عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 1 ربيع الأول 1437هـ/12-12-2015م, 07:13 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي البيان النبوي للقرآن

البيان النبوي للقرآن

أنزل الله عزّ وجلّ كتابه الكريم على أفصح العرب لسانا، وأحسنهم بيانا، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم نصحاً، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يبلّغه البلاغ المبين؛
كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين}.
- وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}.
- وقال تعالى: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.
والبلاغ المبين هو الذي يُعقل معناه ويعرف مراد صاحبه، فتقوم به الحجة، ويُهدى به إلى الحق، ويُكشف به زيف الباطل.
وقد بعث الله نبيّه في أمّة أميّة، عربٍ أقحاح، أولي فصاحة وبيان، ومعرفة بفنون الخطاب وأساليبه، ودلائله ولوازمه، وأنزل القرآن بلسان عربي مبين، ليعقلوا معاني خطاب الله لهم، ويعرفوا مراده، وليدبّروا آياته، وليتفكروا فيما صرّف لهم فيه، ويعقلوا ما ضرب لهم من الأمثال، حتى يتبصروا به ويهتدوا.
قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}.
وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بما أمره به ربّه خير قيام، فدعا إلى الله على بصيرة، وتلا عليهم آياتهم، وبيّن لهم أحسن البيان، وبشّر وأنذر، ووعظ وذكّر، وكشف شبهات المشبّهين، ودحض حجج المبطلين، وجاهد في الله حقّ جهاده حتى أتاه اليقين.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)}.
وقال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
فكانت العرب في جاهلية جهلاء، وعماية عمياء، من الضلال والشقاء، يعبدون الأصنام، ويرتكبون الآثام، ويكذبون بالبعث والنشور، والحساب والجزاء، والجنة والنار، وكان فيهم بقايا من أهل الحنيفية الأولى، وفي مواضع من جزيرة العرب بقايا من اليهود والنصارى والمجوس.
فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعشيرته الأقربين، فدعاهم إلى ما أمر الله به من التوحيد وطاعة الرسول واتباع ما أنزل الله في كتابه، والتسليم لحكمه، والتصديق بوعده، وامتثال أمره واجتناب نهيه، وتحكيم شرعه؛ وتلا عليهم آيات الله المبيّنات، وبشرهم وأنذرهم، ونصح لهم في دعوته، وبيّن لهم ما وعد الله به المؤمنين من الثواب، وما أعدّه للكافرين من العقاب.
وكان لأهل الجاهلية شبهات ومعارضات؛ فكانت تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن فيها بيان ما يحتاجون إليه من كلّ ذلك، وكان النبي صلى الله عليهم وسلم يبيّن لهم ما أنزل الله إليه بيانا شافياً كافياً بتلاوته الحسنة البيّنة، وبدعوته الظاهرة القيّمة، وبعمله صلى الله عليه وسلم بما أنزل الله إليه وإقامته للدين، وتخلّقه بأخلاق القرآن، وتأدّبه بآدابه، وبجوابه لمن أشكل عليه شيء من معاني ما أنزل الله، وبردّه لحجج المبطلين، وتفنيده لمزاعم المعارضين.
واستعان النبي صلى الله عليه وسلم بمن آمن به على دعوة من سواهم وجهادهم، حتى أعلى الله شأن أهل الإسلام، وفتح الله عليه مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك في زمانه كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشي وغيرهم بما أمره الله به، كما في صحيح مسلم من حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه: «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى».
والجبّار هنا الملك.
فبلغتهم الحجة كما أراد الله أن تبلغهم بلاغاً بيّنا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع دعوته لمشركي العرب ولليهود والنصاري وإجابته على أسئلتهم ومعارضاتهم؛ يعلّم المؤمنين أمور دينهم، ويتلو عليهم آيات ربهم ، ويجيبهم على ما يسألون عنه مما أشكل عليهم من معاني القرآن، ويحذر المنافقين فيبلغهم ما أنزل الله في شأنهم من القرآن وما أنذرهم الله به، وما دعاهم إليه من التوبة والدخول مع المؤمنين ظاهراً وباطناً.
وكان يقصّ عليهم من تفاصيل أحوالهم وبعض أقوالهم وأخبارهم ما يتبيّنون به المراد، ويفهمون به الخطاب، وتقوم به الحجة عليهم.
وقد أنزل الله عليه القرآن منجماً على الأحداث والوقائع في ثلاث وعشرين سنة؛ دعا فيها أصنافاً من الناس، ولكل صنف أحواله ومسائله، فللمخالفين شبههم واعتراضاتهم، وللمؤمنين أسئلتهم عما يعرفون به أمور دينهم، ويبتعون به هدى ربهم؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيّن للجميع ما أنزل الله إليه.
والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حياته من بعثته إلى موته صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما أنزل الله إليه بلاغاً مبيناً، فدعا المخالفين من المشركين واليهود والنصارى والمنافقين وحذّرهم وأنذرهم، وتلا عليهم من آيات الله ما يكفي ويشفي لمن أراد أن يتّبع الهدى، وأجاب على أسئلتهم ومعارضاتهم بما أنزل الله إليه وما أمره به.
وعلّم من اتّبعه من المؤمنين أمور دينهم، وتلا عليهم آيات الله، وعلّمهم الكتاب والحكمة، وزكّاهم وبصّرهم، وأنذرهم وبشّرهم، وكان يجالس أصحابه ويعلمهم القرآن، ويخطب فيهم الخطب، وربّما سألهم عن بعض معاني القرآن ليختبر ما عندهم من العلم، فيقرّ المصيب، ويعلّم الجاهل، ويرشد المسترشد.
وكان في أصحابه قراء وفقهاء، بعضهم أعلم من بعض، وبعضهم أبصر ببعض أبواب العلم من بعض، فأرشد إلى الأخذ عن القراء من أصحابه، وبين فضيلة علماء الصحابة وفقهائهم، ونوّه بذكرهم، وأمر بالاجتماع والاتّباع، ونهى عن الفرقة والاختلاف، ونصح للأمة حتى قبضه الله إلى الرفيق الأعلى وقد أتم الله به النعمة، وأكمل به الدين، وترك أمّته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فصلى الله عليه وسلم، وجزاه عنا خير ما جزى نبيّا عن أمّته.

