدوا" للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة، لكن على التأويل الأول يكون قوله: {وبالوالدين إحسانا} عطفا على "أن" الأولى، أي: أمر الله ألا تعبدوا إلا إياه وأن تحسنوا بالوالدين إحسانا، وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرناه يكون قوله: {وبالوالدين إحسانا} مقطوعا من الأول; فإنه أخبرهم بقضاء الله تبارك وتعالى، ثم أمرهم بالإحسان إلى الوالدين
و"إما" شرطية، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر، وعاصم، وابن عامر: "يبلغن"، وروي عن ابن ذكوان "يبلغن" بتخفيف النون، وقرأ حمزة، والكسائي: "يبلغان"، وهي قراءة أبي عبد الرحمن، ويحيى، وطلحة، والأعمش، والجحدري، وهي النون الثقيلة دخلت مؤكدة، وليست بنون تثنية، فعلى القراءتين الأوليين يكون قوله: أحدهما" بدلا من الضمير في "يبلغان"، وهو بدل مقسم كقول الشاعر:
وكنت كذي رجلين: رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت
[المحرر الوجيز: 5/461]
ويجوز أن يكون: "أحدهما" فاعلا، وقوله: {أو كلاهما} عطف عليه، ويكون ذلك على لغة من قال: "أكلوني البراغيث"، وقد ذكر هذا في هذه الآية بعض النحويين، وسيبويه لا يرى لهذه اللغة مدخلا في القرآن الكريم.
وقرأ أبو عمرو: "أف" بكسر الفاء وترك التنوين، وهي قراءة حمزة، والكسائي، وعاصم -في رواية أبي بكر -، وقرأ نافع، والحسن، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وعيسى: "أف" بالكسر والتنوين، وقرأ ابن كثير، وابن عامر: "أف" بفتح الفاء، وقرأ أبو السمال: "أف" بضم الفاء، وقرأ ابن عباس: "أف" خفيفة، وهذا كله بناء، إلا أن قراءة نافع تعطي التنكير، كما تقول: "إيه". وفيها لغات لم يقرأ بها: "أف" بالرفع والتنوين، على أن هارون حكاها قراءة وأفا" بالنصب والتنوين، و"أفي" بياء بعد الكسرة، حكاها الأخفش الكبير، و"أفا" بألف بعد الفتحة، و"أف" بسكون الفاء المشددة، و"أف" مثل رب، ومن العرب من يميل "أفا"، ومنهم من يزيد فيها هاء السكت فيقول: "أفاه".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومعنى اللفظة أنها اسم فعل، كأن الذي يريد أن يقول: أضجر، أو: أتقذر، أو:
[المحرر الوجيز: 5/462]
أكره، أو نحو هذا، يعبر إيجازا بهذه اللفظة فتعطي معنى الفعل المذكور، وجعل الله تعالى هذه اللفظة مثلا لجميع ما يمكن أن يقابل به الآباء مما يكرهون، فلم ترد هذه اللفظة في نفسها وإنما هي مثال الأعظم منها والأقل، فهذا هو مفهوم الخطاب المسكوت عنه حكمه حكم المذكور.
و"الانتهار إظهار الغضب في الصوت واللفظ. و"القول الكريم": الجامع للمحاسن، من اللين وجودة المعنى وتضمن البر، وهذا كما تقول: ثوب كريم، تريد أنه جم المحاسن. و"الأف": وسخ الأظفار، فقالت فرقة: إن هذه اللفظة التي في الآية مأخوذة من ذلك، وقال مجاهد في قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} معناه: إذا رأيت منهما في حال الشيخ الغائط والبول الذي رأياه منك في حال الصغر، فلا تقذرهما، وتقول: أف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والآية أعم من هذا القول، وهو داخل في جملة ما تقتضيه. قال أبو السراج التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: {وقل لهما قولا كريما}، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ). [المحرر الوجيز: 5/463]

تفسير قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} استعارة، أي: اقطعهما جانب الذل منك، وديث لهما نفسك وخلقك. وبولغ بذكر الذل هنا ولم يذكر في قوله تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}، وذلك بحسب عظم الحق هنا. وقرأ الجمهور: "الذل" بضم الذال، وقرأ سعيد بن جبير، وابن عباس، وعروة بن الزبير: "الذل" بكسر الذال، ورويت عن عاصم بن أبي النجود، و"الذل" في الدواب
[المحرر الوجيز: 5/463]
ضد "الصعوبة"، ومنه: الجمل الذلول، والمعنى يتقارب. وينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في حيز ذلة في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد لهما بصره، فإن تلك هي نظرة الغاضب. وفي الحديثأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبعده الله وأسحقه" قالوا: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له".
