عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 03:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجينا منهم واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (116) وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون (117)}
يقول تعالى: فهلّا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عمّا كان يقع بينهم من الشّرور والمنكرات والفساد في الأرض.
وقوله: {إلا قليلا} أي: قد وجد منهم من هذا الضّرب قليلٌ، لم يكونوا كثيرًا، وهم الّذين أنجاهم اللّه عند حلول غيره، وفجأة نقمه؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمّة الشّريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما قال تعالى: {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104]. وفي الحديث: "إنّ النّاس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه، أوشك أن يعمّهم اللّه بعقابٍ"؛ ولهذا قال تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجينا منهم}.
وقوله: {واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} أي: استمرّوا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك، حتّى فجأهم العذاب، {وكانوا مجرمين}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 360-361]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى أنّه لم يهلك قريةً إلّا وهي ظالمةٌ [لنفسها] ولم يأت قريةً مصلحةً بأسه وعذابه قطّ حتّى يكونوا هم الظّالمين، كما قال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} [هودٍ: 101]، وقال {وما ربّك بظلامٍ للعبيد} [فصلت: 46]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 361]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين (119)}
يخبر تعالى أنّه قادرٌ على جعل النّاس كلّهم أمّةً واحدةً، من إيمانٍ أو كفرانٍ كما قال تعالى: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} [يونس: 99].
وقوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك} أي: ولا يزال الخلف بين النّاس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم.
قال عكرمة: {مختلفين} في الهدى. وقال الحسن البصريّ: {مختلفين} في الرّزق، يسخّر بعضهم بعضًا، والمشهور الصّحيح الأوّل.
وقوله: {إلا من رحم ربّك} أي: إلّا المرحومين من أتباع الرّسل، الّذين تمسّكوا بما أمروا به من الدّين. أخبرتهم به رسل اللّه إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتّى كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الأمّيّ خاتم الرّسل والأنبياء، فاتّبعوه وصدّقوه، ونصروه ووازروه، ففازوا بسعادة الدّنيا والآخرة؛ لأنّهم الفرقة النّاجية، كما جاء في الحديث المرويّ في المسانيد والسّنن، من طرقٍ يشدّ بعضها بعضًا: "إنّ اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقةً، وإنّ النّصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقةً، وستفترق أمّتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، كلّها في النّار إلّا فرقة واحدةً". قالوا: ومن هم يا رسول اللّه؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي".
رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزّيادة
وقال عطاءٌ: {ولا يزالون مختلفين} يعني: اليهود والنّصارى والمجوس {إلا من رحم ربّك} يعني: الحنيفيّة.
وقال قتادة: أهل رحمة اللّه أهل الجماعة، وإن تفرّقت ديارهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقةٍ، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم.
وقوله: {ولذلك خلقهم} قال الحسن البصريّ -في روايةٍ عنه -: وللاختلاف خلقهم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: خلقهم فريقين، كقوله: {فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ} [هودٍ:105].
وقيل: للرّحمة خلقهم. قال ابن وهبٍ: أخبرني مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيح، عن طاوسٍ؛ أنّ رجلين اختصما إليه فأكثرا فقال طاوسٌ: اختلفتما فأكثرتما ! فقال أحد الرّجلين: لذلك خلقنا. فقال طاوسٌ: كذبت. فقال: أليس اللّه يقول: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرّحمة. كما قال الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: للرّحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب. وكذا قال مجاهدٌ والضّحّاك وقتادة. ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى: {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون} [الذّاريات:56].
وقيل: بل المراد: وللرّحمة والاختلاف خلقهم، كما قال الحسن البصريّ في روايةٍ عنه في قوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: النّاس مختلفون على أديانٍ شتّى، {إلا من رحم ربّك} فمن رحم ربّك غير مختلفٍ. قيل له: فلذلك خلقهم؟ [قال] خلق هؤلاء لجنّته، وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه.
وكذا قال عطاء بن أبي رباح، والأعمش.
وقال ابن وهب: سألت مالكًا عن قوله تعالى: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير.
وقد اختار هذا القول ابن جريرٍ، وأبو عبيدة والفرّاء.
وعن مالكٍ فيما روّيناه عنه في التّفسير: {ولذلك خلقهم} قال: للرّحمة، وقال قومٌ: للاختلاف.
وقوله: {وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} يخبر تعالى أنّه قد سبق في قضائه وقدره، لعلمه التّامّ وحكمته النّافذة، أنّ ممّن خلقه من يستحقّ الجنّة، ومنهم من يستحقّ النّار، وأنّه لا بدّ أن يملأ جهنّم من هذين الثّقلين الجنّ والإنس، وله الحجّة البالغة والحكمة التّامّة. وفي الصّحيحين عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اختصمت الجنّة والنّار، فقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفة النّاس وسقطهم؟ وقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. فقال اللّه عزّ وجلّ للجنّة، أنت رحمتي أرحم بك من أشاء. وقال للنّار: أنت عذابي، أنتقم بك ممّن أشاء، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها. فأمّا الجنّة فلا يزال فيها فضلٌ، حتّى ينشئ اللّه لها خلقًا يسكن فضل الجنّة، وأمّا النّار فلا تزال تقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يضع عليه ربّ العزّة قدمه، فتقول: قط قطٍ، وعزّتك"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 361-363]


رد مع اقتباس