عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 03:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون}
"فلولا" هي التي للتحضيض، لكن يقترن بها هنا معنى التفجع والتأسف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم تهتد، وهذا نحو قوله: {يا حسرة على
[المحرر الوجيز: 5/31]
العباد}، و"القرون" من قبلكم هم قوم نوح وعاد وثمود ومن تقدم ذكره، والقرن من الناس: المقترنون في زمان طويل أكثره -فيما حد الناس- مائة سنة، وقيل: ثمانون، وقيل غير ذلك إلى ثلاثين سنة، والأول أرجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن إلى رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"، قال ابن عمر رضي الله عنه: يريد أنها تخرم ذلك القرن، و"البقية" هنا يراد بها النظر والعقل والحزم والثبوت في الدين، وإنما قيل: "بقية" لأن الشرائع والدول ونحوها قوتها في أولها ثم لا تزال تضعف، فمن ثبت في وقت الضعف فهو بقية الصدر الأول، وقرأت فرقة: "بقية" بتخفيف الياء، وهو رد فعيلة إلى فعلة، وقرأ أبو جعفر، وشيبة: "بقية" بضم الباء وسكون القاف على وزن فعلة.
و"الفساد في الأرض" هو الكفر وما اقترن به من المعاصي، وهذه الآية فيها تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وحض على تغيير المنكر والنهي عن الفساد، ثم استثنى الله تعالى القوم الذين نجاهم مع أنبيائهم وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم، و"قليلا" نصب على الاستثناء، وهو منقطع عند سيبويه، والكلام عنده موجب، وغيره يراه منفيا من حيث معناه أنه لم يكن فيهم أولو بقية.
وقرأ جمهور الناس: "واتبع" على بناء الفعل للفاعل، وقرأ جعفر بن محمد: "وأتبع" على بنائه للمفعول، ورويت عن أبي عمرو. وما أترفوا فيه أي: عاقبة ما نعموا به -على بناء الفعل للمفعول-، والمترف: المنعم الذي شغله ترفه عن الحق حتى هلك، ومنه قول الشاعر:
تهدي رؤوس المترفين الصداد ... إلى أمير المؤمنين الممتاد
[المحرر الوجيز: 5/32]
يريد: المسؤول، يقال: ماده إذا سأله). [المحرر الوجيز: 5/33]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {بظلم} يحتمل أن يريد: بظلم منه لهم -تعالى عن ذلك-، قال الطبري: ويحتمل أن يريد: بشرك منهم وهم مصلحون في أعمالهم وسيرهم، وعدل بعضهم في بعض، أي أنه لا بد من معصية تقترن بكفرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، وإنما ذهب قائله إلى نحو ما قيل: "إن الله تعالى يمهل الدول على الكفر ولا يمهلها على الظلم والجور". ولو عكس لكان ذلك متجها، أي: ما كان الله ليعذب أمة بظلمهم في معاصيهم وهم مصلحون في الإيمان، والاحتمال الأول في ترتيبنا أصح إن شاء الله). [المحرر الوجيز: 5/33]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}
المعنى: لجعلهم أمة واحدة مؤمنة -قاله قتادة - حتى لا يقع منهم كفر ولا تنزل بهم مثلة، ولكنه عز وجل لم يشأ ذلك، فهم لا يزالون مختلفين في الأديان والآراء والملل. هذا تأويل الجمهور. قال الحسن، وعطاء، ومجاهد، وغيرهم: المرحومون المستثنون هم المؤمنون ليس عندهم اختلاف، وقالت فرقة: لا يزالون مختلفين في السعادة والشقاوة، وهذا قريب المعنى من الأول إذ هي ثمرة الأديان والاختلاف فيها، ويكون الاختلاف -على هذا التأويل- يدخل فيه المؤمنون إذ هم مخالفون للكفرة، وقال الحسن أيضا: لا يزالون مختلفين في الغنى والفقر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول بعيد معناه من معنى الآية). [المحرر الوجيز: 5/33]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم استثنى الله تعالى من الضمير في "يزالون" من رحمه من الناس بأن هداه إلى الإيمان ووفقه له.
وقوله: {ولذلك خلقهم} اختلف فيه المتأولون -فقالت فرقة: ولشهود اليوم المشهود- المتقدم ذكره- خلقهم، وقالت فرقة: "ذلك" إشارة إلى قوله قبل: {فمنهم شقي وسعيد} أي: لهذا خلقهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذان المعنيان وإن صحا فهذا العود المتباعد ليس بجيد، وروى أشهب عن مالك أنه قال: "ذلك" إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فجاءت الإشارة بـ "ذلك" إلى الأمرين معا: الاختلاف والرحمة، وقد قاله ابن عباس واختاره الطبري، ويجيء عليه الضمير في "خلقهم" للصنفين، وقال مجاهد، وقتادة: "ذلك" عائد على الرحمة التي تضمنها قوله: {إلا من رحم}، أي: وللرحمة خلق المرحومين، قال الحسن: "ذلك" إشارة إلى الاختلاف الذي في قوله: {ولا يزالون مختلفين}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويعترض هذا بأن يقال: كيف خلقهم للاختلاف؟ وهل معنى الاختلاف هو المقصود بخلقهم؟ فالوجه في الانفصال أن نقول: إن قاعدة الشرع أن الله عز وجل خلق خلقا للسعادة وخلقا للشقاوة، ثم يسر كلا لما خلق له، وهذا نص في الحديث الصحيح، وجعل بعد ذلك الاختلاف في الدين على الحق هو أمارة الشقاوة، وبه
[المحرر الوجيز: 5/34]
تعلق العقاب، فيصح أن يحمل قوله هنا: "وللاختلاف خلقهم" أي: لثمرة الاختلاف وما يكون عنه من الشقاوة.
ويصح أن يجعل اللام في قوله: "ولذلك" لام الصيرورة، أي: وخلقهم ليصير أمرهم إلى ذلك، وإن لم يقصد بهم الاختلاف. ومعنى قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أي: لآمرهم بالعبادة، وأوجبها عليهم، فعبر عن ذلك بثمرة الأمر ومقتضاه.
وقوله: {وتمت كلمة ربك} أي نفذ قضاؤه وحق أمره، واللام في "لأملأن" لام قسم، إذ "الكلمة" تتضمن القسم، والجن: جمع لا واحد له من لفظه، وهو من أجن إذا ستر، والهاء في "الجنة" للمبالغة، وإن كان الجن يقع على الواحد فالجنة جمعه). [المحرر الوجيز: 5/35]


رد مع اقتباس