وقوله تعالى: {من الرحمة}، "من" هنا لبيان الجنس، أي إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس، لا بأن يكون ذلك استعمالا، ويصح أن تكون لابتداء الغاية.
ثم أمر الله تعالى عباده بالترحم على آبائهم، وذكر مننهما عليه في التربية; ليكون تذكر تلك الحالة مما يزيد الإنسان إشفاقا لهما، وحنانا عليهما، وهذا كله في الأبوين المؤمنين، وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى، وذكر عن ابن عباس هنا لفظ النسخ، وليس هذا موضع نسخ). [المحرر الوجيز: 5/464]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} أي: من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما، أو من غير ذلك، ويجعلون ظاهر برهما رياء. ثم وعد سبحانه وتعالى في آخر الآية بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة إلى طاعة الله. واختلفت عبارة الناس في "الأوابين" فقالت فرقة: هم المصلحون، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم المسبحون، وقال أيضا: هم المطيعون المحسنون، وقال ابن المنكدر: هم الذين يصلون المغرب والعشاء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ذلك الوقت فقال: "تلك صلاة الأوابين".
[المحرر الوجيز: 5/464]
وقيل غير ذلك من المستغفرين ونحوه. وقال عون العقيلي: هم الذين يصلون صلاة الضحى. وحقيقة اللفظة أنها من: آب يؤوب إذا رجع، وهؤلاء كلهم لهم رجوع إلى طاعة الله تبارك وتعالى، ولكنها لفظة لزم عرفها أهل الصلاح. قال ابن المسيب: هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وفسر الجمهور "الأوابين" بالراجعين إلى الخير، وقال ابن جبير: أراد بقوله: "غفورا للأوابين" الزلة والفلتة تكون من الرجل إلى أحد أبويه، وهو لم يصر عليها بقلبه، ولا علمها الله من نفسه. وقالت فرقة: "خفض الجناح" هو ألا يمتنع من شيء يريدانه). [المحرر الوجيز: 5/465]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}
اختلف المتأولون في "ذي القربى" فقال الجمهور: الآية وصية للناس كلهم بصلة قرابتهم، خوطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة. و"الحق" في هذه الآية ما يتعين له من صلة الرحم، وسد الخلة، والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه. قال بنحو هذا: الحسن، وعكرمة، وابن عباس، وغيرهم. وقال علي بن الحسين في هذه: هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعطائهم حقوقهم من بيت المال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والقول الأول أبين، ويعضده العطف بالمسكين وابن السبيل. و"ابن السبيل" هنا يعم الغني والفقير; إذ لكل واحد منهما حق وإن اختلفا، و"ابن السبيل" في آية الصدقة أخص). [المحرر الوجيز: 5/465]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"التبذير": إنفاق المال في إفساد، أو في سرف في مباح، وهو من البذر، ويحتمل قوله تعالى: "المبذرين" أن يكون اسم جنس، ويحتمل أن يعني أهل مكة معينين، وذكره النقاش. وقوله تعالى: "إخوان" يعني: أنهم في حكمهم; إذ المبذر ساع في فساد، والشيطان أبدا ساع في فساد، والإخوان: جمع أخ من غير النسب، وقد يشذ، ومنه قوله تعالى في سورة النور: {أو إخوانهن أو بني إخوانهن}، والإخوة: جمع أخ في النسب، وقد يشذ، ومنه قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}، وقرأ الحسن، والضحاك: "إخوان الشيطان" على الإفراد، وكذلك ثبت في مصحف أنس بن مالك. ثم ذكر تبارك وتعالى كفر الشيطان ليقع التحذير من التشبه به في الإفساد مستوعبا بينا). [المحرر الوجيز: 5/466]

رد مع اقتباس