أنواع البيان النبوي للقرآن:
وخلاصة ما تقدّم أن بيان النبي صلى الله عليه وسلم لمعاني القرآن كان على أنوع:
النوع الأول: تلاوة القرآن تلاوة بيّنة باللسان العربي المبين، ومن دلائل هذا البيان أنه كان يتلو القرآن؛ فيسمعه من يسمعه ويفهمون من دلائل خطابه ما يعرف أثره عليهم، حتى إنّه منهم من يسلم بمجرّد استماعه إلى التلاوة؛ ومنهم من يظهر منه الانبهار بفصاحته وبيانه وإن لم يسلم، ومنهم من يظهر منه فهم المراد ومواصلة العناد، ومنهم من يسأله عن بعض ما يشكل عليه.
النوع الثاني: ما يكون بيانه بمعرفة دعوته صلى الله عليه وسلم، وما وقع بينه وبين المخالفين من الخصومات والمجادلات، وما دحض الله به حجج المبطلين؛ فإنّ فقه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم تعين على فهم القرآن.
النوع الثالث: ما يكون بيانه بالعمل به؛ كبيان المراد بإقامة الصلاة بفعله صلى الله عليه وسلم، وقال لأصحابه: (صلوا كما رأيتموني أصلي). متفق عليه من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم من حديث عامر الشعبي عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» قالت: فقلت يا رسول الله، أراك تكثر من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه؟»
فقال: " خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إذا جاء نصر الله والفتح}، فتح مكة، {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}"

النوع الرابع: ما يكون من ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم تفسير بعض الآيات، وبيان المراد بها، كما في حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله). رواه الترمذي، وصححه الألباني
النوع الخامس: جواب أسئلة المشركين وأهل الكتاب والمنافقين عن بعض معاني القرآن، وما يوردونه من الشبه والاعتراضات، وهذا أمثلته كثيرة.
النوع السادس: جواب ما يشكل على بعض المسلمين من معاني القرآن.
كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به} بلغت من المسلمين مبلغا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا، وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يشاكها»
وروى ابن جرير من طريق إسماعيل بن أبي خالدٍ عن أبي بكر بن أبي زبيرٍ الثقفي قال: قال أبو بكرٍ الصديق: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ قال: أي آيةٍ؟ قال: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} أفكل ما عملنا في الجاهلية نؤخذ به؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكرٍ، رحمك يا أبا بكرٍ، ألست تحزن؟ ألست تنصب؟ ألست تصيبك الأواء؟ قال: بلى. قال: فذاك الذي تجزون به). رواه ابن جرير.

وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: لما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون {يا أخت هارون}، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك؟
فقال: «إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم، والصالحين قبلهم».

النوع السابع: تعليم الصحابة وإرشادهم وتنبيه من أخطأ منهم ببيان الصواب له في كتاب الله تعالى؛ كما في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي سعيد بن المعلى، قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي، فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيت، فقال: «ما منعك أن تأتيني؟» فقلت: كنت أصلي، فقال: " ألم يقل الله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ثم قال: «ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد» فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكَّرته، فقال: «الحمد لله رب العالمين. هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته»

النوع الثامن: التفسير المتلقّى بالوحي مما فيه بيان بعض المعاني التي لا تُدرك إلا بوحي من الله تعالى كالإخبار عن المغيبات ونحوها، وهذا النوع من خصائص التفسير النبوي.
وله أمثلة:
منها: حديث علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت})). متفق عليه.
ومنها: حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه، قال: فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}، وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل: إني قد أبغضت فلانا، فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض)). رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.

وفي التفسير النبوي للقرآن مسائل كثيرة، تبحث في طرق التفسير ، وإنما المراد هنا إيجاز معالم تاريخ علم التفسير، وبيان كيف كان التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

تعليم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لأصحابه
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه القرآن تعليماً يحفظون به ألفاظه، ويعقلون به معانيه، ويهتدون به إلى صراط الله المستقيم.
وكان لبعض الصحابة من حسن الحفظ والفهم وجودة التلقّي والحرص على العلم ما كان سبباً في رفعتهم، وتقريب النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وتنويهه بذكرهم، وإرشاده إلى الأخذ عنهم؛ فكانوا يتلقّون القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فتحفظه صدورهم، وتعيه قلوبهم، ويتفقهون فيه ويتدبّرونه ويعلّمونه لإخوانهم؛ حتى كثر تدارس القرآن، ولم يُقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جمع القرآن طائفة من أصحابه، وحتى اكتملت كتابة آياته في صحف مكرّمة لدى أصحابه؛ فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات وقد حُفظ القرآن في الصدور وفي السطور، وعقل أصحابه معانيه، ودرسوا ما فيه.
وقد ورد في شأن تعلم القرآن وتعليمه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وآثار منها:
1: ما رواه مسروق بن الأجدع الهمداني قال: ذُكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو، فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود - فبدأ به -، وسالم، مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب». متفق عليه.
2: ما رواه الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الله بن مسعود قال: جاء معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أقرئني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرئه»، فأقرأته ما كان معي، ثم اختلفت أنا وهو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه معاذ، فكان معلّما من المعلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ومنها: ما رواه ابن جرير الطبري من طريق الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
3: حماد بن نجيح، عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله البجلي قال: « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا» رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن ماجه في سننه.
4: زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعت ابن عمر، يقول: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدثنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه ينثره نثر الدقل» رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي.
5: عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات؛ فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل). رواه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وابن سعد في الطبقات.
وفي لفظ ابن جرير: (فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا).
وزاد ابن سعد: (وإنه سيرث القرآن بعدنا قوم ليشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم بل لا يجاوز هاهنا ووضع يده على الحلق).
والذين أخذ عنهم أبو عبد الرحمن السلمي القراءة: عثمان وعلي وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه فقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} يتناول هذا وهذا.
وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرؤون القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.
وقال أنس: كان الرجل إذا قرا البقرة وأل عمران جَلَّ في أعيننا.
وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين، قيل: ثماني سنين، ذكره مالك)ا.هـ.

هل فسّر النبي صلى الله عليه وسلم جميع آيات القرآن؟
قال الله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}
فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنزل إليه من ربّه بياناً تاماً رضيه الله عزّ وجل، وأقام به الحجّة على خلقه، لكن كان بيانه صلى الله عليه وسلم للقرآن على أنواع سبق تفصيلها، ولا يقتضي ذلك أن يستغرق كلّ نوع منها جميع آيات القرآن؛ بل يكفي أن يحصل بمجموع تلك الأنواع بيان شامل، وإن تفاوت الناس في معرفته وإدراكه.

وأما ما رواه جعفر بن محمد الزبيري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعددٍ علمهن إياه جبريل عليه السلام). رواه ابن جرير؛ والبزار وأبو يعلى ؛ كلهم من طريق جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام الأسدي به، وقد قال عنه البخاري: (لا يتابع على حديثه) ووقع في تحرير اسمه اضطراب عند أبي يعلى والبزار.
قال ابن كثير: (حديث منكر غريب).
فهذا الحديث لا يصحّ إسناده، وقد حمله ابن جرير على ما لا يعلم إلا بالتوقيف من أمور الغيب مما علمه إياه جبريل.
ثم قال ابن جرير: (ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يفسر من القرآن شيئًا إلا آيًا بعَددٍ: هو ما يسبقُ إليه أوهامُ أهل الغباء من أنه لم يكن يفسّر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه، كان إنما أُنزلَ إليه صلى الله عليه وسلم الذكرُ ليَترك للناس بيانَ ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أُنزل إليهم.
وفي أمر الله جلّ ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيامِ الحجة على أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد بلّغ وأدّى ما أمره الله ببلاغه وأدائِه على ما أمره به، وصحةِ الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: (كان الرجل منا إذا تعلم عشرَ آيات لم يجاوزهُن حتى يعلم معانيهنّ والعملَ بهنّ) - ما ينبئ عن جهل من ظنَّ أو توهَّم أنّ معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيًا بعَددٍ، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه.
هذا مع ما في الخبر الذي رُوي عن عائشة من العلَّة التي في إسناده، التي لا يجوز معها الاحتجاجُ به لأحدٍ ممن علم صحيحَ سَند الآثار وفاسدَها في الدين؛ لأنّ راويه ممن لا يُعْرف في أهل الآثار، وهو: جعفر بن محمد الزبيري)ا.هـ.
- قال ابن كثير: (وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث؛ فإن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله، كما صرح بذلك ابن عباس).


التوقيع :

رد مع اقتباس